التداعيات الاقتصادية لتصعيد الحوثيين البحري

الصورة - إنترنت

التداعيات الاقتصادية لتصعيد الحوثيين البحري

التقارير الخاصة

الثلاثاء, 28-11-2023 الساعة 08:14 مساءً بتوقيت عدن

سوث24| عبد الله الشادلي 

في  19 نوفمبر الجاري، أعلنت مليشيات الحوثيين في اليمن، المدعومة من إيران، الاستيلاء على سفينة شحن مملوكة جزئيًا لرجل أعمال إسرائيلي في البحر الأحمر، بعد سلسلة هجمات جوية بالصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقتها المليشيا باتجاه مدينة إيلات الإسرائيلية.

مثَّل هذا الهجوم ذروة التصعيد البحري للحوثيين، وكانت المليشيا اليمنية قد تسببت بتوترات أمنية في البحر الأحمر بعد اعتراض هجمات صاروخية لها في 19 أكتوبر الماضي من قبل الجيش الأمريكي، وإسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية MQ-9 Reaper في 8 نوفمبر من قبل الحوثيين. كما اعترضت مدمرة أمريكية في 15 نوفمبر طائرة مسيرة حوثية في البحر الأحمر.

ورغم أن الحوثيين اختطفوا سفينة الشحن Galaxy Leader فقط، إلا أن سفينتين أخريين تعرضتا لهجومين مسلحين في المحيط الهندي وخليج عدن. وفي 24 نوفمبر الجاري، تعرضت سفينة الحاويات CMA CGM Symi المملوكة لملياردير إسرائيلي لهجوم يوم قبل طائرة بدون طيار يشتبه أنَّها إيرانية في المحيط الهندي.

وفي 26 نوفمبر، استولى مسلحون لساعات على ناقلة النفط CENTRAL PARK المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، في خليج عدن، قبل أن يتم تحرير السفينة والقبض على 5 من المسلحين بواسطة القوات البحرية الأمريكية.

ومع أن المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن والحكومة اليمنية وجها الاتهامات رسميا للحوثيين بالوقوف خلف الحادث، إلا أن البنتاغون تحدث عن قراصنة صوماليين. وفي كل الأحوال، يبدو أن تصعيد الحوثيين أسهم بوضوح في خلق بيئة خصبة للأعمال العدائية والقرصنة ضد السفن الدولية في أحد أهم الممرات المائية في العالم، الذي تمر منه نسب ضخمة من التجارة العالمية ومواد الطاقة والوقود.

ونتيجة لهذا التصعيد، توقع الخبراء أضرارا كبيرة على الاقتصاد اليمني المنهار بالأصل جراء الحرب التي تقترب من إكمال عامها التاسع. كما أن الدول المطلة على البحر الأحمر، وفي مقدمتها مصر المالكة لقناة السويس، من المرجح أن تشهد ارتدادات اقتصادية سلبية لتصعيد الحوثيين، علاوة على التداعيات على الاقتصاد العالمي ككل.

أضرار عالمية 

بحسب إدارة الطاقة الأمريكية، في عام 2018، تدفق ما يقدر بنحو 6.2 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمكثفات والمنتجات النفطية المكررة عبر مضيق باب المندب باتجاه أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، بزيادة من 5.1 مليون برميل في اليوم في عام 2014. 

لقد شكل إجمالي تدفقات النفط عبر مضيق باب المندب حوالي 9% من إجمالي النفط المنقول بحرا (النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة) في العالم عام 2017. وانتقل حوالي 3.6 مليون برميل في اليوم شمالا نحو أوروبا، كم تدفق 2.6 مليون برميل في اليوم في الاتجاه المعاكس بشكل رئيسي إلى الأسواق الآسيوية مثل سنغافورة والصين والهند.

ويمر في مضيق باب المندب أكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنويا أي حوالي 57 قطعة بحرية يوميا، وهو ما يشكل 12% من إجمالي التجارة العالمية. وبشكل خاص، يعد المضيق ذات أهمية بالغة لقناة السويس المصرية، فهو مكمل لها، وهذا ما يجعل مصر أبرز المتأثرين من التداعيات السلبية لتصعيد الحوثيين في البحر الأحمر كما يرى الخبير الاقتصادي د. محمد الكسادي.

وقال الكسادي لمركز سوث24: "مصر سوف تتأثر بهذا التصعيد، فقناة السويس وحدها تُدّر 6 - 7 مليار دولار سنوياً على خزينة الدولة. كما أن كل الموانئ التي على طول البحر الأحمر ستتأثر أيضًا، وكل سلاسل الإمدادات الدولية وإمدادات النفط ". 

مضيفًا: "ارتفاع مستوى المخاطر، سيؤدي إلى ارتفاع كلفة تأمين المرور بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب، وبالتالي هذه التأثيرات ستنعكس على أسعار المواد الغذائية والبضائع". وتشمل هذه التأثيرات اليمن، وفقا للخبير الاقتصادي ماجد الداعري.

وقال الداعري لمركز سوث24: "تبعات هذا الأمر ستؤثر على الحركة التجارية والعوائد الاقتصادية للعالم، ويسبب ضرراً مباشراً لمصالح واقتصاد الدول المستفيدة من رسوم الخط الملاحي في البحر الأحمر، مثل: اليمن ومصر بدرجة أولى". 

ويلفت الخبير الاقتصادي المصري د. إبراهيم جلال فضلون إلى أنَّ المثلث المائي المتمثل بمضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس، هو أهم مثلث تجاري واقتصادي في العالم.

وأضاف لمركز سوث24: "من يتحكم بتلك المضايق الثلاثة، يستطيع أن يتحكم أمنياً واقتصادياً بدول الجزيرة العربية والخليج العربي والدول المطلة على البحر الأحمر. إن عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط يؤثر سلباً على تلك الممرات، وبالتالي يجعل دول العالم تبحث عن ممرات آمنة بديلة لتجارتها".

ويرى الخبير المصري على إنَّ "خير مثال على ذلك طريق الحرير الصيني والممر الهندي الأوروبي المعلن عنه مؤخرًا". مضيفًا: "إن واقعة احتجاز الحوثيين لسفينة شحن في البحر الأحمر، تُعزّز الرعب البحري والمخاوف من تكرار سيناريو الصومال، في خطٍ متوازٍ مع تصاعد المخاطر الجيوسياسية التي أذكتها الحرب في غزة". 

وفي تصريحات لصحيفة The NewYork Times الأمريكية، قال كبير الاقتصاديين في البنك الدولي إنديرميت جيل إنّ "الاقتصاد العالمي سيتعرّض إلى صدمة مزدوجة في الطاقة للمرّة الأولى منذ عقود، إذا تصاعد الصراع، ليس فقط من الحرب في أوكرانيا ولكن أيضاً من الحرب في الشرق الأوسط".

التأثير على إسرائيل 

أمس الاثنين، كشفت صحيفة "غلوباس" الإسرائيلية عن حجم الخسائر التي تكبدتها إسرائيل بسبب التصعيد العسكري البحري لمليشيا الحوثيين. ونقلت الصحيفة عن يهوذا ليفين، الخبير في الشركة الدولية (Freightos) لتتبع الشحن أن "السفن الإسرائيلية بدأت تبحر في جميع أنحاء أفريقيا لتجنب هجوم الإرهابيين الحوثيين".

وفقا لبيانات Freightos، ارتفع سعر الشحن لأي حاوية من الصين إلى ميناء أسدود الإسرائيلي بنسبة 9-14% في الأسبوعين الأخيرين من أكتوبر، مما يجعله أعلى بنسبة 5% من المستوى قبل اندلاع الحرب. وفي الوقت نفسه، انخفض سعر الشحن بين آسيا ودول البحر الأبيض المتوسط الأخرى بنسبة 7% في الأسبوعين الأخيرين من شهر أكتوبر، وانخفض بنسبة 8%منذ 7 أكتوبر.

وقال يهوذا ليفين: "بعد الهجوم المتكرر على سفن الشحن، ابتعدت السفن الأخرى المملوكة لشركة راي شيبينغ التابعة لرجل الأعمال الإسرائيلي رامي أنغار عن مضيق باب المندب لتجنب الهجوم".

وأضاف الخبير: "تقوم السفن الإسرائيلية، أو الإسرائيلية جزئياً، بتعزيز الفرق الأمنية التي تحملها، مما يزيد من التكاليف، حتى أن شركة (Zim) للشحن البحري أعلنت أنَّها سترفع العلاوة المرتفعة على كل حاوية بأكثر من 100 دولار أمريكي، ويمكن الافتراض أن هذه الخطوة أدت بالفعل إلى ارتفاع أسعار شحن الحاويات على خطوط الشحن الدولية المؤدية إلى الموانئ الإسرائيلية".

وقال موقع Maritime-Executive إن سفينة واحدة على الأقل تابعة لشركة الشحن الإسرائيلية، هي Zim Europe، قد حولت مسارها المعتاد في السويس نحو رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا، مما يعني آلاف الأميال الإضافية.

وفي وقت سابق، حذرت وكالة بلومبرغ من أن "بعض شركات الشحن قد تقرر الالتفاف على منطقة مضيق باب المندب والبحر الأحمر لأسباب تتعلق بالسلامة، ما يعني تكاليف إضافية وتأخيرات". مضيفة: "قد يؤدي هذا إلى تأثير غير مباشر عبر سلاسل التوريد العالمية، يذكرنا بالازدحام في عصر الوباء وفوضى سلسلة التوريد". 

وفي تحليل نشره مركز سوث24 قبل أيام قال الخبير الأمريكي د. أندرو كوريبكو إنه "إذا استمر تصعيد الحوثيين البحري، فقد تضطر السعودية إلى الرد وقد يجتمع تحالف بحري دولي قريبا لحماية هذا الممر المائي الحيوي اقتصاديًا". 



وتوقع تحليل آخر نشره مركز سوث24 للخبيرة د. مارتا فورلان أن استمرار هجمات الحوثيين وتهديد الملاحة الدولية قد يدفع الولايات المتحدة لإعادة تصنيف الحوثيين كـ "منظمة إرهابية أجنبية". أبعد من ذلك، قد تتدخل الولايات المتحدة عسكريا بشكل مباشر ضد الحوثيين إذا أدت أي هجمة مستقبلية للجماعة إلى مقتل أو إصابة أي أفراد أمريكيين، وفقا للتحليل.

وتجدر الإشارة إلى أن تهديدات مليشيا الحوثيين للمرات والموانئ المائية ليست وليدة الأحداث الأخيرة، فقد سبق أن اختطفت الجماعة سفينة شحن إماراتية في يناير 2022 قبالة الحديدة في البحر الأحمر. كما تسببت 4 هجمات جوية بالمسيرات شنتها المليشيا في أكتوبر ونوفمبر 2022 ضد موانئ نفطية بحضرموت وشبوة [جنوب اليمن] بتوقف الصادرات النفطية الحكومية حتى اليوم. 

وكانت المليشيا آنذاك قد هددت رسميا كل شركات الملاحة الدولية بقصف أي سفن نفطية تتجه نحو موانئ الجنوب. 


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


د