التحليلات

تصنيف الحوثيين «جماعة إرهابية بشكل خاص» إلى أين سيقود؟

تصميم: مركز سوث24

22-01-2024 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | فريدة أحمد


في 17 يناير الجاري، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، إدراج الحوثين كـ "كيان إرهابي دولي مصنف تصنيفًا خاصًا" ضمن لائحتها للإرهاب، على أن يدخل القرار حيز التنفيذ بعد 30 يوما من الإعلان.  برّرت واشنطن ذلك بتعريض البحارة للخطر وتعطيل التدفق الحر للتجارة بما يتعارض مع الحقوق والحريات الملاحية. واشترطت الخارجية الأمريكية إعادة تقييم التصنيف، في حال أوقف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن. وقد أتت الخطوة رداً على الهجمات الحوثية المستمرة بالصواريخ والمسيّرات على حركة الملاحة البحرية منذ نوفمبر الماضي، تحت مبرر التضامن مع غزة، الأمر الذي دفع كثير من شركات الشحن الكبرى تغيير مسار سفنها بالمرور حول إفريقيا.


ينبغي القول، أنّ الإدارة الأمريكية كانت قد ألغت قراري تصنيف الحوثيين كـ "منظمة إرهابية أجنبية"، وإرهابيين عالميين محددين بشكل خاص في فبراير 2021، بعد تولي بايدن الرئاسة. خاصة وأن الرئيس الأمريكي السابق ترمب، أدرج القرارين قبل انتهاء ولايته بأسابيع. جاءت خطوة الإلغاء الأمريكي آنذاك؛ كخطوة ثانية إلى جانب توقف الولايات المتحدة عن تقديم الدعم العسكري الهجومي للتحالف العربي بقيادة السعودية، في محاولة من واشنطن للتوصّل لحلول دبلوماسية في اليمن. برز ذلك من خلال تعيينها لمبعوث أمريكي خاص للمرة الأولى؛ إلى جانب المبعوث الخاص للأمم المتحدة. اعتبر البعض أن إدراج قرار التصنيف الحوثي ومن ثمّ إلغاء القرار، كان من قبيل مماحكات السياسة الداخلية الأمريكية. غير أن تبرير الإلغاء جاء بعد تحذيرات من الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية مستقلة مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر و19 منظمة من منظمات الإغاثة الإنسانية الدولية غير الحكومية العاملة في اليمن، وما يمكن أن يساهم به القرار في احتمالات المجاعة، خشية انقطاع تدفق الواردات والسلع الأساسية إلى اليمن من الغذاء والدواء.


من حيث نوعية التصنيف الأخير للجماعة الدينية المدعومة من إيران، فهو لا يعدو عن كونه تصنيفاً رمزياً، لا سيّما وأنّه أعيد بصيغة أخرى مخففة (SDGT)، أو "كيان إرهابي عالمي مصنّف بشكل خاص"، وذلك بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، وهو ما يعني عقوبات صارمة على "أشخاص أجانب تبيّن أنهم ارتكبوا أعمالاً إرهابية تهدد أمن الأميركيين، أو الأمن القومي أو السياسة الخارجية أو الاقتصاد الأميركي، أو يشكلون خطراً كبيراً لارتكاب أعمال مماثلة". وجّهت انتقادات واسعة لإدارة بايدن من تخفيف التصنيف، وعدم إعادتها التصنيف السابق للحوثيين (FTO) كمنظمة إرهابية أجنبية، خاصة وأن المليشيا اليمنية مازالت تفتح جبهات قتالية في الداخل اليمني وتمارس ارتكاب انتهاكات إنسانية، وتوغل أكثر في هجماتها على السفن التجارية والمدنية في البحر الأحمر وخليج عدن دون اكتراث، وهو ما سبب بنقل الصراع إلى مستوى دولي بعد أن كان على مستويات محلية وإقليمية.


بدون شك، ترى الولايات المتحدة أنّها ملزمة بتقديم رد فعل صارم يحفظ لها ماء الوجه في المنطقة، رداً على التصعيد الحوثي، ذلك إلى جانب الضغوط السياسية التي مورست على إدارة بايدن نتيجة تراخيها مع الجماعة خلال فترة الصراع في اليمن والممتدة منذ ما يقارب عقد. وكانت إدارة بايدن قد بدأت دراسة إعادة تصنيف الحوثيين فعلياً، بعد العمليات الهجومية التي تعرّضت لها المنشآت الحيوية في أبوظبي منتصف يناير 2022، إلا إنّ واشنطن انخرطت في مسارات أخرى لها علاقة باستعادة مكانتها في المنطقة وتعزيز جهودها من أجل إتمام صفقة تطبيع سعودي-إسرائيلي، وترميم علاقتها بالسعودية عبر الاستفادة من الملف اليمني. خاصة وأنّ الرياض بدأت تعيد تقييم رهاناتها الجيوسياسية، وباتت تلجأ لخيارات أخرى عديدة إقليمية ودولية بعيداً عن الولايات المتحدة. كما حال التصعيد العسكري الملتهب في غزّة بعد 7 أكتوبر، دون إتمام واشنطن لمساعيها في المنطقة.


التأثير على الحوثيين


على رغم وجود أطراف دولية ترفض التصنيف كخطوة من شأنها عرقلة وصول المساعدات للمتضررين من الحرب في اليمن، إلا أنّ أطرافاً أخرى ترى بأنّ القرار لن يؤثر بالقدر المتوقع من قبل واشنطن، ولن يغير شيء في المعادلة البحرية فيما إذا دخل حيّز التنفيذ، خاصة وأنّه يرتبط بالتمويل والتحويلات المالية بدرجة رئيسية، لذا، فدرجة تأثيره قد تكون جزئية على الحوثيين، سواء من خلال تجميد أصولهم أو حظر استخدامهم الأنظمة المالية الدولية. لكنه سيؤثّر بشكل كبير على التحويلات المالية من المغتربين في مناطق سيطرة الحوثيين، خاصة وأنّ أموال المغتربين تعتبر من أهم مصادر التمويل الخارجي إلى اليمن، وتتجاوز أحياناً صادرات النفط والغاز التي تعثّرت بشكل كبير منذ انقلاب الحوثيين على الدولة في 2014.


لذا، وقبل انتهاء مهلة الثلاثين يوماً، ستحاول الإدارة الأمريكية استغلال التواصل مع المؤسسات المالية والمنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة ووكالات المساعدات الإنسانية، لمناقشة تنفيذ قرار تصنيف الحوثيين واحتمالية وضع استثناءات إضافية يمكن إعفاءها من العقوبات، إلى جانب الشحنات التجارية من الغذاء والدواء والوقود. ذلك على رغم الموقف الحوثي غير المبال، الذي وصف التصنيف بـ "الإفلاس"، في ظل ما ترى الجماعة الدينية أنّها تحظى به من بتأييد شعبي عربي وعالمي لقاء ما تقول الجماعة أنه وقوف إلى جانب غزة. وبالتبعيّة، ساهم توقيت الحرب العنيفة التي تشنها إسرائيل على غزة، في أن ينظر العالم للتحالف البحري بقيادة أمريكا وبريطانيا وضرباته على اليمن، في أنّه جاء للدفاع عن تل أبيب، بناءاً على المواقف الداعمة والمعلنة رسمياً، وليس بسبب الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وتعطيل الملاحة البحرية.


من المهم القول، إنّ الحوثيين كوّنوا ثروات هائلة خلال فترة الصراع في اليمن، بحيث لا يمكن أن تؤثر عليهم إجراءات الحظر بالصورة الدولية المتوقعة. فقد وثّق أحد تقارير فريق خبراء لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن، نهب الحوثيين 1.8 مليار دولار في عام واحد، بما يؤكد أن متوسط ما ينهبونه يتجاوز 14 مليار دولار، وهذه الأموال يتم غسلها على شكل استثمارات جديدة، وشراء عقارات وأراضٍ، وجزء منها يذهب للكسب السياسي والمجهود الحربي. فضلاً عن الأموال الخارجية التي من المحتمل أنّهم يتلقونها من "الحرس الثوري الإيراني"، التي تبلغ ميزانيته الرسمية، 8.2 مليار دولار، وفقاً لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات FDD، إذ إنّ طهران تستثمر حوالي 16 مليار دولار سنوياً في "الأنظمة الظلامية والمنظمات الإرهابية" التابعة لها. وقد ثبت أنّ هناك تدفقاً وتسهيلات مالية إيرانية فعلية تصل للقوات الحوثية وأنشطتها، أدرجه مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC) في ديسمبر الماضي.


بالنسبة لكثير من اليمنيين، فإنّ حذف الجماعة الحوثية من قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية" في 2021، كان خطاً فادحاً من الأساس. حتى أنّ عمليات الحديدة العسكرية بقيادة التحالف العربي والقوى المحلية المناهضة للحوثيين، والتي توقفت بناء على اتفاق استوكهولم في 2018، كانت أحد أكبر الأخطاء الاستراتيجية المرعية دولياً. فالحوثيون لم يلتزموا بالاتفاق، واستمروا في بناء قدراتهم العسكرية وسيطروا على مساحات جغرافية أوسع خلال الثلاث سنوات الأخيرة منذ إلغاء التصنيف الأمريكي، كما أنّ ضرباتهم الصاروخية استمرت باتجاه مواقع استراتيجية وحيوية خارج اليمن وداخله، ليس آخرها موانئ حضرموت وشبوة في جنوب اليمن، التي أدى استهدافها إلى إيقاف عمليات تصدير النفط وانخفاض الإيرادات العامة بشكل حاد. وهي كارثة إضافية، أدّت إلى تفاقم الوضع المعيشي والإنساني في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، لاسيّما وإنّها كانت تخصص جزءًا كبير من تلك الإيرادات في تحسين الخدمات العامة ودفع مرتبات الموظفين.


لذا على الأرجح، فإن التصنيف بشكله المخفّف الراهن، وفي ظل تعنت الحوثيين بعدم وقف هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن، لن يؤثر عليهم كميليشيا تؤدي دوراً واضحاً لقوة إقليمية أكبر في المنطقة، ولديها مصادر تمويلها الخاصة التي يمكن أن تحصل عليها في نهاية المطاف عبر طرق غير مشروعة كالتهريب، بل إنّ تبعاته ستؤثّر بصورة مباشرة على اليمنيين في الداخل وليس على غيرهم. وهذا يدل بالمحصّلة على إخفاق في الرؤية الأمريكية الشاملة لملف الصراع في اليمن منذ البداية، ورهاناتها الخاسرة على الحوثيين كجماعة يمكن أن تذهب لصيغة سلام، لكنها قادت في نهاية المطاف إلى توتر أوسع في المنطقة.


ماذا بعد؟


من الواضح أنّ المساعي الإقليمية بقيادة السعودية للخروج من حرب اليمن، باتت اليوم أكثر تعقيداً. إذ كانت الرياض ومسقط تعوّلان على خارطة طريق صاغتاها بعد محادثات منفردة مع الحوثيين، ودفعتا بها لاحقاً إلى المبعوث الخاص لليمن، هانز غروندبرغ، وكان من المفترض أن يتم التوقيع عليها مع جميع الأطراف اليمنية مطلع يناير الجاري. غير أنّ التصعيد الحوثي المتسارع في البحر الأحمر وخليج عدن، حال دون ذلك. ترغب الجماعة الحوثية بتحقيق مكاسب أكبر لها ولإيران من خلال توسيع رقعة الصراع وخلق وتائر عنف جديدة في المنطقة، وهي سياسة لطالما اعتمدت عليها طهران عبر وكلائها في كثير من ملفاتها التفاوضية.


من المهم القول، إنّ المسارات الحالية التي تتبعها الولايات المتحدة وحلفائها بشأن اليمن، لن تقود في نهاية المطاف إلى تهدئة في المنطقة، بل سيتصاعد الصراع إلى مراحل أوسع نطاقاً. سيكون على واشنطن وحلفائها دراسة خيارين: إما إعادة تصنيف الحوثيين إلى "منظمة إرهابية أجنبية"، خصوصاً وأنّه ثبت أن هناك تعاون بين الحوثيين والجماعات المتطرّفة المصنّفة بذات الدرجة في أكثر من مناسبة. وعلى أساس ذلك يمكن أن يتم تقديم دعم عسكري ولوجستي للقوى المحلية العسكرية من أجل مواجهة النفوذ الحوثي وتقليصه، وبالذات في المناطق المحاذية للبحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، ما سيدفع الحوثيين إلى الانشغال عسكرياً بالدفاع عن مناطق سيطرتهم ونفوذهم. أو اللجوء لخيار التفاهم مع إيران كما فعلت السعودية عبر الوساطة الصينية التي خلصت إلى اختصار الطريق أمام تسوية في اليمن. إذ سيؤدي الضغط على الحوثيين من قبل طهران إلى وقف هجماتهم البحرية، وقد يقود إلى تهدئة في المنطقة. لكنّ هذا الخيار سيحتاج من واشنطن وحلفائها تقديم كلفة سياسية لفائدة المصالح الإيرانية في ملفاتها المختلفة، كما سيؤدي بالمحصّلة إلى العودة نحو مسار الجهود الدبلوماسية لوقف الحرب في اليمن، لأنّه بدون وضع مثل هذه الخيارات الحاسمة، لن تستقر المنطقة لوقت طويل.




المديرة التنفيذية لمركز سوث24 للأخبار والدراسات.


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا