التحليلات

الأزمات الإقليمية تمنح جنوب اليمن فرصًا إستراتيجية فريدة

مركز سوث24

10-02-2024 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

يتعلق الاقتراح المقدم إلى المجلس الانتقالي الجنوبي بضرورة الاستفادة من تقارب أزمتي البحر الأحمر والقرن الإفريقي للمضي قدمًا في مصالح جنوب اليمن مع تركيز خاص على إبرام شراكات مع دول منظمة "بريكس".


سوث24 | د. أندرو كوريبكو 


أزمات متقاربة 


اندلعت أزمة البحر الأحمر جراء هجمات الحوثيين ضد سفن مدنية تضامنًا مع [غزة]. من ناحية أخرى، اشتعلت أزمة القرن الإفريقي بسبب مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا وصوماليلاند. بيد أن كلتي الأزمتين تمنحان جنوب اليمن فرصًا إستراتيجية. لقد قفزت أزمة البحر الأحمر بالمخاوف الأمنية الإقليمية لتجذب اهتمامًا عالميًا. بالمقابل، أحدثت أزمة القرن الإفريقي تأثيرا مشابها. التركيز على الأزمتين مؤخرًا يمكن أن يصب في مصلحة جنوب اليمن.


مصالح أمنية


يبحث أصحاب المصلحة من خارج المنطقة عن شركاء أمنيين موثوقين يمكنهم مساعدتهم في محاربة الإرهاب ومكافحة القرصنة وحماية خطوط الاتصال البحرية في منطقة خليج عدن-البحر الأحمر التي تعتمد عليها التجارة الأوروبية الآسيوية. يمكن المضي قدمًا في الأهداف الثلاثة عبر إبرام اتفاقيات ثنائية مع جنوب اليمن التي يلعب ممثلها "المجلس الانتقالي الجنوبي" دورًا هامًا داخل "مجلس القيادة الرئاسي" المعترف به دوليا.


بالرغم من أن جنوب اليمن لم تستعد بعد السيادة التي خسرتها في أعقاب الموافقة على مشروع الوحدة الفاشل مع شمال اليمن في 1990 بعد نهاية الحرب الباردة القديمة، لكنها تحقق تقدما تدريجيًا في هذا الشأن تماشيًا مع المهمة المعلنة التي يتبناها "المجلس الانتقالي الجنوبي"، والتي تعكس إرادة شعب الجنوب. ما يزال التفاعل بين "المجلس الانتقالي الجنوبي" و"مجلس القيادة الرئاسي" معقدًا، لكن الدور الهام الذي يضطلع به الأول داخل الثاني ربما يؤدي إلى خطة كونفدرالية مستقبلية قد تشكل اللبنة الأولى نحو استعادة سيادة جنوب اليمن من خلال إجراء استفتاء.


ومهما تطورت الأحداث، ثمة نقطة مهمة مفادها أن "المجلس الانتقالي الجنوبي" يكتسب شرعية لقضيته من خلال وضعه داخل "مجلس القيادة الرئاسي "يمكن الاستفادة من ذلك لاحقًا اعتمادًا على مجريات الديناميكيات الداخلية من أجل الترويج لاتفاقيات أمنية ثنائية مع جهات فاعلة على مستوى الدولة تتقاسم الاهتمامات الأمنية الإقليمية. هذا ما ينبغي أن يطمح إليه "المجلس الانتقالي الجنوبي" من خلال إبرام اتفاقيات من شأنها توفير الدعم الأمني المباشر لتعزيز إمكانيات مكافحة الإرهاب والقرصنة وكذلك التعاون البحري المحتمل.


النموذج الرائد الذي دشنه المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات العربية المتحدة يمكن أن يكون حجر الأساس لإبرام شراكات عسكرية أخرى مع دول أخرى مثل روسيا والهند. تنظر موسكو ونيودلهي إلى أبو ظبي الآن باعتبارها عضوًا زميلًا في منظمة "بريكس" لديها اهتمامات أمنية إقليمية متشابهة كما هو الحال بين الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي. لقد عقَّدت الحرب الأهلية السودانية خطط موسكو التي تستهدف تدشين قاعدة بحرية في بورتسودان، بينما أدت الموجة الحديثة من القرصنة إلى عودة تركيز الاهتمام الأمني للهند على منطقة خليج عدن-البحر الأحمر حيث تتطلع حاليا إلى ترسيخ وجود عسكري هناك.


لذلك، يبحث كلاهما عن شركاء أمنيين موثوقين يمكنهم تقديم يد العون في محاربة الإرهاب ومكافحة القرصنة وحماية خطوط الاتصال البحرية التي تعتمد عليها تجارتهما المتبادلة، لا سيما الأسمدة والوقود والمعدات الصناعية العسكرية والتي تحمل جميعها أهمية استراتيجية هائلة. إن جنوب اليمن هي الشريك النموذجي لهما نظرًا لموقعها المتميز وبحثها عن شركاء أجانب آخرين (بدافع السعي إلى الاعتراف السياسي) وروابطها التاريخية مع كل من روسيا والهند.


لقد تشكلت الروابط التاريخية بين روسيا وجنوب اليمن أثناء الحرب الباردة القديمة بينما تعود العلاقات مع الهند إلى فترة الاستعمار البريطاني المشترك. ربما تلجأ كل موسكو ونيودلهي إلى تجديد هذه الروابط مع جنوب اليمن نظرا لأنها تشكل الأساس لبناء شراكات ذات منفعة متبادلة في المستقبل. ترتبط روسيا بالفعل بعلاقات مع المجلس الانتقالي الجنوبي في حين أن الهند لم تفعل ذلك بعد. بيد أن نيودلهي قد تعتمد على شريكتي المجلس الانتقالي (روسيا والإمارات) اللتين تجمعهما أواصر وطيدة مع موسكو كوسيلة للتواصل المبدئي معه.


الحساسيات السياسية الهندية تجاه كشمير ربما تكون السبب وراء تردد صناع القرار هناك في بدء اتصال مباشر رسمي مع مجلس يطمح إلى السيادة. ولذلك، من المنطقي توقع أن تطلب الهند بشكل غير رسمي من روسيا و-أو الإمارات مساعدتها في التواصل مع المجلس الانتقالي . تستطيع الهند والمجلس الانتقالي بعد ذلك فحص إمكانية تأسيس نوع ما من الروابط استنادًا إلى مصالح أمنية إقليمية مشتركة. لن يكون هذا النهج غير مسبوق إذ طبقته نيودلهي بالفعل الشهر الماضي في مواجهة إيران والحوثيين.


أثناء زيارته إلى طهران، تطرق وزير الشؤون الخارجية الهندي الدكتور سوبرامانيام جايشانكار إلى مخاوف نيودلهي بشأن هجمات الحوثيين على سفن مدنية. جاء ذلك نظرًا للروابط السياسية والعسكرية القوية بين إيران والحوثيين. تستطيع الهند بسهولة تطبيق نفس النموذج الحواري غير المباشر مع روسيا أو الإمارات بهدف تأسيس اتصالات غير مباشرة مع المجلس الانتقالي. تستطيع نيودلهي بعد ذلك أن تقرر إذا ما كانت ستمضي قدما في هذه الفرصة إذا شعر صناع القرار بالارتياح الكافي.


مصالح دبلوماسية

 

تجسير الأهداف الأمنية والسيادية لجنوب اليمن يعد بمثابة الخطوة الوسيطة اللازمة لأولوية العلاقات مع دول "بريكس" استنادا إلى المصالح الأمنية الإقليمية المشتركة المذكورة آنفا. يتطرق الجزء الأخير من هذا التحليل إلى الأهداف السيادية. لقد تحدثنا بالفعل عن المصالح الروسية والهندية، كما أن المصالح الإماراتية معروفة.  ينبغي مغازلة إثيوبيا أيضا نظرا لعضويتها الجديدة في "بريكس" بالإضافة إلى أولويتها المتعلقة بخطط سلمية من خلال مذكرة التفاهم ترتبط بميناء في صوماليلاند.


وحول هذا الاتفاق، أوضح رئيس الوزراء الإثيوبي أسباب احتياج دولته إلى استعادة الوصول إلى البحر بشكل موثوق. جاء ذلك خلال خطاب آبي أحمد بالبرلمان الخريف الماضي استمر ما يقرب من ساعة. باختصار، يتلخص الخطاب حول رغبة أديس أبابا في التجنب الاستباقي للأزمات الدولية النابعة عن اعتماد إثيوبيا على خطوط الاتصال البحرية من أجل الاستقرار الاقتصادي، لا سيما واردات الأسمدة والوقود، مشيرُا إلى أن السبيل الوحيد لحماية ذلك يتمثل في إعادة بناء البحرية الإثيوبية.


دافع آبي أحمد مؤخرا في البرلمان عن مذكرة التفاهم مع صوماليلاند لافتًا إلى أنها تتعلق بمصالح اقتصادية وإستراتيجية متبادلة بهدف تعزيز التعاون الإقليمي على نحو يدحض "الادعاءات الاستفزازية والكاذبة" التي تتفوه بها الصومال وبعض المنافسين الإقليميين لدولته حول نوايا إثيوبيا. عند إتمام هذا الاتفاق بنجاح، سوف تتمكن إثيوبيا من إنشاء قاعدة بحرية مملوكة لها في صوماليلاند. من المتوقع أن تبحث أديس أبابا بعد ذلك عن شركاء إقليميين من أجل مصالح أمنية مشتركة.


استمتعت إثيوبيا سابقا بعلاقات وطيدة مع جنوب اليمن أثناء الحرب الباردة. لذلك، سوف يسعى كلاهما بشدة إلى استكشاف إمكانية العمل معا عن كثب في الأمن البحري بعد إعادة بناء البحرية الإثيوبية. وقد يتخذ هذا شكلًا يحاكي روح مذكرة التفاهم. ربما تدرس عدن- من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي- منح أديس أبابا حقوق إرساء على البر الرئيسي  أو "سقطرى" مقابل الاعتراف الرسمي بسيادة جنوب اليمن عندما يتم الإعلان الرسمي عن ذلك.


إن جرأة إثيوبيا في الموافقة على الاعتراف بإعادة إعلان استقلال صوماليلاند تمثل سابقة إيجابية من أجل الاعتراف باستقلال جنوب اليمن عندما يحين الوقت. ولهذا، يجب على المجلس الانتقالي الجنوبي أن يدرس بشكل جاد إقامة حوار مع أديس أبابا قبل ذلك من أجل الاستعداد الأفضل لهذا. من خلال ربط الخيوط معًا، نرى أن الروابط الراسخة مع الإمارات وروسيا جنبا إلى جنب مع العلاقات المحتملة مع الهند وإثيوبيا قد تساعد المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل غير مباشر على توسيع نفوذه في "بريكس" التي تضم عضوية البلدان الأربعة.


في الحقيقة، بمعزل عن مصالحهم البحرية الأمنية المشتركة في جنوب اليمن، تعد هذه الدول قريبة الصلة ببعضها البعض للحد الذي جعلها تؤسس معًا مجموعة فرعية غير رسمية تنبثق من "بريكس". إذا أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي قاسما مشتركا جديدا بينها مثلما يقترح هذا التحليل، تستطيع هذه البلدان حينئذ بذل الكثير من الجهد الفردي والجماعي للترويج لقضية استقلال جنوب اليمن. سوف ينتقل الأمر آنذاك إلى الكيفية التي تستطيع بها الدول الأربعة مساعدة جنوب اليمن في هذا الشأن.


مصالح القوة الناعمة


تتمتع كل من هذه البلدان بشيء فريد يتعلق بالقوة الناعمة.  تمتلك الإمارات العربية المتحدة بذاتها الكثير من النفوذ على الدول العربية، سواء كعضو بالجامعة العربية أو من خلال منصاتها الإعلامية. وبذلك، تستطيع الإمارات المساعدة في إعادة تشكيل رأي عام لصالح دعم استعادة سيادة جنوب اليمن. تمارس روسيا نفوذًا مشابهًا على العالم غير الغربي ككل من خلال شبكتي "روسيا اليوم" و"سبوتنيك" اللتين يمكن الاستفادة منهما في السعي نحو تحقيق غايات تكميلية.


في نفس الوقت، تعد الهند أكبر ديمقراطية في العالم وصاحبة اقتصاد سريع النمو. أعلنت الهند نفسها "صوت الجنوب العالمي" العام الماضي خلال حدثين بنفس المسمى. عشرات الدول النامية التي شاركت في الحدثين اعترفت بهذا الامتياز الهندي. يتصاعد النفوذ العالمي للهند التي أصبحت قوة عظمى ذات أهمية عالمية يمكنها الترويج لقضية سيادة جنوب اليمن في الوقت الملائم عبر المنصة سالفة الذكر.


ربما لا تملك إثيوبيا مثل هذا التأثير الروسي والهندي واسع النطاق، لكنها لا تقل عنهما أهمية بطريقتها الخاصة. إنها المهد التاريخي لمكافحة الاستعمار في القارة كما أنها تستضيف مقر الاتحاد الإفريقي. ويمنحها ذلك نفوذا ضخما على الأرض. يعد دعم أديس أبابا لإعلان إعادة استقلال صوماليلاند بمثابة بشرى لعدن. قضية صوماليلاند تتشابه مع جنوب اليمن حيث سبق الاعتراف بكل منهما كدولتين مستقلتين (صوماليلاند لفترة أقل في صيف 1960).


هذه الخطوة الجريئة التي أقدمت عليها أكثر دول إفريقيا تأثيرًا تمثل سابقة إيجابية قد تجعل إثيوبيا تروج لقضية جنوب اليمن الشبيهة حال إبرام اتفاق بين أديس أبابا و"المجلس الانتقالي الجنوبي" يتعلق بحقوق الإرساء في البر الرئيسي أو سقطرى وفقا للاقتراح المذكور آنفًا. استمتعت جنوب اليمن بالسيادة لفترة أطول كثيرا من صوماليلاند. كلاهما يرغب الآن في استعادة الاستقلال بعد فشل تجربة الوحدة لكل منهما. وفقا لذلك، قد يُترجم دعم إثيوبيا لصوماليلاند إلى دعم لجنوب اليمن.


بالنظر إلى أوجه التشابه بينهما ومصالحهما المشتركة من خلال الإمارات العربية المتحدة وربما إثيوبيا قريبا، يتعين على "المجلس الانتقالي الجنوبي" أيضا زرع روابط ثنائية مع صوماليلاند.  الأخيرة ليست فقط دولة مجاورة مما يجعل الأمر منطقيًا لأسباب براجماتية بسيطة، لكن اعتراف صوماليلاند الجرئ بتايوان ربما يبشر باعتراف مماثل بجنوب اليمن في الوقت الملائم، وبالتالي تضاف إلى قائمة الداعمين المحتملين. علاوة على ذلك، تمتلك  صوماليلاند نفوذًا لا يتناسب مع حجمها مما قد يساعد جنوب اليمن.


الفضيحة التي انتشرت الشهر الماضي حول تسريبات عضوة الكونجرس الأمريكي صومالية الجذور إلهان عمر والتي قالت فيها إنها تفضل مصالح بلدها الأم عن المصالح الأمريكية صعدت بقضية صوماليلاند إلى واجهة الاهتمام السياسي والخطاب الأمريكي. بالرغم من أن الولايات المتحدة تعترف بصوماليلاند كجزء من الصومال، لكن بعض الخبراء يميلون مؤخرا إلى تشجيع واشنطن على إعادة النظر في الحكمة المرتبطة بتلك السياسة. هذه الشخصيات يمكنها بالمقابل التعرف على قضية جنوب اليمن الشبيهة عبر حلفاء مؤثرين من صوماليلاند.


بالرغم أن المجلس الانتقالي الجنوبي أكثر قدرة على الترويج لمصالح جنوب اليمن لحاله، لكن من مصلحة قضيته بشكل متزايد الترويج لها من خلال المزيد من الدول، لا سيما تلك التي تمتلك نفوذا فريدًا أمثال دول "بريكس" الأربعة وصوماليلاند لدعم مصالحهم المشتركة.


الخلاصة مفادها أن الأمن هو المحور الذي تتمركز حوله أزمة البحر الأحمر. بيد أن قد يشكل الأساس بالنسبة للدول لدعم قضية سيادة جنوب اليمن كمقايضة للوصول إلى اتفاقيات بحرية تتعلق بالإرساء والقواعد.


خاتمة


يتعلق الاقتراح المقدم إلى المجلس الانتقالي الجنوبي بضرورة الاستفادة من تقارب أزمتي البحر الأحمر والقرن الإفريقي للمضي قدمًا في مصالح جنوب اليمن مع تركيز خاص على إبرام شراكات مع دول منظمة "بريكس" وتحديدا الإمارات وروسيا والهند وإثيوبيا. هذه البلدان بالإضافة إلى صوماليلاند التي تمتلك شريكا مشتركا مع جنوب اليمن (الإمارات) يمكنها بذل الكثير من أجل القضية. نأمل أن يهتم صناع القرار بهذه الاقتراحات واتخاذ قرارات ملموسة بشأنها.




محلل سياسي أمريكي مقيم في موسكو متخصص في العلاقة بين استراتيجية الولايات المتحدة في الأفرو-أوراسيا، ومبادرة الحزام والطريق الصينية، والحرب الهجينة.

- الآراء الواردة بهذه الورقة تعكس وجهة نظر مؤلفها، ولا تمثّل بالضرورة السياسة التحريرية لمركز سوث24.

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا