غمر الدخان الكثيف المباني في مدينة رفح في قطاع غزة في أعقاب هجوم بصواريخ إسرائيلية (UP MEDIA)
17-02-2024 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبد الله الشادلي
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء الماضي، أنَّه أمر الجيش الإسرائيلي بالتحضير لهجوم وشيك على مدينة رفح في غزة، الملاذ الأخير لمئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين من شمال ووسط القطاع إثر الحرب الوحشية التي مضى عليها أكثر من 130 يومًا.
جاء إعلان نتنياهو وقادة إسرائيليين مثل وزير الدفاع يوآف غالانت في خضم جهود وساطة قطرية ومصرية أمريكية بين الفصائل الفلسطينية والقيادة الإسرائيلية لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن والأسرى من الجانبين.
واليوم السبت، كرر نتنياهو تهديداته باجتياح غزة. ونقلت القناة 14 العبرية عنه قوله: "إسرائيل ستقاتل حتى تحقيق النصر الكامل، وهذا يشمل رفح أيضًا. أولئك الذين يريدون منعنا من العمل هناك يقولون لنا أن نخسر الحرب".
فجرت النوايا الإسرائيلية ردود أفعال عربية ودولية منددة ومحذرة. ويوم الأحد الماضي، حذرت مصر، التي تقع رفح على حدودها، إسرائيل من تنفيذ عملية عسكرية في المدينة، وقالت إن "عواقب ذلك ستكون وخيمة". قبلها في السبت، أصدرت السعودية والإمارات والكويت وقطر والأردن ومجلس التعاون الخليجي تحذيرات بشأن الخطط الإسرائيلية.
وحذرت الولايات المتحدة إسرائيل من أن شن هجوم عسكري على مدينة رفح، دون التخطيط المناسب، سيكون بمثابة "كارثة". وقال البيت الأبيض إنه لن يدعم العمليات الكبرى، دون إيلاء الاعتبار الواجب للاجئين هناك. وفي حديثه مساء الخميس ودون الإشارة إلى رفح، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن تصرفات إسرائيل في غزة "تجاوزت الحدود".
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد حذر الأربعاء من "تداعيات إقليمية لا تحصى"، لهجوم إسرائيلي بري محتمل على مدينة رفح. وقال غوتيريش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن "عملا كهذا سيزيد بشكل هائل ما هو أصلا كابوس إنساني، مع تداعيات إقليمية لا تحصى".
ويقول خبراء إن إقدام إسرائيل على خطوة من هذا النوع سينقل الصراع في غزة إلى مستوى آخر وربما يؤدي لاشتعال المنطقة.
تصعيد خطير
يرى الصحفي الفلسطيني المتخصص في الإعلام العبري د. صهيب المسالمة أن "دخول الجيش الإسرائيلي لرفح، سيرفع الصراع من مستوى إلى مستوى آخر، ويرفع حجم الكارثة الموجودة بغزة".
وأضاف لمركز سوث24: "لقد قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتهجير كل سكان شمال غزة. ونحن هنا تحدث عن 70% من سكان شمال غزة ومدينة غزة وسط القطاع إلى منطقة الجنوب، وجمعهم في منطقة وحدة تسمى (المواصل) أو الحدود المصرية الفلسطينية".
ولفت المسالمة إلى أنّ "إسرائيل تبحث بطريقة ما عن احتلال محور فيلادلفيا والسيطرة عليه". مضيفا: "هذه الخطوة سترفع نسبة الصراع إلى مستوى كبير بحجم المجازر. رفح مدينة صغيرة ومكتظة جداً ويتواجد بها الآن حوالي 1.5 مليون شخص مع النازحين، لذلك فإنَّ أي رصاصة عشوائية تُطلق ستصيب هدفاً بالتأكيد".
وأشار الصحفي الفلسطيني إلى أنه "على الحدود المصرية الفلسطينية تواجد لأكثر من أربع مخيمات. وهدف إسرائيل الأساسي هو السيطرة على محور فيلادلفيا، وبالتالي السيطرة على الحدود كليا، وبالتالي احتلال قطاع غزة كليا".
وأضاف: "أتوقع أن تهاجم إسرائيل رفح، بهدف الضغط أكثر على حماس والمقاومة، لتصل إلى هدفها. السيطرة على محور فيلادلفيا يعني انقطاع شريان الحياة الإنسانية، وعدم دخول المساعدات الإنسانية، وسيتعين على أي شخص يريد الخروج من غزة المرور من حواجز ورقابة إسرائيلية".
وأردف: "هذا الأمر سيؤدي إلى تفاقم الأزمة بشكل كبير جدا، وبالتالي قد تؤدي إلى هروب الناس وتهجير الناس باتجاه سيناء، وهذا ما تعمل عليه مصر لمنع حدوثه".
الموقف المصري
الكاتب والمحلل السياسي المصري، عبد المجيد حسن قال لمركز سوث24 إن "الجيش الإسرائيلي بدأ يبحث عن حلول تحفظ له ماء وجهه بعد فشله في حسم الحرب حتى اللحظة داخل قطاع غزة". مضيفا: "بالطبع يُعد الهجوم على رفح الفلسطينية من أخطر مراحل الحرب".
وشرح الصحفي المصري بعض مكامن الخطورة في الخطوة الإسرائيلية، لافتًا إلى أن "أولها يكمن في وجود رفح على شريط حدود مع رفح المصرية؛ وبذلك فإن أي عمل عسكري إسرائيلي في رفح الفلسطينية بدون حل لأزمة اللاجئين داخلها سيؤدي إلى فرض التهجير نحو سيناء والأراضي المصرية".
وأضاف: "الأخطر من ذلك فإن المعركة قد تؤدي إلى حدوث مواجهة دبلوماسية بين مصر وإسرائيل قد تصل إلى حد تجميد العلاقات بين الجانبين في ظل إصرار الجانب الإسرائيلي على تنفيذ عملية عسكرية في رفح".
وقال حسن إن "مصر تعرف جيداً خطورة الوضع في فلسطين ونوايا إسرائيل في تصفية القضية الفلسطينية".
مضيفا: "تسير مصر في عدة اتجاهات الأول الدبلوماسي والسياسي ويتمثل في قيادة مفاوضات معقدة آخرها عقدت في القاهرة بحضور قيادات إسرائيلية وفلسطينية بجانب مسؤولين أميركيين وقطريين لإنهاء صفقة وقف إطلاق النار في غزة والاتفاق على تفاصيلها".
وبالنسبة للاتجاه الثاني، قال حسن إنه يتمثل في اتخاذ إجراءات لحفظ الأمن القومي المصري، ومنها نشر قوات على الحدود والاستعداد لأي تطورات قد تحدث.
وفي 6 فبراير الجاري، نقلت صحيفة وول جورنال ستريت الأمريكية عن مسؤولين مصريين قولهم إن "القاهرة حذرت إسرائيل من أن أي عملية برية في رفح ستؤدي إلى تعليق فوري لاتفاقية السلام".
وفي المقابل، قال وزير الخارجية المصري، سامح شكر، يوم الاثنين الماضي، في مؤتمر صحفي: "سأستبعد أي تعليقات تم الإدلاء بها في هذا الشأن". وأكد شكري التزام بلاده باتفاقية السلام مع إسرائيل، وأشار إلى أن مصر تبذل جهودا حثيثة للوصول إلى اتفاق هدنة في غزة.
سيناريوهات متوقعة
يرى الصحفي صهيب المسالمة أن الصراع في غزة مرشح للامتداد نحو مناطق عدة في مقدمتها لبنان. مضيفا: "أتوقع امتداد الصراع إلى لبنان بشكل كبير. إذا لم تُحل مشاكل قطاع غزة وتنتهي الحرب فيه، فلن تنتهي الحرب في أي مكان آخر".
وأردف: "أتوقع أنّ الهجوم على رفح سيتمدد وسيوسع الصراع بشكل كامل خاصة بعد الضربة على قيادة المنطقة الشمالية الإسرائيلية الأخيرة في صفد اللبنانية. بالتالي ذلك سيؤدي إلى رد إسرائيلي قوي جدا ربما يخرج عن المضمون، ولربما يخرج عن الخط الأحمر في قواعد الاشتباك الموجودة بين حزب الله وبين إسرائيل".
وأوضح المسالمة أنه "من المتوقع أن يكون هنالك حل عسكري في لبنان، وليس حلا سياسيا، لأن إسرائيل لن تستطيع إعادة مستوطنيها للشمال في ظل وجود حزب الله وسلاحه على الحدود المتاخمة".
ويحذر المحلل السياسي المصري، والباحث في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فادي عيد من سيناريو أكثر قتامة للصراع يتضمن انخراط مصر إذا تطلب الأمر. وقال لمركز سوث24: "تمادي جيش الاحتلال في رفح قد ينقل المعركة من مواجهة بين الاحتلال وحماس إلى مواجهة بين الاحتلال ومصر".
وأضاف: "عندئذٍ، لن تقتصر ردة فعل القاهرة على تعليق اتفاقية كامب ديفيد فحسب، بل قد تتطلب الأمر إجراءات أكثر تصعيداً. أي تصعيد في رفح قد يؤدي إلى نزوح الفلسطينيين إلى سيناء".
ولفت إلى أنّ هذا هو الهدف الذي تسعى إليه إسرائيل، وهو في ذات الوقت يعني تصفية القضية الفلسطينية والقطاع ككل، ومن ثم تصدير الأزمة والفوضى إلى مصر. وأكد عيد أنه "من المهم ملاحظة أن هناك العديد من قادة الجيش الإسرائيلي يعارضون التصعيد في رفح، خوفاً من أي تصعيد مع مصر".
وأردف: "كل شيء ممكن أن يحدث. فقد نجد الأمور تهدأ في غزة وجبهة جنوب إسرائيل، وفي المقابل، تندلع الأوضاع في جبهتها الشمالية مع حزب الله. ولا يمكن استبعاد تكرار المأساة في جنوب لبنان".
ويرى عيد أن استمرار الاشتراط الإسرائيلي بإفراج حماس عن جميع الأسرى قبل وقف الحرب سوف يطيل أمد الأزمة. مضيفا: "هذه الأزمة قد تستمر إلى منتصف العام الجاري أو حتى نهايته في ظل أيضاً رغبة نتنياهو الحفاظ على مكانته ومنصبه وخوفاً من المحاكمة بعد الفشل الذريع لأجهزة نظامه في معركة 7 أكتوبر".
وعلى مستوى المنطقة، يعتقد الخبير المصري أن "الوضع يسير نحو تعقيد أكبر جراء تصعيد وكلاء إيران في اليمن والعراق وسوريا ضد القوات الأمريكية والملاحة الدولية". مشيرا إلى ردة الفعل الأمريكية البريطانية على شكل ضربات جوية في اليمن والعراق وسوريا.
ويرى عيد أنّ "إيران ترغب في تحقيق مكاسب إقليمية على حساب شعوب اليمن والعراق وسوريا مع إصرار بايدن على حسم الأوضاع قبل معركته الانتخابية الرئاسية القادمة، وهو ما يجعل الأمور مرشحة لتكون أكثر سوءا".
وفي الاثنين الماضي، قُتل أكثر من 100 شخص في غارات جوية إسرائيلية على مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، بحسب ما أعلنته جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، بأرقام قابلة للزيادة، في حين أكد الجيش الإسرائيلي أنه شن غارات جوية على المدينة.
قبل 3 أشهر