صورة للحكومة اليمنية المشكلة في ديسمبر 2020، تم تحسينها بالذكاء الاصطناعي (رسمي، مركز سوث24)
13-03-2024 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | بلقيس العبدلي
شكل عام 2020 منحنياً خطيراً في المشاركة السياسية للنساء في اليمن، فقد عُيّن معين عبدالملك رئيساً للحكومة المكونة من 24 وزيراً مناصفة بين الشمال والجنوب مع تمثيل لكافة المكونات السياسية التقليدية بالإضافة لمكونات جنوبية جديدة كالمجلس الانتقالي الجنوبي، بعد أكثر من عام من المفاوضات التي رعاها الوسطاء السعوديون بموجب اتفاق الرياض الموقع في 5 نوفمبر 2019 [1]. كان تمثيل النساء اليمنيات اللواتي يتجاوز تعدادهن نصف عدد السكان في اليمن "صفري" في أول حكومة يمنية خالية من النساء منذ 20 عاماً.
تراجع المشاركة
بعد قيام الوحدة عام 1990 إلى آخر حكومة مُثلت فيها النساء في اليمن عام 2016، بلغ عدد الحقائب الوزارية 444 حقيبة وزارية، كان نصيب الأسد فيها للرجال بنسبة 95,9 %، فيما كان عدد الحقائب التي مُنحت للنساء طول الـ 26 عاماً الماضية فقط 18 حقيبة وزارية وبنسبة 4.1%، وهي نسبة تظهر بشكل جلي التهميش المستمر للمرأة في الحكومات اليمنية المتعاقبة. [2]
شاركت 11 امرأة في سبع حكومات متعاقبة في اليمن، بحسب تقرير أصدره موقع منصتي30، بينهن 4 وزيرات حافظن على مناصبهن في حكومتين على الأقل، واقتصر تمثيل النساء في اليمن على وزارتي حقوق الإنسان والشؤون الاجتماعية والعمل، قبل تحقيقه اختراقاً حاسماً بهذا الشأن في حكومة الكفاءات عام 2014، بوزارتي الإعلام و الثقافة، وذهبت وزارة الشؤون القانونية للنساء أيضاً في حكومة بن دغر 2016، ويعد أعلى تمثيل للنساء في الحكومات اليمنية خلال 20 عاماً 11.7% في حكومة الكفاءات الذي ترأسها خالد بحاح نهاية 2014، غير إنّه تمثيل لم يصل إلى سقف توقعات النساء اللواتي كن يطمحن بالتوجه نحو تطبيق نظام الكوتا المتمثل بـ30%، المنصوص عليه في مخرجات "مؤتمر الحوار الوطني 2013"، لكن حتى تلك المكاسب البسيطة ما لبثت أن تلاشت مع قدوم حكومة التمثيل الصفري للنساء 2020. [3]
تحديات
حصدت النساء في اليمن نسبة مشاركة تجاوزت 27% خلال مؤتمر الحوار الوطني، كاستحقاق لسنوات عدة من النضال انعكست في الحضور اللافت لهن خلال الحراك الشعبي في العام 2011، وتوجت كافة تلك الجهود بالخروج بإقرار نظام الكوتا 30% ضمن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني 2013، حيث نصت 50 مادة من مواد مؤتمر الحوار الوطني على حقوق النساء ومشاركتهن السياسية بشكل صريح [4]. كان أبرز تلك المواد قرار فريق بناء الدولة الذي اعتمد نظام القائمة النسبية المغلقة كنظام انتخابي للبلاد، وهي قائمة يعدها النشطاء والناشطات في مجال حقوق النساء "صديقة النساء"؛ حيث يمكن من خلالها وصولهن في الانتخابات إلى المجالس المنتخبة دون خوض مواجهة منفردة أمام المرشحين من الرجال والتي تعد مواجهة صعبة في مجتمع تقليدي وقبلي كاليمن.
كما نص قرار آخر لفريق بناء الدولة، على أن "تشغل النساء نسبة لا تقل عن 30% من المجالس التشريعية المنتخبة ويضمن القانون تحقيق هذه النسبة". ووجِه القرار بمعارضة شديدة من قبل عددٍ من القوى التقليدية، فوفقاً لتقرير إخباري عن الكوتا النسائية، "أفتى 120 عالماً من علماء اليمن من مختلف التوجهات بحرمة الكوتا النسائية التي هي مطلب أجنبي تتبناه مجموعة من النساء المرتبطات بالسفارات والمدعومات من المنظمات الأجنبية". [5]
وقبل أن تخوض النساء في اليمن معارك رفع الوعي والحوار مع كافة القوى المعارضة لنظام الكوتا أو القائمة النسبية، سبقتهن المعارك على الأرض، والتي غيبت معها مكتسبات النساء منذ العام 2011. وعلى الرغم من أنّ الصراع بين مختلف الأطراف لم يغيّب حراكهن ونضالهن لانتزاع حقهن في مشاركة فاعلة خلال الحرب المستمرة لما يقرب من عقد من الزمن، إلا أنّه في المقابل، أدى لتدهور العمل السياسي وتجميد نشاط الأحزاب السياسية وتراجع تأثيرها على مستوى الشأن العام، مما أثر سلباً على هامش المشاركة السياسية للنساء في اليمن والمتمثّل بنشاط النساء الحزبيات.
فمنذ أن نشأت الأحزاب السياسية في اليمن، كان تعبئة النساء كناخبات أسهل وأقل إثارة للجدل في فترة ما قبل الحرب الأهلية الأخيرة؛ من إشراكهن في أدوار القيادة وصنع القرار داخل الأحزاب [6]، على سبيل المثال، بلغ عدد النساء المرشحات للانتخابات المحلية في العام 2006، 168 امرأة فقط من إجمالي 19 ألف و223 مرشحاً يتنافسون على حوالي ستة آلاف مقعد، وعبرت الناشطات السياسيات عن غضبهن في مظاهرة سياسية آنذاك قبيل إغلاق باب الترشح.
علاوةً على ذلك، تبيّن الإحصائيات أنّ عدد النساء اللواتي يتولين مراكز في قيادات الأحزاب اليمنية بلغ 259 امرأة من اجمالي 12975 في كافة الأحزاب وبنسبة2%، وهذه النسبة لا تعكس الحجم الحقيقي للنساء داخل المجتمع أو داخل الأحزاب نفسها. وبينما تنص المواد 24 ،30، 31،41،43 [7]، من الدستور اليمني على عنصر المساواة، إلا إنّها لا تقدم تمييزاً إيجابياً يساعد النساء الحصول على حقهن في المشاركة السياسية، كما إنّ قانون الانتخابات العامة والاستفتاء رقم 13 لسنة 2001، لا يولي اهتمام للمرأة إلا كناخبة، بالإضافة إلى أنّ النظام الانتخابي في اليمن "نظام الدائرة الفردية" يقلل من فرص النساء حتى وإن كن أولات كفاءة عالية، فالرجال المنافسون غالباً ما يكونون من ذوي النفوذ والقوة.
النساء وقيم المدنية
تمثّل المشاركة السياسية للمواطنين والمواطنات على حد سواء أبرز تطبيقات الديمقراطية، والتي تميزها عن الأنظمة الاستبدادية حيث تحتكر فيها فئة بعينها السلطة وتستحوذ عليها. وتعد المشاركة السياسية للنساء في بلد مثل اليمن ويمر بتحولات سياسية، من أهم آليات بناء العمل الديمقراطي مستقبلاً، واختباراً لمدى التزام النخب والأحزاب السياسية بمبادئ المساواة والمواطنة وسيادة القانون، والتي من المهم أن يتم التأسيس لها من المراحل الأولى لبناء السلام.
من المهم القول، إنّ أي شراكات للنساء اليمنيات في العمل العام والنشاط السياسي والحقوقي لا يُغني عن تمثيلهن الرسمي في الحكومة، والذي يمكن للنساء من خلاله رسم سياسات وتفعيل قرارات تتعلق برؤاهن في العملية السياسية ككل، وكذا في إشراك مزيد من النساء وتفعيل أدوارهن على المستوى المحلي والوطني. هذا الأمر بالمحصّلة يمكن من خلاله دسترة حقوق النساء مستقبلاً والضغط للخروج بقوانين تدعم مشاركتهن الفاعلة، كما إنّ وجود النساء في قمة الهرم الحكومي يردم الفجوة بينهن وبين القوى التقليدية ويخلق مساحة للعمل المشترك ويؤسس لنماذج نسائية تغير النظرة المجتمعية السائدة تجاه النساء عن طريق محاكاة أدوارهن ومساندتهن كقيادات نسائية يحتذى بها بعيداً عن أي تهم تتعلق بالخروج عن المنظومة القيمية للمجتمع اليمني أو التبعية لأي أجندات خارجية.