خارطة توضح الطريق الرئيسي الذي يربط عدن بصنعاء مرورا بمحافظة الضالع (خرائط جوجل، بواسطة مركز سوث24)
20-03-2024 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن
"تشكّل مبادرة من هذا النوع سيكون بمثابة نكسة عسكرية فيما إذا تدفق بعض المقاتلين من مناطق سيطرة النفوذ الحوثي إلى مناطق جنوب اليمن بحجة تفاقم الأزمة الإنسانية".
مركز سوث24 | فريدة أحمد
بدأت قبل عدة أسابيع حملة مكثّفة تدعو لفتح الطرقات البرية بين المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثيين، المدعومة من إيران، والمناطق التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة المعترف بها دولياً. وأتت الحملة بعد ما يقارب عشر سنوات من الصراع في اليمن، خاصة بعد عجز الأمم المتحدة عن التوصل لاتفاق بين أطراف الصراع لفتح الطرقات الذي من شأنه تيسير تنقّل المدنيين بين المحافظات والمدن اليمنية. فإلى جانب معاناتهم من تبعات الحرب التي أدت لوصول البلاد لأسوأ كارثة إنسانية في العالم، فإنّ إغلاق الطرقات تمثّل واحدة من أعقد صور المعاناة اليومية. إذ يلجأ المدنيون لطرق فرعية بديلة أكثر وعورة وكلفة وخطورة أحياناً من أجل الوصول لوجهتهم النهائية، ويتعرّض كثير من المسافرين المرضى للتدهور في حالتهم الصحية، كما يتعذّر وصول كثير من المساعدات الإنسانية لمستحقيها بسبب الطرق المغلقة.
علاوةً على ذلك، أدى قطع الطرق البرية إلى التأثير على حركة البضائع وجودتها، بسبب الوقت الطويل الذي تستغرقه ناقلات الشحن البري في العبور، أو توقفها لساعات من أجل إجراءات التفتيش، ذلك فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية في كثير من المدن الرئيسية. وفي أحد تقاريره السابقة عن التقييم المستمر لاحتياجات اليمن 2020، أشار البنك الدولي، إلى أنّ الطرق تأثّرت بشكل كبير في بعض المدن نتيجة الصراع، كما تعرضّت الطرق الرئيسية لأضرار جزئية أو دمرت بالكامل مما يجعلها غير صالحة للاستخدام أو قادرة على تشغيل عمليات محدودة، وبشكل عام، تعرض %29من إجمالي شبكة الطرق الداخلية في المدن لأضرار أو تدمير.
في 23 فبراير الماضي، أعلنت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، فتح طريق مأرب – صنعاء، المغلق منذ 9 سنوات، داعيةً الحوثيين إلى اتخاذ خطوة مماثلة لرفع المعاناة عن المواطنين. وأبدى نائب رئيس مجلس القيادة ومحافظ مأرب، سلطان العرادة، استعداده فتح طرقات مأرب صنعاء، ومأرب البيضاء خلال 48 ساعة، إذا وافقت ميليشيا الحوثي على فتح مماثل من جهتها بإشراف أممي. كما بادرت السلطة المحلية بمحافظة تعز، بفتح طريق عقبة منيف الحوبان، الذي يربط بين مدينة تعز ومنطقة الحوبان.
في مقابل المبادرات الحكومية، اشترط الحوثيون قيام الحكومة بخطوتين، الأولى "إخراج من في السجون ممن تم القبض عليهم سابقاً من النقاط الأمنية والعسكرية وهم مسافرين أو عائدين إلى اليمن، والثانية توقيع ميثاق بأن لا يتم القبض على أحد عابر من النقاط". ردت الحكومة على الشروط الحوثية، بأنّها نوعاً من محاولات إفشال كافة المبادرات والجهود التي بذلتها الوساطات المحلية وكذا الاتفاقات التي أبرمت برعاية أممية لفتح الطرق. ذلك على رغم أنّ الجماعة الحوثية أعلنت استعدادها فتح طرق وعرة وترابية وغير آمنة، بيد أنّها أعادت المسافرين من الطرق التي يُفترض أنّها فتحت من قبل الجماعة، كما كان ردها عنيفاً عندما قصفت موقع حكومي بمدفعية الهاون على أحد الحواجز الأمنية على طريق مأرب صنعاء، أسفر عنه مقتل جندي وجرح ثلاثة آخرين.
في غضون ذلك، وبعد فشل فتح الطريق الرئيسي بين صنعاء – الضالع – عدن، على خلفية إطلاق نار متبادل، أكد المجلس الانتقالي الجنوبي، عن شروطه بشأن إعادة فتح الطرقات والمعابر بين المحافظات في الشمال والجنوب، ورفضه أي إجراءات أحادية. وشدد على أن عملية فتح الطرقات مرتبطة بخارطة الطريق، ويجب أن تتم تحت إشراف الأمم المتحدة، ولجان أمنية ورقابة دولية ومحلية من الطرفين. وفي خطوة حديثة يعتزم المجلس الانتقالي تشكيل لجنة من المختصين لإعداد خطة متكاملة لفتح المنفذ البري في الضالع "بما يتوافق مع إجراءات وقف إطلاق النار التي تضمنتها خارطة الطريق الأممية، واستجابة للدواعي الإنسانية".
يجادل كثير من الجنوبيين بشكل مقنع، أن الاستجابة لحملة فتح الطرقات بدون ترتيب أو إشراف دولي، قد يعرّض الجنوب للخطر مرة أخرى، خاصة وأنّ الجماعة الحوثية لم تلتزم بأي اتفاقيات أو مبادرات مسبقة، وفي مقدمة ذلك اتفاق ستوكهولم الذي احتوى اتفاقاً فرعياً بشأن فتح الممرات الإنسانية في تعز، غير إنّ الحوثيين لم يلتزموا به. ثمّة تصوّر لدى كثير من اليمنيين بشكل عام، أنّ الأمم المتحدة كانت أحد أسباب فشل المفاوضات بشأن فتح الطرقات بين المناطق اليمنية، لا سيّما وأنّها تستسلم بسرعة لأي اشتراطات حوثية.
لذا، بالنسبة للجنوبيين الذين حرّروا أراضيهم من الوجود الحوثي في 2015، ستشكّل مبادرة من هذا النوع نكسة عسكرية فيما إذا تدفق بعض المقاتلين من مناطق سيطرة النفوذ الحوثي إلى مناطق جنوب اليمن بحجة تفاقم الأزمة الإنسانية، خاصة وأنّ كثير من المدن الشمالية الرابطة بين مناطق نفوذ السلطة الشرعية وبين الحوثيين مازالت الطرق والمعابر فيها مغلقة. وسيعتبر فتح الطرق من جانب أحادي جنوبي، مجازفة قد يدفع ثمنها أبناء مناطق جنوب اليمن أكثر من غيرهم، وبالذات إن خلت من أي ضمانات إقليمية أو أممية.
تأثير التصعيد البحري
لم تكن الطرقات البرية المغلقة بين مناطق أطراف الصراع وحدها هي المعضلة في ارتفاع أسعار السلع أو تفاقم الأوضاع الإنسانية، فقد سبّب التصعيد الحوثي المستمر في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، بارتفاع مهول في أسعار السلع والبضائع وبأكثر من مدينة يمنية، بسبب عزوف كثير من شركات الشحن العالمية عن التوجه إلى موانئ اليمن المطلة على البحر الأحمر، بالإضافة إلى موجة النهب والابتزاز التي تمارسها الجماعة ضد كبار التجار والمستوردين بنقاط التفتيش وفرض مبالغ ضخمة على الحاويات والناقلات التي تحمل بضائع مستوردة من الخارج.
بدون شك، ستقود عسكرة البحر الأحمر وإشعاله من قبل الحوثيين، إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والمعيشي لكثير من اليمنيين في الداخل. فالاقتصاد اليمني يشهد تدهوراً مطرداً بسبب توقف تصدير النفط وانخفاض قيمة العملة، فضلاً عن توقّف المساعدات الإنسانية الأممية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين ذات الكثافة السكانية، الأمر الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انتشار الجوع بين أوساط الملايين من السكان.
من المهم القول، إنّ الجبهات العسكرية المتعددة التي يفتحها الحوثيين باتت ترهق اليمنيين بشكل كبير، وهو ما سينعكس عليهم سلباً من الناحية المعيشية والإنسانية بمرور الوقت. كما إنّ التطورات البحرية ستعيق الاستقرار في المنطقة، وستعيق معه التقدم نحو السلام، وبالذات في سياق ردود الفعل الدولية المتباطئة.
عقبات نحو السلام
تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة، منذ أكثر من خمسة أشهر، بتعطيل مسار جهود السلام في اليمن، فقد تم وضع اللمسات الأخيرة العام الماضي على اتفاق خارطة الطريق، الذي توسّطت فيه سلطنة عمان وتدعمه السعودية وترعاه الأمم المتحدة. إلا أنّ التوترات الإقليمية اللاحقة أعاقت هذا التقدم، وقد ذكر المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانز غروندبرغ، بأنّ "الحرب في غزة أدّت إلى تباطؤ وتيرة جهود السلام في البلاد، وخاصة مع التصعيد العسكري في البحر الأحمر".
لذا، يبدو أنّ المجتمع الدولي الداعم لعملية السلام في اليمن، سيرجئ أي تفاهمات راهناً لحين التوصّل إلى اتفاق يخفف من حدة التوتر في البحر الأحمر، إذ يبدو أن الولايات المتحدة يؤرقها تصعيد الهجمات الحوثية وتبعاتها في البحر الأحمر وباب المندب، أكثر من مسألة وقف إطلاق النار في غزة. ذلك على الرغم من الآراء الداعمة لاستمرار جهود السلام في اليمن بمعزل عمّا يجري في البحر الأحمر، خاصة وأنّ الدول الإقليمية وفي مقدمتها السعودية لم تكن طرفاً في تحالف "حارس الازدهار" بقيادة واشنطن ولندن. ومن الواضح أنّ الرياض مازالت تنظر لواشنطن على أنّها تتعامل مع حلفائها بمعايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بها أو بإسرائيل، فالرياض لم "تنس كيف عارضت الولايات المتحدة ملاحقة الحوثيين في السنوات الأخيرة عندما هاجموا سفناً سعودية". هذه التفاصيل وغيرها، أدت إلى رفض السعودية السماح لواشنطن استخدام أراضيها من أجل شن ضربات على الحوثيين.
وهكذا، فإن تخفيف التصعيد في البحر الأحمر، أو فتح الطرق البرية بين أطراف الصراع اليمنية، سيكون مرتبطاً بشكل وثيق بمسار جهود السلام في اليمن. إذ بات من الضروري أن تسترشد المجموعة الدولية بالفعل الترهيبي الحوثي على الملاحة البحرية، ومدى ما يمكن أن يشكّله ذلك من خطورة على الأمن الإقليمي والدولي بشكل عام. على الأرجح إنّ تعنّت الجماعة الدينية سيقود الجهات الدولية والإقليمية إلى إعادة النظر في خطوة السلام معها، بعد أن كانت تمنحها أسباباً للثقة في عدم وجود رادع مناسب يقوّضها أو يؤدي لتراجعها في نهاية المطاف.