نظرة في حال الدراما اليمنية الموسمية الرمضانية

تصميم: مركز سوث24

نظرة في حال الدراما اليمنية الموسمية الرمضانية

التقارير الخاصة

الثلاثاء, 09-04-2024 الساعة 01:14 صباحاً بتوقيت عدن

سوث24 | عبد الله الشادلي 

مع  دخول اليوم الأول من شهر رمضان هذا العام، بدأت القنوات الفضائية في اليمن بتقديم مجموعة مسلسلات وأعمال درامية تنوعت بتنوع الداعمين والممولين، والأطراف السياسية التي تملك هذه القنوات الفضائية. 

ومن أبرز هذه المسلسلات الدرامية؛ مسلسل "الخال والد"، و"ماء الذهب"، و"خروج نهائي"، و"ممر آمن"، "دروب المرجلة"، و"قرية الوعل"، و"لقمة حلال" وغيرها. ومع أن الإنتاج الدرامي اليمني هذا العام يعد الأكثر من حيث الكم والتنوع مقارنة بالأعوام السابقة، إلا أن الانتقادات والملاحظات على الأداء والرسالة والمحتوى والجوانب الفنية تصاعدت أيضًا.

ويقول خبراء يمنيون في هذا المجال أن أوجه القصور كبيرة وبحاجة لمعالجة للارتقاء بهذه الأعمال الفنية. 

ضعف الإنتاج 

في الدراما الرمضانية اليمنية هذا العام كان من الملاحظ أن الجوانب الفنية مثل جودة التصوير والأزياء أفضل من الأعوام السابقة، لكنَّها تظل دون المستوى المطلوب، مع تفاوت واضح بين مسلسل وآخر كما يشير المؤلف والمخرج مروان علي مفرق من عدن.

وقال لمركز سوث24: "السبب الرئيس هو الإنتاج. بعض القنوات تنتج مسلسلات بجودة عالية بغض النظر عن مستوى القصة أو السيناريو. بينما هناك مسلسلات جيدة من ناحية الفكرة والحبكة والرسائل لكنها تعاني من ضعف الإنتاج".

ويؤكد مفرق، المخرج المساعد لفلم (المرهقون) العدني الذي حصد جوائز عالمية، أنَّ وجود قاعدة إنتاج قوية هو أساس النجاح بغض النظر عن جودة الأعمال من حيث الفكرة والسيناريو. وأضاف: "هذه السنة، كان هناك العديد من الأعمال، لكن المشكلة لم تكن في جودتها، بل في مسألة الإنتاج".

وتابع: "أحد العوامل المؤثرة على الإنتاج هو مكان التصوير. يمكن ملاحظة أنَّ المسلسلات التي يتم تصويرها في الخارج تكون أفضل من حيث جودة الصورة والتقنيات المستخدمة".

وعن أسباب ضعف الإنتاج في اليمن، قال مفرق: "ضعف إمكانات القنوات الفضائية أحد أهم هذه الأسباب، لا سيَّما القنوات الجنوبية. بالإضافة لعدم وجود تعاون بين القنوات وشركات الإنتاج الأخرى، فضلاً عن قلة الدعم من الجهات الحكومية ذات الصلة".

وأردف: "من ناحية أخرى، تواجه المسلسلات التي يتم تصويرها في الداخل العديد من التحديات، مثل: صعوبة التصوير في المدن بسبب الازدحام وضيق المساحات وضيق الوقت، حيث تبدأ بعض القنوات بتصوير المسلسلات قبل رمضان بشهرين فقط".

ولفت إلى أنّ هذه العوامل تؤدي في نهاية المطاف إلى إخراج مسلسلات بمستويات غير جيدة أحيانًا.

حبكة غائبة 

يرى عبد الفتاح الجراش، وهو ناقد فني وأدبي يمني، أنَّ المسلسلات اليمنية تفتقر إلى الإنتاج الجيد والحوار الرصين. وقال لمركز سوث24: "الحوار في المسلسلات اليمنية هزيل ولا يُشّوق المشاهد. بشكل عام، هذه المسلسلات لا تُخاطب المثقفين".

وأضاف: "تقتصر أحداث هذه المسلسلات في إطار منطقة معينة أو قبيلة معينة فقط، ولا هدف أو رسالة واضحة لها. أعتقد لو أنَّها تُعرض في غير رمضان، لما حظيت بمشاهدات الجمهور. نحن نشاهدها كتحصيل حاصل ليس إلا خلال هذا الشهر".

ولفت إلى أنَّ المسلسلات اليمنية تفتقر إلى الكثير من العناصر التي من الممكن أن تجعلها أفضل، من بينها الاهتمام بالإنتاج والحوار، بالإضافة إلى اللغة. وقال: "يجب أن تُخاطب المسلسلات اليمنية جميع فئات المجتمع".

وأضاف: "هناك حاجة إلى وجود كتاب أقوياء يكتبون الحوارات. ربط الأحداث ببعضها البعض لتعكس الواقع بشكل كامل. هذه المسلسلات تفتقر إلى الدقة كما أنّها ليست مترابطة، وحبكتها ضعيفة".

يتفق حول ذلك، د. رشاد العامري، الأكاديمي اليمني المتخصص بالنقد والأدب، الذي يرى أنَّ الدراما اليمنية ما زالت تقليدية ولا تعالج مسائل مجتمعية واقعية بشكل كافٍ. وقال لمركز سوث24 إنَّها "تُركز على القيم والأعراف القديمة دون الالتفات للقضايا المجتمعية المعاصرة".

الرسالة والمحتوى 

رغم أنها لا تناقش القضايا الواقعية كما ينبغي، لا تكاد المسلسلات الرمضانية اليمنية تخلو من الرسائل السياسية التي تنفر الجمهور المحلي. 

على سبيل المثال، حمل المسلسل اليمني "خروج نهائي"، الذي تعرضه قناة المهرية الموالية لحزب التجمع اليمني للإصلاح، خلال رمضان هذا العام، في الحلقة الـ 11 رسائل سياسية تعزز استمرار الوحدة اليمنية التي يرفضها الجنوبيون.

جسَّدت هذه الحلقة شخصيتين الأولى من عدن، والثانية من صنعاء. كان الشخصان في رحلة على متن سيارة، أصر كل منهما على أن يشغل السائق الأغنية التي يريدها. طالب الأول بأغنية لفنان عدني هو محمد سعد عبد الله، فيما طالب الآخر بأغنية للفنان الصنعاني أحمد السنيدار. انتهى الخلاف بتشغيل الأغنية الثانية بعد أن صوت السائق لصالحها. 

وتستمر قصة الحلقة ذات الدلائل السياسية المتعلقة بالوحدة اليمنية من جوانب عدة. لكن الفنان والناقد عبد الله باوزير لا يدين الرسائل السياسية ضمن أي عمل درامي وفني، شريطة أن تكون هذه الرسائل عقلانية ولا تروج للفكر والتشدد حدَ تعبيره. 

وأضاف لمركز سوث24: "هذه المسلسلات التي تحمل أهدافا سياسية لن تغير الواقع، بالنسبة لصناع الدراما الشماليين فهم بذكاء يخاطبون مجتمعاتهم بدرجة أساسية وليس الجنوب. في المقابل، يحب علينا العمل بوتيرة عالية وانتاج مسلسلات وأفلام خاصة بنا وبهويتنا".

ويعد مسلسل (حارس البحر) الذي عرضته قنوات فضائية تابعة للحوثيين أبرز الأمثلة على توظيف الدراما الرمضانية للتأثير على وعي الجمهور والتسويق للأفكار السياسية والدينية الخاصة. ويبرر المسلسل هجمات الحوثيين الأخيرة ضد الشحن الدولي، كما أنه يدعو لبسط سيطرتهم على المياه الإقليمية اليمنية والجزر. 

الدراما الجنوبية 

مقابل الإنتاج الكثيف للقنوات الشمالية، كان مسلسل "الخال والد" هو الإنتاج الجنوبي الأبرز وربما الأوحد في رمضان هذا العام. تدور قصة المسلسل الترفيهي الذي بثته قناة عدن المستقلة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي حول رجل ثري يعود إلى وطنه بعد رحلة اغتراب ثم يخطط للزواج، لكن الجميع من حوله يطمع بأمواله. 

كما أن قنوات بث محلية في المكلا وسيئون بحضرموت أنتجت أيضًا بعض الأعمال الرمضانية التي اقتصرت على هذه المدن، مثل مسلسل (المداراة) على قناة المكلا. 

وفي هذا الاتجاه، قال الفنان عبد الله باوزير: "الدراما الجنوبية محاربة منذ سنوات طويلة. "حتَّى المسلسل الحضرمي (شعبان في رمضان)*  تمت محاربته بعد أن حقق شهرة كبيرة وصل صداها إلى الخليج".

وتحدث باوزير عن الأوضاع المعيشية في الجنوب وما يعاني منه الفنانون طوال العام، وقال: "معاناتهم لا توصف. الفنانون الجنوبيون ليس لهم توجه لمشروع الوحدة أو التحزب، ويضطرون للعمل في القنوات الشمالية بسبب الظروف المعيشية".

وأردف: "لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة إمكانات القنوات الجنوبية بالقنوات الشمالية. معظم تلك القنوات إن لم نقل جميعها تحظى بدعم جهات وكيانات سياسية ودول، وتتحصل على دعم من وزارة الإعلام والثقافة اليمنية".

تحسين الأعمال 

يرى المخرج مروان مفرق أنه من أجل تحسين الأعمال الدرامية اليمنية، "من المهم التركيز على الإنتاج الجيد". مضيفًا: "هذا يتطلب وجود قصص جيدة، ومخرجين أكفاء، وطواقم تصوير جيدة، وميزانية كافية". 

ورغم ذلك، يؤكد مفرق أنَّ الإنتاج يجب أن يكون أكبر، ولفت إلى أنّ الإنتاج الجيد لا يعني المال فقط، بل أيضا الوقت الكافي.

وأردف: "بالإضافة إلى تدريب الكوادر على أحدث التقنيات المستخدمة في الإنتاج".

ويطالب رشاد العامري باستخدام اللغة العربية الفصحى خلال الأعمال الدرامية. وقال: "كل المسلسلات اليمنية لا تستخدم اللغة العربية الفصحى، وتعتمد بشكل كبير على اللهجة اليمنية، مما قد يحد من جمهورها".

 ورأى العامري بضرورة إنتاج مسلسل يمني واحد على الأقل بلغة عربية فصحى كل عام.

ويشدد الممثل الحضرمي البارز محفوظ باجبير على أنَّه "يجب الاهتمام بالممثلين والفنانين والمخرجين ودعمهم وتأهيلهم، وبالأخص الجنوبيين". مضيفًا: "الفنانون في الشمال تصرف لهم منح، ويتحصلون على مبالغ ضخمة للغاية نظير مشاركاتهم في المسلسلات".

ولفت باجبير إلى أهمية إنشاء معهد للفنون الجميلة في حضرموت لتأهيل الفنانين المحليين، مضيفًا: "قدّمتُ خطابين لمحافظ حضرموت السابق والحالي بهذا الغرض. حتَّى اليوم لم نلقَ استجابة، ولا حياة لمن تنادي".

ورغم كل جوانب القصور في الدراما اليمنية، وموسميتها المقتصرة على رمضان، وما يشوبها من تدخل سياسي، إلا أنها تظل بارقة إبداع مهمة في سماء اليمن الملبدة بدخان الحرب والنزاع العسكري منذ أكثر من تسع سنوات. كما أنها تعد تأكيدًا على إبداع اليمنيين إذا ما توافرت لهم الفرص، ونعمت بلادهم بالسلام. 


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات

- شارك في تحرير المادة:

* المسلسل الحضرمي (شعبان في رمضان) بدأ  كبرنامج إذاعي من تأليف وبطولة الفنان أحمد عبد الله حسن وبطولة الفنانة أفراح محمد جمعة خان، قبل العام 2005. تناول المسلسل قضايا مجتمعية بطريقة كوميدية تجذب الجمهور الحضرمي. قبل العام 2009، تم تطوير الفكرة إلى مسلسل تلفزيوني بثته قناة اليمن الفضائية، بعد نجاح العمل كمسلسل إذاعي وتحقيقه شهرة واسعة. لكن العمل التلفزيوني الذي شارك فيه ممثلون شماليون، في الجزء الثاني، في العام 2009، شهد تراجعا كبيرا في حضرموت، وعزف عن المشاركة فيه بعض الممثلين الحضارم، بعد تلقيهم انتقادات حادة.


اليمن الدراما اليمنية مسلسلات رمضان