الصورة: جيتي ايميج
13-04-2024 الساعة 12 صباحاً بتوقيت عدن
"يبدو أن شن ضربة صاروخية إيرانية مباشرة ضد الأراضي الإسرائيلية الخيار الأبعد احتمالاً، إذ أنه من الممكن أن يتحول بسهولة إلى سبب للحرب والتصعيد"
د. مارتا فورلان
في الثالث من أبريل، استهدفت ضربة جوية السفارة الإيرانية في حي المزة بدمشق، مما أسفر عن تدمير مبنى قنصلي ومقتل سبعة عناصر من الحرس الثوري الإسلامي. وضمت قائمة القتلى اللواء محمد رضا زاهدي، قائد فيلق القدس في لبنان وسوريا، واللواء هادي حاج رحيمي، الذي كان نائبا لزاهدي، بالإضافة إلى 5 مستشارين عسكريين: حسام أمان الله ومهدي جلالاتي وشاهد صدقات وعلي بابائي وعلي روزبهاني. وتضمنت الخسائر البشرية أيضا 3 سوريين ولبناني.
وبطبيعتها، تعد المقرات الدبلوماسية بمثابة أرض سيادية على أرض الواقع داخل الدولة المضيفة. ولذلك، فإن هذا الهجوم الأخير يعادل رمزيا هجوما على الأراضي الإيرانية. ولذلك، ليس من قبيل المفاجأة أن يصف وزير الخارجية الإيراني الهجوم بأنه "انتهاك للالتزامات والاتفاقيات الدولية."
في الحقيقة، تخوض إسرائيل منذ أمد طويل حرب ظل (تعرف بأنها حملة بين الحروب) حيث تشن ضربات جوية ضد أهداف إيرانية أو متحالفة مع طهران في سوريا التي ينظر إلى تأثير طهران داخلها باعتباره تهديدا أمنيا مباشرا. وعلاوة على ذلك، يتم استغلال ضعف نظام بشار الأسد باعتباره فرصة للضرب مع الإفلات من العقاب. قبل أيام قليلة من الهجوم على القنصلية الإيرانية، شن الجيش الإسرائيلي ضربات هائلة استهدفت محافظة حلب السورية الشمالية، مما أدى إلى مقتل 40 شخصًا معظمهم جنود. وبشكل كبير، فإن الهجمات المرتبطة بالحملة الإسرائيلية بين الحروب اشتدت منذ عام 2017. ورغم ذلك، يعد استهداف ممثلين دبلوماسيين إيرانيين غير مسبوق.
ردود الفعل في إيران
بعد يومين من الضربة الجوية، أقيم موكب جنائزي كبير وسط طهران لتشييع أعضاء الحرس الثوري الذين لقوا حتفهم. ردد المشيعون في شوارع العاصمة طهران هتافات ضد إسرائيل والولايات المتحدة حاملين الأعلام الإيرانية والفلسطينية وحزب الله، وصاحوا قائلين "الموت لإسرائيل" و"الموت لأمريكا". وتعهد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، مدفوعُا بنفس روح الانتقام التي سادت الجمهور، قائلًا: "سوف تعاقب أيادي رجالنا الشجعان النظام الصهيوني. سنجعلهم يندمون على هذه الجريمة وغيرها". وحذر قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي قائلًا إنّ إسرائيل "لا يمكنها الهروب من العواقب"، وأن إيران عاقدة العزم على أن تدفع إسرائيل ثمن الغارة الجوية.
في ذات السياق، قال زعيم حزب الله حسن نصر الله: "إن الرد الإيراني على الهجوم على القنصلية في دمشق حتمي". وأضاف أن حزب الله لم ينشر بعد أسلحته الرئيسية على الحدود مع إسرائيل. وتابع: "لم نستخدم قواتنا الرئيسية بعد".
وبشكل ملحوظ، تصادف الموكب الجنائزي مع إحياء الذكرى السنوية لـ "يوم االقدس" حيث تقوم إيران وحلفاؤها بتنظيم مسيرات تضامنية مع القضية الفلسطينية. دشن الراحل آية الله روح الله خامنئي الاحتفال بيوم القدس في أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979 واضعًا قضية القدس وتحرير فلسطين في قلب الثيوقراطية الإيرانية. كما تخرج مسيرات مشابهة بشكل سنوي في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان وباقي البلدان.
المشهد في إسرائيل
بعد تهديدات قادة إيران وحلفاءهم، شرعت إسرائيل في "تعزيز الأمن" في سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية حول العالم تحسبًا لهجمات محتملة من جانب طهران. وعلاوة على ذلك، وضع نتنياهو الجيش الإسرائيلي في حالة التأهب القصوى، وألغى عطلات القوات المقاتلة، وأمر الأنظمة الدفاعية أن تستعد لصواريخ باليستية أو كروز أو طائرات مسيرة انتحارية إيرانية وغيرها من التهديدات الأمنية.
في ذات الأثناء، يبدو أن الداخل الإسرائيلي تسوده مشاعر قلق وعدم ارتياح حيث يندفع الإسرائيليون إلى المتاجر من أجل تخزين الطعام والماء والضروريات الأخرى. وشهدت ماكينات الصراف الآلي طوابير طويلة من الإسرائيليين لسحب أموال نقدية من ودائعهم. وكرد فعل، أكدت قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية أنه لا حاجة إلى القيام بممارسات مفرطة مثل شراء مولدات أو تخزين إمدادات الغذاء. بيد أن رئيس استخبارات الجيش الإسرائيلي الجنرال أهارون هاليفا حذر من أن الأسوأ ربما لم يأت بعد.
وبينما تتأهب إسرائيل لرد فعل إيراني محتمل، أبلغت الولايات المتحدة طهران إنها لم تكن ضالعة ولم يكن لديها علم مسبق بالضربة الإسرائيلية. ورغم ذلك، طمأن الرئيس الأمريكي جون بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن واشنطن سوف تدافع عن إسرائيل في حال حدوث هجوم من إيران ووكلائها. وأثناء مكالمة هاتفية تتعلق بالحرب الإسرائيلية في غزة، أوضح بايدن لنتنياهو "أنه يستطيع التعويل على الدعم الأمريكي لمساعدتهم في الدفاع عن النفس ضد التهديدات الإيرانية المباشرة والعلنية".
ماذا بعد؟
يعد اغتيال اللواء زاهدي بمثابة الضربة الأكبر التي عانت منها إيران منذ اغتيال قاسم سليماني في يناير 2020. بيد أن خسارة زاهدي كان أكثر مرارة من خلال الانتهاك الرمزي للسيادة الإقليمية الإيرانية.
وبعد معاناتها من تلك الضربة الدراماتيكية، تدرس إيران الآن خيارات الرد، لاسيما شن ضربة صاروخية مباشرة على إسرائيل، أو القيام بعمليات سرية ضد أهداف إسرائيلية بالخارج، أو مهاجمة إسرائيل أو أهداف تتعلق بها بواسطة وكلاء إيران في لبنان وسوريا واليمن والعراق، أو حتى هجمات ضد قوات وأهداف أمريكية في المنطقة.
يواجه القادة الإيرانيون مهمة ليست بالسهلة لانتقاء أحد هذه الخيارات. من ناحية، لا تستطيع إيران الهروب من توجيه رد فعل قوي، وأن تُظهر للإسرائيليين قدرتها على الانتقام. ومن ناحية أخرى، تسعى إيران، بالتأكيد، إلى تفادي مواجهة شاملة مع إسرائيل وتصعيد الصراع بين حماس وإسرائيل إلى باقي المنطقة، وتواجه تحديا كبيرا في الموازنة بين كل هذه الأمور.
بالنظر إلى هذه الاعتبارات، يبدو أنّ شن ضربة صاروخية إيرانية مباشرة ضد الأراضي الإسرائيلية الخيار الأبعد احتمالاً، إذ أنه من الممكن أن يتحول بسهولة إلى سبب للحرب والتصعيد. وعلى النقيض، تبدو الهجمات ضد أهداف إسرائيلية بالخارج بواسطة وكلاء إيران الخيار الأكثر ترجيحًا مما يسمح لطهران بالدفاع عن صورتها الدولية واستعادة كبريائها القومي مع تفادي مخاطر الانجرار إلى صراع. في حقيقة الأمر، يتبادل حزب الله النار بشكل شبه يومي مع إسرائيل منذ أكتوبر. كما استهدف الحوثيون حركة الشحن المرتبطة بإسرائيل والدولية في البحر الأحمر على مدار نصف العام الماضي.
المؤكد أنّ الورطة الإيرانية تضع إسرائيل في موقف المنتصر. إذا صعدت إسرائيل هجماتها ضد أصول إيرانية في المنطقة، من المرجح ألا تدفع ثمنا باهظا مقابل ذلك. وإذا صعدت إسرائيل هجماتها ضد أصول إيرانية بالمنطقة وردت إيران بقوة، سوف يكون ذلك بمثابة مبرر لإسرائيل لتوسيع الحرب.