اجتماع ضم أعضاء المجلس الرئاسي الثمانية (أرشيف - سبأ)
02-04-2024 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
فريدة أحمد، إياد قاسم
مرّ عامان منذ أن أُعلن في 7 إبريل 2022 عن تشكيل مجلس قيادة رئاسي مكوّن من ثمانية أعضاء، في العاصمة السعودية الرياض، بعد أن نقل الرئيس السابق عبدربه منصور هادي سلطته إلى المجلس الجديد في خطوة غير متوقعة. جاء ذلك بعد أيام من مشاورات رعاها مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية، وجمعت الأطراف اليمنية المناهضة للجماعة الحوثية، وحظيت بدعم إقليمي ودولي.
مثّل تشكيل المجلس الرئاسي، نقطة تغيير حاسمة بعد 7 سنوات من الصراع وسياسة الفشل في إدارة الأزمة سياسياً وعسكرياً بقيادة هادي. إذ منيت الرئاسة اليمنية السابقة بإخفاق ذريع في ملف الاقتصاد والخدمات، وسبّب عدم احتواءها الأطراف والقوى السياسية والعسكرية المتحالفة معها ضد معسكر الحوثيين، وسعيها الدؤوب لمحاربة هذه القوى على الأرض، إلى خلق صراعات وخصومات بينية. وساهمت بشكل واضح، سيطرة حزب الإصلاح الإسلامي "الإخوان المسلمون في اليمن" على قرار رئاسة هادي؛ في تأجيج الأوضاع والانقسامات في مناطق سيطرة الحكومة، مما أدى لانصراف القوى العسكرية عن مواجهة الحوثيين بمعارك جانبية وخسارتهم لكثير من الأراضي في شمال اليمن لصالح الحوثيين.
أكثر ما كان ملفتاً في التشكيلة الرئاسية، هو الجمع بين قادة متباينين يحملون مصالح ومشاريع مختلفة ومعظمهم يتمتع بشرعية ونفوذ متفاوت على الأرض، وعلى رغم أهمية أن يكون هناك مرحلة توازنات تجمع بين كافة الأطراف المختلفة، إلّا أنّ هذه التركيبة من الأضداد مثّلت تحدياً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً كبيراً خلال العامين الفائتين. علاوةً على ذلك، باتت المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بدعم السعودية وعمان، أكثر تعقيداً وصعوبة. ساهمت التطورات التصعيدية الأخيرة في البحر الأحمر وخليج عدن، الناتجة عن حرب إسرائيل على غزة بصورة رئيسية، بتأجيل أي حديث عن السلام في اليمن، خاصة في ظل عدم انخراط الدول الإقليمية وفي مقدمتها السعودية ومصر والإمارات في أي تحالف بحري جديد من شأنه كبح جماح الجماعة الحوثية.
لم يكن تأثير تشكيل مجلس رئاسي مناصفة بين الشمال والجنوب، حلاً سحرياً للأزمة الممتدة في اليمن منذ ثلاثة عقود، بالرغم من التقدّم الإيجابي نوعاً ما بشأن قضية الجنوب، التي كان يتم إرجاء الحديث بشأنها إلى حين التوصّل لاتفاق على مرحلة انتقالية ثم حوار شامل لاحقاً. فقد فرض وجود رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، كنائب في الرئاسي إلى جانب عبدالرحمن المحرمي وفرج البحسني، في وضع القضية في مفاوضات الحل الشامل التي تسبق الانتقال للتسوية النهائية. وعيّن الانتقالي فريقاً لوفده التفاوضي استعداداً لذلك؛ عبر ما أسماها وحدة شؤون المفاوضات. مع ذلك، ورغم انضمام النائبين في المجلس الرئاسي (المحرمي، والبحسني) إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، كأحد ثمرات اللقاء التشاوري الجنوبي الذي انعقد في مايو العام المنصرم، لم يكن تأثير الجنوبيين بارزاً في اتخاذ خطوات جريئة. فقد حصلوا على مساحة ضئيلة من المناورة السياسية من وقت لآخر؛ لكنّها سرعان ما تغيب نتيجة بعض الضغوط الإقليمية، كما إنّ دورهم غاب عن الانخراط المباشر في مساعي السلام مع الحوثيين العام الماضي، شأنّهم شأن المجلس الرئاسي والحكومة المعترف بها عندما سلّموا الدفة للرياض ومسقط.
صعوبة اتخاذ القرارات
إنّ أبرز معضلة واجهت مجلس القيادة الرئاسي والحكومة ومؤسساتها خلال العامين الفائتين، هو صعوبة اتخاذ القرارات. يأتي ذلك نظراً لغياب التوافق بين الأطراف المناهضة لمعسكر الحوثيين، واختلافهم في كثير من الملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية، نتيجة اختلاف المشاريع الاستراتيجية لهذه القوى، وعلى رأس تلك القضايا، "قضية شعب الجنوب"، التي يعبّر عنها معظم الجنوبيين باستعادة دولة جنوب اليمن التي كانت قائمة بحدود عام 1990 إلى ما قبل الوحدة اليمنية. وعلى رغم استيعاب الرئاسي مختلف الأطراف في سلطة واحدة مشتركة إلا أنه عجزت عن اتخاذ بعض القرارات الحاسمة. إنّ من شأن توافق أعضاء المجلس الرئاسي على منح "قضية الجنوب" أولوية في المفاوضات السياسية أنّ يعزز من تماسك المجلس وإدراته للأزمة في البلاد.
كان أيضاً من المتوقع أن تكون نقطة البداية الحيّوية للتغيير المؤسساتي، هو بناء إجماع بشأن تشكيل حكومة جديدة، بعد فشل حكومتيّ معين عبد الملك منذ أكتوبر 2018. ورغم تعيين رئيس وزراء جديد للحكومة الشهر الماضي كخطوة متأخرة منذ تولي الرئاسي سدة الحكم قبل عامين، إلا أن تعيينه أُشترط أن يكون من ضمن تشكيلة الحكومة السابقة وفقاً لمصادر خاصة بمركز سوث24، كما أنّ التعيينات المفترضة لباقي أعضاء الحكومة مازال مؤجلاً وبالتقسيط المريح، ليس آخر ذلك تعيين وزير خارجية جديد قبل أيام. هذا الأمر يكشف بجلاء حقيقة المعضلة التي تكتنف السلطة الراهنة في مسألة اتخاذ القرارات أو التوافق حولها، الأمر الذي أجّل كثير من العمل والإصلاحات في مؤسسات الدولة وبالتبعيّة عطّل تحسين مستوى المعيشة والخدمات.
علاوةً على ذلك، غاب نشاط اللجنة العسكرية العليا التي تشكّلت في مايو 2022، والذي كان من أولوياتها، إعادة تموضع القوات العسكرية وإيجاد صيغة مخرجات ومقررات توافقية متعلقة بهيكلة القوات العسكرية والأمنية، وكذا تعزيز وضع جبهات المواجهة العسكرية ضد جماعة الحوثيين تحت إشراف وزير الدفاع، لكنّ ذلك لم يحدث أيضاً وظلّت اللجنة شكلية حتى اللحظة. إضافة لذلك، كانت الاجتماعات الدورية في الملفات الأكثر محايدة مثل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أو هيئة مكافحة الفساد شبه غائبة، إذ من الواضح أنّه لا يوجد جدول أعمال محدد للمجلس الرئاسي. وحتى الآن، لا يبدو أنّ لدى الرئاسي قائمة أولويات، خاصة في تحريك التعيينات الأخرى في المؤسسات، رغم أنّ الإنجاز في تعيينات القضاء كان سريعاً إلى حد ما، وكان من المتوقع أن تمضي بقية التعيينات على نفس الوتيرة.
وبالتزامن مع تشكيل المجلس الرئاسي، كانت السعودية والإمارات، قد أعلنتا عن تقديم منحة مقدارها 3 مليارات دولار، كدعم عاجل لاقتصاد اليمن، غير أنّ ضعف المؤسسات بشكل كبير وبطئ التقدّم في الإصلاحات، ساهم بنوع من الركود وتأجيل رفد خزينة البنك المركزي اليمني في عدن بما تبقى من المنحة المالية، التي لم يدخل منها البنك المركزي سوى نحو 750 مليون دولار وفقا لمصادر مطلّعة تحدّثت لمركز سوث24. كما يبدو أنّ السعودية باتت تشترط إجراءات حوكمة شديدة يفترض تطبيقها من الجانب اليمني لتلافي الفساد الذي ظهر خلال التصرف بالودائع السابقة. وإلى جانب ذلك، تستخدم الرياض تقديم منحتها وفقا لتطورات الوضع السياسي وتقدّم عملية المفاوضات مع الحوثيين.
وفي أبريل العام الماضي، وُجهت اتهامات للبنك المركزي بالقيام بعمليات غسيل أموال تحت مبرر احتياطات البنوك المحلية في الخارج، ولم يسلّم المسؤولون في البنك المركزي أي بيانات أو تفاصيل حول عديد من التساؤلات فيما يتعلق بعائدات الوديعة السعودية. كما واجهت الحكومات السابقة اتهامات أممية، بخصوص فساد في التصرف بالوديعة السعودية السابقة وسياسات المصرف المركزي، رغم نفي الحكومة وتراجع التقرير الأممي لاحقا عن بعض تلك الاتهامات.
ولأنّ الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية للبنك المركزي في عدن في حساباته بالخارج باتت محدودة وفقا لمصادر مركز سوث24، لجأ البنك لإجراءات جديدة لإدارة المعروض النقدي من العملة الأجنبية في السوق المحلي، من خلال إنشاء الشبكة الموحدّة، التي اعتبرها خبراء خطوة هامة، يستطيع البنك المركزي من خلالها المراقبة الوطيدة لحركة الأموال داخل شركات الصرافة والبنوك. هذه الرقابة المعززة تسمح للبنك المركزي بتتبع أصل ووجهة الأموال والتيقن من الشفافية والمساءلة في الصفقات المالية.
كما أنّ خطوة إعلان البنك المركزي في صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين، عن طباعة عملة معدنية جديدة من فئة (100 ريال يمني) لتعويض الأوراق التالفة، تفاقم من حدة الأزمة الاقتصادية، وسط تحذيرات من انهيار قيمة العملة في مناطق سيطرة المليشيا. وردا على ذلك أصدر مركزي عدن، يوم 2 أبريل، قرارا دعا فيه كافة البنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر المحلية والأجنبية إلى نقل مراكزها الرئيسية من صنعاء إلى عدن خلال فترة ستين يوما، متوعدّا بإجراءات عقابية لمن يخالف ذلك. تمنح مدة الستين يوما، على ما يبدو، فرصة لإجراء مفاوضات مع الحوثيين والضغط على الجماعة لسحب العملة المطبوعة حديثا. ولم يتخذ البنك المركزي في عدن مثل هكذا خطوة شبيهة بحق الجماعة الحوثية منذ نقله إلى عدن، رغم مضي أكثر من عام على تصنيفها محليا كجماعة إرهابية. لكنّ خطوة طباعة الحوثيين لعملة جديدة دفعت صحفيين وخبراء من شمال اليمن - اطلع على تصريحاتهم مركز سوث24 – إلى التحذير من تبعاتها على "ما تبقى من الدولة الوطنية" وتكريس واقع ما يصفونه بـ "الانفصال" بين الشمال والجنوب.
وعوضا عن الاكتفاء بسياسة رد الفعل، ستحتاج المؤسسات الشرعية في الدولة إلى إعادة النظر في القرارات المؤجلة باستمرار، ومحاولة إيجاد صيغ للتوافق حولها، ومتابعة ما يمكن أن تُسفر عنه هذه الخطوات. إن السنة الثانية لإنشاء مجلس قيادة رئاسي بدون تقدم، هي لحظة مناسبة للاعتراف بأوجه القصور الواضحة في قدراته السياسية والاقتصادية والعسكرية، من شأن ذلك أن يضمن تصحيح وضع المجلس والحفاظ على تماسكه، وحتى لا تصبح الأمور أكثر تعقيداً مما هي عليه اليوم.
تعقيدات من نوع آخر
في العام التالي من تشكيل المجلس الرئاسي، برزت لأعضائه الجنوبيين بالذات تحديات عدة من بينها، تشكيل وظهور مكوّنات سياسية جديدة في جنوب اليمن. لم يُفهم من هذه الخطوات التي رعتها السعودية إلى جانب الأحزاب السياسية اليمنية؛ سوى أنّها أتت للتأثير على المشهد السياسي جنوباً في ظل الشعبية والنفوذ الكبير الذي يتمتع به المجلس الانتقالي الجنوبي، خاصة بانضمام عضوين من المجلس الرئاسي إلى المجلس الانتقالي. حتى الآن، لم يحمل "مجلس حضرموت الوطني" المعلن في يونيو 2023، أي مشروع سياسي واضح، سوى مسؤولية الدولة في معالجة مظالم حضرموت، وحق المجتمع المحلي في إدارة شؤونه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفقاً للوثيقة السياسية والحقوقية الصادرة عنه. يأتي ذلك بعيداً عن إدارة الحضارم عسكرياً لمناطقهم، وفي ظل سيطرة قوات المنطقة العسكرية الأولى التابعة للإخوان المسلمين على وادي وصحراء حضرموت. كما لم يختلف عنه "المجلس الموحد للمحافظات الشرقية" الذي أعلن لاحقا، فمازال كثير من الجنوبيين يعتبرونه مشروعاً ضبابياً، ومحاولة أخرى لتشتيت الجهود في لملمة الصف الجنوبي.
من ناحية أخرى، برزت تعقيدات على مستوى إقليمي ودولي في ظل تصعيد الحوثيين المطّرد من هجماتهم على السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن. إذ اكتفى المجلس الرئاسي بتحميلهم مسؤولية أي عواقب قد تنجم عن ذلك. سيؤدي استمرار التصعيد الحوثي في المنطقة دون ضغط أكبر من المجلس الرئاسي على الجهات الإقليمية والدولية باتخاذ ردود فعل أقوى، إلى تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن بشكل أكثر كارثية، وستزداد صعوبة تأمين الاحتياجات الغذائية والأساسية على المستوى المحلي خلال الأشهر المقبلة. كما إنّه وبدون دعم أعضاء المجلس الرئاسي والقوى العسكرية المحلية التابعة لهم على الأرض لطرح خيارات أكثر فاعلية ضد الحوثيين، لن تستقر الأوضاع في اليمن لوقت طويل، في ظل تمسك الجماعة بخطاب العنف والحرب. وفي حال جنحت الأخيرة للسلم، فهناك احتمالية أن ترفع الجماعة الحوثية سقف مطالبها وشروطها في الملف اليمني، مقابل المقايضة بإيقاف الهجمات على السفن في البحر الأحمر، وستدفع السلطة المعترف بها دوليا في سبيل ذلك ثمناً مضاعفاُ، فيما إذا تعرضت لضغوط دولية في نهاية المطاف.
في المحصّلة، ليس من الواضح ما إذا كان مجلس القيادة الرئاسي ومؤسساته الشرعية في اليمن مستعداً لقراءة الوضع الراهن برصانة. ولكن من المؤكد أن الأمر سوف يتطلب أكثر من مجرد رئيس وزراء متحمس أو مجموعة تعيينات ملحقة به للتعامل مع هذه التحديات، أو ما إذا كان الرئاسي سيضع وزناً أقل لعلاقته مع دول الإقليم، ما يخلق له قدرة أكبر على المناورة وبالذات في مواقفه تجاه الحوثيين.
قبل 3 أشهر