مشاريع

دراسة بحثية: أزمة المياه في الضالع وتداعياتها على النساء والفتيات

المؤتمر الصحفي (مركز سوث24)

28-04-2024 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | عدن


حذر مؤتمر صحفي نظمه مركز سوث24 للأخبار والدراسات اليوم الأحد في العاصمة عدن من التداعيات الخطيرة لأزمة المياه في محافظة الضالع بجنوب اليمن وتأثيراتها الممتدة على النساء والفتيات، وبالأخص في مديريتي الحصين والأزارق.


المؤتمر الذي أشهرت فيه دراسة صادرة عن المركز تم العمل عليها منذ مطلع العام الجاري ضمن مشروع مولته منظمة Urgent Action Fund الأمريكية، تطرق إلى المأساة الإنسانية الناتجة عن أزمة المياه في محافظة الضالع.


واستعرض المؤتمر فيلمًا وثائقيًا بحضور وزير المياه في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ورئيس الإدارة الخارجية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وممثلي منظمات دولية ومحلية، وناشطات نسويات وأكاديميين ومراسلي القنوات والصحف. 



المؤتمر الصحفي (مركز سوث24)


وتضمن الفيلم الوثائقي الذي حمل عنوان "قطرة صعبة" مقابلات مصورة مع النساء والفتيات والرجال والأطفال في مديريتي الأزارق والحصين، ومسؤولي السلطة المحلية في محافظة الضالع، ووزراء من الحكومة اليمنية في عدن.


وأظهر الفيلم فتيات وأطفالًا تعرضوا لتشوه العظام وحالات الكساح وتسوس الأسنان بسبب شرب المياه الملوثة بنسب عالية من الفلورايد في مديرية الحصين. ومطالبات الأهالي بتوفير المياه النظيفة وكبح جماح الأزمة المتفاقمة.




وضمن كلمة مركز سوث24، قال مدير المكتب الإقليمي للمركز في عدن يعقوب السفياني إن أزمة المياه في محافظة الضالع، تتجاوز الأبعاد التقليدية لأزمات المياه في أي مكان آخر بوصفها أزمة مائية وصحية واجتماعية ووجودية في ذات الوقت.


وانتقد السفياني تجاهل الجهات المسؤولة لطلبات مركز سوث24 لإجراء مقابلات معها للحديث عن هذه الأزمة الإنسانية، وعلى وجه الخصوص وزارة الصحة اليمنية، رغم التداعيات الصحية الخطيرة لهذه الأزمة.


وتحدثت رئيسة دائرة المرأة والطفل في المجلس الانتقالي الجنوبي ياسمين حميد عن أوجه معاناة النساء والفتيات بشكل خاص من أزمة المياه في الضالع. وقالت إنهن الشريحة الأكثر تضررا صحيًا وجسديًا ونفسيًا واجتماعيًا.


وأشارت حميد إلى حالات الوفاة في صفوف النساء والفتيات جراء السقوط في الآبار ومن المنحدرات خلال البحث عن المياه. ولفتت إلى أن أزمة المياه في الضالع تسببت بتسرب آلاف الفتيات من المدارس، وحالات الزواج المبكر.


وأوضح مدير الصحة في مديرية الحصين بالضالع د. محمد عبد الله أن المياه الجوفية الملوثة بنسب عالية من الفلورايد بلغت أضعاف النسبة الطبيعية تسببت بمئات الحالات من الكساح التام والجزئي والتشوهات العظمية في المديرية.


وأشار إلى أنه خلال مسح ميداني عام 2017 شمل 20 قرية في مديرية الحصين، تم تسجيل 301 حالة كساح و1027 حالة تشوهات عظمية وتسوس للأسنان وهشاشة العظام المتفاوتة، أغلبها من النساء والفتيات.



حالات تشوه أسنان رصدها فريق مركز سوث24 في مديرية الحصين في يناير 2024 (مركز سوث24)

وفي البيان الصحفي الختامي لمركز سوث24، تم التحذير من أن أزمة المياه في الضالع "هي مأساة إنسانية متكاملة الأركان، تهدد بتعميق  النزاعات المحلية المسلحة على موارد المياه على المدى القريب المنظور".


كما حذر البيان من "زيادة الكلفة الإنسانية التي تتحمل النساء والفتيات النسبة الأكبر منها ويشمل ذلك الحرمان من التعليم والزواج المبكر  والمشاكل الاجتماعية والأسرية المرتبطة بشكل وثيق بهذه الأزمة".


وأضاف: "يدعو مركز سوث24 الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، ومنظمات الأمم المتحدة  وشركائها المحليين في اليمن، إلى التدخل العاجل للتعامل مع أزمة المياه في محافظة الضالع على كل المستويات، وحماية السكان وبالأخص النساء والفتيات من التداعيات الوخيمة لهذه الأزمة".



المؤتمر الصحفي (مركز سوث24)


وأوصى البيان المجتمع الدولي والجهات المانحة، بتخصيص أموال لدراسات نوعية حول أزمة المياه، مع التركيز على تأثيرها على النساء، والضغط على الحكومة لإشراك النساء في صنع القرار المتعلق بإدارة المياه.


وتضمن البيان توصيات لمنظمات المجتمع المدني  بتخصيص جزء من البرامج لأزمة المياه، ونشر الوعي حول الحصول على مياه آمنة وصرف صحي.


وقال البيان: "ندعو إلى تبني الحلول المقترحة في الدراسة الصادرة عن مركز سوث24، مثل تقنيات حصاد الأمطار التقليدية مثل الصهاريج والأحواض المفتوحة والمغلقة، والري السيلي (الأفلاج). وتقنيات الحصاد غير التقليدية..".


وذكر البيان بعض تقنيات الحصاد غير التقليدية مثل تجميع مياه الضباب وتكثيفها وتعميم التجارب التي تمت في محافظات أخرى.



المؤتمر الصحفي (مركز سوث24)


الدراسة


الدراسة الصادرة عن المركز المكونة من 68 صفحة، والمعنونة بـ "أزمة المياه في محافظة الضالع وتأثيراتها الممتدة على النساء والفتيات - دراسة حالة: مديريتي (الأزارق والحصين)"، والتي أعدها كل من فريدة أحمد، راشا عبيد، يعقوب السفياني تضمنت عددًا من الفصول:


- أولاً: خلفية عامة عن أزمة المياه في اليمن.

- ثانياً: شُح المياه شبح يُخيّم على محافظة الضالع.

- ثالثاً: (الأزارق والحُصين) إحدى صور المعاناة في ندرة المياه.

- رابعاً: ممارسات إيجابية صديقة للبيئة في اليمن.


واستندت الدراسة على مقابلات ميدانية نفذها فريق من المركز في محافظة الضالع (آدم محمد، هبة الله هاش، فؤاد جباري، رائد علي شائف)، تضمنت قرابة 100 شخصًا من النساء والفتيات والأطفال والشخصيات الاجتماعية في مديريتي الحصين والأزارق، ونحو 15 من المسؤولين في المحافظة والحكومة في عدن، من بينهم وزير المياه والبيئة، ووزير الزراعة والري.


وأشارت الدراسات إلى بعض الأرقام التي تعكس جانبًا من مأساوية الأزمة، من بينها حالات الوفيات بسبب السقوط في الآبار أو من المنحدرات في رحلة البحث عن المياه بمديرية الأزارق التي بلغت 30 حالة خلال 2023 و2022. كما تضمنت قصص إنسانية موثقة لمصابات بالكساح من الفتيات بسبب شرب المياه الملوثة بالفلورايد.


واستنادا على جلسات النقاش البؤرية مع النساء في الحصين والأزارق، واللقاءات مع الرجال، قالت الدراسة إن النساء يتحملن بنسبة 91% مسؤولية جلب المياه. 



جانب من بروشور تم توزيعه خلال المؤتمر


واقترحت الدراسة حلولا صديقة للبيئة قالت إنها قد تساعد في التخفيف من أزمة المياه، مثل تقنيات حصاد الأمطار التقليدية مثل الصهاريج والأحواض المفتوحة والمغلقة، والري السيلي (الأفلاج). وتقنيات الحصاد غير التقليدية مثل تجميع مياه الضباب وتكثيفها وتعميم التجارب التي تمت في محافظات أخرى.


واستخلصت الدراسة النتائج الرئيسية التالية:


• إنّ ندرة المياه في اليمن بشكل عام، تشكّل أزمة من الصعب التنبؤ بمدى تأثيراتها، لا سيّما وإنّ نصيب الفرد من المياه النقية في اليمن يتناقص بشكل متصاعد سنوياً. وتهبط معه نسبة توفير المياه بمقدار 25%. 


• تستهلك شجرة القات التي يتم زراعتها في مختلف مناطق اليمن بشكل كثيف، على 40% من المياه المستخدمة في البلاد. إذ دأب المزارعين على حفر المزيد من الآبار الجوفية وتعميقها بصورة عشوائية، لتلبية الطلب المتصاعد لإنتاج القات. هذا الأمر سبّب أزمة صحية للسكان أولاً نتيجة أضرار القات، وأدى ثانياً إلى استهلاك كميات أكبر من المياه على حساب نصيب الأفراد. 


• أثّر شحّ المياه في محافظة الضالع بكثير من مديرياتها على الأمن البيئي، كما أدت الاستخدامات والطرق غير المسؤولة في استخراج المياه إلى تلوّثها، مما سبّب كوارث بيئية وصحية على السكان، وكانت النساء والأطفال الأكثر تضرراً، وبالذات في مديريات الأزارق والحُصين محل الدراسة. 


• إنّ تفجير "سد النُخيلة" بمديرية الأزارق بالضالع الذي يعد أحد أهم وأكبر السدود في المحافظة، وتضرر بنسبة 80%، فاقم أزمة المياه بشكل كبير، في ظل نسبة الجفاف المرتفعة وقلة هطول الأمطار. إذ كان السكان يعتمدون عليه كمصدر رئيسي من مصادر المياه لمنازلهم ولري الأراضي الزراعية والمواشي. 


• إنّ معاناة النساء والفتيات في مديريات الأزارق والحُصين تتفاقم بشكل مخيف، إذ بسبب تحمّلهن مسؤولية جلب المياه للمنازل، فإنّهن الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض وبالتبعيّة نقلها لأطفالهن. فضلاً عن تعرضهنّ للعنف المنزلي وفقدهن لكثير من فرص التعليم والأعمال المدرّة للدخل وممارسة أمور الحياة الطبيعية. 


• على الرغم من أنّ مركز سوث24، قد غطى في تقرير سابق، أزمة انتشار مادة "الفلورايد" في المياه المستخرجة بعمق من الآبار الجوفية، إلاّ أنّه اكتشف أثناء إجراء الدراسة ومن خلال بعض المقابلات والبيانات والصور الحديثة، أنّ الأزمة وصلت لمستويات متقدمة من الخطورة، ولوحظ ذلك في التشوّهات الظاهرة على السكان من خلال لين العظام وتلف الأسنان، مما قد يؤدي ذلك مع الوقت إلى كارثة بيئية وصحية قد تؤدي إلى الإعاقة الدائمة أو الوفاة على المدى المتوسط والبعيد. 


• إنّ الاستمرار في شرب مياه ملوّثة في مديريات محافظة الضالع، سيؤثّر بصورة عميقة على مستوى الصحة الإنجابية والخصوبة لدى الجنسين، وسيقلّل من نسبة مواليد المحافظة.


• إنّ عدم تخصيص ميزانية للسلطة المحلية بمحافظة الضالع من قبل الحكومة، لسد الفجوات وتنفيذ حلول طارئة لأزمة المياه في المديريات المتضررة بالدرجة الرئيسية، سيؤدي بالضرورة لتفاقم الأزمة الصحية والبيئية الكارثية في المحافظة. 


• إنّ التدخلات المحدودة من قبل المنظمات الدولية العاملة في جانب المياه والإصحاح البيئي، وفقاً لكثير من السكان والمسؤولين في محافظة الضالع، مازال غير كافٍ. وطرح الأغلبية من السكان أنّ تدخلات أوسع للمنظمات الدولية وطرحها لمعالجات أكثر نجاعة، من شأنه أن يحسّن من الوضع البيئي والصحي للسكان.


• إن الحلول المطروحة والممارسات الإيجابية الصديقة للبيئة، سواء بطرق حصاد المياه التقليدية أو غير التقليدية، يمكن أن تعالج أزمة المياه الملحّة خصوصاً وأنّها استخدمت في كثير من مناطق اليمن، لكنّها ستكون أكثر فائدة إذا ما تمّ تحسين البنية التحتية لضمان استدامة حصاد المياه. 


كما وضعت التوصيات التالية:


1- للمجتمع الدولي والجهات المانحة:


• تخصيص جزء من المنح المالية لدعم المراكز البحثية ومنظمات المجتمع المدني العاملة على الأرض في نطاق المناطق المتضررة، لإجراء مزيد من الدراسات والأبحاث المتخصصة عن أزمة المياه، وبالذات في الدراسات القائمة على النوع الاجتماعي، في ظل عدم توفّر بيانات أو إحصائيات دقيقة على الصعيد المحلي. 



جانب من بروشور تم توزيعه خلال المؤتمر


• ممارسة الضغط على الحكومة المعترف بها دولياً على ضرورة إشراك المرأة في صناعة القرار، إذ يمكن أن يساعد إشراكهن في مراكز النفوذ والتأثير؛ وبالذات في مجال إدارة المياه، على ضمان احتياجات النساء واهتماماتهن، وكذا الحد من معاناتهن.


• أهمية أن يكون للمنظمات الدولية العاملة في مجال المياه والبيئة؛ حضوراً أوسع في المناطق المتضررة من مديريات محافظة الضالع. ومحاولة تغيير هذه المنظمات لآلياتها المتبعة في المعالجات وسد الفجوات في مشكلة المياه بطرق أكثر استدامة، والعمل في إطار مشترك مع المنظمات المحلية، ليستفيد السكان بأكبر قدر ممكن من النتائج والمعالجات. 


2- لمنظمات المجتمع المدني المحلية:


• تخصيص جزء من المشاريع والبرامج لأزمة المياه وتأثيراتها السلبية على السكان في المديريات المتضررة بمحافظة الضالع. ونشر التوعية عن أهمية حصول الجميع على مياه مأمونة وخدمات صرف صحي نظيفة، بدون فوارق جنسية أو عنف قائم على النوع الاجتماعي.


• القيام بحملات مناصرة متواصلة على وسائل التواصل الاجتماعي للتوعية بضرورة ترشيد استهلاك المياه والمحافظة عليها، على اعتبار أنّها مورد يتسم بالندرة. 


3- للجهات الرسمية في الحكومة المعترف بها دولياً:


• تخصيص ميزانية لتنفيذ مشاريع أكثر استدامة لمصادر المياه في المناطق المتضررة بيئياً وصحياً منها محافظة الضالع. وإجراء مسوحات شاملة للكشف عن مصادر جديدة للموارد المائية، ودراسة مدى إمكانية الاستفادة منها. إضافة إلى سرعة معالجة الوضع الصحي للمتضررين من مادة الفلورايد في هذه المناطق.


• ضرورة سن قوانين وتشريعات من شأنها المحافظة على الموارد المائية ودعم صيانتها، ومحاسبة الجهات التي تتسبّب بهدرها وتلويثها عبر الحفر العشوائي العميق لبعض الآبار، أو احتكارها من خلال توزيعها على فئات معينة من المجتمع، مما يسبب نزاعات متواصلة بين الأهالي. 


• ضرورة إشراك المرأة في مراكز صنع القرار، ومن ضمنها الإدارات التنفيذية المختلفة للمياه، إذ سيكون تمكينها وتأثيرها في السياسات والاستراتيجيات المتعلقة بإدارة المياه أكثر فائدة، لاسيّما وأنّ النساء والفتيات هن الأكثر ضرراً من شحّ المياه ومن تبعات سوء الإدارة الراهنة في التعامل مع الأزمة. 




- مركز سوث24 للأخبار والدراسات

- يمكن تحميل الدراسة مجانًا بصيغة بي دي إف (من هنا)

- لمشاهدة الفلم الوثائقي على قناتنا في يوتيوب (من هنا)





شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا