عمالة الأطفال في عدن، يوليو 2022 (مركز سوث24)
08-06-2024 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
"لا ترتبط ممارسات عمالة الأطفال في مناطق الحرب بالأطراف المتحاربة فقط. بدلا من ذلك ، يمكن أيضا أن تمارسها الأسر كآلية تكيف ضارة للتعامل مع الفقر"
سوث24 | د. مارتا فورلان
في المناطق التي تتأثر بالصراعات، تأتي الخسائر البشرية والتدمير المادي ضمن الآثار المباشرة والأكثر وضوحا للحرب. ومع ذلك، ترتبط الصراعات المسلحة أيضا بتأثيرات غير مباشرة وأقل وضوحًا لكنها ضارة للغاية. أحد هذه التأثيرات غير المباشرة يتمثل في عمالة الأطفال التي تعرفها منظمة العمل الدولية بأنها "عمل محفوف بالمخاطر نفسيًا وجسديًا واجتماعيًا وأخلاقيًا ويضر الأطفال ويؤثر على تعليمهم".
عمالة الأطفال في الصراع اليمني
لسوء الحظ، رغم أنه ليس بالمفاجأة، فإن اليمن الممزقة بالحرب ليست استثناء، إذ أن هناك العديد من الأطفال في أرجاء الدولة مجبرون على الالتحاق بعمل ما.
في عام 2013، كشفت آخر إحصائيات يعتد بها، أن 17% من أطفال اليمن في الحقبة العمرية بين 5-17 عامًا (1.3 مليون إجمالًا) ضالعون في "عمالة الأطفال". اليوم، بينما دخل الصراع اليمني عامه العاشر، وخرج أكثر من مليوني طفل من المدارس، ويعيش أكثر من 80% من السكان في فقر متعدد الأبعاد، فإن الأرجح هو حدوث زيادة كبيرة في عدد الذين يعانون من عمالة الأطفال.
تتضمن الأشكال الأكثر وضوحًا من عمالة الأطفال في اليمن ما يلي:
● البيع في الشوارع والأسواق: في الشوارع وفي أسواق المدن اليمنية الرئيسية، يًشاهد أطفال يبيعون منتجات أمثال القات والخضروات وزجاجات المياه ومنتجات التجميل. بعض هؤلاء الأطفال يتم دفعهم للبيع بواسطة عائلاتهم اليائسة. آخرون، لا سيما من يعيشون بمفردهم، يتم تجنيدهم وإجبارهم على البيع من خلال بالغين لا تربطهم بهم صلة. في حالات أخرى، تجد أطفالا فرادى في الشوارع لا يرعاهم أحد، يجمعون ما يجدونه حولهم(مثل المعادن)، ويحاولون بيع "بضاعتهم" للمارة.
● غسيل السيارات: بجانب الأطفال الذين يبيعون السلع، تعج شوارع مدن اليمن أيضًا بأطفال يقتربون من السيارات بزجاجة ماء وأداة تنظيف الزجاج الأمامي ويعرضون على السائقين تنظيف نوافذهم مقابل ريالات زهيدة.
● الزراعة: في أرجاء اليمن، يتم إجبار الأطفال على الضلوع في إنتاج محاصيل مختلفة (الطماطم، الخيار، البطاطس، القات..الخ). وبينما يعمل الأطفال في الزراعة والحصاد، يتعرضون لمخاطر المبيدات الحشرية والآلات الزراعية الثقيلة وساعات العمل الطويلة. وفي هذا المجال، يتم توظيف الإناث والذكور للعمل على حد سواء.
● الميكانيكا، النجارة، وورش المعادن. غالبا ما تجد أطفال ذكور في اليمن يعملون ميكانيكيين في ورش تصليح السيارات أو في جوانب الطرق الرئيسية والسريعة. آخرون يعملون نجارين وعمال معادن. يتعامل الأطفال في هذه القطاعات مع معدات خطيرة ويتعرضون لمخاطر درجات حرارة مرتفعة والإصابة بجروح شديدة.
● التجنيد: إن كافة أطراف الحرب اليمنية ضالعون في تجنيد أطفال واستخدامهم في المعركة. ومع ذلك، تم اكتشاف أن الحوثيين هو الطرف الأكبر مسؤولية بشأن تجنيد الأطفال. وبما أن الأطفال جزء من آلة الحوثيين القتالية، يتم إجبارهم على تنفيذ أدوار قتالية وزرع الألغام وحراسة نقاط التفتيش والعربات المدرعة والمباني. وبالإضافة إلى هذا، يتم استغلال الأطفال (بما في ذلك الإناث) بشكل مستمر كحمالين يحملون الذخيرة والطعام إلى مقاتلي الجبهات الأمامية، وكذلك يستخدمون كجواسيس وطهاة ومجندين لأطفال آخرين. ويعمل الأطفال كذلك على انتشال الجرحى والقتلى وتقديم الإسعافات الأولية.
التداخل بين الصراع وعمالة الأطفال
بعيدا عن كونها ظاهرة فريدة للصراع اليمني، فإن حدوث عمالة الأطفال في سياقات الحرب موثق بشكل جيد في شتى أرجاء العالم.
أولا، تستخدم الأطراف المحاربة (لاسيما الجماعات المسلحة) عمالة الأطفال لفرض السيطرة على المجتمعات، وتقويض الثقة في الحكومة، وزيادة القوة العسكرية والتأثير الاجتماعي. وينطبق هذا على تجنيد الأطفال كجنود والذي يعد واحدا من أسوأ أشكال عمالة الأطفال.
على سبيل المثال، قامت حركة "الشباب" بالخطف والتجنيد القسري لآلاف الأطفال لاستخدامهم كجنود. وفي كولومبيا وفنزويلا، يقوم "جيش التحرير الوطني" و"القوات المسلحة الثورية الكولومبية" المنشقة بتجنيد الأطفال ليتحولوا إلى مقاتلين بدوام كامل يعيشون في معسكرات حرب العصابات ويشاركون في القتال، أو يصبحون أعضاء ميليشيا يعيشون في المناطق الحضرية ويجمعون أموال عن طريق الابتزاز، ويلتقطون معلومات استخبارية، وينفذون أعمال عنف ضيقة النطاق. في سريلانكا، ترتبط جبهة "نمور تحرير إيلام تاميل" أيضًا في عمليات تجنيد مكثف واستغلال الأطفال كجنود.
وفي نفس الوقت، ربما تلجأ الأطراف المحاربة إلى عمالة الأطفال في أوقات الصراع كإستراتيجية لجمع الدخل، من خلال إجبارهم على العمل في أنشطة إنتاجية اقتصادية. وينطبق هذا على حالة "بوكو حرام" التي استخدمت الأطفال كشحاذين لتمويل عمليات الجماعة. وعلاوة على ذلك، تلجأ الجماعات المسلحة الكولومبية إلى عمالة الأطفال القسرية، حيث يجبرونهم على العمل مجانًا، في الزراعة وتنظيف الطرق والطهي في معسكراتهم. في سيراليون، تقوم جماعات مسلحة بتجنيد الأطفال واستغلالهم في جمع الغذاء والسمك أو العمل في المزارع.
ومع ذلك، فإن ممارسات عمالة الأطفال في مناطق الحرب لا ترتبط فحسب بالأطراف المحاربة بل يمكن تنفيذها من خلال العائلات كآلية تكيف ضارة للتعامل مع الفقر وعدم الأمان وعدم اليقين الناجم عن الصراع. وتحت تأثير الفقر، تجد العديد من العائلات في أوقات الحرب نفسها مضطرة لدفع أطفالهم إلى العمل. وينطبق هذا بشكل خاص على حالة المهن منخفضة المهارات، ومنخفضة الأجر، وغير الرسمية حيث تكون الظروف هي الأسوأ ومخاطر الاستغلال هي الأعلى. وفي جمهورية الكونغو التي مزقتها الحرب، لا يملك العديد من الآباء خيار آخر سوى دفع أبنائهم للعمل، حيث يتضمن ذلك بعض المهن الخطيرة مثل التعدين في الذهب والكوبالت.
وأخيرًا، في مناطق النزاع، ربما يكون العمل الخيار المتاح الوحيد للأطفال الذي تُركوا للدفاع عن أنفسهم إما لأنهم يتامى أو تسببت ظروف خارجية في انفصالهم عن عائلاتهم.
الخاتمة
في هذا الوقت، لا سيما منذ تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر في نصف العام الأخير، فإن آفاق الوصول إلى اتفاقية سلام في اليمن لا تبدو مشجعة بالتأكيد. وطالما استمرت المواجهة الحوثية مع الحكومة اليمنية وظلت اليمن صاحبة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، من الصعب تصور أن قضية عمالة الأطفال سوف يتم التعامل معها وحلها قريبًا.
ومع ذلك، فإن الخطوات التي يجب على الحكومة ومنظمات حقوق الطفل الدولية اتخاذها حتى في غياب اتفاق سلام بين الحكومة والحوثيين تتضمن العناصر التالية:
● تحسين الوصول إلى سبل العيش، من خلال تمويل أكبر لأنشطة جمع الدخل.
● استثمار المزيد من الوارد لتوفير تعليم ذي جودة وآمن ومستمر لكافة الأطفال.
● اعتبار وضع نهاية لأسوأ أشكال عمالة الأطفال كأولوية وجعل العائلات تدرك المخاطر والأضرار المتأصلة في مهن معينة.
● الاستثمار في تعضيد أنظمة وخدمات حماية الطفل على المستوى القومي والمجتمعي.
● إنشاء برنامج إعادة تأهيل ودمج الأطفال الضالعين في الصراع المسلح وغيره من أسوأ أشكال عمالة الأطفال.