خلال تشييع القيادي في حزب الله طالب عبد الله (EPA)
22-06-2024 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | نانسي زيدان
منذ الثامن من أكتوبر 2023، تشهد الساحة العسكرية تصعيدًا متبادلاً بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، حيث تتكرر العمليات العسكرية يوميًا تقريبًا، ويترافق ذلك مع تبادل الاتهامات والتهديدات الإعلامية، رغم أنها تجري بنبرة منخفضة ومحددة. في الآونة الأخيرة، بلغت العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى أقصى حدود رفح الفلسطينية، دون أن تحقق إسرائيل أيًا من أهدافها، سواء في تحرير رهائنها أو الوصول إلى يحيى السنوار، مدير العمليات العسكرية لحماس.
يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ضغوطًا متزايدة للمحاكمة سواء داخل إسرائيل أو من محكمة العدل الدولية، وسط تصاعد الانتقادات والمطالبات بإقالته من الحكومة، وتوتر علاقته مع واشنطن، مما يدفعه إلى التمسك بخيار الحرب كوسيلة وحيدة للهروب من هذه الأزمة. وحتى يفعل ذلك، يمكن أن يكون إشعال التوتر على جبهة إسرائيل الشمالية مع حزب الله، خيارا ضروريا. بالنسبة لإسرائيل، يمثّل حزب الله تهديدا كبيرا يمكن أن يقوم بأكبر ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر. لكن تبعات فتح جبهة حرب شاملة معه ستكون مكلفة وباهظة للطرفين.
يوم 11 يونيو، أطلقت إسرائيل غارة على الجنوب اللبناني أدت إلى مقتل أحد كبار قادة حزب الله، وردا على ذلك أطلق الحزب أكثر من (200 قذيفة) [1]من الصواريخ على شمال إسرائيل. كانت هذه أكبر موجة قصف صاروخي من لبنان منذ أحداث أكتوبر. حتى الآن، قُتل أكثر من (375) شخصًا في لبنان، من بينهم (88 مدنيًا) على الأقل، وفقًا للسلطات اللبنانية والأمم المتحدة. وصرح الجيش الإسرائيلي أن (18 جنديًا و10 مدنيين) قتلوا في إسرائيل. كما أجبرت الأعمال العدائية إلى نزوح أكثر من (150 ألف شخص) من المجتمعات الحدودية في شمال إسرائيل وجنوب لبنان[2].
جدية تهديد حزب الله
في استعراض لقوة حزب الله، نشر الحزب لقطات لمسيرة[3] استطاعت أن تقطع مسافة 27 كيلومترًا ذهابًا وإيابًا، مخترقةً الحيز الجوي الآمن لإسرائيل، ووصلت إلى مدينة وميناء حيفا، مصورةً محطات الكهرباء وحقول الغاز الإسرائيلية بدقة. أراد حزب الله من خلال هذه العملية إيصال رسالة واضحة إلى إسرائيل مفادها أن "أي تحرك عسكري جاد من إسرائيل تجاه حزب الله ستكون كلفته عالية للغاية على دولة ومجتمع إسرائيل"، خاصة وأن إسرائيل ما تزال منهكة في غزة ولم تنهِ بعد استنزافها من قبل حماس، التي كبدتها خسائر فادحة ماديًا وبشريًا.
يتفوق الوزن العسكري لحزب الله بمئات المرات على حماس، ويدرك الإسرائيليون ذلك رغم الادعاءات السياسية الإعلامية لقادتهم السابقين. فعلى سبيل المثال، ذكر العميد الإسرائيلي المتقاعد عساف أوريون أن حزب الله أطلق خلال حرب 2006 ما يقرب من 4000 صاروخ باتجاه شمال إسرائيل على مدار خمسة أسابيع، متوقعًا أن الجماعة يمكنها إطلاق نفس العدد من الصواريخ، بما في ذلك الصواريخ الثقيلة، في يوم واحد فقط في حال حدوث مواجهة جديدة. [4]
أكد جوناثان كونريكوس، زميل بارز في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" والمتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي، أن حزب الله هو "جوهرة التاج في إمبراطورية الإرهاب والشر الإيرانية"، وهو أقوى وكيل إيراني مجهز بقدرات دولة قومية، وبقوة نيران تتجاوز العديد من الجيوش الأوروبية اليوم. وأشار كونريكوس إلى أن حزب الله أقوى بكثير من حماس في جميع المجالات العسكرية، من حيث كمية الصواريخ ومداها ودقتها وحمولتها، وكذلك من حيث عدد الأفراد والمقاتلين المسلحين وتدريبهم ومعداتهم. وتفخر المجموعة بـ"وحدة الرضوان" النخبة التابعة لها، التي أنشئت بمساعدة فيلق القدس الإيراني، وتضم بين 20 ألف إلى 25 ألف مقاتل بدوام كامل، بالإضافة إلى عشرات الآلاف في الاحتياط. [5]
في سياق آخر، هدد حسن نصر الله، زعيم حزب الله، قبرص للمرة الأولى، قائلًا: "إن فتح المطارات والقواعد القبرصية أمام العدو الإسرائيلي لاستهداف لبنان يعني أن الحكومة القبرصية جزء من الحرب، والمقاومة ستتعامل معها كجزء من الحرب". تأتي هذه التهديدات في ظل اتفاقية دفاع ثنائية بين قبرص وإسرائيل، شهدت قيام الدولتين بإجراء تدريبات مشتركة في الماضي. مما دفع الرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليدس، إلى التصريح بأن "جمهورية قبرص ليست متورطة بأي حال من الأحوال في صراعات الحرب، وليست جزءًا من المشكلة، بل جزء من الحل، ودورنا في هذا، كما ظهر من خلال الممر الإنساني، معترف به ليس فقط من قبل العالم العربي، ولكن من قبل المجتمع الدولي ككل".[6]
البعد الإقليمي والدولي للصراع
غالبًا ما تلعب فرنسا، بدعم من الاتحاد الأوروبي، دورًا حيويًا في توفير الدعم المالي والسياسي لإبقاء لبنان دولة مستقرة، رغم تدهور أوضاعها. على الصعيد العسكري، تتمركز قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة بشكل أكثر ثباتًا من الجيش اللبناني، الذي يعاني من تأثيرات سلبية نتيجة للأوضاع الاقتصادية والسياسية المتدهورة في البلاد. من ناحية أخرى، يظل نفوذ حزب الله راسخًا في لبنان، حيث يفوق تأثيره تأثير الدولة المدنية اللبنانية، وقد هيمن في السنوات الأخيرة على البرلمان من خلال فوز الأحزاب والنواب الموالين له.
قبيل التصعيد الأخير بين إسرائيل وحزب الله، صرح مسؤول فرنسي بأن فرنسا ستدعم الجيش اللبناني إذا قررت بيروت نشره في مهمة أمنية على الحدود الجنوبية مع إسرائيل. وأضاف المسؤول أن فرنسا تفكر في إعداد مبادرات مختلفة لدعم القرار السياسي، بما في ذلك تنظيم مؤتمر دولي في باريس لحشد الدعم الأمني للجيش اللبناني، خاصة لدعم العمليات في الجنوب. ورغم أن المؤتمر كان من المفترض عقده في فبراير، إلا أنه تم إلغاؤه. [7]
أضفى تصريح حزب الله بخصوص قبرص والرد القبرصي بُعدًا أوروبيًا أكثر وضوحًا على المشهد، حيث تُعد قبرص عضوًا في الاتحاد الأوروبي، وتهديدها له صدى كبير. بالتوازي مع ذلك، يُلاحظ توتر فرنسي تجاه إسرائيل، حيث أمرت الحكومة الفرنسية بإلغاء مشاركة 74 شركة إسرائيلية في "معرض يوروساتوري للصناعات العسكرية"[8] بعد غارة إسرائيلية أسفرت عن مقتل عشرات الفلسطينيين في رفح جنوب غزة، رغم إلغاء الحظر بأمر من محكمة باريس التجارية[9]. كما رفضت إسرائيل إطار العمل الثلاثي[10] مع فرنسا والولايات المتحدة لنزع فتيل التوتر على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، مما جعل الولايات المتحدة وفرنسا تعملان على التوصل إلى تسوية تفاوضية للأعمال العدائية على طول الحدود الجنوبية للبنان. [11]
أرسل الرئيس بايدن مستشاره الكبير، عاموس هوشستين، إلى إسرائيل ومن ثم لبنان للضغط من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي. لم يلتق هوشستين بقادة حزب الله، الذي تعتبره الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، واقتصر لقاءه على أعضاء الحكومة اللبنانية، بمن فيهم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، الذي كان تأثيره على حزب الله محدودًا. التقى هوشستين أيضًا برئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، الحليف الرئيسي لحزب الله. [12]
تسبب تخبط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإعلامي والسياسي في دعم التوتر بين إسرائيل والولايات المتحدة. ألغى البيت الأبيض حوارًا استراتيجيًا مع كبار المسؤولين الإسرائيليين كان من المقرر عقده في واشنطن في 20 يونيو، بعد نشر نتنياهو مقطع فيديو اتهم فيه إدارة بايدن بوقف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل. كان من المقرر أن يركز الحوار على البرنامج النووي الإيراني[13]. ورغم الدعم الأمريكي التقليدي لإسرائيل، إلا أن تصرفات نتنياهو تزيد من صعوبة الوضع وتحرج بايدن، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية. ومع ذلك، لا يُعقتد أنّ الولايات المتحدة ستترك إسرائيل بمفردها في حال اندلاع الحرب، على الأقل استمرار ضخ المساعدات العسكرية والأمنية. [14]
تدعم إيران حزب الله بأكثر من 700 مليون دولار سنويًا، وفقًا لقوات الدفاع الإسرائيلية ووزارة الخارجية الأمريكية[15]. تعزز إيران موقف حزب الله ووكلاءها في اليمن والعراق وسوريا وتزيد من الضغط الاستراتيجي على إسرائيل، وتنسق دبلوماسيًا مع طالبان في أفغانستان. حيث، أبلغت حركة طالبان طهران أنها مستعدة لنشر آلاف القوات للقتال ضد إسرائيل[16]، مما يزيد من التحديات أمام حكومة نتنياهو. كما أكد وفد إيران لدى الأمم المتحدة أن حزب الله قادر على الدفاع عن نفسه وعن لبنان ضد إسرائيل، محذرًا من أن أي قرار متهور من إسرائيل قد يغرق المنطقة في حرب جديدة. [17]
ختاما، يدرك كل من إسرائيل وحزب الله أنّ الحرب الشاملة تعني تدمير الطرفين وفتح مسارات لحرب واسعة النطاق. لن يبدأ حزب الله حربًا شاملة ضد إسرائيل، لكنه سيظل يشتت التركيز الإسرائيلي لصالح دعم وتعزيز حماس في غزة قدر المستطاع. تعزز إيران هذا النهج بفتح مسار تنسيق بين طالبان وحماس لمواجهة إسرائيل، وفقا للمحادثات التي أجراها وزير الخارجية الإيراني المؤقت علي باقري مع نظيره الطالباني [18]، مما ينقل التحديات أمام إسرائيل في غزة إلى مستوى خطير. في ظل الانقسامات الداخلية في إسرائيل، يتعين عليها، بدعم من الولايات المتحدة، التركيز على إنهاء حرب غزة التي باتت تحاصرها حد الاختناق.
زميلة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحثة في العلوم السياسية والتحليل الإعلامي
قبل 3 أشهر