UNOCHA/Giles Clarke | Abdullah, aged seven, has been displaced by the conflict in Yemen
02-07-2024 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
"الحوثيون يسعون لمصالحهم الخاصة كحركة، وتنازلهم عن شروطهم لصالح المجتمع الشمالي يعني نهايتهم. بينما المجلس الانتقالي يمثل مطالب المجتمع الجنوبي، وتنازله عن مطالب المجتمع يعني نهايته.."
سوث24 | فريدة أحمد
دفعت التطورات العسكرية في البحر الأحمر بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023 في قطاع غزة، إلى تراجع خطوات السلام في اليمن إلى الوراء، عندما دخل الحوثيون مواجهة بحرية مع الولايات المتحدة وبريطانيا. ذلك بعد أن كانت اليمن على أعتاب مرحلة جديدة لوقف الحرب عبر خارطة طريق سعودية عمانية رعتها الأمم المتحدة. كانت الخارطة الموضوع الرئيسي للمناقشة، على الرغم من عدم اقتناع الأطراف السياسية في معسكر الشرعية، الحكومة المعترف بها دوليا،، كونهم لم يكونوا جزءاً من محادثاتها منذ البداية، فضلاً عن كونها ركزت على تلبية الشروط الحوثية أساساً. في إطار ذلك، طلب رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة، من إدارة البنك المركزي ووزارتي النقل والاتصالات وقف إجراءاتها الأخيرة تجاه الحوثيين، وفقاً لمصادر خاصة بمركز سوث24. وقد قوبلت خطة العليمي برفض شديد من قبل أعضاء المجلس الرئاسي الأخير. هذا الأمر، يدلل فعلياً على حجم الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها الحكومة المعترف بها من قبل الجانب السعودي في سبيل الدفع بخطتها الثنائية مع الحوثيين.
بشكل جماعي، تواجه الحكومة اليمنية المعترف بها، تحديات رئيسية في نطاقها الداخلي على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، وهذا يقلل من مزايا حسمها لكثير من الأمور الخلافية. كما إنّ ارتباط كل طرف سياسي بجهة إقليمية ما، يُضعف المواقف المبدئية لهذه الأطراف أحياناً، ويعيقها عن رسم رؤى استراتيجية تتوافق مع أهدافها الرئيسية كسلطة شرعية، وكذا أهداف الأطراف الخاصة. كما أنّ ارتباط الحوثيين المعنوي والمادي بإيران؛ أدى لاستخدامهم في استراتيجية طهران العدائية، بداية بالتهديد المحلي ثم الإقليمي، ومؤخراً الدولي، وهذا رفع من مستوى تعقيدات السلام في اليمن.
إنّ مناقشة الأطراف الإقليمية والدولية لمسألة الحوثيين أمرٌ لا غنى عنه، إلا أنّ ذلك لا ينبغي أن يُغفل الحاجة المُلحة لمناقشة "قضية الجنوب" بشكلٍ متوازٍ، وذلك لما تحمله من أهمية جوهرية في تحقيق السلام المستدام، كونها باتت قضية مركزية. كما أنَ تجاهل النقاش في الأسس سيُفضي إلى مشكلات أكبر لا تقتصر على الأطراف السياسية، بل ستطال الشارع الجنوبي المستعد للانفجار في أيّ لحظة.
سينظر هذا التحليل في رؤى الأطراف اليمنية وشروطها للسلام، ويشرح موقع كل طرف وآفاقه فيما إذا استُؤنِفَتْ جهود عملية السلام من جديد. كما سيسلط الضوء على أثر هذه الرؤى على قضية الجنوب، وفيما إذا كان من المهم مراعاة شروط المجتمعات المحلية في الجنوب وفي الشمال، أو الأطراف السياسية لاستدامة السلام في اليمن.
تقييم رؤى متعددة للسلام
منذ إبريل 2022، تشكّل في اليمن مجلس قيادة رئاسي مكوّن من ثمانية أعضاء، تعبّر عنه الحكومة المعترف بها دولياً، وهو الطرف الشرعي الوحيد راهناً في المعادلة اليمنية، وذلك بعد أن هيئت مشاورات الرياض برعاية خليجية آنذاك مناخاً مناسباً للانتقال السياسي للسلطة، بعد 10 سنوات من وقوف عبدربه منصور هادي على رأسها. في مقابل ذلك، ظل الحوثيون كطرف انقلابي على الجانب الآخر. سيتناول هذا الجزء بشيء من التفصيل نظرة تقييمية لكل طرف للسلام وتأثير رؤيته على الجنوب، وذلك على النحو التالي:
أولاً: الجنوبيون
منذ التأسيس في مايو 2017، وضع المجلس الانتقالي الجنوبي عدداً من المبادئ والأهداف الاستراتيجية، يتلخص مجملها فيما يعبر عنه، بـ"استكمال تحرير الأرض من قوات الغزو والاحتلال، وحشد الإمكانات الوطنية من أجل إدارة الأرض وإعادة بناء مؤسسات الدولة المدنية وتفعيلها، وإنجاز مقتضيات الاستقلال الإداري والمالي والسياسي عن صنعاء، وصياغة وثائق وبرامج بناء دولة الجنوب المدنية الحديثة المستقلة.. إلخ". يعتبر الانتقالي الجنوبي هذه المبادئ والأهداف من الثوابت التي لا يمكن التنازل عنها، على الرغم من كونهم سلطة شرعية راهناً وضمن إطار حكومة معترف بها في اليمن، والتي تتمثل أبرز أهدافها مع التحالف العربي بقيادة السعودية، هو استعادة صنعاء ومحافظات الشمال الواقعة تحت نفوذ الحوثيين.
بشكل رئيسي، يستمد الانتقالي الجنوبي قوته من مسيرة الحراك الجنوبي السلمي الذي انطلق في 2007، ومن المقاومة الجنوبية المسلحة التي انطلقت في 2015 واستطاعت تحرير الجنوب من القوات الشمالية. لقد استطاع الانتقالي ككيان سياسي كبير في جنوب اليمن ويحظى بقاعدة جماهيرية لا يستهان بها، أن يبني عقداً اجتماعياً متيناً مع الشعب، وهو أمر ميّزه عن بقية الأطراف السياسية الأخرى بما فيها الشمالية. ومن المفارقة إلى حدٍ ما، أن هذه العلاقة مع الشعب تشكل أزمة كبيرة بالنسبة للانتقالي، لكون الأخير سيضطر لمواجهة ضغوط كبيرة من جماهيره، في حال قدم تنازلاً من نوعٍ ما لا يضمن تحقيق عدالة لقضية الجنوب أو يحقق أهدافه الرئيسية التي وعد بها جماهيره.
إنّ قضية الوحدة وفك الارتباط تعدّ مسألة شديدة التعقيد بالنسبة لجميع الأطراف اليمنية، وتتميّز بديناميكية سياسية متغيرة تؤثر على مواقف وتحالفات القوى الفاعلة. ففي ظل طرح "فك الارتباط" كأحد شروط السلام التي ينادي بها قطاع واسع من الجنوبيين، تبرز إمكانية نشوء تحالفات متباينة تعيد رسم خريطة الصراع في اليمن، فعلى سبيل المثال، قد تتحالف بعض الأطراف الشمالية مع المجلس الانتقالي الجنوبي ضد الحوثيين، بينما قد تؤثر شروط السلام المتعلّقة بالوحدة على هذه التحالفات، ممّا قد يدفع بعض الأطراف الشمالية إلى التحالف مع الحوثيين ضدّ المجلس الانتقالي. ويرى بعض الشماليين أنّ الحفاظ على الوحدة يتطلّب مركزية قوية، خاصة إذا لم تراعِ مفاوضات السلام الأطر الخاصة بقضية الجنوب أو تطلّعات الجنوبيين بشكل عادل. ونظراً لسعي بعض الأطراف الشمالية للحفاظ على الوحدة بأيّ ثمن، فقد يقدّمون تنازلات تخلّ حتى بفكرة الأقاليم، وتشرّع هيمنة مركزية على الجنوب من قبل الشمال.
يعتبر قطاع واسع من الجنوبيين، أنّ السلام لن يتحقق إلا بـ "فك الارتباط"، وهناك جزء يعتقد أن إيجاد حلول عادلة لقضية الجنوب بأي هيئة سيحقق السلام بالمثل. وفي كلا الحالتين، إذا لم يشعر الجنوبيون أنّ هناك التزاماً من قبل المجتمع الدولي لا سيّما المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، بتحقيق مطالبهم، لن يعترفوا بأي اتفاق قد يتم؛ لأنه سيشكل تهديداً حقيقياً يفاقم الأزمات التي يرون أنّها كانت سبباً في نشوء الصراع الأخير. إذ على مستوى العبارات، مازال كثير من الجنوبيين يتحسس من مصطلح "تقرير المصير" كأحد الحلول الجنوبية للسلام. على سبيل المثال: واجه نائب رئيس مجلس القيادة ورئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، موجة انتقادات واسعة، بسبب تصريحات أدلى بها في أحد اللقاءات، بشأن اللجوء إلى صناديق الاقتراع لحسم حق الجنوب في الاستقلال، في حين يصر فريق كبير من المنتقدين أنّ "فك الارتباط" هو الحل مع الشمال، خاصة وأنّ الجنوب عندما دخل وحدة مع الشمال في عام 1990، لم يدخل عبر الاستفتاء أو صناديق الاقتراع. وهذه تعتبر مشكلة أخرى بحد ذاتها إلى جانب القضية السياسية الرئيسية.
يطرح د. سعيد الجريري، وهو باحث وأكاديمي جنوبي، لسوث24، سؤالاً جوهرياً ومحورياً حول من هم الجنوبيون؟ وعلى أساسه يمكن تحديد شرط السلام المستدام. إذ من وجهة نظره، "قد تتوقف الحرب بتسوية أو صفقة وفق التصور الإقليمي والدولي، لكنها لن تنتهي، ما دامت الأسباب الحقيقية قائمة أو يتم الدوران حولها".
وأردف: "إن يكن الجنوبيون جنوباً يمنياً؛ فشرط السلام يتماهى مع رؤى قوى معينة في يمن شمالي مناظر، وإن يكونوا خارج دائرة الهوية السياسية اليمنية فشرطه مختلف ويفضي إلى مسار مختلف". ويضيف بأنّ، "جذور المشكلة تعود إلى إفراغ استقلال الجنوب من محتواه الوطني في عام 1967، عندما اتخذ دولة الاستقلال هوية دولة مجاورة، فكانت دولة مفخخة بقضايا الدولة المجاورة، ومن هنا أتت فكرة الوحدة اليمنية كهدف مركزي، وسقطت دولة الجنوب بيد قبيلة حاكمة في صنعاء عام 1990، كما سقطت صنعاء بيد جماعة سلالية في 2014". ويوضّح الجريري، بأنّ "جماعة الحوثيين لا مشكلة لديها في الهوية السياسية اليمنية كغيرها من الأحزاب الأخرى بما فيها الحزب الاشتراكي".
لذا، ينبغي للجنوبيين بمشروع دولة الاستقلال الثاني، وفقاً للجريري، أن "يعيدوا الاعتبار للاستقلال الأول، لتبنى دولة متوافق عليها على أساس اتحادي جنوبي يراعي طبيعة التكوين وخصوصياته من المهرة إلى عدن، لكي يكونوا عاملاً فاعلاً في إنجاز شروط السلام في (المسألة اليمنية)، وتحقيق الشرط الأساس للسلام جنوباً، عبر استقلال حقيقي على قطيعة مع خرافة أيديولوجيا سياسية تم فرضها وتوكيدها، ثم صارت وبالاً على الجنوب حاضراً ومستقبلاً، وأعاقت اليمن المجاور عن رؤية مشاكله الخاصة، ومواجهتها، ومن ثم كان هروب قواه جنوباً باعتباره القضية التي توحدهم لكسب مزيد من مغانم السلطة والثروة، متكئين على حق تاريخي مزيف أضيف إليه منذ الحوثي؛ حق إلهي في الهيمنة على الجنوب أرضاً وشعباً".
واقع الحال، يفتقد الجنوبيون راهناً، إلى جبهة قوة ناعمة من شأنها التأثير على قطاع واسع من الشماليين لإزالة الرواسب الكبيرة التي رسخت في الذهنية الشمالية حول قضية الوحدة التي أصبغت بالقدسية، واتكأ الخطاب السياسي الشمالي عليها باعتبارها شأناً مقدساً يجب الدفاع عنه بالقوة والقتال، كشعار (الوحدة أو الموت). وبشكلٍ موازٍ، يمكن للجنوبيين إقناع المجتمع الدولي، بأنّ تضمين قضية الجنوب في عملية السلام أقل كلفة من استبعادها، وهذا لا يتطلّب سوى تغيير المنهجية التي يعتمدها الرعاة الإقليميين والدوليين الذين اقتنعوا سابقاً أن الضغط على الجنوبيين لاستبعادها أسهل من إقناع الشماليين بضمها؛ دون مراعاة تداعيات ذلك.
ثانياً: الشماليون
أ. الحوثيون
بالنظر لرؤية الحوثيين للسلام، فالمسألة لا تقتصر على الوحدة فقط، بل بتعصّب الجماعة الدينية لعرقها ووضع هالة القدسية عليه، وهي مسألة أشد تعقيداً من الوحدة ذاتها. فخلال أكثر من عقد من الصراع، لم تُظهر جماعة الحوثيين أية ميول للتنازل عن هذه الأفكار، ممّا يُثير قلقاً عميقاً بشأن مستقبل المواطنة المتساوية في ظلّ حكمهم. وقد تناولت ورقة مطوّلة صادرة عن مركز سوث24، خطورة إبرام سلام مع الحوثيين في ظل الأفكار الطبقية والعنصرية التي يتبنونها، محذّرة من أنّ مثل هذا السلام الهش قد يُرسخ للظلم، وتنشأ عنه دورات جديدة من العنف في البلاد.
عند هذه النقطة، يمكن القول إنّ تمسك الحوثيين بالإبقاء على اشتراطات تحمل امتيازات عرقية، ستشكل تهديداً على بقية الأطراف السياسية وعلى المجتمعات المحلية في اليمن، خاصة إذا قبلت الأطراف الدخول مع الجماعة في العملية السياسية دون فرض انخراطها تحت شرط "المواطنة المتساوية"، وتخليها عن أفكارها العنصرية. إذ لن تستطيع أي "حكومة وحدة وطنية" يمكن تشكيلها بعد توقيع سلام؛ أن تخرج عن رغبة الحوثيين المسيطرين أمنياً بقوة الأمر الواقع على صنعاء، وهذا بالمحصّلة سيشكّل تهديداً مضاعفاً من خلال فرض الجماعة الدينية أمراً واقعاً على المناطق التي لا يسيطرون عليها حتى؛ بناء على كونهم جزء من حكومة جديدة حال تشكيلها. في هذه الحالة، سيواجه الجنوبيون بالذات ثلاث معضلات رئيسية مع الشمال، مشكلة فك الارتباط التي يواجهونها راهناً، والصراع مع المواطنة المتساوية، والمشاركة في السلطة والثروة.
وإذا ما وضعنا مقارنة طفيفة بين الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي في مسارات السلام المختلفة التي ينتهجها كل طرف، يمكن القول إنّ الحوثيين يتفاوضون عن أنفسهم كحركة تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة وتوسيع نفوذها السياسي والعسكري بعيداً عن المجتمع الذي يحكمون قبضتهم عليه؛ فإذا ما تنازل الحوثيون عن شروطهم الخاصة لصالح شروط المجتمع الذي يدعون تمثيله سينتهون كحركة. بينما يقدّم المجلس الانتقالي نفسه كممثل للمجتمع في الجنوب، من خلال تمثيله لمطالب الشارع وتطلعاته ويفاوض عنهم، فإذا فُرض عليه تبني مواقف جديدة على حساب مطالب المجتمع؛ سينتهي ككيان سياسي. يُفضي هذا التباين في النهج إلى اختلاف جوهري في طبيعة الشروط التي يُقدمها كل طرف على طاولة المفاوضات، كما يثير هذا الوضع تساؤلات حول إمكانية تحقيق سلام عادل وشامل في ظل تباين كهذا في الأهداف والرؤى.
ب. الإخوان المسلمون
يُعدّ حزب "التجمع اليمني للإصلاح" أقوى فصيل إسلامي يرتبط أيديولوجياً بالإخوان المسلمين في اليمن، ممّا يثير تساؤلات حول مدى تقاربه مع الحوثيين في شروطهم للسلام، خاصة فيما يتعلق بمسألة الوحدة. فمن خلال مواقف تاريخية، أظهر حزب الإصلاح تمسكاً راسخاً بالوحدة اليمنية، حتى أنّ البعض يرى أنّ هذه الوحدة تمثّل قيمة مقدسة بالنسبة للحزب، وقد تعلو أحياناً على قيمة المواطنة المتساوية. ويتجلى هذا التمسك بوضوح في حرب عام 1994، حيث خاض حزب الإصلاح إلى جانب النظام اليمني السابق حرباً ضد الجنوبيين، مستنداً إلى دعوات دينية تحريضية وفتاوى تكفيرية. يُثير هذا السلوك قلقاً من أنّ حزب الإصلاح قد يعيق جهود السلام في اليمن إذا ما تضمنت أجندتها قضية الجنوب، مما يتطلب تحليلاً دقيقاً لمواقفه ودوافعه.
من المهم القول، إنّ الخطاب الديني التحريضي الذي يتبناه "الإخوان المسلمون" في اليمن ضد مطالب الجنوب، أحد أبرز المعضلات في المشهد السياسي، خاصة وأنّه يرتبط بحالة دينية أكثر من كونه نابع من سياق سياسي بحت. ومن المعروف أنّ الحركات الدينية على رغم اختلاف عقائدها إلا أنّها تساند بعضها البعض في كثير من المراحل، وهو ما يتفق عليه الإخوان والحوثيون في مسألة السلام في اليمن. تبعاً لذلك، فإنّ التخلي عن الخطاب الديني المحرّض تجاه الوحدة من قبل الإصلاح كحركة دينية، يشكّل أهمية بارزة في بناء خطوات السلام، وسيكون من السهولة إقناع الأطراف الشمالية الأخرى بأنّ قضية الجنوب سياسية، ولا علاقة لها بالثوابت الدينية ولا بالمقدسات، لأنّه دون تحييد الخطاب الديني التحريضي ضد كل ما هو جنوبي، لن يقود الوضع إلى سلام في نهاية المطاف.
ج. أطراف شمالية أخرى
تمثّل الأطراف السياسية الشمالية التي تخرج عن أطرِ الثوابت الدينية التي تتبناها جماعة الحوثيين والإخوانِ المسلمين، فرصة لتحقيق اشتراطات السلام في اليمن بالنسبة للأطراف الإقليمية والدولية. وتعود هذه الأهمية إلى جملة من العوامل، أهمها: غياب الضغوط الشعبية، فعلى عكس المجلس الانتقالي الجنوبي، لا تواجه هذه الأطراف ضغوطاً شعبية تعيق قدرتها على التوصل إلى حلول وسط في السلام. كما إنّ مرونة المصالح لا تقيّد هذه الأطراف بمعتقدات دينية أو مقدسات، مما يجعلها أكثر انفتاحاً على التفاوض أو التنازل من أجل تحقيق مصالحها، حتى وإن كان السلام هشاً. فضلاً عن ذلك، تعدّ أي تسوية سياسية يمكن التوصل لها، بمثابة فرصة لهذه الأطراف للحصول على ضمانات بمختلف المستويات، خاصة على المستوى الفردي.
ونظراً لهذه الرؤية، فإن ذلك لا يزعج أحداً من الأطراف المحلية الأخرى، أو حتى الإقليمية والدولية، على رغم وجود خصوم سياسيين مثلاً لـ رئيس مجلس القيادة، رشاد العليمي، وكذلك نائب مجلس القيادة، طارق صالح، نتيجة الإرث السياسي الثقيل الذي يحملانه ويعدّ جزءاً من إرث الصراع الراهن حالياً في اليمن. وفي ظل غياب الملاحظات الصريحة لهذين الطرفين، ومن خلال تقييم بعض المواقف المصرّح بها على الأقل، قد لا تشكّل تهديداً لبقية الأطراف الشمالية، لكنّها يمكن أن تشكل تهديداً للجنوبيين في المستقبل، في ظل تمسكها بمضامين الوحدة، وحل قضية الجنوب ضمن هذا المشروع.
أما الأطراف السياسية المستقلة، فيشرح د. منصور القدسي، وهو أكاديمي وباحث يمني، بأنّ أول خطوة لتحقيق شروط السلام في اليمن، هو "توفّر الرغبة الصادقة لدى المكونات اليمنية في إنجاح المفاوضات والتخلي عن الطموحات غير الواقعية، والتي أثبتت الحرب فشلها منذ عشر سنوات، وفي مقدمة تلك المكونات جماعة الحوثيين، بحيث يتم التوافق على حلول واقعية وعادلة تعالج أسباب الحرب وتلبي طموحات اليمنيين في بناء دولة مدنية تضمن المواطنة المتساوية وتحترم الحقوق والحريات".
ويضيف القدسي لمركز سوث24، بأنّهم ينظرون لتحقيق السلام من خلال، "نزع السلاح بمختلف أنواعه من كافة المكونات وتسليمه لقيادة عسكرية وأمنية متوافق على تكليفها؛ لإعادة بناء الأجهزة العسكرية والأمنية على أسس وطنية ومهنية بعيدة عن أي ولاءات طائفية أو جهوية أو حزبية".
مجرد توقيع، أم تحقيق سلام؟
تصرّ الدول الإقليمية المجاورة لليمن، السعودية وعمان بشكل خاص، على بدء استئناف المفاوضات مع الحوثيين وفقاً لاشتراطاتهم، مع التغاضي عن رؤى الأطراف السياسية الأخرى للسلام، لا سيّما الجنوبيين، الذين يعتبرون قضية الجنوب محورية في الصراع، و ُحذر كثيرون من أنّ تجاهلها قد يُفضي إلى صراع جديد. وعلى الرغم من جهود المبعوثين الأمميين بمختلف المراحل، من جمال بن عمر إلى هانس غرونبرغ، إلا أنّهم دأبوا الحديث عن السلام باعتباره من مهامهم الوظيفية التي سيتم إنجازها، وليس باعتبار ما سيُنجز ويتحقق للشعب في اليمن. إذ بمجرد الوصول لتوقيع سلام ستنتهي مهمة المبعوث، وستبدأ الأطراف السياسية في خوض صراع جديد بسبب الرؤية الأممية الضيقة للسلام.
يمكن القول، إنّ المجتمع الدولي حريص على توقيع سلام في اليمن أكثر من تحقيقه، وهذه مشكلة كبيرة بحد ذاتها. فجميع الأطراف السياسية في اليمن تطمح لإيقاف الحرب والتوصّل لعملية سلام شاملة، لكن هذا الأمر يعتمد على "تصميم" خارطة السلام نفسها، هل ستأخذ بعين الاعتبار شروط كافة الأطراف؟ أم ستكتفي بشروط الأكثر تأثيراً منهم؟ وهل ستراعي بالمثل شروط المجتمعات المحلية التي تتعارض مع شروط من يتحكمون بها أم ستتغاضى عنها؟
من الصعب المبالغة في تقدير مدى خيبة الأمل التي أصابت الناس في اليمن، لقد حطم مسار التدهور الإنساني والاقتصادي آمالهم، وفقد كثير منهم ثقته بالأطراف المحلية والإقليمية والدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة بمبعوثيها الذين كانت جهودهم محصورة على الحوثيين ومتأخرة أكثر من اللازم، ولم يستطيعوا حتى الآن من تحقيق منجز يًذكر للبدء في عملية سلام جادة.
يتعيّن على الجهات الإقليمية والدولية، التي تصرّ على توقيع سلام بأي شكلٍ كان، أن تراعي شروط المجتمعات المحلية ومصالحها في الشمال والجنوب، ولا أن تراعي شروط المفاوضين الباحثين عن مصالحهم ونفوذهم. إذ إنّ أي سلام هش يكتفي بحماية المفاوضين ويتجاهل مصلحة المجتمع بمجرد توقيع، لن يحقق سلاماً دائماً وعادلاً في اليمن، بل سيؤدي لمزيد من الفوضى والصراعات، وهذا الأمر بالمحصّلة سينعكس بشكل رئيسي على الدول المجاورة التي تكشف عن خلل عميق في استراتيجياتها، وسيهدد في ذات الوقت مصالح المجتمع الدولي في المنطقة، بما في ذلك الملاحة البحرية.