التحليلات

اليمن بين المواجهة الاقتصادية والتوتر الإقليمي

تصميم: مركز سوث24

12-08-2024 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol
 "إنّ غياب الإرادة السياسية لدى الأطراف في الحكومة اليمنية المعترف بها واستجابتها المتكررة للضغوط الدولية والإقليمية يفاقم الأزمة ويجعل الحل العسكري الخيار الأكثر احتمالية على المستوى الداخلي، خاصة في ظل تماهي السياسات الإقليمية وغياب الرؤية الدولية."


سوث24 | فريدة أحمد


في 23 يوليو الماضي، أعلن مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، "هانز غروندبرغ"، عن اتفاق بين الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين لخفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية اليمنية. جاء هذا الاتفاق بعد أسابيع قليلة من إصدار الحكومة المعترف بها قرارات عقابية فرضها البنك المركزي على البنوك التجارية المخالفة لقرار نقل مقراتها الرئيسية من مدينة صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلى العاصمة عدن في جنوب اليمن. ورغم أن القرار الحكومي لاقى تأييداً واسعاً، إلا أنه سرعان ما تم تجميده بإعلان مفاجئ من مكتب غروندبرغ. يُذكر أن المبعوث الأممي كان قد طلب سابقاً من الحكومة المعترف بها والبنك المركزي تأجيل القرارات العقابية حتى نهاية أغسطس، لتفادي تكريس ضغوط إضافية على الاقتصاد اليمني. غير أن هذا التجميد المفاجئ، سلط الضوء على حجم الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها الحكومة المعترف بها من قبل المبعوث الأممي وقبل ذلك من قبل المملكة العربية السعودية، تحت مبرر تجنب تصعيد حوثي عسكري ضد أراضيها.


شهدت الأسابيع التي سبقت إعلان التراجع عن القرارات تجاذبات شديدة داخل الحكومة المعترف بها، نتيجة للضغوط الإقليمية والدولية التي دعت إلى عدم تضييق الخناق على الحوثيين في الوقت الحالي، وفقاً لمصادر مسؤولة تحدثت سابقاً لمركز سوث24. أدى تراجع المجلس الرئاسي والحكومة عن القرارات المصرفية إلى موجة استياء واسعة بين المواطنين، مما دفع نقابات موظفي البنك المركزي في عدن ونقابة موظفي البنك الأهلي لتنظيم وقفة احتجاجية، تعبيراً عن رفضهم لاستجابة الحكومة للضغوط الخارجية التي تخدم أهداف الحوثيين. كان من المتوقع أن تلي الإجراءات الحاسمة للبنك المركزي إجراءات مماثلة في قطاع الاتصالات، حيث يستفيد الحوثيون بشكل كبير من هذا القطاع كأحد الموارد الرئيسية لتمويل مجهودهم الحربي، وأحد الأدوات الأساسية في أنشطتهم الدعائية والتجسسية. وقد اغتيلت بالفعل شخصيات عسكرية وأمنية بارزة في جنوب اليمن نتيجة لعدم تحرير قطاع الاتصالات والإنترنت من قبضة الحوثيين.


كان بالإمكان تقليص نفوذ الحوثيين الاقتصادي تدريجياً عبر هذه الإجراءات الحكومية الحازمة، إلى جانب الضغوط العسكرية المتزايدة نتيجة خسائرهم المتوقعة، خاصة بعد الرد الإسرائيلي العنيف على ميناء الحديدة الذي تعتمد عليه الجماعة بشكل كبير في توفير مصادر دخلها. كان لهذا الأمر أن يؤثر بشكل كبير على قدرتهم على الصمود. هذا الواقع، مقروناً بعجز الأمم المتحدة والتنازلات التي تقدمها السعودية في مواجهة المطالب الحوثية المتزايدة، ساهم في تمادي الجماعة في انتهاكاتها يوماً بعد يوم.


من المهم الإشارة إلى أنّ اعتراف السعودية الضمني بالحوثيين كمحاورين قد شجعهم على المطالبة بمزيد من التنازلات، بل وامتد الأمر إلى تهديد الأهداف الاستراتيجية السعودية. فرغم محاولات الرياض لعب دور الوسيط، لا يزال الحوثيون يعتبرونها طرفاً رئيساً في الحرب. وهذا يشكل تحدياً كبيراً للمملكة، خاصة على حدودها الجنوبية، لكنه يعد تحدياً أكبر بالنسبة للحكومة المعترف بها، خصوصاً إذا توصل السعوديون والحوثيون إلى اتفاقات أمنية ضيقة تستثنيها، مما يعزز من قدرة الحوثيين ويدفعهم لمواصلة نشاطاتهم المعادية في المنطقة.


بالنسبة للموقف الجنوبي، وعلى الرغم من تحذيرات المجلس الانتقالي الجنوبي من التداعيات الوخيمة لتعليق القرارات البنكية على الأوضاع الاقتصادية والسياسية، إلا أنه وجد نفسه مضطراً، تحت ضغوط أممية وسعودية، للتراجع عن موقفه، كما حدث مع باقي مكونات الحكومة المعترف بها. هذه الاستجابة المتكررة للضغوط تهدد بتقويض مكانة المجلس الشعبية، وتثير المخاوف بشأن استمرار نهج التنازلات في المستقبل، بما في ذلك مسألة الإطار الخاص لقضية الجنوب والتمسك بإدراجها على طاولة المفاوضات في المراحل الأولى من أي عملية سياسية.


حضرموت في الواجهة


قوبلت زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي لحضرموت بسخط شعبي واسع في الشارع الحضرمي، خصوصاً وأن الزيارة جاءت مباشرة بعد الإعلان عن تراجع الحكومة عن القرارات الاقتصادية، مما يشير إلى قرب استئناف تصدير النفط من ميناء الضبة بحضرموت. في هذا السياق، حذر بيان حلف قبائل حضرموت من الإقدام على أي تصرف بنفط المحافظة أو تصديره أو تسويقه إلا بعد تثبيت مكانة حضرموت وضمان حقوقها. تشعر القبائل الحضرمية بالقلق من دفع خارطة الطريق الأممية التي قد تمنح الحوثيين حصة من نفط المحافظة استجابة للضغوط السعودية. كما يعبر أبناء حضرموت عن استيائهم من تدهور الخدمات العامة، ما يدفعهم إلى التلويح باستخدام السلاح ورفع الجاهزية لتنفيذ خطوات تصعيدية أكبر، لا سيما بعد انتهاء المهلة التي منحوها للحكومة المعترف بها لتحقيق مطالب خدمية واقتصادية منذ 13 يوليو الماضي.


تبدو مسألة استئناف تصدير النفط أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، سواء بالنسبة للحكومة المعترف بها أو للحوثيين، خصوصاً بعد توقف ميناء الحديدة عن العمل جراء الضربات الإسرائيلية الأخيرة. هذا الوضع يشكّل تحدياً كبيراً أمام الحكومة في الفترة المقبلة، سواء في مواجهة القبائل الحضرمية أو في مسألة الاستجابة للضغوط السعودية من أجل تسيير عجلة الاقتصاد الحوثي، خاصة إذا اضطر الحوثيون إلى طلب إمدادات نفطية لمنع أزمة وقود خانقة في مناطق سيطرتهم. كان من الممكن للحكومة المعترف بها الاستفادة من مأزق الحوثيين بمناورة سياسية واقتصادية، إلا أنّها فشلت في أول اختبار لها.


حالياً، سيظل الحوثيون ملتزمين بعدم التصعيد مقابل تجميد القرارات البنكية، وإذا قرروا التصعيد، ستكون الحكومة في حل من أي التزام تجاه الجماعة، ويمكنها تحسين موقفها التفاوضي باستئناف القرارات الاقتصادية ضد الحوثيين من جديد، مع الاستجابة للمطالب الحضرمية التي تزداد قوة يوماً بعد يوم، وتمكين أبناء حضرموت من حقوقهم والاستفادة من عائدات ثرواتهم التي تشكل ما نسبته 70% من الدخل القومي للبلاد.


مشهد إقليمي متوتر


لا يمكن فصل الملف اليمني عن المحركات الرئيسية للمشهد الإقليمي المتصاعد، فالتحالف الحوثي مع ما يُعرف بمحور المقاومة بقيادة طهران يجعله مستعداً في أي لحظة للتصعيد. إذ إن التهديد الإيراني بالانتقام من إسرائيل يرفع من درجة المخاطرة بعد الاغتيالات الأخيرة في لبنان وإيران أواخر يوليو الماضي. قد تؤدي هذه التطورات إلى تأجيل أي نقاش يمني بشأن القضايا السياسية أو الاقتصادية خلال الفترة المقبلة، لحين اتضاح الرؤية الإقليمية تجاه المخاوف العسكرية والأمنية المرتقبة على المنطقة. يبدو أن الولايات المتحدة بعيدة عن التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة بعد 10 أشهر من الحرب، وفقاً لتصريحات وزير خارجيتها، فهي "تستعد لكل الاحتمالات". في حين لا يوجد جهد إقليمي ودولي لدعم الفلسطينيين، مما يعقّد المشهد أكثر.


هذه الإشارات دفعت واشنطن لإعادة استئناف بيع الأسلحة الهجومية للسعودية بعد حظر دام أكثر من ثلاث سنوات. يظهر هذا التحرك كاختبار أمريكي لحدود التحرك السعودي العسكري في الملف اليمني مع الحوثيين، خاصة في ظل تواصل ضغوط سعودية لتخفيف الحظر من أجل حماية الحدود الجنوبية للمملكة في حال حدوث تصعيد محتمل من قبل الجماعة، خصوصا وأن الجماعة أعلنت مؤخرا اعتزامها تشكيل حكومة أمر واقع جديدة في صنعاء. ورغم مساعي الرياض ومسقط للدفع بخارطة طريق للتهدئة في الملف اليمني، إلا أنه من المهم ربط الأمر بتقديرات التطورات الراهنة، وما يمكن أن تؤدي إليه المواجهة المرتقبة بين إسرائيل وإيران وارتداداتها على اليمن.


من المهم الإشارة إلى أن الحوثيين، رغم التزامهم بعدم التصعيد في الملف اليمني مقابل تجميد الإجراءات الحكومية الاقتصادية، إلا أنهم مستعدون في أي لحظة لخوض حرب موسعة بالتعاون مع إيران، خاصة بعد استهداف إسرائيل لأحد أهم مصادر تمويلهم في ميناء الحديدة. لا يزال شكل المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران غير معروف، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة من خلال استخدام وكلاءها في المنطقة، وما إذا كانت ستشمل تنفيذ عمليات نوعية تضرب العمق الإسرائيلي وتستهدف قادة إسرائيليين، أم سيتكرر سيناريو إبريل الماضي الذي وصفه كثير من المراقبين بأنه أقرب للمسرحية. مثل هذا السيناريو قد يسيء إلى طهران أمام العالم، كما قد يزعزع ثقة الشارع الإيراني بالنظام وربما يشجعه على التمرد عليه في ظل التحديات الداخلية الماثلة أمامه، والانقسامات المتداولة بين الرئيس الإيراني المنتخب وقيادة الحرس الثوري.


في المحصلة، سيظل الملف اليمني بما في ذلك الجانب الاقتصادي، مرهوناً بطبيعة التطورات المتصاعدة في المنطقة، وأي حل للأزمة اليمنية سيأخذ بعين الاعتبار العوامل الإقليمية المعقدة. كما أن غياب الإرادة السياسية لدى الأطراف في الحكومة اليمنية المعترف بها واستجابتها المتكررة للضغوط الدولية والإقليمية يفاقم الأزمة ويجعل الحل العسكري الخيار الأكثر احتمالية على المستوى الداخلي، خاصة في ظل تماهي السياسات الإقليمية وغياب الرؤية الدولية للتعاطي مع الجماعة اليمنية المدعومة من طهران.




فريدة أحمد

المديرة التنفيذية لمركز سوث24 للأخبار والدراسات

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا