قراءة في المشهد السياسي الآني بحضرموت

عضو المجلس الرئاسي فرج البحسني ومحافظ حضرموت مبخوت بن ماضي (رسمي)

قراءة في المشهد السياسي الآني بحضرموت

التحليلات

الأربعاء, 28-08-2024 الساعة 06:59 مساءً بتوقيت عدن

"على السلطة المحلية بحضرموت أن تدرك أن واقعًا جديدًا قد تخلّق بعد التحرير لا يسمح بإنتاج رشاد العليمي كنسخة أخرى من الرئيس السابق علي عبدالله صالح.." 

سوث24 | أنور التميمي 


مقدمة: ضرورة توصيف الحالة الراهنة 

يُعتبر تحليل الوضع السياسي في حضرموت أساسياً قبل طرح أي مبادرات تهدف إلى لم الشمل وتجنب الفتنة. إن معظم المبادرات السابقة، رغم نواياها الصادقة، فشلت لأنها لم تتناول توصيف الحالة بشكل دقيق خوفاً من أن تُحسب على طرف دون آخر، معتقدة أن الحياد يتطلب الغموض. إلا أن الغموض في هذا السياق يؤدي إلى تفاقم الأزمة بدلاً من حلها. لذلك يعد فهم المواقف المعلنة وغير المعلنة للأطراف المتنازعة أمراً حيوياً لإنجاح أي محاولة للصلح، حيث يمكن من خلاله توضيح نقاط الخلاف للمجتمع، مما يمكّن من تقريب وجهات النظر وتحذير الأطراف من المواقف التي قد تؤثر سلباً على حضرموت وأمنها.

تحليل موقف السلطة المحلية في حضرموت 

يَظهر من خلال الخطاب الإعلامي والتحركات السياسية أن السلطة المحلية في حضرموت، بقيادة المحافظ مبخوت بن ماضي، أصبحت تتعامل مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بوصفه المتحكم الوحيد في حضرموت، متجاهلة التوافق الذي شُكّل المجلس الرئاسي على أساسه. هذا الوضع يعزز من سلطة العليمي على حساب بقية أعضاء المجلس، بما فيهم ممثل حضرموت اللواء فرج سالمين البحسني. إن هذا التوجه من قبل السلطة المحلية قد يزعزع استقرار مجلس الرئاسة ولا يخدم حضرموت، بل يؤدي إلى تفاقم المشاكل الحالية.

لقد كانت زيارة العليمي للمكلا، دليلا على وجوب إعادة النظر وإعادة صياغة العلاقة بين السلطة المحلية والمجلس الرئاسي، وفق مضامين اعلان المجلس والصلاحيات المحددة له. وعلى السلطة المحلية بحضرموت أن تدرك أن واقعا جديداً قد تخلّق بعد التحرير لا يسمح بإنتاج نسخة أخرى من الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

منذ تعيين بن ماضي محافظاً، ظهرت أيضا مزاعم بتمكين حزب المؤتمر الشعبي العام من مفاصل المحافظة، وهي خطوة لم تراعِ الواقع الحالي في حضرموت. هذا التمكين يتعارض مع معطيات ما بعد تحرير حضرموت من تنظيم القاعدة، حيث استتبت الأمور بفضل قوات النخبة الحضرمية. إضافة إلى ذلك، يشير خطاب السلطة المحلية إلى ضرورة احترام مؤسسات الدولة، لكنه في بعض الأحيان يُستخدم لتبرير أوضاع غير سوية داخل هذه المؤسسات، مما يعزز حالة الفساد المستشري.

كما أنّ هناك أيضاً مخاوف من امتثال السلطة المحلية لرغبات العليمي بنشر قوات درع الوطن في مناطق انتشار قوات النخبة الحضرمية، وهو إجراء قد يُفسّر على أنه استهداف لهذه القوات التي أثبتت كفاءتها في حفظ الأمن. لذا، يتطلب الأمر من السلطة المحلية موقفاً واضحاً لدعم النخبة الحضرمية بدلاً من تهميشها.

لقد اختزلت السلطة المحلية الحركة الاحتجاجية، التي بلغت ذروتها في الحشد على الهضبة، في شخص الوكيل الأول بالمحافظة، عمرو بن حبريش. وترى أن انتماءه لمنظومة الحكم يجرده من الحق في الاحتجاج، وهو تصور غير منطقي. فالأجدر بالسلطة أن تتعامل مع المطالب ذاتها بدلاً من التركيز على من يقود هذه المطالب. وبدلاً من التركيز على طموحات وأهداف بن حبريش الشخصية، ينبغي على السلطة أن تبحث عن حلول حقيقية للمشكلة بعيداً عن تدخلات لجان العليمي، التي ارتبطت زياراته للمكلا بتفاقم الصراع في المحافظة.

من جهة أخرى، يرى بعض المراقبين أن زيارات العليمي المتكررة للمكلا تهدف إلى تعزيز صلاحياته كرئيس لمجلس القيادة الرئاسي، من خلال تقديمه كصاحب القرار النهائي في شؤون المحافظة ذات الأهمية الكبيرة. ويعتقدون أيضاً أن هذه التحركات تهدف إلى تركيز سلطة المحافظة في يد المحافظ بن ماضي وحده، مع تهميش بقية المكونات والشخصيات الحضرمية، بما في ذلك اللواء الركن فرج البحسني، ممثل حضرموت في مجلس الرئاسة.

موقف فريق عمرو بن حبريش من الأزمة 

اتخذ عمرو بن حبريش، رئيس حلف قبائل حضرموت ووكيل المحافظة، في فترات سابقة مواقف احتجاجية تجلت في مغادرته المكلا والإقامة في منطقته، احتجاجاً على تقليص صلاحياته. هذه الاحتجاجات الأخيرة جاءت متزامنة مع الحديث عن صفقة محتملة بين الشرعية والحوثيين لتقاسم عائدات نفط حضرموت، مما أعطى زخماً للحركة الاحتجاجية، لكن في الوقت ذاته يُلزم عمرو بإعلان موقف صريح من هذه الترتيبات.

كما أن تراجع صلاحيات بن حبريش وتفكك مؤتمر حضرموت الجامع بفعل تشكيل كيان موازٍ، أدى إلى تراجع فاعلية حركته الاحتجاجية مقارنة بما كان عليه الحال في هبة 2013. لذا، كان من الأجدر به تصحيح أوضاع مؤتمر حضرموت الجامع قبل الشروع في أي تصعيد.

كذلك فإنّ دعوة بن حبريش للسيطرة على مقدرات المحافظة غير مفهومة من المنظور العسكري، خاصة أن حقول النفط تحرسها قوات حضرمية بالفعل. لذا فعليه أن يركز جهوده على توسيع دائرة الاصطفاف الحضرمي بدلاً من اتخاذ مواقف قد تثير الانقسام. فعند الحديث عن ثروات حضرموت وحرمان أبنائها منها، يجب أن يتناول الخطاب جميع المتسببين في هذه الحالة، بما في ذلك الحوثيين الذين قصفوا منشآت المحافظة. لذلك، يجب على المحتشدين في الهضبة إعلان موقف واضح من الحوثيين، ورفض أي اتفاق يمنحهم جزءاً من عائدات النفط.

كما أن تصريحات بعض المقربين من بن حبريش بخصوص تشكيل قوات موازية للنخبة الحضرمية، تُثير القلق نظراً لأنها قد تفتح الباب أمام انقسامات جديدة في حضرموت، وهو أمر ينبغي التعامل معه بحذر.

 
خاتمة: الحاجة لرؤية فاحصة 

إن القراءة التحليلية السابقة لمواقف أطراف الأزمة في حضرموت تهدف إلى مساعدة المهتمين على فهم تعقيدات المشهد السياسي دون أن تنحاز لأي طرف. إن هذه المكاشفة ضرورية للمساعدة في إيجاد حلول مستدامة للأزمة الحالية، مع الحفاظ على احترام الشخصيات المعنية وتقدير دورها في المشهد الحضرمي.


أنور التميمي
مستشار سياسي وإعلامي جنوبي 

*ملاحظة: الآراء الواردة في القراءة تعبر عن رأي الكاتب. 

جنوب اليمنحضرموتقبائل حضرموتمؤتمر حضرموت الجامعالمكلا