الصورة: تجميع مركز سوث24
11-09-2024 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبد الله الشادلي
تشهد محافظة حضرموت، كبرى محافظات جنوب اليمن، حالة من التدهور المتسارع في الخدمات الأساسية، وسط تزايد الاحتقان السياسي والشعبي. على مدار الأسابيع الماضية، تصاعدت حدة التوتر بين القبائل المحلية والسلطات، حيث يقود حلف قبائل حضرموت حملة ضغط على مجلس القيادة الرئاسي لتحقيق مطالب محلية يقول إنها بهدف تحسين الأوضاع المعيشية واستعادة حقوق المحافظة.
تزامن هذا مع زيارة رئيس المجلس رشاد العليمي إلى المحافظة في يوليو، والتي لم تسهم في تهدئة الأوضاع بل أدت إلى تعزيز المطالب الشعبية والقبلية التي يقودها الشيخ عمرو بن حبريش العليي ومؤتمر حضرموت الجامع. الزيارة التي ربطها البعض بمحاولات استئناف تصدير النفط بالاتفاق مع الحوثيين، ترافقت مع انهيار شبه كامل في الخدمات، خاصة في قطاع الكهرباء، مما دفع السكان إلى التعبير عن غضبهم عبر مظاهرات واحتجاجات في المكلا ومناطق أخرى من المحافظة.
متعلق: قبائل حضرموت تصعد تحركاتها للسيطرة على منابع النفط
تدهور الخدمات
تعاني مدن حضرموت من انقطاع أزمة كبيرة في التيار الكهربائي، حيث وصلت ساعات الانقطاع إلى أكثر من 14 ساعة في اليوم الواحد. تتهم شركة النفط حلف قبائل حضرموت بعرقلة وصول إمدادات الوقود إلى المحافظات عبر النقاط المسلحة المنتشرة حول حقول النفط.
وأفاد بعض مالكي المنشآت الصناعية، بما في ذلك مصانع الإسمنت، وسائقي سيارات أجرة لمركز سوث24 أنهم اضطروا إلى تعليق أعمالهم لعدة أيام بسبب ارتفاع سعر صفيحة الديزل (20 لتر) إلى حوالي 70 ألف ريال يمني في السوق السوداء، بعد انعدام الوقود في محطات التوزيع الرسمية. هذه الأزمة الخانقة لم تتوقف عند هذا الحد؛ فقد دفع ارتفاع أسعار الديزل، الذي بلغ 1550 ريالاً للتر الواحد، سائقي باصات النقل العام في المكلا إلى الإعلان عن خطوات تصعيدية الشهر الماضي احتجاجاً على الزيادة الكبيرة في التكلفة.
وفي تصعيد آخر، أعلن الاتحاد العام لطلاب جامعة حضرموت في 2 سبتمبر عن إضراب شامل ومفتوح عن الدراسة، احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية والخدمية في المحافظة، إضافة إلى الارتفاع الحاد في أسعار المواصلات والمحروقات، مما جعل الحياة اليومية أكثر صعوبة بالنسبة للطلاب.
احتقان شعبي وسياسي
في 4 سبتمبر، قال حلف قبائل حضرموت: "ندين جريمة تفجير قنبلة يدوية على المعتصمين السلميين من أهالي وصيادي منطقة شحير بمديرية غيل باوزير ليلة البارحة، مما أسفر عن إصابة عدد من الأشخاص نقلوا إلى المستشفيات لتلقي العلاج".
جاء هذا الحادث مع تزايد الاحتقان الشعبي والسياسي في المحافظة. وتسبب بخروج مظاهرات ليلية في المكلا وغيل باوزير.
المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تبنى في أوقات كثيرة التحركات الشعبية والاحتجاجات في حضرموت نظرًا لقاعدته الجماهيرية الواسعة، لم يؤيد علانية أنشطة حلف قبائل حضرموت. قال رئيس المجلس في تصريح سابق لمركز سوث24 إنهم يؤيدون كل المطالب الحقوقية لأبناء حضرموت، لكنه أعاد التذكير بملفات مهمة تجاهلها حلف القبائل مثل إخراج المنطقة العسكرية الأولى التي تتألف من ألوية شمالية من وادي وصحراء حضرموت.
وفي 28 أغسطس، وبعد يومين من لقاء موسع، أعلن المجلس الانتقالي تشكيل لجنة "لتوحيد الصف واسترداد حقوق المحافظة ودعم جهود قوات النخبة الحضرمية". وقد حظي هذا القرار بتأييد من بعض قبائل حضرموت، مثل: قبائل سيبان ونوَّح.
وقال الانتقالي إن من مهام اللجنة التواصل مع السلطة المحلية والقوى الحية والمكونات المدنية والقبلية لبناء توافق حول الرؤية والأهداف، والتعرف على مخاوفهم وهمومهم وتبني آليات للتعامل معها، على أن ترفع بتقرير بنتائج أعمالها في مدة أقصاها 30 يوم.
ورحّب محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي بنتائج اللقاء الموسع لقيادات المجلس الانتقالي الجنوبي خلال لقاء جمعه مع عضو هيئة رئاسة المجلس علي الجبواني، ورئيس الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للمجلس ركن سعيد أحمد المحمدي.
وفي 5 سبتمبر، حذَّر حلف قبائل حضرموت من "أي تصرفات غير مسؤولة قد تؤدي إلى تصادم مع أفراد الحلف". وشدد على أن "أي اعتداء على أفراد الحلف سيعتبر اعتداءً على كل أبناء حضرموت".
جاء ذلك غداة قيام نقطة معسكر الحمراء التابع للمنطقة العسكرية الثانية بمنع مجاميع قبلية مسلحة تتبع الحلف من المرور بنقاطها إلا بتسليم السلاح والتخلي عنه، حسب ما أكدته مصادر مقربة من قيادة الحلف لمركز سوث24. ولم يتسن للمركز التواصل مع المنطقة الثانية للتحقق من صحة هذه المعلومات.
في نفس اليوم، أطلق حلف قبائل حضرموت الخيمة التصعيدية في مديرية الديس الشرقية. كما أُعلن الحلف عن تمركز قبلي في غرب المكلا لمنع خروج النفط والثروات من المحافظة كما جاء في البيان. ونشر الحلف مقاطع فيديو تظهر انتشار أبناء القبائل المسلحين في نقاط التمركز.
وفي تصريح لمركز سوث24، أوضح الناطق باسم حلف قبائل حضرموت، الكعش سعيد السعيدي، أن الحلف بدأ تصعيد الضغط لتحقيق مطالبه، والتي تتمثل في منع خروج ثروات حضرموت خارج أراضيها وتوجيهها لخدمة سكان المحافظة.
على الرغم من تصاعد التوتر بين الحلف والسلطة المحلية، أكد السعيدي أن العلاقة بينهما لا تزال أخوية، وأن الخلاف يتركز على التنفيذ الفعلي للمطالب الموجهة إلى مجلس الرئاسة، حيث لم تُبذل أي جهود ملموسة حتى الآن لتحقيق الاتفاقات.
وأشار السعيدي إلى أن السلطة المحلية لم تعترف بلجنة الحلف المكلفة بالإشراف على توزيع الديزل لكهرباء حضرموت، والتي أنشئت لضمان وصول الكميات اللازمة للمواطنين. وأوضح أن الحلف يواصل جهوده رغم الصعوبات لضمان توفير الديزل للمستحقين، مؤكداً على أهمية التعاون من جانب السلطة المحلية.
وأضاف السعيدي أن الحلف يعارض بشدة خروج النفط الخام من حضرموت، وذلك نظراً للمعاناة التي تواجهها المحافظة في ظل تدهور الخدمات، لا سيما الكهرباء. كما نفى وجود أي صراع بين الحلف وقوات النخبة الحضرمية، مشدداً على أن النخبة هي جزء من أبناء حضرموت، وأن الحلف يسعى لتعزيز دورها في مواجهة التحديات.
ويوم الاثنين، نشرت الصفحة الرسمية لحلف القبائل على فيسبوك منشورًا يشكك بمصداقية السلطة المحلية ويثير تساؤلات حول مصير كميات كبيرة من وقود الديزل التي لم تعترف بها السلطة أو تكشف عنها.
وقال البيان: "تقرّ السلطة بأن كمية وقود الديزل المدعوم المستلمة من بترومسيلة يومياً هي 745,000 لتر لساحل حضرموت و175,000 لتر للوادي، ليصبح الإجمالي 920,000 لتر للمحافظة. ومع ذلك، هناك تقارير تشير إلى وجود كمية كبيرة مفقودة لم تعترف بها السلطة أو تُفصح عنها، رغم أنها جزء من حصة المحافظة من بترومسيلة ويتم دفع قيمتها عبر شركة النفط بالمحافظة".
وأضاف البيان: "استناداً إلى المعلومات والوثائق المتوفرة للفترات السابقة، يبدو أن هناك تفاوتاً كبيراً بين الكميات المعترف بها والكمية الفعلية المتاحة. يُثار تساؤل حول مصير هذه الكميات الكبيرة المفقودة والجهات المستفيدة منها في ظل نفي السلطة استلامها. هذا يمثل القضية الجوهرية والثقب الأسود الممنوع الاقتراب منه، ويحتاج إلى تحقيق دقيق حوله".
ونفى ناطق حلف القبائل أن تكون تحركاتهم مدفوعة بمصالح شخصية أو أطماع سياسية، بما في ذلك الشيخ القبلي عمر بن حبريش.
وتجدر الإشارة إلى أنه في 20 أغسطس، أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي قرارًا بتشكيل لجنة رئاسية للنظر في مطالب محافظة حضرموت، بناءً على التفاهمات التي تمت خلال زيارته في يوليو. تضم اللجنة شخصيات حكومية وقبلية تهدف إلى تقديم حلول قانونية لأزمات المحافظة بحسب ما نشرته وكالة سبأ الرسمية.
في المقابل، انتقد عضو المجلس الرئاسي ونائب رئيس المجلس الانتقالي فرج البحسني تشكيل اللجنة، معتبراً إياها إضاعة للوقت وتخفيفًا من جدية الأزمة. ودعا إلى اتخاذ قرارات مباشرة أو عقد اجتماع طارئ للمجلس لحل المشاكل بشكل فوري وحازم.
الحاجة لوحدة الصف
يرى المحلل السياسي أنور التميمي أن حضرموت بحاجة إلى إعادة صياغة مشروعها الوطني بما يتناسب مع التطورات الراهنة في المنطقة. ويؤكد على أهمية توحيد القوى السياسية والحراك الاجتماعي في حضرموت لبناء مشروع جامع يهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية، محذرًا من أن استمرار الانقسام سيضعف حضرموت ويجعلها عرضة للتلاعب من قبل القوى الخارجية.
وعن رأيه بالسلطة المحلية، قال التميمي لمركز سوث24 إن السلطة "تعاني من ضعف أدائها واعتمادها الكبير على التوجيهات المركزية، مما يحد من قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة". وأوضح أن غياب الرؤية الاستراتيجية لدى السلطة المحلية يعوق استثمار الإمكانات المتاحة، ودعا إلى إصلاح جذري في أدائها لتمكينها من إدارة شؤون المحافظة بفعالية.
وفيما يتعلق بالأزمة الحالية في حضرموت، يرى التميمي أن تدخلات السلطة المركزية تعيق جهود التنمية المحلية، مؤكدًا أن الحل يكمن في إعطاء صلاحيات أوسع للسلطة المحلية لتمكينها من إدارة موارد المحافظة وتحقيق التنمية المستدامة.
كما تحدث التميمي عن دور المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت، مشيرًا إلى أن دوره الحالي يقتصر على الأنشطة الشعبية والرمزية. وأكد أن المجلس بحاجة إلى تجاوز هذا الدور والمشاركة بفاعلية في العملية السياسية وبناء شراكات مع القوى السياسية الأخرى لتحقيق تطلعات الشعب الحضرمي.
ومع استمرار تدهور الخدمات وتصاعد الاحتقان في حضرموت، تبدو الحاجة إلى حلول شاملة وفاعلة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. وقد تحجب الأجندات السياسية التي لا ترتكز في الأساس على تحقيق رفاهية واستقرار المحافظة أي فرص حقيقية تقي حضرموت من الانزلاق نحو مربع العنف أو الاضطراب. وهذا يضع مسؤولية كبيرة على عاتق القوى الرئيسية في المحافظة، لا سيما السلطة المحلية والقبائل والمجلس الانتقالي.
قبل 3 أشهر