مركبات مدرعة إسرائيلية في منطقة تجمع في شمال إسرائيل بالقرب من الحدود الإسرائيلية اللبنانية، 1 أكتوبر، 2024. (ا ف ب/باز راتنر)
05-10-2024 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
تشهد الساحة اللبنانية تطورات غير مسبوقة مع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجنوب وتوسع الغارات الجوية، وصولًا إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في واحدة من أكبر الضربات التي تلقاها الحزب. منذ بدء الغزو البري الإسرائيلي في أوائل أكتوبر، اتجهت الأنظار إلى لبنان الذي أصبح مسرحًا لمواجهات عنيفة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، وسط تزايد القلق الدولي من احتمال توسع دائرة الصراع ليشمل المنطقة بأكملها.
في ظل هذه التوترات، تمكّنت إسرائيل من تنفيذ سلسلة من الضربات القاسية التي استهدفت قادة حزب الله، حيث يُعد اغتيال نصر الله حدثًا مفصليًا في الصراع، مما يزيد من الغموض حول مستقبل حزب الله وتأثير هذه الضربات على ميزان القوى في لبنان والمنطقة.
كما أن هذه التطورات في لبنان تزامنت مع هجوم إيراني واسع بالصواريخ والقذائف يوم الثلاثاء (1 أكتوبر) على إسرائيل، انتقامًا لاغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في 31 يوليو وسط طهران. الهجوم الذي أثار مخاوف من رد إسرائيلي انتقامي قالت صحف عبرية إنه قد يطال المنشآت النووية والحيوية الإيرانية، مما يهدد بأسوأ سيناريو خيم على المنطقة قرابة عام وهو "الحرب الشاملة".
كما أن مليشيا الحوثيين اليمنية صعدت أيضًا من الهجمات ضد إسرائيل، وأعلنت عن 3 هجمات بين 26 سبتمبر – 3 أكتوبر بالصواريخ والمسيرات، اثنان منها نحو تل أبيب. ورغم مزاعم الحوثيين بتحقيق الضربات لأضرار، قال الجيش الإسرائيلي إنه تصدى للأجسام المعادية في الهواء.
وشنت إسرائيل يوم 29 سبتمبر موجة جديدة من الهجمات الجوية ضد موانئ الحديدة الخاضعة للحوثيين. كما هاجمت القيادة المركزية الأمريكية يوم 4 أكتوبر أهداف للحوثيين في صنعاء والحديدة ومحافظات أخرى بعد إصابة سفينة بريطانية بهجوم للحوثيين في البحر الأحمر يوم الثلاثاء 1 أكتوبر.
التصعيد الإسرائيلي في لبنان
في 28 سبتمبر الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي استهدافه لحسن نصر الله في غارة جوية على مقر القيادة المركزية لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت. وفي بيان رسمي، أكد حزب الله لاحقًا اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، وهو ما يُعد أكبر ضربة تلقتها الحركة خلال أسبوعين مليئين بالهجمات التي استهدفت البنية التحتية لحزب الله، بما في ذلك تفجير آلاف أجهزة الاتصالات [البيجر] التي يعتمد عليها الحزب بشكل أساسي في التواصل والتنظيم.
وفي 2 أكتوبر، نقلت وكالة رويترز عن مصادر قولها إن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قد حذر نصر الله قبل أيام قليلة من اغتياله، وطلب منه مغادرة لبنان، تحسبًا لأي تطورات محتملة في المنطقة. وعلى الرغم من هذا التحذير، قُتل نصر الله في الغارة الإسرائيلية.
قبلها في 23 سبتمبر، خلّفت مئات الغارات الإسرائيلية على مناطق عديدة في لبنان 492 قتيلا، بينهم 35 طفلا، وفق حصيلة أعلنتها السلطات اللبنانية. وتساقط عشرات الضحايا باستمرار خلال الأيام التالية وحتى اللحظة.
وأعلن وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، الخميس [1 أكتوبر]، أن الحصيلة الإجمالية للقصف الإسرائيلي منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مقتل نحو ألفي شخص، بينهم 127 طفلاً و261 امرأة، وإصابة نحو 10 آلاف بجروح.
وعلى مدى يومي الخميس والجمعة الماضيين، تعرضت الضاحية الجنوبية لبيروت لقصف إسرائيلي مكثف. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز وموقع أن الغارات الإسرائيلية استهدفت اجتماعًا لكبار قادة حزب الله، بينهم هاشم صفي الدين، ابن خالة نصر الله والمرشح المحتمل لخلافته في منصب الأمين العام للحزب. كما أشارت التقارير الإعلامية إلى أن حجم الضربة الأخيرة كان أكبر بكثير من تلك التي قتلت نصر الله، وهو ما يعكس إصرار إسرائيل على توجيه ضربات قاصمة للحزب في هذا التوقيت.وحتى الآن، لايزال مصير هاشم صفي الدين مجهوًلا والتواصل معه منقطع بحسب أكسيوس.
موجة القصف المتصاعدة تزامنت مع معارك مباشرة بين الجيش الإسرائيلي ومقاتلي حزب الله في جنوب لبنان منذ إعلان تل أبيب يوم الثلاثاء (30 سبتمبر) بدء عملية برية "محددة الهدف والدقة ضد أهداف لحزب الله في المنطقة القريبة من الحدود في جنوب لبنان". وتقول إسرائيل إن العملية بهدف إعادة آلاف الإسرائيليين إلى شمال البلاد وتحطيم حزب الله.
الأهداف الإسرائيلية
فيما يتعلق بأهداف إسرائيل من هذه العمليات العسكرية، تساءل الكاتب والباحث السياسي اللبناني د. عاصم عبد الرحمن عما إذا كانت إسرائيل تهدف إلى احتلال أراضٍ لبنانية أو القضاء على حزب الله فحسب.
وقال لمركز سوث24: "العدو الإسرائيلي يدرك تمامًا أن أي محاولة لاحتلال أراضٍ في لبنان لن تكون نزهة سهلة، خاصة مع طبيعة المواجهة ضد منظمات مسلحة مثل حزب الله وكتائب القسام". وأشار عبد الرحمن إلى أن هذه المنظمات "تتبنى تكتيكات حرب الشوارع، وهو ما يجعل الطرف المهاجم في موقف صعب".
وأضاف: "وجود القوات الدولية على الحدود الجنوبية للبنان يشكل عائقًا أمام أي نوايا إسرائيلية للتوسع أو الاحتلال، حيث يُعتبر وجود هذه القوات خطًا أحمر بالنسبة للمجتمع الدولي. كما أن حزب الله لا يزال يحتفظ بقدرات عسكرية كبيرة تمكنه من مواجهة القوات الإسرائيلية في حال اندلاع أي مواجهة برية".
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي اللبناني طارق أبو زينب لمركز سوث24: "المواجهات بين العدو الإسرائيلي وحزب الله ما زالت مستمرة في جنوب لبنان، وإن إسرائيل تسعى إلى تصفية قيادات حزب الله بعد الضربات التي استهدفت شخصيات بارزة في الحزب، وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله.
وأضاف: "الوضع في الجنوب اللبناني يتسم بالتصعيد المتواصل، حيث تشهد المناطق الحدودية معارك عنيفة أدت إلى نزوح عدد كبير من السكان".
السيناريوهات المحتملة
يرى عاصم عبد الرحمن أن التوترات المستمرة بين حزب الله وإسرائيل تثير مخاوف كبيرة لدى اللبنانيين من توسع دائرة المواجهات. إلا أنه أشار إلى أن التضامن الشعبي اللبناني خلف تداعيات الحرب من الناحية الإنسانية يحد من احتمالات تدهور الأوضاع الأمنية الداخلية بشكل كبير. وأضاف: "الشعب اللبناني، على اختلاف طوائفه ومناطقه، يقف متضامنًا أمام تداعيات الحرب، بغض النظر عن مواقفهم السياسية تجاه حزب الله. هذا التضامن يجعل من تدهور الأوضاع الأمنية الداخلية أمرًا صعب الحدوث".
وتابع عبد الرحمن أن الأهداف الإسرائيلية تتركز في الوقت الحالي على ضرب البنية التحتية لحزب الله، بما في ذلك مخازن الأسلحة ومنازل قيادات الحزب، خاصة في المناطق القريبة من الضاحية الجنوبية لبيروت التي تُعد المعقل الرئيسي للحزب.
من جانبه، أشار طارق أبو زينب إلى أن الوضع في لبنان يتسم بالغموض، حيث من الصعب التنبؤ بما سيحدث في الأيام المقبلة بسبب التصعيد المستمر. وقال: "التوترات لا تزال مستمرة، والدعم الأمريكي الكبير لإسرائيل يزيد من تعقيد المشهد". وأضاف أن "لبنان يدفع ثمن الأجندات الخارجية منذ أحداث 7 أكتوبر 2023، التي شهدت تصاعدًا في وحدة الساحات الإيرانية التي تضم اليمن والعراق ولبنان".
التداعيات الإقليمية
يعتقد طارق أبو زينب أن الحل الوحيد للأزمة الحالية "يكمن في تطبيق القرارات الدولية ومخرجات اتفاق الطائف، إلى جانب انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية وفك الارتباط بمحور الساحات الإقليمية الذي تديره إيران. وأكد أن لبنان يحتاج إلى استعادة سيادته بعيدًا عن الصراعات الإقليمية التي تؤثر بشكل مباشر على استقراره الداخلي".
وفيما يتعلق بردود الفعل المتوقعة من حزب الله و"محور المقاومة" بقيادة إيران في حال تصاعدت العمليات العسكرية، قال عاصم عبد الرحمن: "في ظل انكشاف ظهر المقاومة في سوريا وتورط بشار الأسد في صفقات تسوية مع بعض القوى الإقليمية، من المرجح أن تقتصر ردود الفعل على إطلاق الصواريخ من قبل حزب الله، التي ستتصدى لها القبة الحديدية في إسرائيل".
وأشار إلى أن "التنسيق الإيراني الأمريكي يعكس وجود تفاهمات مسبقة حول كيفية إدارة هذا الصراع، مما يعني أن محور المقاومة بدأ يفقد قوته تدريجيًا".
اليمن ولبنان
بشأن تأثير التطورات في لبنان على الوضع في اليمن، لفت عاصم عبد الرحمن إلى أنّه "دائماً ما يتم ربط الوضع اللبناني أمنياً وعسكرياً باليمن بالنظر إلى طبيعة العلاقة بين حزب الله وأنصار الله بإيران «الأب الروحي»"، حد وصفه.
وقال: "هناك اعتقاد يسود لدى معظم اللبنانيين أن الحزب أصبح من الماضي ولو استغرق استيعاب ذلك وقتاً طويلاً فالضربة القاصمة التي أصابته في العمق جعلت منه حطاماً سيطاله على الصعد السياسية والتنظيمية والجماهيرية".
وأردف: "التطور الأبرز على الساحة الشيعية على وجه الخصوص أن هناك اعتقاد لديهم بصفقة إيرانية مع الولايات المتحدة أفضت إلى تخلٍ ظرفي أقله عن الحزب والأذرع الإيرانية الأخرى لترسيخ ما سمي بالترتيب الجديد في المنطقة والإقليم ما يعني حكماً أن سيناريو الحزب سيتكرر في اليمن وسيضرب عمق الحوثيين العسكري ويجعل منهم حركة سياسية وحسب".
وتجدر الإشارة إلى أن لبنان كان يعاني بالأصل من أزمات داخلية عميقة على المستويين السياسي والاقتصادي، ويهدد الغزو الإسرائيلي والتصعيد العسكري بمضاعفة أزمة الدولة المتنوعة وإدخالها في مرحلة حرجة. كما أن توسع الحرب نحو البلد الصغير، بالرغم من مزاعم إسرائيل بشأن عملية عسكرية محدودة، يجر المنطقة إلى احتمالات مفتوحة.