عربي

اتجاهات التصعيد الإقليمي في الشرق الأوسط

جندي من القوات الإسرائيلية على حدود قطاع غزة، 10 أكتوبر 2023 (Getty)

17-10-2024 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

"أضفت سيولة التصريحات السياسية والتحركات الميدانية تغيراً في الأوزان النسبية للقوى الفاعلة بالمنطقة؛ على نحو يؤسس لسيناريوهات "النهايات المفتوحة" لاتجاهات التصعيد المُحتملة بالإقليم.."


سوث24 | د. إيمان زهران 


عصفت العديد من التفاعلات السياسية والعسكرية بالمشهد القائم بجغرافيا الشرق الأوسط تزامناً مع الذكرى الأولى لأحداث 7 أكتوبر 2023، وما تلى ذلك من عمليات عسكرية متباينة على جبهات عربية مختلفة، على نحو ما يُعيد النظر في اتجاهات التصعيد استناداً إلى المحددات التالية:


- فرضية توازن القوى بالإقليم بدأ يشوبها الغموض والتقلب في أعقاب أحداث طوفان الأقصى، وما تلى ذلك من العمليات الإسرائيلية النوعية بالجبهة الشمالية فضلاً عن عمليات الاستهداف المتبادل مع جماعة الحوثيين في اليمن.

- تجميد النزاعات المحلية/ الداخلية، والإزاحة نحو اختبارات "صراعات الإقليم" على نحو ما قد يرسخ لفرضية "المنافسات الإقليمية" بين القوى الفاعلة سواء الدول الوطنية أو الفواعل من دون الدول. 

- توريد السلاح إلى المنطقة تعاظم بصورة حادة، وهي صفقات تتنافس فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بصورة نشطة. 

- الشرق الأوسط يعاني من شح ملموس في معايير الحرب وآليات فض النزاع، بالمقارنة مع مناطق العالم الأخرى. وكان من نتائج ذلك فيما بعد 7 أكتوبر 2023 أن تحولت المنطقة لساحة للإملاءات الخارجية بالإضافة إلى "إعادة إنتاج" أنماط التنافس والصراع.  


وعليه، فثمّة تساؤلات تفرضها طبيعة التصعيد القائم بالإقليم، وكذلك ما يتعلق بماهية ودوافع التصعيد للقوى المنخرطة بالمنطقة على المستويين الإقليمي والدولي، فضلاً عن السيناريوهات المحتملة للتطورات القائمة بالشرق الأوسط، وذلك على النحو التالي:  


مكيانزم التصعيد


على الرغم من تنامي العديد من التحليلات التي تُشير إلى احتمالية "كوابح الحرب" بعد تطور حالة "انكسار الردع الإسرائيلي"، إلا أنّ حالة "الاستنزاف المتبادل" دفعت بفرضية "اتساع النطاق" بالمحيط الإقليمي والذي لا يمكن النظر إليه بمعزل عن مُجمل الظرف الدولي، والصراعات المتباينة الأخرى بين أمريكا وروسيا والصين وانعكاسها المباشر وغير المباشر على المنطقة، والتغيرات في السياسات المحلية بالكتلة الغربية، والذي انعكس بشكل واضح على مستقبل اتجاهات التصعيد بالمنطقة وذلك بالنظر إلى الخريطة التالية: 



 الخريطة: سي إن إن.


يمكن ملاحظة أنّ أماكن التظليل الداكن تُعبر عن الدول قيد التصعيد وفقاً لبنك الأهداف الإسرائيلي فيما بعد أحداث 7 أكتوبر، وذلك وفقاً للمحددات التالية:

 

- العلاقات الإسرائيلية – العربية: كشفت الخريطة التي قام رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بعرضها إبان خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة في 27/9/2024، والتي يظهر بها دول مظللة باللون الأسود أطلق عليها "دول النقمة"، والتي تُشكل محور المقاومة "إيران، لبنان، سوريا، العراق، اليمن"، وأخرى مظللة باللون الأخضر أطلق عليها "دول النعمة"، والتي تُشكل دول الاعتدال سواء من ارتبطت معها إسرائيل باتفاقيات سلام أو أخرى تطبيع، وذلك في إشارة إلى إعادة تشكيل خريطة العلاقات أو وفقاً لما أسماه بـ "خريطة الشرق الأوسط الجديد" والتي أصبحت محل الحديث لدى كافة الساسة بإسرائيل. فعلى سبيل المثال: أحد أبرز الأطروحات الإسرائيلية لـ "شيمون بريز" ما يتعلق بكتابة "الشرق الأوسط الجديد" الصادر عام 1992، والذي فنّد عبره مرئياته الخاصة للهيكل السياسي والاقتصادي والتنموي والمجتمعي للشرق الأوسط، وما تلى ذلك في كتاب بنيامين نتنياهو "مكان تحت الشمس" الصادر عام 1995 في السياق ذاته. 


نقطة أخرى تؤخذ بعين الاعتبار، ما يتعلق بمستقبل اتفاقيات التطبيع القائمة والمؤجلة، إذ في حال استمرار العمليات العسكرية واتساع نطاقها بالإقليم سيُشكل بدورها ضغط على الدول العربية التي أبرمت خلال الأعوام الأخيرة تطبيع للعلاقات مع إسرائيل، فضلاً عن جمود/ أو توقف التحركات الأمريكية الإسرائيلية لإبرام مزيد من اتفاقيات التطبيع الإسرائيلي مع الدول العربية لفترة من الزمن. لتبقى رهانات بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف على فوز دونالد ترامب برئاسة البيت الأبيض، ومن ثم مقايضة / أو مساومة الدول العربية ببعض الملفات المرتبطة بالـ "المصلحة الوطنية/ القومية" مقابل المضي قدما في تحسين العلاقات الثنائية والاتجاه نحو استكمال خارطة التطبيع مع إسرائيل.


- ترميم "عقيدة الردع": تستند نظرية الردع على افتراض مفاده "أنّ القوة هي أفضل علاج للقوة، فقوة الدولة هي العامل الأساسي لكبح جماح الآخرين"، وعليه تسعى إسرائيل عبر اختبارات التصعيد المتتالية في الضفة الغربية والجنوب اللبناني وسوريا والعراق وكذلك مناوراتها مع جماعة الحوثيين في اليمن إلى إعادة ترميم "عقيدة الردع" وإثبات "الهيمنة الأمنية"، والتي فشلت - في إطار أحداث 7 أكتوبر- في توفير مقوماتها الأساسية المتمثلة في: (الإنذار- الردع – الدفاع - الحسم). لذلك تسعى إسرائيل إلى التحرك نحو "الحسم العسكري" على الجبهتين الجنوبية والشمالية، بالإضافة إلى تقويض الأذرع الإيرانية الموازية في مناطق الاستهداف السابق ذكرها عبر محاولة الاستدراج الأمريكي للانخراط بالحرب الإقليمية المُحتملة عبر بوابة البحر الأحمر. 


- جدلية التصعيد: أحد أهم التساؤلات الحالية والتي تتسق مع الخبرة الصراعية للتفاعلات العربية – الإسرائيلية بالشرق الأوسط، وهو ما يتمثل في الجدل حول توصيف التحركات الراهنة هل هي "حرب بالإقليم" أم "حرب إقليمية"، خاصة فيما يتعلق بالنطاق الجغرافي للحرب والأطراف المنخرطة. وبتوصيف أكثر دقة تتراوح تلك الجدلية بين فرضيتين:  


1. الفرضية الأولى (حرب بالإقليم): تُبنى على وجود حرب قائمة بين إسرائيل وحركة المقاومة حماس + الفصائل الفلسطينية، وفي إطار ذلك تسعى أطراف إقليمية ودولية فاعلة لاحتواء التصعيد القائم مثل القاهرة، والتوسط بين الطرفين عبر نقل رسائل نوعية مفاداها "وقف إطلاق النار والانتقال إلى ترتيبات سياسية من شأنها ضمان استقرار الإقليم".  


2. الفرضية الثانية (حرب إقليمية): تُبنى على انتقال الصراع إلى مستويات أكثر حدة، وذلك عبر اتساع دوائر التصعيد ليشمل إسرائيل ضد كل من: "إيران + وكلائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن"، مما يعني حروب متباينة على جبهات مختلفة في توقيت متزامن، وذلك من خلال حرب إسرائيلية في مواجهة حماس واستهداف عناصر المقاومة في الضفة الغربية، وكذلك حربها في مواجهة حزب الله في الجنوب اللبناني، واستهدافها للحشد الشعبي في كل من سوريا والعراق، بالإضافة إلى مناوراتها مع جماعة الحوثي في اليمن. 


دوافع متباينة


ثمّة دوافع يحملها كافة الأطراف في الإقليم تدفع بفرضية اتساع جبهات التصعيد بالإقليم، وذلك بالنظر إلى ما يلي:  


- دوافع إسرائيل: أبرزها ما يتعلق بـ، أولاً: حسم الصراع مع إيران وأذرعها بالمنطقة، فعلى سبيل المثال: تسعى إسرائيل من اتساع التصعيد لنزع سلاح حزب الله وتفكيك قوته العسكرية وإزاحته لما بعد الليطاني، مقابل إعادة توطين سكان الشمال وتأمين منطقة الجليل. فضلاً عن إعادة الدفع بقرار مجلس الأمن رقم 1559 الخاص بحل جميع الميلشيات اللبنانية ونزع سلاحها، وكذلك القرار الأممي 1701 الصادر عام 2006، وتطبيق بنود اتفاق الطائف وتجريد الجماعات المسلحة اللبنانية من سلاحها، ثانياً: الرغبة في تغيير معادلات الردع بالصراع مع طهران لتشتمل على (توظيفات خطاب الردع النووي – ترسيم حزام ناري بالمحيط الإسرائيلي)، وذلك في ظل الانتقال إلى نمط التصعيد المباشر في الإقليم. ثالثاً: ما يتعلق بالترتيبات الأمنية استناداً إلى تنامي "الهاجس الأمني" وترسيخ خطابات التهويل حول تنامي "بيئة إقليمية معادية لإسرائيل" تستلزم معها معالجات عسكرية وأمنية عاجلة. رابعاً: إعادة الزخم للداخل الإسرائيلي سواء على مستوى النخب السياسية أو المجتمع الداخلي، فضلاً عن المراوغة وصرف الأنظار عن ملف الملاحقات القضائية وقضايا الفساد مما قد يمنح بنيامين نتنياهو بما يشبه "نافذة الفرص" للمقايضة بمستقبله السياسي فيما بعد الحرب القائمة.


- دوافع محور المقاومة: تتباين الدوافع الخاصة بمحور المقاومة وتنقسم ما بين كونها دوافع شخصية وأخرى تتعلق بمكيانزم "الأجندة الإيرانية" الداعم الأول لتحركاتهم بالشرق الأوسط، وذلك على النحو التالي:  

 

- دوافع لبنان: تتمثّل في الحسابات السياسية لحزب الله والتي يتلخّص أبرزها في، أولاً: الإبقاء على مبدأ "وحدة الساحات" الخاص بمحور المقاومة والتضامن والدعم لحركة "حماس" وفقاً لما عُرف بـ "حرب الإسناد"، مقابل الحفاظ على حالة التوازنات السياسية/ والعسكرية في إشارة إلى الالتزام بالقرار الأممي 1701. فعلى سبيل المثال: لم يقصف حزب الله بصواريخ متوسطة أو قصيرة المدى، بل صواريخ مضادة للدروع فقط. ثانياً: التحرك في إطار توسيع نطاق الاشتباك بهدف استنزاف الألوية الرئيسية الإسرائيلية + الاحتياط ووضعهما في حالة استعداد على الحدود مع لبنان دون الانخراط في معركة غزة. إلا أنّه بالمقابل لازال هناك إشكالية تتعلق بـ "شغور منصب القيادة" عقب حملة الاغتيالات الإسرائيلية لقادة صف أول بالحزب بهدف إرباك موازين القوة والردع، وإن كان عوضاً عن ذلك يمارس حزب الله استراتيجية "اللامركزية العسكرية" عبر التأهيل والتصعيد الافتراضي للمستويات الثانية والثالثة من المقاتلين في إطار إعادة هيكلة المجلس الجهادي فضلاً عن كون وحدات الجنوب كل منهم تمتلك قيادة محلية منفصلة على مستوى إدارة المعارك القتالية المباشرة، وهو الرهان قيد الاختبار خلال الفترة المقبلة. فعلى سبيل المثال: شكلت هجمات حزب الله عبر المسيّرات على قاعدة التدريب العسكرية "الجولاني" وكذلك على القاعدة العسكرية جنوب حيفا ، أحد أهم الاختبارات النوعية والمركبة لنظرية "القيادة المحلية".


- دوافع سوريا: على الرغم من استثناء فصائل سوريا من خطابات ورسائل محور المقاومة وتحييدها عن المشهد التصعيدي استناداً إلى هشاشة الوضع الاقتصادي والميداني بدمشق، إلا أنها شاركت ميدانياً في أدوار ثانوية أشبه بتحركات رمزية من جانب الفصائل المسلحة بالجنوب السوري كمحاولة للتأكيد على "وحدة الموقف". إلا أنها تظل الساحة الأضعف بمحور المقاومة. 


- دوافع العراق: تُبنى تلك الفرضية على تحركات الفصائل العراقية الموالية لإيران، والتي أبرزها (حزب الله العراقي وكتائب سيد الشهداء وحركة النجباء)، خاصة بعد عملية "الضاحية" واغتيال حسن نصر الله وما قبل ذلك وما تلاها من سلسلة اغتيالات لعناصر فرق محور المقاومة، لترسخ بذلك دافعين، الأول: التأكيد على الالتزام بمبدأ محور المقاومة "وحدة الساحات"، ثانياً: الانتقال بتفاعلات "الإسناد" من مرحلة اتساع الجبهات التصعيدية إلى مرحلة "تصفية الحسابات" فعلى سبيل المثال: عمدت الفصائل العراقية لتوجيه ضربات نوعية بصفوف الجنود الإسرائيليين، في إشارة ضمنية إلى تفاهمات حول تحييد استهداف القواعد الأمريكية في العراق في ظل التوافق حول "الخروج الأمريكي"، مقابل استمرار الاستهداف الإسرائيلي. ليبقى التساؤل حول ما إذا كانت إسرائيل ستضع العراق ضمن دوائر الاستهداف المرحلي ببنك الأهداف الخاص ببنيامين نتنياهو؟ وهي الفرضية محل الاختبار بالنظر إلى رهانات التصعيد القائم/ والمحتمل بالشرق الأوسط.  


- دوافع اليمن: يُشكل انخراط جماعة الحوثيين في الحرب القائمة مرتكزاً جديداً في حروب الشرق الأوسط، وذلك بالنظر إلى توظيفات إيران لأحد أبرز أذرعها الصاعدة سياسياً وعسكرياً في الانتقال بجغرافيا الصراع من المركز التقليدي إلى الضفة الأخرى من البحر الأحمر، مما يدفع بظهور دوافع الحوثيين في اتساع الجبهات التصعيدية بالمنطقة، حيث أبرزها، أولاً: إبراز دور الجماعة بمحور المقاومة وفرض نفسها كلاعب فاعل بالمشهد التفاعلي عبر ترسيم قواعد اشتباك جديدة بالإقليم. ثانياً: التحرك في إطار كسب التأييد الشعبي والمصداقية داخلياً وشرعنة دور الجماعة خارجياً، ثالثاً: دعم الموقف التفاوضي للحوثيين في ترتيبات التسوية السياسية المُحتملة بالملف اليمني.


بالمقابل، تُشكل التحركات الإيرانية توجه استثنائي في إطار "أوراق المقايضة القائمة والمحتملة" استناداً للحديث الدولي حول "اتجاهات التصعيد الإقليمي" وذلك بالنظر إلى، أولاً: الالتزام التقليدي بمقاربة المرشد "خامنئي" بشأن سيناريوهات التصعيد الإقليمي والذي سبق وأن أعلن عنها عام 2014 حيث: "أنّ إيران تحارب خصومها في حلب وحمص ودمشق وبيروت وغزة بدلاً من أن تضطر إلى محاربتهم في طهران وأصفهان" ، في إشارة إلى ترسيم الخطوط الحمراء وتقليص احتمالات "الهجوم المباشر" عبر التلويح بامتلاك القدرة على "رفع كلفة رد الفعل" عن طريق تحركات الاستنزاف لأذرعها في المنطقة . ثانياً: إدارة ساحات النفوذ بين الأذرع/ الوكلاء في الإقليم. ثالثاً: تنويع طهران لمستويات المواجهة المباشرة وغير المباشرة بالتصعيد القائم في إطار اختبار "قوة الردع". رابعاً: المقايضة باتجاهات التصعيد المحتملة بالإقليم عبر وكلائها بالمنطقة مقابل مكتسبات وطنية، مثل: المُرابحة بالموقف التفاوضي بالبرنامج النووي الإيراني وكذلك رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران. خامساً: إعادة ترسيم الدور الإيراني كقوة صاعدة ولاعب إقليمي فاعل في ظل إعادة تشكيل النظام العالمي الجديدة وخريطة حلفاءه بالأقاليم الفرعية المتباينة ومن ضمنهم إقليم الشرق الأوسط.


سيناريوهات مُحتملة


بالنظر إلى ما سبق عرضه، فثّمة عدد من السيناريوهات المحتملة لإدارة اتجاهات التصعيد المُحتملة بالشرق الأوسط، وذلك على النحو التالي: 


- السيناريو الأول – الاستنزاف بالمناطق الرمادية:  

يُبنى ذلك السيناريو على حسابات التكلفة والعائد، خاصة وأنّ دول المنطقة - وفي مقدمتهم إسرائيل - تمر بعثرات اقتصادية متتالية انعكاساً لارتدادات أحداث 7 أكتوبر2024 على حركة التجارة والتنمية بالمنطقة، فضلاً عن التعافي الحرج من الأزمة الأوكرانية وجائحة كورونا. وعليه، يُحتمل أن يُدار التصعيد في إطار المناطق الرمادية بالإقليم دون الحرب الشاملة، والتي يتخللها بعض الاستهدافات النوعية – كاستراتيجية ميدانية - كتلك التي يعتمدها جيش الاحتلال الإسرائيلي سواء على مستوى الأصول العسكرية أو القيادات لإضعاف قدرات الردع سواء لإيران أو لأذرعها بالمنطقة. فعلى سبيل المثال: استخدام إسرائيل لتكتيك "حروب الظل"، وذلك عبر اختبارات "الاختراق السيبراني" في 17 سبتمبر 2024، لأجهزة الاتصالات المحمولة "البيجر" لأعضاء وقيادات بحزب الله، وما أحدثه انفجارها من وقوع مئات الإصابات في جنوب بيروت وسوريا، اشتملت على عددًا من القيادات بحزب الله، بالإضافة إلى إصابة السفير الإيراني في لبنان. كإحدى تحركات "استنزاف المقدرات" في إطار معادلة "ترميم الردع الإقليمي". إلا أنّه بالمقابل، يضيف سيناريو "الاستنزاف" مزيد من التكلفة والأعباء التي قد لا يتحملها الداخل الإسرائيلي على كافة المستويات البشرية والاقتصادية والأمنية والمجتمعية.


- السيناريو الثاني - محدودية اتجاهات التصعيد: 

تتعلق بمحدودية الضربات بين كلا الأطراف (إسرائيل +إيران وأذرعها بالمنطقة)، أو في إطار ما يُعرف بـ "الحرب الخاطفة" دون التصعيد الشامل ودون المناطق الرمادية، ويحفّز هذا السيناريو التغيّر في قواعد الاشتباك التي رسختها إسرائيل بالجبهة الشمالية بما يتوافق مع أهدافها الخاصة، والتي أبرزها عودة النازحين للشمال. إلا أنّه بالمقابل، من المُحتمل أن ينتهي ذلك السيناريو - حال حدوثه - بالتدخل الأمريكي عبر وسطاء الإقليم لطلب أطراف الصراع لـ "التسوية السياسية" عبر المسار الدبلوماسي الذي ترعاه، خاصة في ظل التكلفة المرتفعة من حجم الخسائر المتوقعة بين أطراف التصعيد على نحو ما قد يدفع الأطراف للرجوع خطوة إلى الخلف وإعادة تقييم السرديات الصراعية القائمة والمُحتملة استناداً للمقدرات الحيوية والنوعية للكافة.


- السيناريو الثالث - توسيع اتجاهات التصعيد:  

يُعد أكثر السيناريوهات تشاؤماً استناداً إلى سيولة المشهد العملياتي بالمنطقة، خاصة بعد انخراط أغلب الأذرع الإيرانية والانتقال بالصراع لضربات مباشرة وموجهة للداخل الإسرائيلي، فضلاً عن الخطابات التوظيفية لبنيامين نتنياهو واعتماده على استراتيجية "الردع الممتد"، مستغلاً في ذلك الدعم السياسي والمادي للولايات المتحدة الأمريكية. إلا أنّه بالمقابل، هناك كوابح للتحركات المتباينة لجيش الاحتلال على مختلف الجبهات شمالاً وجنوباً، أبرزها، أولاً: تقليص الوجود النسبي الأمريكي بالمنطقة استناداً لرؤيتها حول الخروج من المنطقة والاستدارة نحو الشرق الآسيوي ومنطقة الإندو- باسيفيك. ثانياً: التصريحات الأمريكية حول عدم قدرة واشنطن على مساندة تل أبيب حال انتقال المنطقة لسيناريو تصعيدي أكثر اتساعاً.  


عطفاً على ما تقدم، أضفت سيولة التصريحات السياسية والتحركات الميدانية تغيراً في الأوزان النسبية للقوى الفاعلة بالمنطقة. على نحو ما يؤسس لسيناريوهات "النهايات المفتوحة" لاتجاهات التصعيد المُحتملة بالإقليم، ويدفع بإحدى المسارين، الأول: تطويق المواجهات القائمة والانتقال لسيناريو "التسوية السياسية المتوازنة" على نحو ما قد يُعيد الاستقرار الشكلي/ النسبي للمنطقة. بينما الثاني: اتساع اتجاهات التصعيد الإقليمي على نحو ما يدفع بعدد من الاحتمالات أبرزها، إما انتصار عسكري إسرائيلي بمساعدة حلفائها بالنظام الدولي وفى مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، وما يلحق بذلك من ترتيبات سياسية وأمنية أكثر إذلالاً للمنطقة، وتعزيز فرضية "الصراع الممتد". أو أحد الاحتمالات ما يتعلق بوضعية "إيران" كقوى فاعلة بالإقليم ومن ثمّ إعادة الحديث عن تيارات "المرجعية الإسلامية" وانعكاساتها إما على مستقبل الاستقرار، أو احتمالات الاضطراب بالشرق الأوسط.  


باحثة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليم


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا