زعيم حماس يحيى السنوار (إنترنت)
19-10-2024 الساعة 9 صباحاً بتوقيت عدن
"عملية اغتيال يحيى السنوار رئيس حركة حماس في قطاع غزة، كانت شديدة الأهمية بالنسبة لإسرائيل لاعتبارات أكثرها مرتبط بشخصية "السنوار" ومحوريته، سواءً في حركة حماس أو في هجمات 7 أكتوبر.."
سوث24 | محمد فوزي
أعلنت إسرائيل في 17 أكتوبر 2024 عن اغتيال زعيم حركة حماس الفلسطينية يحيى السنوار، وتلقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العملية ليحاول الترويج لسرديتين رئيسيتين، إحداهما تتصل ببعث رسائل بأنّ كل الخيارات متاحة حالياً وأن التوجه الغالب لديه يتمثل في استمرار الحرب، والأخرى الترويج لسردية الانتصار الإسرائيلي وهي رسالة موجهة بالأساس للداخل الإسرائيلي وللولايات المتحدة سعياً لبعث رسائل بنجاح استراتيجية الضغط العسكري التي يتبناها. وقد ارتبطت أهمية هذه العملية بشخص "السنوار" نفسه، إذ أنّ الرجل كان يجمع في يديه مقاليد السيطرة داخل الحركة الفلسطينية خصوصاً عقب توليه رئاسة المكتب السياسي لها، ما جعله المتحكم في المستويين السياسي والعسكري، فضلاً عن كونه اعتبار رمزي بالنسبة لإسرائيل باعتبار "السنوار" كان يمثل رأس الهرم الخاص ببنك الأهداف الإسرائيلية. في هذا السياق تحاول هذه الورقة مناقشة عملية اغتيال "السنوار" من حيث أبعادها وحيثياتها، وتداعياتها المحتملة سواءً على مسار الحرب أو على حركة حماس واستراتيجيتها في الفترات المقبلة.
حيثيات عملية مقتل يحيى السنوار
كان هناك حالة من الارتباك على مستوى السردية الإسرائيلية الخاصة بمقتل يحيى السنوار، وقد ارتبط ذلك بكون العملية جاءت بمحض "الصدفة" وفق ما أكده المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري فضلاً عن العديد من وسائل الإعلام العبرية، وفي هذا السياق يوجد جملة من الملاحظات الخاصة بمقتل يحيى السنوار:
1- أعلنت هيئة البث العبرية في منتصف يوم 17 أكتوبر 2024، عن مقتل يحيى السنوار زعيم حركة حماس، إثر اشتباكات جرت بين قوات للجيش الإسرائيلي وخلية من مقاتلي حركة حماس في منطقة تل السلطان في رفح [1]، ما عكس دلالتين رئيسيتين، الأولى أن العملية لم تكن مخططة أو ذات طابع استخباراتي وأنه لم يكن هناك علم لدى القوات الإسرائيلية بأنّ هذه الخلية تتضمن زعيم حركة حماس، والثانية أن "السنوار" كان موجوداً في مكان لم يكن يخطر في بال أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
2- بدأت الاشتباكات مع الخلية التابعة لكتائب القسام يوم 16 أكتوبر 2024، وذلك على هامش تفقد مجموعة من وحدة المظليين الإسرائيلية وكتيبة 450 ووحدة كفير الخاصة لبعض المناطق في دير السلطان، فاشتبهت هذه الوحدات (بالصدفة) في وجود ثلاث أشخاص يبدو عليهم من زيهم أنهم من كتائب القسام لجئوا إلى بيت مهجور، ومع الاشتباكات استدعت الوحدة الإسرائيلية دعماً إضافياً وطائرة مسيرة للتصوير، والتي اشتبهت هوية "السنوار"، ومن ثم تم سحب الجثة وإجراء فحص الـ DNA ليتم التأكد أنها تعود إلى "السنوار".
3- كان "السنوار" قد تعرّض لطلق ناري في رأسه، لكن طبيعة التسليح الذي كان يتسم به والجهوزية العسكرية، فضلاً عن ساعته الشهيرة التي دائماً ما يظهر بها، بالإضافة لملامح الوجه والأسنان، زادت من الشكوك الإسرائيلية حول هويته، فضلاً عن أن هيئة البث العبرية أشارت إلى أن "السنوار" كان يحمل معه حزاماً ناسفاً ولغّم المنزل من الداخل بألغام ومتفجرات، فيما يبدو أنها إجراءات احترازية حال وقوعه في الأسر.
4- اختارت إسرائيل الإعلان عن العملية يوم 17 أكتوبر 2024، ليكون ذلك بالتزامن مع أول أيام عيد العرش اليهودي، في إطار استراتيجية "نتنياهو" الرامية للترويج لهذه الانتصارات، وإعطائها بعض الاعتبارات المعنوية والرمزية.
5- ارتبطت أهمية وخصوصية هذه العملية بمجموعة من الاعتبارات الرئيسية، أولها أنّ هذه العملية راح ضحيتها يحيى السنوار، والذي يعدّ الشخصية الأهم في حركة حماس منذ سنوات، فضلاً عن نظرة إسرائيل له باعتباره المخطط الرئيسي لعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، ما جعله على رأس الأهداف الإسرائيلية، وثانيها ارتبط بتزامن العملية مع ما يُعرف إعلامياً في إسرائيل بـ "خطة الجنرالات" وهي الخطة والتحركات الرامية إلى تفريغ مناطق الشمال وما يبدو أنه توجه لفرض واقع جديد في هذه المناطق، وثالثها أن العملية تأتي بالتزامن مع ذروة الحرب الإسرائيلية على لبنان والمواجهات البرية مع حزب الله، ورابعها أن العملية تأتي في سياق يغلب عليه التحضير لضربة إسرائيلية محتملة ضد إيران.
6- تنفي هذه الحيثيات الخاصة بالعملية، والتي أعلنها الجانب الإسرائيلي نفسه، الادعاءات الإسرائيلية والسردية التي كانت رائجة بشكل كبير بخصوص تحصّن "السنوار" في أحد الأنفاق في مناطق خان يونس أو رفح، محاطاً بمجموعة هي الأكبر من الأسرى الإسرائيليين، إذ من الواضح أنّ "السنوار" كان منخرطاً في القتال بمساحات عديدة، مع طرح هذه الفرضية تساؤلات بخصوص مصير الأسرى الإسرائيليين وموقعهم في قطاع غزة.
تداعيات مقتل "السنوار" على حركة حماس
بعد ساعات من الإعلان الإسرائيلي عن مقتل يحيى السنوار زعيم حركة حماس، أصدرت حركة حماس في 18 أكتوبر 2024، نعياً لزعيم الحركة على لسان القيادي البارز في حماس خليل الحية في خطاب متلفز، مشيراً إلى أنّ "الرهائن المحتجزين في غزة لن يعودوا قبل وقف العمليات العسكرية على قطاع غزة، والإفراج عن الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية الذين تريد حماس إطلاق سراحهم" [2]، وفي هذا السياق تطرح عملية مقتل "السنوار" بما يحمله من مركزية داخل صفوف حركة حماس العديد من التداعيات المهمة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1- غياب كافة عناصر الجيل المؤسس: باغتيال إسرائيل ليحيى السنوار زعيم حركة حماس، بما يحمله من مركزية بالنسبة للحركة باعتباره المسؤول عن الجسم السياسي والعسكري للحركة، والمسيّر الأول لشؤونها، تكون إسرائيل قد اغتالت كافة قيادات الجيل المؤسس والأول لحركة حماس، وهي استراتيجية تتبعها إسرائيل منذ بداية الحرب سواءً على مستوى حماس في غزة أو تجاه حزب الله اللبناني، وتستهدف هذه الاستراتيجية تحقيق مجموعة من الأهداف، أولها إنهاء الثأر التاريخي الذي تحمله إسرائيل تجاه هذه القيادات الفلسطينية، وثانيها إحداث حالة من الارتباك الداخلي بالنسبة لحركة حماس، وثالثها الدفع باتجاه المزيد من الضغط على الحركة في إطار ما يُطلق عليه "نتنياهو" استراتيجية الضغط العسكري، وفي هذا السياق يظل من هذا الجيل داخل حركة حماس حالياً كلاً من: خالد مشعل (القائد السابق للحركة من 2004 وحتى 2017)، ومحمد السنوار (وهو شقيق يحيى السنوار، وأحد أبرز قادة كتائب القسام الجناح العسكري للحركة)، وخليل الحية (والذي يشغل نائب رئيس المكتب السياسي وكان يقود المفاوضات التي تعقدها حماس مع بعض الأطراف الوسيطة)، وموسى أبو مرزوق (وهو أحد مؤسسي الحركة والرئيس الأول للمكتب السياسي لها وهو حالياً رئيس مكتب العلاقات الخارجية لها)، وحتى اللحظة لم تحسم الحركة مصير كلاً من مروان عيسى ومحمد شبانة وهم اثنان من أهم قادة كتائب القسام، فضلاً عن زاهر جبارين (المقيم حالياً في تركيا ورئيس حركة حماس في الضفة).
2- التوجه نحو تعزيز اللامركزية: يبدو أن النهج الإسرائيلي حالياً قائم على مسارين، الأول هو استمرار الحرب في غزة، وفق استراتيجية الضغوط القصوى على حماس، والثاني هو التركيز على العمليات النوعية ضد الحركة، بما يدفع باتجاه تفريغ الهرم التنظيمي والقيادي لها، بما يدفع باتجاه التسليم بفرضية أنّه لا أفق حتى اللحظة لانتهاء هذه الحرب، وفي مواجهة هذه التحركات الإسرائيلية يبدو أن حركة حماس سوف تتجه إلى تبني مقاربة تعتمد بشكل رئيسي على اللامركزية خصوصاً في الشق العسكري، على أن ترتكز هذه الاستراتيجية على مجموعة من الاعتبارات، أولها أنّ الحركة بالأساس تعتمد على اللامركزية في إدارة العمليات القتالية، على اعتبار أن الحرب الجارية والتي تعد الأصعب بالنسبة لحماس، لا تُتيح إمكانية وجود مجلس قيادة مركزي لإدارة المعارك، وثانيها أنّ التركيبة الخاصة بكتائب القسام كانت تعتمد بالأساس على اللامركزية، ما يتجسد من خلال تقسيم كتائب القسام نفسها داخل غزة على 5 ألوية رئيسية (الشمال – غزة – المخيمات – الوسطى – خانيونس – رفح) وبلغ مجموع الكتائب التابعة لها نحو 24 كتيبة، وثالثها أنّ "بعض الدوائر المقربة من حماس" كانت تتحدث عن أن "السنوار" نفسه؛ كان قد فوّض صلاحياته كرئيس للمكتب السياسي لمجلس رئاسي شكلته الحركة مكون من عدد من قيادات الخارج، بغرض التفاوض.
3- الاعتماد على نمط حرب الاستنزاف: تُدرك حركة حماس والألوية المتبقية التابعة لها داخل قطاع غزة، أنّ الحرب الحالية هي حرب وجودية بالنسبة لها، وفق ما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه، إذ أنه صعد من أهدافه التي بدأت في مطلع الحرب باستعادة الأسرى الإسرائيليين إلى أن وصلت ذروتها عبر التأكيد على ضرورة إنهاء وجود حماس سياسياً وعسكرياً، ما يفرض على حماس تبني مقاربة قتالية تقوم بشكل رئيسي على نمط حروب الاستنزاف وحرب العصابات، بما يتماهى وتراجع القدرات القتالية للحركة، وتوسّع العمليات الإسرائيلية خصوصاً في مناطق شمال قطاع غزة، وسوف تراهن الحركة في هذا السياق على قدرة مقاتليها على الصمود، مع أي متغيرات قد تطرأ على عملية التفاوض بخصوص انتهاء هذه الحرب ووقف إطلاق النار، وجنباً إلى جنب مع ذلك ربما تتجه الحركة إلى تحفيز نشاطها في الضفة بالإضافة إلى أنماط العمليات الفردية في الداخل المحتل.
4- فصل "السياسي" عن "العسكري": سوف تتركز أولويات حماس حالياً في أحد أبعادها على إعادة الهيكلة وإعادة بناء الهرم التنظيمي لها، ويبدو أنّها سوف تتجه في هذا السياق إلى مجموعة من المسارات، أولها فصل السياسي عن العسكري بمعنى تركيز الجزء السياسي عند قيادات الخارج باعتبارهم الأقدر على التفاوض، واستمرار القيادة اللامركزية للتحركات العسكرية في الداخل، أما المسار الثاني فسوف يتمثل في تشكيل لجان داخلية معنية بتأمين الأسرى الإسرائيليين، على اعتبار أنّ هذه الورقة هي الوحيدة التي تملكها حماس حالياً، وثالثها إسناد القيادة في الداخل إلى أحد القيادات المتبقية، وفي هذا الإطار يظل اسم محمد السنوار شقيق قائد الحركة الراحل هو الاسم الأبرز المرشح لتولي قيادة حماس في الداخل.
تداعيات اغتيال "السنوار" على مسار الحرب
كان الملمح الرئيسي الذي طغى على التعاطي مع عملية مقتل "السنوار" خصوصاً من الأطراف الغربية كالولايات المتحدة [3] وفرنسا وبعض الأطراف الأوروبية [4] هو الاحتفاء بهذا المتغير، واعتبار أنّ العقبة الرئيسية أمام وقف إطلاق النار قد تلاشت، وبعيداً عن الاشتباك مع هذه الفرضية الغربية، خصوصاً وأن الداخل الإسرائيلي نفسه يُحمل "نتنياهو" مسؤولية عدم التوصل لاتفاق خاص بوقف إطلاق النار، إلا أنّ غياب "السنوار" عن المشهد سوف يطرح العديد من التداعيات المحتملة، وذلك على النحو التالي:
1- توسع بنك الأهداف الإسرائيلية: على الرغم من اعتبار العديد من الأطراف الغربية أنّ مقتل "السنوار" يفتح الباب أمام استئناف مباحثات وقف إطلاق النار داخل قطاع غزة ومن ثم في المنطقة، إلا أنّ هناك العديد من الافتراضات والاعتبارات التي تدفع باتجاه عدم التسليم بذلك، أولها تصريحات "نتنياهو" نفسه عقب اغتيال "السنوار" والتي أشار فيها إلى ضرورة استمرار هذه الحرب [5]، وثانيها أن هذه العملية سوف تفتح شهية إسرائيل نحو السعي لتحقيق ما تطلق عليه "النصر المطلق" وإنهاء وجود حماس في غزة، بما يدفع باتجاه الانخراط في معارك استنزاف طويلة الأمد، وثالثها أن مسألة الوصول إلى الأسرى جنباً إلى جنب مع التفاوض مع الجناح الداخلي لحماس سوف تواجه العديد من التحديات والصعوبات خصوصاً على المستوى اللوجستي، ورابعها أن هذه العملية تأتي في ذروة الحرب على لبنان وسعي "نتنياهو" لتصفية حزب الله، جنباً إلى جنب مع التحضير الإسرائيلي للرد على الهجمات الإيرانية الأخيرة، وهو الرد الذي قد يجر المنطقة إلى المزيد من التصعيد.
2- "استئناف" مباحثات التهدئة: تطرح عملية مقتل "السنوار" بعض السيناريوهات خصوصاً فيما يتصل بمسألة مباحثات وقف إطلاق النار، على اعتبار أن هذه العملية سوف تمثل فرصة بالنسبة للجانب الأمريكي للدفع باتجاه العودة إلى مباحثات وقف إطلاق النار، لكن ذلك لا يعني عملياً الحديث عن فرص كبيرة لهذه المباحثات، في ضوء بعض الاعتبارات الرئيسية، أولها رهان "نتنياهو" على الحل العسكري من أجل استعادة الأسرى الإسرائيليين، وثانيها عدم وجود قيادة واضحة داخل غزة يُمكن التفاوض معها، لا سيما وأن "السنوار" كان يمسك بكافة الأوراق الخاصة بحماس في الداخل، وثالثها أن حالة التصعيد الإقليمي الراهنة خصوصاً في لبنان ومع إيران، لا تعزز فرص التوصل لوقف لإطلاق النار، خصوصاً مع الترابط الكبير بين هذه الجبهات وجبهة غزة.
3- زيادة الاحتقان في الداخل الإسرائيلي: غلب على تعاطي الجبهة الداخلية الإسرائيلية مع مقتل يحيى السنوار، سمتان رئيسيتان، الأولى الاحتفاء بهذه العملية باعتبار النظرة إلى "السنوار" على أنه المسؤول الرئيسي عن 7 أكتوبر 2023، والتي يُنظر إليها من قبل هذه الجبهة باعتبارها النكبة الأكبر، والثانية هي القلق على مصير الأسرى الإسرائيليين، والدعوة بشكل عاجل لاستئناف مباحثات وقف إطلاق النار [6]، ومع هذه العملية يبدو أن الداخل الإسرائيلي سوف يتجه نحو مزيد من الاستقطاب والاحتقان، في ضوء الضغوط المحتملة التي ستُمارس من قبل عائلات الأسرى والمعارضة الإسرائيلية من أجل الدفع باتجاه عقد اتفاق لاستعادة الأسرى وإنهاء هذه الحرب.
إجمالاً يمكن القول، إنّ عملية مقتل "يحيى السنوار" رئيس حركة حماس في قطاع غزة، كانت شديدة الأهمية بالنسبة لإسرائيل لاعتبارات أكثرها مرتبط بشخصية "السنوار" ومحوريته، سواءً في حركة حماس أو في هجمات 7 أكتوبر 2023، بعيداً عن أثرها الاستراتيجي. إذ أنّ حماس فقدت كافة قيادات الصف الأول في ثنايا هذه الحرب، وباتت تعتمد بشكل أكبر على أنماط من اللامركزية، إلا أنّ الأيام المقبلة سوف تكشف عن ما إذا كانت العملية سوف تدفع باتجاه ضغوط أمريكية حقيقية من أجل وقف إطلاق النار في غزة والمنطقة، أم أنّها ستكون دافعاً لـ "نتنياهو" من أجل توسيع أهدافه، والاستمرار في تبني سياسة "الهروب إلى الأمام".
قبل 3 أشهر