التقارير الخاصة

عام على هجمات الحوثيين البحرية، لماذا لم تتوقف؟

ناقلة النفط مارلين لواندا وهي مشتعلة بعد إصابتها بصاروخ أطلقه الحوثيون في خليج عدن في يناير 27 2024. (AFP)

16-11-2024 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | عبد الله الشادلي


في 12 نوفمبر الراهن، أعلنت مليشيا الحوثيين اليمنية المدعومة من إيران أنها هاجمت حاملة الطائرات الأمريكية (إبراهام لينكولن) في البحر العربي بطائرات مسيرة وصواريخ كروز (صواريخ مجنحة)، بالإضافة للهجوم على مدمرتين أمريكيتين في البحر الأحمر بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة.


في وقت لاحق، أقرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن مدمرتين أمريكيتين أثناء عبورهما باب المندب تعرضتا لهجوم من قبل الحوثيين يوم 11 نوفمبر، بثماني طائرات مسيرة وخمسة صواريخ باليستية مضادة للسفن وثلاثة صواريخ كروز مضادة للسفن. لكن المتحدث الرسمي قال أيضا إنه "ليس على علم بأي هجمات ضد حاملة الطائرات أبراهام لنكولن" التي ادعى الحوثيون أنهم استهدفوها.


كان هذا الهجوم من الحوثيين من بين الأخطر على الإطلاق منذ بدء الحملة البحرية التي شنتها المليشيا في نوفمبر 2023 لاستهداف السفن المدنية المرتبطة بإسرائيل على خلفية الحرب بغزة، وهي حملة تطورت على خمس مراحل لتشمل كل السفن العسكرية والمدنية المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا. 


وقد تزامنت عملية الحوثيين الأخيرة مع ذكرى اختطاف المليشيا اليمنية للسفينة (جالاكسي ليدر) مع طاقهما في 19 نوفمبر 2023، التي حولها الحوثيون في مرساها بميناء الحديدة إلى صالة للرقص، وهو ما يعكس حالة إخفاق حقيقية في وقف هجمات المليشيا حتى بعد مرور عام من انطلاقها. بالرغم من القوات العسكرية الغربية التي تنتشر بشكل كثيف في البحر الأحمر وخليج عدن ضمن تحالف (حارس الازدهار)، والمهمة الأوروبية (أسبيدس)، والضربات الجوية الأمريكية والبريطانية في اليمن.


وفي 31 أكتوبر الماضي، أعلنت مليشيا الحوثيين أنها استهدفت 202 سفينة في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي والبحر المتوسط خلال حملتها البحرية. فما هي أسباب تعثر الجهود الغربية لوقف هجمات الحوثيين؟


مزيج من الأسباب


يرى الباحث الأمريكي في الشأن اليمني نيك برومفيلد أن "الجهود العسكرية الدولية لوقف هجمات الحوثيين على الشحن البحري قد فشلت حتى الآن بسبب مزيج من عدم قدرتها الواضحة على استنزاف مخزون الحوثيين من الأسلحة عبر الضربات الجوية وعمليات الاعتراض، وحقيقة أن الشحن الدولي في المياه المحيطة باليمن يُعتبر شديد الهشاشة".


وأضاف لمركز سوث24: "لا يتطلب الأمر الكثير لإثارة مخاوف شركات الشحن والمُؤمّنين البحريين، ومن المرجح أن يتمكن الحوثيون من مواصلة حملتهم باستخدام طائرات مسيّرة منخفضة التقنية أو ألغام إذا تم قطع إمدادات الأسلحة الإيرانية عالية التقنية".


ويجادل الباحث غير المقيم بمركز كارنجي للشرق الأوسط، إبراهيم جلال أن أسباب الفشل في وقف هجمات الحوثيين تعود إلى أنَّ التحالفات البحرية الغربية المتواجدة في البحر الأحمر "ذات طابع دفاعي". وقال لمركز سوث24 "تلك القوات لا تتعامل مع مصادر التهديد في سياقاتها الاستراتيجية الشاملة، مما يجعل عدم نجاحها في وقف هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية نتيجة متوقعة".


وفي هذا الصدد، أشار الخبير الأمريكي والعضو السابق في فريق خبراء مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن، فرناندو كارفاخال إلى أن "الحوثيين لا يستخدمون أسلحة متطورة جدًا، بل يعتمدون على الطائرات المسيّرة قصيرة ومتوسطة المدى، التي يسهل نشرها ولا تحتاج إلى تقنيات معقدة. بالإضافة إلى ذلك".


وأضاف لمركز سوث24: "القدرات الاستخباراتية والاستهدافية تعتبر عاملًا مؤثرًا آخر، وهي تعتمد بشكل كبير على الدعم الإيراني. بعد عقد من الحرب وأكثر من عامين من وقف إطلاق النار الذي ترعاه الأمم المتحدة، أصبح الحوثيون يمتلكون القدرة الكاملة على إنتاج هذه الطائرات المسيّرة والصواريخ الأرض-أرض داخل المناطق التي يسيطرون عليها".


ويرجح كارفاخال أن "هذه الأسلحة تم توزيعها في مختلف المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون منذ أكتوبر 2022 بعد العرض العسكري الكبير في صنعاء، حيث توجد وحدات مسؤولة عن الإطلاق في معاقلهم مثل الحديدة وتعز، ولديهم شبكة لوجستية قادرة على إعادة إمداد الطائرات المسيّرة والصواريخ بسهولة".


وأردف: الضربات الأمريكية تأتي كرد فعل على إطلاق الحوثيين، لكنها تواجه قيودًا كبيرة تمنعها من استهداف خطوط الإنتاج أو مراكز الإطلاق. لا يمكن للولايات المتحدة تصعيد عملياتها إلى مستوى الهجوم الشامل، لأن ذلك قد يجعلها طرفًا مباشرًا في النزاع ويعرقل الجهود السعودية والأممية لتحقيق السلام".


الإدارة الأمريكية الجديدة


في 5 نوفمبر، فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية بأغلبية ساحقة، ليعود الملياردير المثير للجدل مجددَا إلى البيت الأبيض لولاية رئاسية ثانية. وخلال ولايته الأولى التي امتدت بين 2017 – 2021، أظهرت إدارة ترامب مواقف حازمة تجاه إيران والمجموعات المدعومة منها في المنطقة، وفي طليعتها مليشيا الحوثيين التي صنفتها إدارة ترامب كمنظمة إرهابية أجنبية في 10 يناير 2021، قبل أن ترفع إدارة بايدن هذا التصنيف في 16 يناير عند دخولها البيت الأبيض.


والآن مع عودة ترامب، تبرز التساؤلات عن الطريقة التي ستتعامل بها إدارته مع هجمات الحوثيين البحرية التي تحمل تداعيات أمنية واقتصادية هائلة ضمن السياق الإقليمي الملتهب. وبالرغم من توفر أسابيع عدة أمام إدارة بايدن لمواصلة الجهود نحو وقف الحرب في غزة ولبنان، ونزع فتيل الحرب الشاملة بين إسرائيل وإيران، إلا أنه لا بوادر حقيقية تلوح في الأفق لتوقف هذا التصعيد غير المسبوق. 


وعما إذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة ستتبنى نهجًا مختلفًا في التعامل مع هجمات الحوثيين البحرية، يعتقد فرناندو كارفاخال أنه "من المرجح أن ترامب سيواجه قيودًا سعودية لتجنب تصعيد مع الحوثيين، حيث إن ذلك قد يؤدي إلى نزاع غير مباشر مع إيران".


وأردف: "الحادثة الأخيرة في سيئون بحضرموت التي قُتل فيها جنديان سعوديان (8 نوفمبر 2024) أرسلت رسالة واضحة إلى السعودية. سواء كان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب خلف الحادثة أو جندي حوثي من محافظة عمران، فإن السعودية لا تستطيع تحمل المزيد من الهجمات أو الضغوط التي قد تدفعها للانسحاب من جنوب اليمن".


ويرى كارفاخال أن "ترامب سيبدي غضبه من الحوثيين، لكن من المتوقع أن السعودية ستكبح جماحه وتمنع إسرائيل من التصعيد". مضيفًا: "خيارات ترامب لوزارتي الخارجية والدفاع تشير إلى أنه سيظل نشطًا في الشرق الأوسط لحماية مصالحه الشخصية في المنطقة". 


لكن الباحث اليمني إبراهيم جلال يعتقد أنَّ إدارة ترامب ستكون مختلفة عن إدارة بايدن في جوانب عديدة، مضيفاً: "من المرجح جداً أن يعيد ترامب نهج "الضغط الأقصى" تجاه إيران، والذي يتضمن عقوبات اقتصادية. وأي تشدد تجاه قائدة المحور عادة ما ينعكس على أذرعها في المنطقة بأشكال مختلفة، كالعقوبات ورفع مستوى التصنيف الإرهابي". 


وأردف: "لا يزال غير واضح ما إذا كان سيتم تشكيل تحالف واسع لحماية البحر الأحمر واستئناف تحرير الحديدة ومحيطها".


ويعتقد الكاتب البريطاني المهتم بشؤون الشرق الأوسط والمحاضر بجامعة "أكسفورد"، أندرو هاموند، أنَّ "الضربات الجوية وحدها لن توقف الحوثيين عما هم ماضون فيه". وقال لمركز سوث24 إنَّ "أكثر ما يمكن أن تحققه الضربات هو إبطاء قدراتهم فقط، وهذا في حال تمكنت الولايات المتحدة وبريطانيا من تنفيذ سلسلة من الضربات الدقيقة".


وأردف: "سيكون من الأفضل للأمريكيين التركيز على إنهاء حرب غزة. المشكلة بالنسبة لهم هي أن الحوثيين قد أسسوا سلاحًا يمكنهم من الإضرار بالتجارة البحرية. أشعر أن ترامب يريد إنهاء الوضع في غزة، وإذا سار الأمر كذلك، فهذا سيسهل تجنب خيار القصف المتزايد، والذي سيكون – في كل الأحوال كارثيًا – ولن يحقق النجاح".


خطوات مطلوبة


وعما يجب القيام به لوقف عمليات الحوثيين ضد السفن أو تقليلها إلى أقصى حد ممكن، قال الخبير الأمريكي كارفاخال: "القوة السياسية والعسكرية الأمريكية مقيدة بقيود السعودية ومبعوث الأمم المتحدة لحماية التهدئة التي استمرت لعامين وعملية السلام المتعثرة".


وأضاف: "الولايات المتحدة ليست جزءًا من التحالف الذي تشكل في عام 2015، وأي عمليات تتجاوز حماية السفن ستتطلب من الرئيس الأمريكي إعلان الحرب على الحوثيين. وهو أمر لم يستطع بايدن التقدم به خلال سنة الانتخابات أو الآن كرئيس ضعيف التأثير". 


ولفت إلى أنه "بينما يدّعي الحوثيون أنهم استهدفوا ما يقرب من 200 سفينة، فإن عدد السفن التي تضررت فعليًا كان محدودًا، وهو ما يبدو أنه مخاطرة مقبولة بالنسبة للولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول مجلس التعاون الخليجي. ربما تكون إسرائيل قد تأثرت اقتصاديًا، لكن الاقتصاد العالمي لم يعانِ من تأثير كبير، مما يُبقي المخاطر تحت السيطرة".


ويرى الباحث إبراهيم جلال أنَّ هناك مساران لوقف عمليات الحوثيين في البحر الأحمر، الأول هو مسار التهدئة الإقليمية. أما المسار الثاني "فيرتبط بتغيير خارطة النفوذ والسيطرة داخل اليمن لصالح الحكومة اليمنية واستعادة نفوذها على المناطق الحيوية، وبالتالي تقليص قدرات جماعة الحوثيين على تهديد الأمن البحري".


ويتفق الباحث الأمريكي برومفيلد أنَّ أفضل طريقة لوقف هجمات الحوثيين على الشحن، على المدى القصير، هي خفض التصعيد في العمليات الإسرائيلية في غزة ولبنان. ولفت إلى أنَّ هذا هو التبرير الذي استخدمه الحوثيون لهذه الهجمات، مضيفاً: "على الرغم من أن ذلك لا يحل بأي حال من الأحوال التهديد الطويل الأمد من استئنافهم لهذه الهجمات كوسيلة ضغط لشيء آخر لاحقاً".


وعن إمكانية أن تقدم بريطانيا أو الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا مباشرًا للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا أو لفصائل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، قال برومفيلد: "أعتقد أنَّ ذلك لا يزال قيد المراقبة، على الرغم من أن الإدارات الأمريكية والبريطانية من المحتمل أنها تفكر في هذه الإمكانية بشكل أكثر جدية الآن مقارنة بما كانت عليه قبل عام".


وأضاف: "هناك مؤشرات حديثة على انخراط أمريكي مع جميع الفصائل المتحدة تحت إمرة مجلس القيادة الرئاسي، مما قد ينذر بتغيير في السياسة. ومع ذلك، فإن الكثير من ذلك سيتحدد بموقف السعودية، التي تشعر بقلق بالغ بشأن إعادة إشعال القتال النشط في اليمن، مما قد يؤدي إلى استهداف بنيتها التحتية الضعيفة من قبل قدرات الحوثيين على الهجمات الجوية".


وأردف: "على الأقل في المدى القصير، من المحتمل أن يستبعد ذلك الدعم الغربي لهجوم عسكري واسع النطاق ضد الحوثيين، لكن سيتعين علينا أن نرى ما سيحدث مع إدارة ترامب الجديدة في يناير المقبل".


ورغم ذلك، يرى الباحث إبراهيم جلال أنَّ الأوان قد فات في الوقت الراهن، مضيفًا: "لقد أصبح الحديث الغربي عن إمكانية تقديم الدعم العسكري والأمني المباشر للحكومة اليمنية ترفاً في أعقاب أزمة البحر الأحمر التي لا تزال مستمرة منذ أكثر من عام".


وفي كل الأحوال، يرى الخبير الأمريكي كارفاخال أنَّه لا يمكن للولايات المتحدة تقديم مساعدة عسكرية مباشرة لمجلس القيادة اليمني لأنه تحت وصاية التحالف العربي، وقال: "سيلجأ المجلس إلى السعودية أو دول الخليج الأخرى لتمويل عمليات الشراء، حيث إن ترامب ليس من النوع الذي يقدم أسلحة مجانية".


وأضاف: "من المحتمل أن يزيد ترامب من عدد المستشارين العسكريين للوحدات التابعة لمجلس القيادة الرئاسي، لكنه لن يكون في موقع يسمح له بتقديم أسلحة مباشرة ضد الحوثيين. سجل القوات العسكرية التابعة للحكومة الشرعية في استخدام الأسلحة ليس جيدًا، حيث يوجد خطر كبير بفقدانها لصالح الحوثيين على خطوط القتال".


ويرى كارفاخال أنه "على الولايات المتحدة دعم مجلس القيادة الرئاسي كهيئة مؤسسية بدلاً من دعم فصائل معينة، وهذا أيضًا يمنع تقديم مساعدات عسكرية مباشرة، حيث إن فصائل المجلس لن تقبل بتوزيع غير متوازن للأسلحة لصالح منافسيها".


واليوم السبت (13 نوفمبر)، نشرت القيادة المركزية الأمريكية فيديو لقاذفات استراتيجية بعيدة المدى من طراز B-52H ستراتوفورتريس تابعة للقوات الجوية الأمريكية تحلق ضمن منطقة مسؤولية القيادة المركزية. ويوم 17أكتوبر، أعلنت الولايات المتحدة أنها نفذت يوم 16 أكتوبر، ضربات على خمسة مواقع لتخزين الأسلحة تحت الأرض في مناطق يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، وهي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام قاذفات من طراز B-2 Spirit ضد جماعة الحوثيين.


والقاذفات B-52H هي قاذفة تقليدية بعيدة المدى تُستخدم في قصف شامل أو استهداف مناطق واسعة. وهي بعكس B-2 Spirit، لا تعتمد على تقنية التخفي، لكنها تتمتع بقدرة كبيرة على حمل الذخائر بأعداد ضخمة، بما في ذلك الأسلحة النووية والصواريخ الموجهة. أما  B-2 Spirit، فهي قاذفة حديثة متطورة تعتمد على التخفي والدقة.


ويهدد الحوثيون بتصعيد أكبر في الفترة القادمة مع صعود ترامب إلى قيادة الولايات المتحدة مجددًا. وقال زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في خطاب يوم (7 نوفمبر) إن السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا سوف تتعرض باستمرار للاستهداف. وهدد بمزيد من الهجمات في عمق إسرائيل باستخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ.


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا