لافتة في صنعاء تحمل صورة بشار الأسد - 2016 (إنترنت - تحسين وقص بواسطة مركز سوث24)
16-12-2024 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
في 8 ديسمبر الحالي، أفاقت منطقة الشرق الأوسط على حدث تاريخي لم يكن متوقًعا حتى قبل أسابيع قليلة. لقد سقط نظام آل الأسد في سوريا بعد 5 عقود من الحكم الحديدي، ودخلت قوى المعارضة المسلحة بقيادة (هيئة تحرير الشام) العاصمة دمشق بعد سيطرتها على مدن حلب وحماة وحمص في غضون أيام دون مواجهة عسكرية حقيقية.
فر بشار الأسد إلى روسيا مع عائلته، وألقى أحمد الشرع المعروف بـ "أبو محمد الجولاني"، وهو جهادي إسلامي بارز آثر العمل السياسي الوطني في السنوات الأخيرة كقائد لهيئة تحرير الشام، خطاب النصر في المسجد الأموي بدمشق. في مشهد دراماتيكي أفرح ملايين السوريين المعارضين لنظام الأسد لكنه خلف سيًلا من التساؤلات والتكهنات بشأن مآلات الأوضاع في البلد الذي مزقته 13 عامًا من الحرب الطاحنة.
كما تصاعدت التساؤلات عن انعكاسات هذا التحول على الساحة الإقليمية الملتهبة أساسًا منذ 7 أكتوبر 2023 عندما هاجمت الفصائل الفلسطينية بقيادة حماس إسرائيل فيما يعرف بـ "عملية طوفان الأقصى"، مما فتح الباب لرد إسرائيلي غاشم سحق قطاع غزة أرضًا وإنسانًا، موديًا بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين.
طغت حالة من الشك العميق على المواقف العربية بشأن أحداث سوريا الأخيرة، لكن الضربات الإسرائيلية الجوية على منشآت عسكرية ومدنية للدولة السورية خلال الأيام الأخيرة، واحتلال مناطق جديدة في الجولان السوري، خلقت موقفًا عربيًا موحدًا يدين هذه الاعتداءات ويدعو للحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها. ومع ذلك، لا تزال المواقف ضبابية تجاه حكام سوريا الجدد المصنفين على قائمة الإرهاب في الولايات المتحدة وروسيا.
في اليمن التي تعيش أزمتها الخاصة منذ عشر سنوات، كان التفاعل مع التطورات السورية كثيفًا. أحد الأسباب الرئيسية لذلك هي حقيقة سقوط ركن من أركان "محور المقاومة والممانعة" الذي تقوده إيران في المنطقة، وهو نظام الأسد. المحور الذي تصاعدت فيه مؤخرًا أدوار جماعة الحوثيين اليمنية المدعومة من إيران، التي انخرطت في تصعيد عسكري ضد الملاحة الدولية في باب المندب، على خلفية الحرب في غزة، تطور تدريجيًا إلى اشتباك مباشر مع القوات الأمريكية.
قبل نظام الأسد، كان حزب الله اللبناني، حليف الحوثيين الوثيق، قد تعرض لضربات إسرائيلية مدمرة أضرت ببنيته السياسية والعسكرية وقتلت أمينه العام حسن نصر الله. وهو ما جعل الأنظار متجهة صوب اليمن ومليشيا الحوثيين، في ظل تأكيدات الأخيرة على أن صواريخها ومسيراتها ستظل تضرب في البحار، وفي إسرائيل. وهو ما حدث يوم الاثنين (16 ديسمبر)، عندما هاجموا تل أبيب بصاروخ.
مواقف الأطراف اليمنية
في 8 ديسمبر، بارك مجلس القيادة الرئاسي اليمني سقوط نظام بشار الأسد. جاء ذلك خلال اجتماع لأعضاء المجلس.
وقال بيان رسمي: "هنأ مجلس القيادة الرئاسي الشعب السوري الشقيق بإسقاط نظام الوصاية الإيرانية على الجمهورية العربية السورية، وعودة دمشق الى الحاضنة العربية. مؤكدًا موقف اليمن الداعم لوحدة الأراضي السورية، واحترام استقلالها وسيادتها وإرادة شعبها في الحرية والتغيير، وإحلال السلام، والأمن، والاستقرار".
واعتبر "التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية في اليمن"، وهو ائتلاف من أحزاب ومكونات سياسية يتصدرهم الإخوان المسلمون عبر حزب الإصلاح دعمت الولايات المتحدة تشكيله في نوفمبر مؤخرًا، أن سقوط نظام الأسد يعيد سوريا إلى "الحاضنة العربية". وقال إنه "بداية للتحرر من التدخلات الإيرانية في المنطقة".
وفي 12 ديسمبر، ألقى زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي خطابًا مرئيًا تحدث خلاله عن التطورات في سوريا. لم يدافع الحوثي عن الأسد كثيرًا، لكنه ركز بشكل كبير على الاعتداءات الإسرائيلية في سوريا وشكك بمصداقية وتوجه المعارضة المسلحة. وحذر من نوايا إسرائيل في احتلال سوريا وتدمير جيشها، والتوسع الإقليمي نحو بلدان الشام الأخرى ومصر.
كما أكد استمرار مواقفهم لإسناد غزة، ومواجهة إسرائيل. واعتبر الحوثي أن ما يجري هو "تغيير للمنطقة وتنفيذ لمخطط الشرق الأوسط الجديد".
ولم يفوت الحوثيون التعليق على التساؤلات بشأن إمكانية عودة الحرب في اليمن وضربهم على غرار مجموعات محور المقاومة الأخرى. في يوم سقوط دمشق نفسه (8 ديسمبر)، قال نائب وزير خارجية الحوثيين حسين العزي: " صنعاء تعمل للسلام وكأنه غداً، وتعمل للحرب وكأنها أبداً، والعالم وما يختار .لا شيء يوازي جاهزيتنا للسلام إلا جاهزيتنا للحرب".
وقال رئيس الفريق السياسي للحوثيين والمتحدث باسمهم محمد عبدالسلام في مقابلة مصورة: "الوضع في اليمن يختلف كلياً عما حدث في سوريا. سيطرة الجماعات المسلحة تمت بدون مواجهة مع الجيش السوري، وبدون حرب، ولو كان الجيش السوري صمد أسبوعاً واحداً لتغير كل شيء".
وأضاف: "نحن لسنا قلقون، من عليه أن يقلق هو الطرف الآخر، لأن إشعال أي معركة الآن يعني إشعال حرب نارية في البر والبحر والجو". وأعاد القيادي الحوثي التذكير بـ "مئات الآلاف" من المسلحين الذين تم تجنيدهم في صفوف جماعته، خلال العام الأخير في شمال اليمن ضمن "التعبئة العامة" من أجل غزة وفلسطين وضد إسرائيل.
ورغم ترحيب المجلس الرئاسي اليمني بسقوط نظام الأسد، إلا أن الأطراف الرئيسية فيه لم تعلق بشكل منفصل على هذه الأحداث، وهو ما تفعله غالبًا. من بينهم، المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تصدر تحركات سياسية واسعة بشأن اليمن في الرياض خلال نوفمبر.
المسؤول في المجلس الانتقالي عادل الشبحي قال لمركز سوث24 إن "سوريا تعيش مرحلة حاسمة بعد سنوات من الصراع والاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد، الذي شهد قمعًا وعنفًا أسفر عن مقتل أكثر من مليون سوري وتشريد أكثر من 15 مليونًا".
وأضاف: "لقد أدت هذه الأوضاع إلى انقسام جغرافي بين مناطق الحكم المختلفة، بما في ذلك النظام وقسد (القوات الكردية) والفصائل السورية المتعددة. إن سقوط النظام يمثل لحظة تاريخية يفرح بها السوريون، وذلك في ظل المعاناة الطويلة التي عاشوها تحت وطأة القمع والتعذيب".
وأردف: "كما يمثل هذا السقوط نهاية لأحد أقدم الأنظمة الحليفة لإيران في المنطقة، حيث كان حافظ الأسد يدعم إيران بشكل علني منذ حربها مع العراق، رغم الشعارات القومية التي كانت تُرفع في سوريا. من المؤكد أن هذه التطورات ستؤثر سلبًا على الحوثيين في اليمن، خصوصًا بعد تراجع دور حزب الله".
ولفت إلى أن سوريا – من وجهة نظره الشخصية – قد تكون ضحية لمخططات دولية جديدة تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية في المنطقة، مما يتعارض مع تطلعات الشعوب.
وبالنسبة لموقف المجلس الانتقالي الجنوبي، قال الشبحي إن "قادته يؤكدون دائمًا انفتاحهم على جميع الدول، ولم يُظهروا أي تحفظ رسمي تجاه التغييرات الجارية في سوريا"، مضيفاً: "إننا نعيش لحظة تاريخية، ولكن التحديات ما زالت قائمة، ويجب أن نكون حذرين من التطورات المقبلة".
وفي المحصلة، يمكن القول إن سقوط النظام السوري يمثل إنذارًا واضحًا للحوثيين بشكل خاص وبقية الأطراف بشكل عام بأن التحالفات الإقليمية لا توفر ضمانة أبدية للبقاء. كما أن مصير النظام السوري قد يخلق ضغوطًا إضافية على الحوثيين، خاصة في ظل تراجع حزب الله اللبناني الذي كان يُعد العمق العسكري والسياسي الأبرز لهم.
في المقابل، قد يُغري سقوط الأسد الأطراف المناوئة للحوثيين، بقيادة مجلس القيادة الرئاسي، بالدفع نحو خيارات عسكرية أكثر جرأة لإضعاف الجماعة وقطع خطوط الإمداد والدعم الإقليمي عنها. غير أن هذا الخيار يظل محفوفًا بالمخاطر، في ظل تعقيدات المشهد الداخلي، وتعدد الفاعلين الإقليميين والدوليين.
قبل 3 أشهر
قبل 3 أشهر