الحوارات

رئيس مركز سوث24: ثلاثة سيناريوات للصراع في اليمن

صور مقتطعة للحوار

06-01-2025 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | حوارات


قدم إياد قاسم، رئيس مركز "سوث24 للأخبار والدراسات" وخبير الشؤون اليمنية، تحليلاً معمقاً للأوضاع السياسية والعسكرية في اليمن، في حوار أجرته الصحفية أورنيلا سكر لصحيفة "زمان" العراقية و"مسارات" الدولية في السودان، مسلطاً الضوء على التطورات الأخيرة وآفاق التسوية السياسية في ظل التحولات الإقليمية التي شهدتها سوريا وصعود الإسلاميين إلى السلطة وفي ضوء انحسار النفوذ الإيراني في بعض جبهات "محور المقاومة".


خارطة الطريق أخفقت


أكد قاسم أن خارطة الطريق التي أعلنتها الأمم المتحدة في ديسمبر 2023 لم تحقق أهدافها. وأرجع ذلك إلى عاملين: الأول، "تم فرض الخارطة على الأطراف المناهضة لجماعة الحوثيين دون أن توفر أساساً متيناً لتحقيق سلام شامل ومستدام. كما تجاهلت العديد من القضايا الجوهرية التي تمثل لبّ الأزمة اليمنية، بما في ذلك قضية الجنوب."معتبرا أنّ "الخارطة كانت انعكاس لتفاهمات بين المملكة العربية السعودية والحوثيين، بدلاً من أن تكون إطاراً جامعاً يعالج جذور الصراع."


أما العامل الثاني، فتمثل في "اعتداءات الحوثيين العسكرية المتزايدة على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب، بالإضافة إلى تورطهم في الصراع مع إسرائيل". هذا التصعيد أدى "إلى تغيير أولويات المجتمع الدولي. ولم يكتفِ بإحباط الجهود الدولية لتحقيق السلام، بل أعاد توجيه التركيز نحو تأمين الملاحة العالمية". 


ورغم تحقيق بعض التقدّم المحدود خلال العامين الماضيين، خاصة في ملف تبادل الأسرى وفتح بعض الطرقات "إلا أن هذه الإنجازات ظلت محدودة وغير كافية لتحقيق اختراق حقيقي."


وانتقد قاسم الجهود الأممية التي قال أنها "لا تزال عالقة في نفس النهج التقليدي الذي فشل فيه ثلاثة مبعوثين أمميين سابقين منذ بدء الصراع في 2014، مما يثير تساؤلات جدية حول فعالية هذه الوساطات."


فالمراقب اليمني والجمهور المحلي يشككان، وفقا لقاسم، في مدى جدية المجتمع الدولي في مواجهة تهديد الحوثيين وحل القضايا العميقة للصراع، مثل أزمة الوحدة اليمنية.


وأضاف: "الأولويات الإقليمية والمصالح الدولية غالباً ما تطغى على الاعتبارات المحلية، مما يجعل صانع القرار الدولي والإقليمي أكثر انحيازاً لهذه المحددات...  هذا التحول جعل من الملف اليمني ساحة لتجارب السياسات وتصفية الحسابات، بعيداً عن الحلول المستدامة التي تلبي تطلعات السكّان في الجنوب والشمال."


تحول محوري في الصراع


محلياً، قال رئيس مركز سوث24 أنّ المواقع العسكرية للأطراف المتنازعة لم تشهد أي تغييرات استراتيجية منذ انتهاء وقف إطلاق النار المؤقت في أكتوبر 2022. ومع ذلك، "استمرت الاشتباكات الحدودية والهجمات المسلحة بشكل متقطع في عدد من المحافظات اليمنية. مشيرا إلى أن "مليشيا الحوثيين نفذت نحو 33 هجوماً على مواقع عسكرية في جنوب اليمن خلال عام 2024، مقارنة بـ58 هجوماً في العام السابق."


ولفت إلى أنّ الحوثيين استطاعوا من خلال ضرب موانئ النفط في الجنوب، فرض حصار اقتصادي على الحكومة المعترف بها دولياً، تسبب بخسائر تجاوزت 6 مليارات دولار.


واعتبر أن هجمات الحوثيين البحرية شكلت "تحولاً محورياً نقل الصراع من المستوى المحلي إلى أفق إقليمي ودولي أوسع. معتبرا أن هذه العمليات عززت من أهداف إيران التوسعية في المنطقة، وأسهمت في تصعيد عسكري أعاد تعريف ديناميكيات الصراع في باب المندب وبحر العرب والمحيط الهندي. 


وقال قاسم أنّ "الجماعة الحوثية استغلت القضية الفلسطينية، والصمت الدولي إزاء الجرائم الإسرائيلية في غزة، كذريعة لتعزيز خطابها الشعبوي وتبرير تصعيدها العسكري ضد الملاحة الدولية."


وعلى الرغم من الهجمات العسكرية التي شنها التحالف البحري بقيادة واشنطن، قال قاسم أنها "لم تنجح في الحد من القدرات العسكرية للجماعة. كما أنها كشفت "عن ازدواجية المواقف الدولية تجاه الملف اليمني، حيث بدا أن التدخل لم يكن مدفوعاً بالمبادئ أو القيم بقدر ما كان ردة فعل على المساس بالمصالح الدولية وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة."


التحولات في سوريا وقلق من تصدر المتطرفين


وبعد انهيار نظام بشار الأسد الموالي لإيران، قال قاسم أن "هذه التحولات فتحت الآمال تجاه بعض خصوم الحوثيين بإمكانية العودة مجددا إلى العاصمة اليمنية صنعاء. بالمقابل، لم يخرج موقف الحوثيين عن الموقف الإيراني مما يحصل في سوريا. ولا شك أنهم تعرضوا لخيبة أمل كبيرة بالسرعة والديناميكية التي وقعت بها هذه الأحداث."


كما أشار إلى "وجود قلق بين النخبة اليمنية من طبيعة السياسة الإقليمية والدولية تجاه الجماعات المتطرفة والإرهابية. إذ أنّ من شأن هذه السياسة التي جاءت بالتنظيمات الجهادية إلى رأس السلطة في سوريا، أن تشجّع الجماعات الدينية اليمنية على المناورة بهذا المسار، بما في ذلك الحوثيون أنفسهم"


وقال قاسم إلى أنّ "اليمن أصبح الساحة الثانية لإسرائيل.." مضيفا "يُناقش في الأوساط الإسرائيلية تصعيد العمليات لتشمل خططاً طويلة الأمد، مثل استهداف القيادات العليا للجماعة، على غرار ما تم مع حماس وحزب الله. كما تتداول دوائر صنع القرار الإسرائيلي فكرة تشكيل تحالف دولي، يضم أطرافاً محلية، لتنفيذ عملية عسكرية ضد الحوثيين."


إلا أنّ تنفيذ هذه الخيارات، وفقا لقاسم، يظل مرهوناً بعوامل عدة، أبرزها صعود دونالد ترامب للسلطة ومدى استعداد المملكة العربية السعودية للانخراط في صراع جديد أو القبول بمشاهدته يتفاقم في خاصرتها الجنوبية. 


إيران والسعودية والإمارات


وعلى الرغم من نفي إيران لصلتها بهجمات الحوثيين البحرية، قال قاسم أنّ طهران "تدرك أن الحوثيين يمثلون الورقة الرابحة الأخيرة في يدها، ليس فقط لإبقاء نفسها بعيدة عن النيران التي تشتعل في المنطقة، ولكن أيضاً للحفاظ على حدٍ معين من النفوذ الإقليمي." 


مضيفا "على الرغم أنّ إيران لم تنجح في الأشهر الأخيرة من تحاشي هذه النيران، إلا أنّ مصالحها الاستراتيجية ربما تجبرها على إعادة تقييم سياساتها الإقليمية. لكن إعادة النظر هذه مرتبطة بصورة رئيسية بمدى تحسنّ العلاقات بين طهران والرياض، ومدى قدرة الرياض على عزل الملف اليمني عن العلاقات الإيرانية السعودية."


وعن المملكة العربية السعودية، التي قال قاسم أنها "كانت مرحبة وداعمة إعلاميا وسياسيا لسقوط نظام بشار الأسد، فهي لا شكّ ستعيد صياغة سياساتها في اليمن وفقا لهذه التطورات. حيث لعبت دورا دقيقا ومتوازنا منذ توقيع اتفاقية التفاهم مع إيران.." مشيرا إلى أنها ستسعى لـ "اعتماد نهج حذر تجاه المشهد اليمني، لتجنب أي تصعيد قد يؤثر على أولوياتها التنموية."


أما بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، قال إياد قاسم أنها "قلصت تدخلها المباشر في الملف اليمني، لكنها لا تزال تحتفظ بنفوذها من خلال علاقتها بالأطراف الجنوبية، خصوصاً المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يعتبر حليفاً استراتيجياً لها. وهذا النفوذ يضمن استمرار تأثيرها في صياغة ملامح الحل النهائي للأزمة اليمنية."


وشدد قاسم على أنه "على المدى الطويل، لا يمكن تحقيق تحول حقيقي في المشهد اليمني دون معالجة القضايا العالقة في الجنوب". مشيرا إلى أنّ  من شأن"دعم الجنوب سياسياً واقتصادياً وأمنياً، مع تقديم ضمانات لإقامة دولة مستقرة، يُعد خطوة أساسية لتوحيد الجهود ضد الحوثيين. هذه الاستراتيجية يمكن أن تخلق مناخاً من الثقة، يدفع الأطراف المتصارعة نحو تحقيق تقدم في الشمال، ويفتح آفاقاً لسلام مستدام في اليمن والمنطقة."


البعد الإنساني


إنسانيا قال قاسم أنّ اليمن يشكل مثالاً صارخاً للمعاناة في هذا السياق، حيث صُنف سابقاً كأسوأ “كارثة إنسانية في العالم”. وحالياً، يعتمد نحو 18 مليون شخص على المساعدات الإنسانية، من بينهم أكثر من 17 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي. كما يواجه 3.3 مليون طفل وامرأة حامل سوء تغذية حاد، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة."


وفي المقابل، قال قاسم أن الأمم المتحدة لم تنجح "في تأمين التمويل الكافي من المانحين، بينما أوقفت بعض الهيئات مساعداتها الإنسانية للسكان، مما أدى إلى تفاقم الوضع."

 

استشراف المستقبل


وعن انعكاسات التطورات في سوريا على مستقبل اليمن، قال قاسم أنّ  "الملف اليمني يتميز بخصوصية فريدة تجعله مختلفاً عن باقي الصراعات في المنطقة، حيث لا يقتصر الصراع الحالي على الحرب التي اندلعت منذ عام 2014، بل يمتد إلى قضايا أعمق تمثل جذور الأزمة. من أبرز هذه القضايا الوحدة السياسية بين دولتي اليمن الجنوبي واليمن الشمالي، التي أثارت انقسامات سياسية ومجتمعية مستمرة." 


كما أشار إلى وجود "قضايا التهميش التي عانت منها فئات محلية، مثل سكان مناطق تهامة في الساحل الغربي، الذين ظلوا بعيدين عن عمليات التنمية وصنع القرار لعقود. فضلاً عن ذلك، قضية الإرهاب التي تضيف بُعداً معقداً للصراع، حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية في مواجهته، إلى جانب صعود جماعة الحوثيين التي تحولت إلى لاعب رئيسي في المشهد اليمني والإقليمي."


لذا فهذه القضايا "تتفاعل بشكل متفاوت مع التطورات الإقليمية، حيث يترك كل تغيير بصماته على أحد أوجه الصراع. ومع ذلك يمكن للنهج الإقليمي والدولي تجاه المنطقة أن يسهم في التأثير على مستقبل الأزمة ككل في اليمن."



السيناروات المحتملة في اليمن


وفي ختام حواره حدد قاسم ثلاثة سيناريوات محتملة للأزمة في اليمن في ضوء التطورات الإقليمية والمحلية. 


السيناريو الأول: يتضمن هذا السيناريو عملية عسكرية ميدانية واسعة بدعم إقليمي ودولي، قد تشمل تحرير مدينة الحديدة الساحلية والتقدم نحو العاصمة صنعاء. يهدف هذا المسار إلى إضعاف الحوثيين وإجبارهم على تقديم تنازلات تؤدي إلى مسار سياسي متزامن نحو عملية سلام شاملة. أو قد يقود استمرار المسار العسكري إلى طرد الحوثيين من صنعاء وإعادة تشكيل المشهد السياسي في اليمن.


الثاني: يشمل هذا السيناريو تعزيز التحالف البحري الدولي بقيادة واشنطن تحت مظلة “حارس الازدهار”، وربما بمشاركة إسرائيل، مع استمرار سياسة الغارات الجوية والانفرادية ضد الحوثيين. لكن هذا الخيار قد يؤدي إلى معركة طويلة الأمد لا تحقق نتائج حاسمة، حيث يبقى المشهد السياسي والعسكري في اليمن مجزأً وضعيفاً. ستظل قوى النفوذ السياسي والعسكري متفرقة وغير قادرة على فرض هيمنة أو تحقيق استقرار شامل. كما أنّ تهديد الحوثيين سيبقى قائما.


الثالث: في هذا السيناريو، قد يبادر الحوثيون بشن هجمات محلية لتوسيع نفوذهم في المناطق المتبقية في الشمال، مثل مأرب وتعز. في المقابل، قد يدفع المجتمع الدولي نحو إقامة دولة مستقلة في الجنوب كخطوة استراتيجية للحفاظ على توازن القوى في المنطقة. وجود دولة جنوبية قوية يمكن أن يحيّد التهديدات الحوثية البحرية، خصوصاً مع امتلاك الجنوب أوراق ضغط اقتصادية استراتيجية قد تُستخدم لمساومة الحوثيين.


- هذا الحوار تم نشره بشكل متزامن في صحيفة الزمان العراقية وصحيفة مسارات الدولية السودانية

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا