لقاء موسع لحلف قبائل حضرموت في منطقة الهضبة، 5 أكتوبر 2024 (مركز سوث24)
09-01-2025 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
في 7 يناير، كشف مجلس القيادة الرئاسي اليمني عن استراتيجية شاملة تهدف إلى تحقيق الاستقرار في محافظة حضرموت بجنوب اليمن، استجابةً للتوترات المتصاعدة ومطالب سكانها الملحّة. وفقًا لوكالة سبأ، جاء هذا الإعلان استنادًا إلى مناقشات خلال جلستي المجلس المنعقدتين في 22 نوفمبر و24 ديسمبر 2024، واللتين تناولتا الأوضاع الاستثنائية في المحافظة وأكدتا أهمية اتخاذ خطوات ملموسة لتعزيز الاستقرار.
وتعد محافظة حضرموت، بأهميتها الاستراتيجية وثرواتها النفطية، محورًا رئيسيًا في خارطة السياسة في البلاد. ومع تصاعد التوترات منذ 8 أغسطس 2024، عندما أطلق حلف قبائل حضرموت بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش حملة تعبئة واسعة النطاق، أصبحت مطالب السكان بتوزيع عادل للموارد أكثر إلحاحًا. وقد تمثلت أبرز مظاهر التصعيد في إقامة نقاط تفتيش مسلحة بالقرب من حقول نفط المسيلة الحيوية، في خطوة للضغط على الحكومة المركزية.
وفي منتصف يوليو 2024، أصدر مؤتمر حضرموت الجامع، الذي يقوده بن حبريش أيضًا، إنذارًا للسلطات المحلية مدته 30 يومًا، طالب فيه بتحسين الخدمات، ومعالجة أزمة الكهرباء، والإفصاح عن حصة حضرموت من عائدات النفط. ورغم زيارة رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي إلى حضرموت في 27 يوليو، والتي رفعت سقف التوقعات بحدوث انفراجة، إلا أن الآمال تلاشت بعد إصدار حلف قبائل حضرموت إنذارًا جديدًا مدته 48 ساعة في 31 يوليو، محذرًا من التصعيد إذا لم تتم الاستجابة لمطالبه.
ومع انتهاء المهلة، غادر العليمي المحافظة بطائرة سعودية يوم 4 أغسطس، ما أثار موجة جديدة من الغضب الشعبي.
خطة المجلس الرئاسي
شملت خطة المجلس الرئاسي بشأن حضرموت تخصيص عائدات بيع النفط الخام المخزّن في منشآت الضبة والمسيلة لبناء محطتي كهرباء في ساحل ووادي حضرموت، في خطوة تهدف إلى تعزيز قطاع الطاقة المتدهور في المحافظة.
كما تضمنت الخطة إنشاء مستشفى عام في منطقة الهضبة (مديرية غيل بن يمين) بتمويل من عائدات مخزون الديزل التابع لشركة بترومسيلة، إلى جانب تعهد بالتحقيق في مزاعم الفساد المنسوبة للشركة، لضمان الشفافية والمساءلة.
وتضمنت الخطة أيضًا إجراءات تهدف إلى إشراك أبناء حضرموت في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وفقًا للأنظمة القانونية ومعايير التجنيد الوطنية، بالإضافة إلى تعزيز إدارة الموارد المحلية والوطنية بما يخدم خطط التنمية والإعمار عبر شراكة مع الحكومة ومجتمع المانحين الإقليمي والدولي.
وأكد المجلس الرئاسي أن هذه التدابير جاءت بعد مشاورات موسّعة ومداولات داخل المجلس في نوفمبر وديسمبر من العام الماضي، مشددًا على ضرورة التعاون لإنجاح هذه الخطوات وتهيئة الأجواء للإصلاحات التي تعيد لحضرموت مكانتها كمحرك أساسي للتنمية والسلام.
ردود فعل محلية
رحبت السلطة المحلية لحضرموت بالخطة، واصفة إياها بأنها "خطوة مسؤولة وتاريخية" نحو تحقيق الاستقرار في المحافظة وتحسين الأوضاع المعيشية.
وأكد البيان التزام السلطة المحلية بالتعاون مع كافة الفصائل السياسية والاجتماعية لتنفيذ المبادرات بشكل فعال. كما أشادت السلطة المحلية بمساهمات بترومسيلة في المحافظة، لكنها شددت على أهمية الشفافية والمساءلة.
وفي بيان حذر، عبّر حلف قبائل حضرموت عن موقف إيجابي تجاه الخطة، مشيرًا إلى أنها خطوة نحو تحقيق مطالب الأهالي. وأعلن الناطق الرسمي للحلف، الكعش سعيد السعيدي، عن اجتماع مرتقب يضم مشايخ القبائل والشخصيات الاجتماعية والسياسية لتدارس الموقف ومناقشة الإجراءات المعلنة.
بدوره، أشاد مجلس حضرموت الوطني الذي تموله السعودية بجهود مجلس القيادة الرئاسي، مؤكدًا دعمه الكامل للخطة واستعداده للتعاون مع السلطة المحلية وكافة المكونات لضمان تنفيذها بما يخدم التنمية المستدامة ويعزز الشراكة الوطنية.
الجدوى
رغم المصفوفة المعلن عنها، أشار المحلل السياسي أنور التميمي إلى أن استجابة المجلس الرئاسي لم تأتِ بالسرعة الكافية، موضحًا أن حلف قبائل حضرموت قد رفع سقف مطالبه لكسب مزيد من التعاطف الشعبي، ما قد يزيد من تعقيد المشهد.
وقال التميمي لمركز سوث24: "المطالب التي طرحها حلف القبائل والتي حشد من أجلها مسلحيه في الهضبة النفطية، قد وصلت إلى حد التلويح بفرض الحكم الذاتي وإنشاء تشكيلات عسكرية وتعيين قائد عسكري".
وأشار التميمي إلى أن هذه المطالب تختلف تمامًا عن تلك التي كان قد قدمها الحلف في وقت سابق للحكومة اليمنية والتحالف العربي. مضيفًا: "الأحداث في الأشهر الأخيرة سارت في اتجاه تصاعدي غير محسوب، مما أدى إلى رفع حلف القبائل لمطالبه بهدف كسب تعاطف شعبي يعزز من قدرته على التحشيد".
وأردف: "إذن نحن الآن بصدد إشكالية نظرية على اقل تقدير، وهي أنَّ إجراءات الرئاسي هي استجابة لمطالب غير التي حشد الحلف مقاتليه لتحقيقها".
وتساءل التميمي: "هل سيقبل مسلحو الحلف بالانسحاب رغم عدم الاستجابة للمطالب التي احتشدوا وصعدوا من أجلها؟ هل سينسحب المسلحون بعد أن حصلت تداخلات واستقطابات واصطفافات إقليمية حاول البعض تمريرها تحت هذه اليافطة؟".
بدوره، أعرب سعيد خالد، مدير مكتب رئيس المجلس الانتقالي بحضرموت، عن قلقه من أن تكون الإجراءات المعلنة مجرد وسيلة لتأجيل المطالب الجوهرية، مثل إخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من الوادي ونشر قوات النخبة الحضرمية في كافة أرجاء المحافظة.
وصرّح لمركز سوث24 قائلًا: "قرارات المجلس الحالية ليست سوى بداية، لكننا نخشى أن تتحول إلى ذريعة لإبقاء الوضع على حاله".
ووصف المحلل السياسي د. عمر باعباد، هذه القرارات بأنها "خطوات رمزية" تفتقر إلى الجداول الزمنية وآليات التنفيذ الواضحة، محذرًا من أن عدم تحقيق الوعود قد يؤدي إلى تعزيز الانقسامات الداخلية. وأكد باعباد لمركز سوث24 أنه "إذا استمرت الوعود دون تنفيذ، فإن النسيج الاجتماعي الحضرمي قد يتعرض لمزيد من التصدعات".
كما أشار إلى أن "التدخلات الإقليمية تسعى لتعزيز مواقعها عبر تأجيج الأزمات الداخلية، داعيًا إلى تشكيل لجنة رقابية محايدة تضم كوادر محلية مشهود لها بالنزاهة لمتابعة عملية التنفيذ".
تطورات أمنية وعسكرية
قبل إعلان مصفوفة المجلس الرئاسي بشأن حضرموت، كانت مؤشرات على تصعيد أمني وعسكري قد رشحت. ففي 3 يناير، وصلت قافلة عسكرية من قوات النخبة الحضرمية إلى منشآت النفط في المسيلة لتدعيم الأمن، تبعها وصول تعزيزات إضافية إلى معسكر الحمراء غرب المكلا يوم 5 يناير.
وجاءت هذه التحركات في ظل توتر أمني متزايد، حيث تداول ناشطون أنباء عن تعرض نقاط قبلية تابعة لحلف حضرموت لقصف مدفعي من البحر، لكن قيادة المنطقة العسكرية الثانية نفت صحة هذه الادعاءات.
وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم الحلف الشيخ الكعش السعيدي لمركز سوث24: "بخصوص المناوشات الأخيرة، القصف حدث بالفعل، لكن حلف قبائل حضرموت تصرف بعقلانية لتجنب زج حضرموت في صراعات. القوى الحضرمية تساند الحلف في المطالب المتعلقة بالمحافظة".
وأضاف: "نتعامل بعقلانية مع هذه التطورات، لأننا ندرك خطورة الانزلاق نحو مواجهات داخلية لا نهاية لها". وأضاف: "نحن لا نوجه اتهامات جزافية، بل نطالب بتحقيق شامل للكشف عن الجهات المسؤولة عن زعزعة الأمن".
وبشأن إعلان المجلس الرئاسي، قال الشيخ السعيدي: "إذا تأخرت الأمور، فإن الحلف سيظل مرابطًا حتى تُحقق المطالب على أرض الواقع. نحن نترقب تنفيذ القرارات الرسمية، ونشدد على أهمية ترجمة هذه المطالب إلى خطوات عملية".
وكشف السعيدي لمركز سوث24 عن مساعي لتكوين قوات عسكرية تابعة لحلف قبائل حضرموت خلال الفترة القادمة، قال إنها "ستشمل كل حضرموت". وفي 25 ديسمبر الماضي، نشر حلف قبائل حضرموت على فيسبوك مذكرة قرار صادرة عن رئيس الحلف، نصت على تشكيل (قوات حماية حضرموت)، وتعيين اللواء مبارك أحمد العوبثاني قائدًا لها.
ويرى المحلل السياسي باعباد أن "هناك أطراف تسعى لاستغلال المطالب المحلية لتحقيق مصالحها الخاصة". وأضاف أن هذه التدخلات تعقد جهود الاستقرار، مؤكدًا: "الاستقرار في حضرموت لن يتحقق إلا بإبعاد النفوذ الخارجي وترسيخ إدارة ذاتية حقيقية".
وأوصى باعباد بتشكيل مجلس اقتصادي واجتماعي وقانوني من الكفاءات الحضرمية، يتولى الإشراف على تنفيذ مشاريع التنمية والإصلاحات. كما شدد على ضرورة تعيين قيادات محلية نزيهة تتمتع بالكفاءة لإدارة الشؤون الإدارية والأمنية.
وأكد المحلل أن بناء حضرموت يجب أن يكون مشروعًا تنمويًا حقيقيًا يعتمد على استثمار مواردها وإمكاناتها البشرية. وأضاف: "يجب أن تكون الخطط مدعومة بإرادة سياسية حقيقية لضمان استمرارية التنفيذ دون عراقيل".
وختم حديثه بالقول: "لن ينعم أهل حضرموت بالاستقرار إلا إذا تحققت مطالبهم واستُبعدت السياسات المركزية التي تتجاهل حقوقهم".
وفي ضوء هذه الأحداث، تبدو استراتيجية المجلس الرئاسي بشأن حضرموت محاولة جادة لاحتواء الأزمة، لكنها تظل منقوصة ما لم يتم التعامل مع المطالب الحقيقية لأبناء المحافظة، وعلى رأسها إخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى، وتحسين الأوضاع الخدمية والاقتصادية.
ومؤخرًا، أعلن المجلس الرئاسي قيادة جديدة للمنطقة الأولى في وادي حضرموت، لكن الشكوك تحوم حول جدوى هذه الخطوة في معالجة المشكلة التي تمثلها قوات هذه المنطقة التي تتألف في الغالب من جنود شماليين. وقد أظهر استطلاع مصور أجراه مركز سوث24 هذه الشكوك المحلية.
قبل 27 يوم