طائرة حربية أمريكية على متن حاملة الطائرات الأمريكية هاري إس ترومان قبيل الغارات على الحوثيين، 15 مارس 2025 (البحرية الأمريكية عبر أسوشيتد برس)
16-03-2025 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
|
"تعكس الهجمات ضد الحوثيين دلالة مهمة مرتبطة بتوجه إدارة "ترامب" نحو تبنّي استراتيجية تصعيدية أكبر تجاه الحوثيين."
سوث24 | محمد فوزي
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه أمر الجيش بشن ضربات على جماعة الحوثي في اليمن، السبت 15 مارس 2025، محذراً إياها من مغبة عدم توقف هجماتها، وجاء في منشور لترامب على شبكة للتواصل الاجتماعي: "سنستخدم القوة المميتة الساحقة حتى نحقق هدفنا"، متهماً الحوثيين بتهديد حركة الشحن في البحر الأحمر. هذه الهجمات ارتبطت أهميتها بكونها الأولى من نوعها التي توجهها الولايات المتحدة تجاه الحوثيين منذ وصول دونالد ترامب إلى السلطة، فضلاً عن طبيعة الهجمات الواسعة والعنيفة. وطرحت هذه الهجمات العديد من التساؤلات خصوصاً فيما يتعلق بدلالاتها، فضلاً عن طبيعة الرسائل التي أرادت الإدارة الأمريكية بعثها عبر شن هذه الهجمات في التوقيت الراهن، وتداعياتها المحتملة.
أولاً- الحيثيات الخاصة بالهجمات الأمريكية
تكشف المعطيات الخاصة بالعملية الأمريكية الأخيرة ضد الحوثيين، وفق ما نشره الإعلام الأمريكي مجموعة من الحيثيات الرئيسية الخاصة بالعملية:
1- مقتل وإصابة العشرات: أدت العملية الأمريكية بحسب ما أعلنته وزارة الصحة التابعة للحوثيين في صنعاء، إلى مقتل 31 مدنياً وإصابة العشرات. لكن اللافت والمتغير عن العمليات السابقة أن البيت الأبيض أعلن أن الغارات الأمريكية قتلت العديد من قادة الحوثيين الأساسين في اليمن. وقال مستشار الأمن القومي مايكل والتز في تصريح لشبكة إيه بي سي نيوز، إن الغارات الجوية استهدفت في الواقع العديد من قادة الحوثيين وقتلتهم.
2- استهداف البنية التحتية العسكرية للحوثي: ذكرت بعض التقارير أن الغارات الأمريكية استهدفت مواقع في محافظات صنعاء وصعدة وذمار وحجة والبيضاء. ووفقاً للتقارير فقد ركزت الهجمات الأمريكية على استهداف أنظمة الرادار والدفاعات الجوية والصواريخ والطائرات المسيرة التابعة للحوثيين. كذلك لفتت التقارير إلى أنّ الضربات اعتمدت على طائرات من حاملة الطائرات "هاري ترومان" في البحر الأحمر، بالإضافة إلى طائرات هجومية ومسيرات انطلقت من قواعد إقليمية.
3- احتمالية استمرار الهجمات الأمريكية: كان لافتاً أن بعض المسؤولين الأمريكيين أشاروا في تصريحات إلى احتمالية استمرار الهجمات الأمريكية ضد الحوثيين، ما يعني أن الحديث منصب على عمليات عسكرية واسعة على مستوى طبيعة الأهداف وعلى مستوى المدى الزمني لها. وقال وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، لسي بي إس نيوز، إنّ الضربات الأمريكية على اليمن ستستمر، حتى تنتهي قدرة الحوثيين، على مهاجمة الملاحة العالمية، والبحرية الأمريكية.
ثانياً- دلالات العمليات الأمريكية
كما سبق الإشارة فقد ارتبطت أهمية هذه الغارات الأمريكية ضد الحوثيين بكونها العملية الأولى ضد الجماعة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فضلاً عن اختلاف هذه العملية من حيث حجمها وطبيعة أهدافها عن كافة العمليات التي شنتها الولايات المتحدة ضد الحوثي في عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن. وفي هذا السياق يمكن رصد مجموعة من الدلالات المهمة:
1- مقاربة دونالد ترامب تجاه الحوثيين: عكست الهجمات الأمريكية الأخيرة وما سبقها من إجراءات من قبل الإدارة الأمريكية تجاه الجماعة الحوثية، خصوصاً التصنيف على لوائح الإرهاب، تبني إدارة دونالد ترامب لمقاربة مختلفة عن مقاربتها في الحقبة الأولى لـ "ترامب". ففي الوقت الذي كان يعتمد فيه "ترامب" في حقبته الأولى في الرئاسة الأمريكية على فكرة "الضغوط القصوى" مع تقليل المواجهات المباشرة مع الحوثيين، نجد أن مقاربة "ترامب" الحالية تقوم إلى جانب سياسة "الضغوط القصوى" على فكرة التصعيد العسكري الواسع ضد الحوثيين، بما يضمن القضاء على القدرات العسكرية للجماعة وتحقيق الردع المفقود تجاهها. وقد عبر "ترامب" عن ذلك حين أشار في تصريحات إلى أنه "سيعتمد على قوة ساحقة لحين القضاء على الجماعة، وأن سياسات بايدن تجاه الحوثي كان ضعيفاً بشكل مثير للشفقة لذلك استمر الحوثيون المتهورون في المضي قدماً" وفق تعبيره.
وتعكس هذه المعطيات أن المقاربة الأمريكية الجديدة من قبل إدارة "ترامب" تقوم على مجموعة من الركائز الأساسية. أولاً، أن إدارة "ترامب" سوف تتبنى مقاربة "الضغوط القصوى" تجاه الحوثي. وثانياً، أن هذه المقاربة سوف يتبعها المزيد من الإجراءات التصعيدية من الإدارة الأمريكية تجاه الحوثي، بما يضمن المزيد من الضغط والحصار للجماعة. ثالثاً، أن الإدارة الأمريكية الجديدة تبعث برسائل لإدارة "بايدن" بفشل مقاربتها في التعامل مع الحوثي. ورابعاً، أن هذه الاستراتيجية تعني عدم التساهل في أي ملفات مرتبطة بالحوثيين تحت مبررات الاستثناءات أو الدواعي الإنسانية.
2- الرد على التصعيد الحوثي متعدد المستويات: لا يمكن فصل هذه الهجمات الأمريكية عن السياق العام لها، بمعنى أن هذه الهجمات جاءت كرد على التصعيد الذي تبنته الجماعة الحوثية في الفترات الأخيرة، والذي تجلت مظاهره في عدد من المؤشرات الرئيسية، أولها إعلان الحوثيين يوم 12 مارس 2025 دخول قرار حظر مرور السفن الإسرائيلية بالبحر الأحمر حيز التنفيذ، ما يعني عملياً استئناف الجماعة هجماتها بالبحر الأحمر. وثانيها تبنى الحوثيون تصعيداً نوعياً ولافتاً ضد الولايات المتحدة، حيث أطلقوا لأول مرة صواريخ أرض-جو على مقاتلة أميركية من طراز "إف-16". كما استهدف الحوثيون طائرة أمريكية بدون طيار من طراز "إم كيو-9 ريبر" كانت تحلق فوق اليمن خارج المناطق التي يسيطرون عليها. وثالثها تلويح عبد الملك الحوثي بتبني تصعيد كبير في البحر الأحمر حال تنفيذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعهداته بتهجير سكان قطاع غزة. ورابعها كشف الحوثيين خلال الأسبوع الماضي عن منظومة دفاع جوي جديدة. وتداولت منصات موالية لجماعة الحوثي على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً ومعلومات حول المنظومة الجديدة. والمنظومة، وفق المصادر، محلية الصنع وقادرة على اعتراض الطائرات على بعد الآلاف من الكيلومترات. ويطلق على المنظومة "نصر الله". ولم تكشف الميليشيا بعد رسمياً عن المنظومة.
3- رغبة الولايات المتحدة في إضعاف قدرات الحوثيين: تعكس طبيعة المُستهدف من الهجمات الأمريكية الأخيرة رغبة الولايات المتحدة ليس فقط في تحقيق الردع تجاه الجماعة الحوثية بما يضمن تأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ولكن احتمالية توسيع العمليات العسكرية لتشمل تحقيق هدف القضاء على القدرات العسكرية للجماعة الدينية. ويتجلى ذلك من خلال مجموعة من الهواجس الرئيسية، أولها ما ذكرته تقديرات أمريكية من أن عدد مقاتلي الحوثيين ارتفع من 220,000 في عام 2022 إلى حوالي 350,000 بحلول أواخر عام 2024. وثانيها تنامي القدرات العسكرية للحوثي بشكل لافت حيث تمتلك الجماعة مجموعات متنوعة من الصواريخ بعيدة المدى والمتوسطة فضلاً عن الطائرات المسيرة ومنصات إطلاق الصواريخ المتنقلة، ومعظم هذه الأسلحة إيرانية الصنع. وقد تجلت انعكاسات هذه المؤشرات في قدرة الحوثي على استهداف الملاحة البحرية في البحر الأحمر، فضلاً عن تهديد حلفاء الولايات المتحدة (استهداف العمق الإسرائيلي)، ما زاد من قناعة الإدارة الأمريكية بأن الجماعة باتت تمثل تهديداً لمنظومة الأمن الإقليمي ككل وللممرات البحرية في منطقة الشرق الأوسط.
4- رسائل تصعيدية ضد إيران: كان لافتاً في تصريحات المسؤولين الأمريكيين وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب، ربط هذه الهجمات الأخيرة بإيران، حيث قال "ترامب" في تصريحاته: "أحذر إيران من استمرار دعم الحوثيين، إذا هددت إيران الولايات المتحدة فإن أمريكا سوف تحاسبها حساباً كاملاً، ولن نكون لطفاء في هذا الشأن" وفق تعبيره. وبشكل عام يبدو أن الرسائل الأمريكية لإيران مرتبطة باتجاهين رئيسيين، الأول هو ضرورة التوقف عن دعم وتسليح الحوثيين، والثاني هو ربما محاولة للضغط على إيران من أجل الانخراط في مباحثات جديدة خاصة بالملف النووي، والاعتماد على التلويح بتوجيه ضربات مباشرة لإيران.
5- رسائل لحماس مرتبطة باتفاق وقف إطلاق النار: أحد الافتراضات المطروحة في إطار تفسير هذه الهجمات الأمريكية الأخيرة ضد الحوثيين، يرتبط بكونها تمثل في الوقت نفسه رسائل لحركة حماس الفلسطينية. وتتنامى أهمية هذا الافتراض مع تصريحات المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف والتي قال فيها مخاطباً حماس: "عليهم أن ينظروا إلى ما فعلناه بالحوثيين، وأشجعهم على أن يكونوا أكثر عقلانية". ويمكن القول إن الضربات الأمريكية الأخيرة تجاه الحوثيين حملت إفادة لإسرائيل على أكثر من مستوى، أولها أنّها ربما تعكس موافقة ضمنية أمريكية أو ضوء أخضر باستئناف القتال وعدم ممانعة الولايات المتحدة لذلك، وثانيها أنها تخفف على إسرائيل مسؤولية الانخراط في هجمات ومواجهات مع الحوثيين على اعتبار قيام الولايات المتحدة بهذا الدور.
6- رسائل أمريكية لروسيا والصين: لم تخلُ هذه الهجمات الأمريكية الأخيرة تجاه الحوثيين من رسائل لكلاً من روسيا والصين، على اعتبار أن بكين بدأت في التواجد في المياه الإقليمية الخاصة بالبحر الأحمر، كما تستمر مساعي موسكو لبناء قاعدة عسكرية في بورتسودان السودانية. ومن خلال هذه العمليات، ومن خلال تواجد الولايات المتحدة في البحر الأحمر بشكل مباشر أو عبر التحالفات العسكرية على غرار "حارس الازدهار"، تبعث الإدارة الأمريكية برسالة مفادها أنها موجودة في البحر الأحمر، وأنها لن تسمح بتنامي نفوذ أي قوى مناوئة لها في هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة. وبالرغم من ذلك أشارت الخارجية الأمريكية، عقب الضربات ضد أهداف الحوثيين، إلى أن وزير الخارجية الأمريكي أبلغ نظيره الروسي بالعمليات العسكرية في اليمن.
ثالثاً- التداعيات المحتملة
تطرح الهجمات الأمريكية الأخيرة على الحوثيين مجموعة من التداعيات التي يغلب عليها عنصري التوتر والتصعيد، وهو ما يمكن بيانه في النقاط التالية:
• أعلنت مليشيا الحوثي عقب الهجمات الأخيرة من قبل الولايات المتحدة، أنّ هذه الهجمات لن تمر بدون رد، وأعلن المتحدث باسم الحوثيين يحيى سريع، أنّ الجماعة ورداً على هذه الهجمات استهدفت حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس ترومان" والقطع البحرية التابعة لها بـ 18 صاروخاً باليستياً وطائرة مسيرة، بما يعني أن الجماعة قد تلجأ في مواجهة هذه الضغوط الأمريكية إلى سياسة "الهروب إلى الأمام" وتبني المزيد من التصعيد لحين الوصول إلى صفقة أو صيغة تضمن التهدئة. كما أعلن زعيم جماعة الحوثيين أن البوارج والسفن الأمريكية ستكون مستهدفة إذا استمرت هجمات الحوثيين. ملوحا بفرض حظر بحري على على سفن الولايات المتحدة.
• تدفع هذه التطورات باتجاه المزيد من العسكرة للتفاعلات في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب، سواءً على مستوى المواجهات المتبادلة بين الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة والحوثيين من جهة أخرى، أو على مستوى تنامي التواجد العسكري والبحري للعديد من القوى الدولية والإقليمية.
• تؤكد كل المعطيات الخاصة بالتصعيد الحوثي في منطقة البحر الأحمر وضد إسرائيل والولايات المتحدة، أن الحوثي بات من الفواعل الإيرانية القادرة على تهديد المصالح الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة، بما قد يدفع إيران إلى استثمار المزيد من الموارد في دعم الحوثيين عسكرياً، وهو ما قد يُضيف نقطة قوة إضافية لصالح طهران في مواجهتها مع تل أبيب وواشنطن.
إجمالاً يمكن القول، إنّ الهجمات الأمريكية الأخيرة على الحوثيين كانت نوعية من حيث توقيتها وطبيعة أهدافها، على اعتبار أنّ هذه الهجمات جاءت بالتزامن مع إعلان الحوثي استئناف هجماته في منطقة البحر الأحمر وضد إسرائيل، فضلاً عن كون هذه الضربات من حيث طبيعتها العملياتية أعنف من تلك التي كانت تشنها الولايات المتحدة في عهد "بايدن"، ما يعكس دلالة مهمة مرتبطة بتوجه إدارة "ترامب" نحو تبنّي استراتيجية تصعيدية أكبر تجاه الحوثي، الأمر الذي يُمكن الاستدلال عليه من تصريحات المسؤولين الأمريكيين والتي أشارت إلى احتمالية استمرار هذه العمليات.
خبير مصري متخصص في شؤون الأمن الإقليمي، باحث غير مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
قبل شهرين