محطة الطاقة الشمسية في عدن (مؤسسة الكهرباء بواسطة مركز سوث24)
آخر تحديث في: 27-03-2025 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
مركز سوث24 | عبدالله الشادلي
في ظل أزمة كهرباء مزمنة تضرب مدينة عدن، جنوب اليمن، تبرز محطة الطاقة الشمسية كنموذج عملي للحلول المستدامة، ومعلم بارز في رحلة المدينة نحو تبني مصادر الطاقة المتجددة.
يمثل قطاع الكهرباء في عدن تحديًا متزايدًا، يتفاقم بشكل خاص خلال أشهر الصيف الحارقة. يصل الطلب على الطاقة الكهربائية إلى ذروته عند نحو 750 ميجاوات، بينما لا تتجاوز القدرة الإنتاجية الحالية، في أحسن الأحوال، حاجز 500 ميجاوات.
الفجوة التي تصل إلى 250 ميجاوات، ويزيد الرقم كثيرًا بسبب نقص إمدادات الوقود، تترجم إلى انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي، ما ينعكس سلبًا على كافة أوجه الحياة اليومية والأنشطة الاقتصادية في المدينة.
ورغم أن الإنتاج خلال فصل الشتاء قد يفي نسبيًا بالطلب، تظل أزمة الوقود المتقطع تحديًا رئيسيًا يعرقل استقرار الشبكة الكهربائية في المدينة.
محطة الطاقة الشمسية
في هذا السياق، تبرز محطة الطاقة الشمسية الممولة من دولة الإمارات العربية المتحدة كورقة رابحة. فقد لعبت المحطة دورًا محوريًا في تخفيف أزمة الطاقة وتقليص الاعتماد على مصادر الوقود الأحفوري مثل الديزل والمازوت.
المشروع، الذي نفذته شركة "إلكتروميكا" وتم افتتاحه رسميًا في 15 يوليو 2024، يقع في منطقة بئر أحمد بعدن، ويعد من أبرز مشاريع الطاقة المتجددة في البلاد. تحتوي المحطة على ما يقارب 211 ألف لوح شمسي، ما يعزز قدرتها الإنتاجية بشكل لافت.
محطة الطاقة الشمسية في عدن (مؤسسة الكهرباء بواسطة مركز سوث24)
تمتد المحطة على مساحة تُقدّر بـ1.6 مليون متر مربع، وتتصل بمحطة تحويلية وشبكة نقل طاقة شمسية قادرة على استيعاب نحو 650 ميجاوات.
نوار أبكر، مدير المكتب الإعلامي في المؤسسة العامة للكهرباء بعدن، تحدث لمركز سوث24 عن حجم العجز القائم، موضحًا أن ذروة احتياجات المدينة في الصيف تبلغ 750 ميجاوات، بينما لا يتوفر فعليًا سوى 500 ميجاوات، ما يخلق فجوة تصل إلى 250 ميجاوات.
وأشار أبكر إلى أن المحطة تصل في ذروة إنتاجها إلى 95 ميجاوات، وهو ما يعادل إنتاج محطتي الحسوة والمنصورة العاملتين بالوقود النفطي مجتمعتيْن.
وأضاف: "في ظل غياب الوقود وتعطل أكثر من 80% من محطات التوليد، كانت المحطة الشمسية الوحيدة التي تعمل خلال ساعات النهار، إلى جانب مركز الأحمال في محطة المنصورة الذي يوفر 15 ميجاوات فقط [ويُستخدم المركز لتنظيم توزيع الكهرباء وضبط أداء المحطة الشمسية]".
وأكد أبكر الدور الجوهري الذي تلعبه المحطة في تخفيف العجز، وتثبيت استقرار الشبكة الكهربائية مع تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
محطة الطاقة الشمسية في عدن (مؤسسة الكهرباء بواسطة مركز سوث24)
من جانبه، أوضح المهندس سالم أحمد باحكيم، المستشار في مجال القوى الكهربائية، لمركز سوث24 أن المحطة تنتج ما يعادل 80% من طاقتها التصميمية البالغة 120 ميجاوات، وذلك اعتمادًا على الظروف المناخية وشدة سطوع الشمس.
ولفت إلى أن هذه الكفاءة تساهم في تغطية جزء كبير من احتياجات شبكة عدن خلال ساعات النهار، وتقلل بشكل ملحوظ من استهلاك الوقود.
التوسعة المستقبلية
في معرض حديثه عن الخطط المستقبلية، أشار نوار أبكر إلى تقدم ملحوظ في أداء المحطة، مؤكدًا أن المرحلة الثانية قيد الإعداد. وقال: "لقد اكتملت دراسة شاملة لإطلاق المرحلة الثانية، والتي تتضمن إضافة 120 ميجاوات من الطاقة، إلى جانب بطاريات مخصصة لتخزين 30 ميجاوات من الطاقة الليلية. هذه المنظومة ستُستخدم لتخزين الطاقة بقدرة 30 ميجاوات".
تشمل المكونات الرئيسية لهذه المرحلة، بحسب أبكر، الألواح الشمسية والمحولات وأنظمة الربط الكهربائي، مشيرًا إلى أنها ستدعم قدرة التوسعة المخطط لها. وأضاف: "الدراسة قيد التنفيذ، ومن المتوقع أن تبدأ الأعمال خلال الشهرين أو الثلاثة القادمين، بالتزامن مع توقيع العقود لبدء المرحلة الثانية".
وتابع أبكر: "هناك خطة وضعتها دولة الإمارات عبر شركة ’مصدر‘ وشركة أبوظبي لطاقة المستقبل، تتضمن مراحل متعددة، تُقدر بين خمس إلى ست مراحل، بحيث تضاعف كل مرحلة القدرة الإنتاجية التي تسبقها. الهدف النهائي هو الوصول إلى قدرة إجمالية تبلغ 650 ميجاوات".
محطة الطاقة الشمسية في عدن (مؤسسة الكهرباء بواسطة مركز سوث24)
وحول تحقيق الاكتفاء الذاتي، أشار أبكر إلى أن المحطة لا تضمن الاكتفاء الكامل، لكنها ستغطي جزءًا كبيرًا من احتياجات الطاقة في عدن. وقال: "الطاقة الشمسية ستوفر إنتاجًا ضخمًا خلال ساعات النهار، قد يصل إلى 60%-70% من إجمالي إنتاج الكهرباء في المدينة عند بلوغ الطاقة النهائية المستهدفة".
في السياق ذاته، شدد المهندس سالم باحكيم على الكفاءة العالية للطاقة الشمسية، معتبرًا إياها من أكثر مصادر الطاقة فعالية وتكلفة منخفضة. وأوضح أن هناك مشاريع قيد التحضير لرفع القدرة الإنتاجية لمحطة الطاقة الشمسية في عدن إلى 200 ميجاوات، إلى جانب تركيب بطاريات تخزين لتحسين أداء الشبكة.
التحديات
رغم ما تحقق من تقدم، لا تزال المحطة تواجه تحديات عدة. ولفت أبكر إلى أهمية حماية المشروع من الأضرار، مشيرًا إلى أن المحطة تعرضت في بعض الأحيان لتلفيات طالت الألواح الشمسية بسبب الرصاص الراجع الذي يطلقه المواطنون في حفلات الزفاف وغيرها من المناسبات.
وفي ديسمبر الماضي، أفادت مصادر من داخل المحطة بتعرض أكثر من 198 لوحًا شمسيًا لأضرار بفعل الرصاص الراجع، ما أدى إلى توقف مؤقت في تشغيل المحطة.
وشدد أبكر على ضرورة تكاتف الجهود للحد من هذه الظاهرة، نظرًا لتأثيرها المباشر على أمن المواطنين وسلامة المشاريع الخدمية.
من جانبه، أكد المهندس باحكيم أهمية حماية المحطة من العبث والتخريب، بالإضافة إلى ضرورة مواجهة التحديات المناخية، كالعواصف الترابية التي تتطلب تنظيفًا دوريًا للألواح. كما أشار إلى التحدي الأكبر المتمثل في نقص التمويل الحكومي، ما يعوق تنفيذ مشاريع جديدة، مؤكدًا في المقابل ضرورة إشراك القطاع الخاص في عملية تطوير القطاع الكهربائي.
محطة الطاقة الشمسية في عدن (مؤسسة الكهرباء بواسطة مركز سوث24)
تعميم التجربة
ألقت تجربة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في عدن بظلالها على النقاش الوطني حول الطاقة المتجددة، إذ حفز المشروع في العاصمة جهودًا مماثلة في محافظات جنوب اليمن.
في 8 أغسطس 2024، وضع محافظ شبوة، عوض العولقي، حجر الأساس لمحطة طاقة شمسية بقدرة 53 ميجاوات، بتمويل إماراتي، على مساحة تبلغ 600 ألف متر مربع.
وفي 27 أكتوبر 2024، وضع محافظ حضرموت، مبخوت بن ماضي، حجر الأساس مشروع محطة توليد الطاقة الشمسية في وادي حضرموت بقدرة إنتاجية تصل إلى 30 ميجاوات.
وفي 20 فبراير 2024، ناقش وزير التخطيط اليمني ووزير الكهرباء مع فريق البنك الدولي المرحلة الأولى من مشروع "شمس" للطاقة الشمسية، بقدرة 25 ميجاوات موزعة بين المهرة (10 ميجاوات) وأبين (10 ميجاوات) والضالع (5 ميجاوات)، مع خطط لرفع القدرة لاحقًا إلى 98 ميجاوات.
ولكن حتى الآن، لم يتم الإعلان عن هذا المشروع رسميًا أو البدء فيه.
أما في 9 فبراير، فقد استقبلت مدينة المخا بمحافظة تعز شحنة من المعدات المخصصة لمحطة طاقة شمسية بقدرة 40 ميجاوات، تمتد على مساحة 1,066 مترًا مربعًا، وتضم 63,628 لوحًا شمسيًا، إلى جانب 120 محولًا كهربائيًا.
وفي سياق تعميم التجربة، أشاد نوار أبكر بنجاح محطة عدن الشمسية، معتبرًا أنها فتحت الباب أمام حلول بديلة. وقال: "أبرز فوائد مشاريع الطاقة الشمسية تكمن في تقليص الاعتماد على محطات الوقود الأحفوري، وخفض التكاليف، فضلًا عن تلبية الطلب في محافظات متعددة". لكنه أشار إلى أن "البنية التحتية المتهالكة لقطاع الكهرباء لا تزال العائق الأكبر."
من جهته، أكد المهندس سالم باحكيم أن التجربة قابلة للتطبيق على نطاق وطني، داعيًا إلى تبني استراتيجية شاملة تعتمد على مصادر نظيفة ومنخفضة التكلفة. وأضاف: "من أبرز مزايا الطاقة الشمسية انخفاض تكاليف البناء والتشغيل، حيث لا تتجاوز تكلفة إنتاجها 25% من تكلفة المحطات التقليدية".
تمثل محطة عدن الشمسية نموذجًا فعّالًا للتحول نحو الطاقة النظيفة والمستدامة في اليمن. ومع اتساع رقعة المشاريع، يرى المهندس باحكيم أن هذه المبادرات قادرة على تحسين أداء الشبكة، وخفض الأعباء المالية، وتحسين ظروف الحياة للمواطنين في عدن ومناطق أخرى.
وقال: "لتحقيق هذه الأهداف، يجب تعزيز قدرات التوليد بشكل واسع، والاعتماد على الطاقة المتجددة كمرتكز رئيسي للاستدامة".
قبل شهرين