التقارير الخاصة

هل يشق بن حبريش صف قبائل حضرموت من الداخل؟

لقاء موسع لحلف قبائل حضرموت في منطقة الهضبة، 5 أكتوبر 2024 (مركز سوث24)

آخر تحديث في: 30-03-2025 الساعة 12 صباحاً بتوقيت عدن

مركز سوث24 | عبدالله الشادلي


في لحظة مليئة بالشكوك، عاد الشيخ عمرو بن حبريش، زعيم حلف قبائل حضرموت، إلى مسقط رأسه في 27 مارس، قادماً من المملكة العربية السعودية. برفقة اللواء مبارك العوبثاني، قائد ما تُعرف بـ "قوات حماية حضرموت"؛ وهو الاسم الذي أطلقه بن حبريش على مجموعة مسلحة يعتزم تشكيلها في المحافظة. 


بن حبريش، الذي أجرى سلسلة لقاءات في الرياض، من بينها اجتماع مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان في 21 مارس، ثم لقاء آخر مع قائد القوات المشتركة السعودية في 26 من الشهر ذاته، بدا وكأنه يُعيد تموضعه على خارطة التحالفات المحلية والإقليمية، في وقت تُواجه فيه حضرموت تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية متعددة.


في موازاة ذلك، كشفت لقاءات قبلية عُقدت مؤخراً في منطقة (العيون)، شرق مدينة المكلا عن تصدعات عميقة داخل كيان حلف قبائل حضرموت، وهو ما طرح تساؤلات حول مستقبل هذا الكيان. وإلى أي مدى تهدد طموحات الشيخ عمرو بن حبريش وحدة وتماسك قبائل حضرموت، وكيف تتقاطع أو تتعارض هذه الطموحات مع المشاريع المحلية والإقليمية التي تصب اهتمامها بهذه المحافظة النفطية الغنية.


توتر متصاعد


في 28 فبراير الماضي، أصدرت قيادة المنطقة العسكرية الثانية وإدارة الأمن والشرطة في ساحل حضرموت بيانات منفصلة، رفضتا فيها ضمنيًا تحركات حلف قبائل حضرموت ومساعيه لتجنيد مقاتلين ضمن ما يسمى "قوات حماية حضرموت"، محذرتين من عواقب الفوضى وتفكيك وحدة القرار الأمني. 


البيان جاء بعد يوم واحد من اجتماع عقده بن حبريش مع ضباط يرتدون زي القوات العسكرية الرسمية، وصفتهم صفحة حلف قبائل حضرموت بأنهم قادة قوات حماية حضرموت. 


قبل ذلك، كانت مواقف مشابهة قد صدرت عن المجلس الانتقالي الجنوبي في ديسمبر 2024، حيث حذّر من مغبة إنشاء تشكيلات مسلحة لا تخضع لسلطة قوات النخبة الحضرمية التي تنتشر في مناطق الساحل. وجدد المجلس دعواته لإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت، التي تتألف بشكل رئيسي من آلاف الجنود المنحدرين من محافظات شمال اليمن.


أزمة تمثيل أم صراع زعامة؟ 


لا يعد الصراع الداخلي في حلف قبائل حضرموت جديدًا، ففي 2 نوفمبر 2023، كشف مسؤول رفيع في حلف قبائل حضرموت لمركز سوث24 عن تصدعات داخلية غير مسبوقة تهدد بتفكيك الكيان القبلي البارز.  تصريحات المسؤول جاءت في أعقاب بيان "متهور"، على حد وصفه، نُشر باسم رئاسة الحلف ووجَّه انتقادات لاذعة للسلطة المحلية في حضرموت، وقوات النخبة الحضرمية، ودولة الإمارات العربية المتحدة. 


اقرأ المزيد: انقسام في حلف قبائل حضرموت بعد «بيان متهور»

صفحة الحلف الرسمية على فيسبوك نسبت البيان لاجتماع عقد في المكلا برئاسة الشيخ عمرو بن حبريش في 29 أكتوبر 2023، ونُشرت مشاهد منه عبر قناته الرسمية على يوتيوب. 


لكن الرد لم يتأخر آنذاك؛ فقد أصدرت السلطة المحلية والمجلس الانتقالي الجنوبي وأجهزة الأمن في ساحل حضرموت، إلى جانب الهبة الحضرمية الثانية، بيانات تنديد ورفض لما ورد في البيان، معتبرين إياه تصعيدًا غير مبرر، لا سيما ضد قوات النخبة الحضرمية والإمارات.


في المقابل، عُقد في 5 نوفمبر 2023 اجتماع لافت في منطقة العيون جمع عدداً من شيوخ ومؤسسي حلف قبائل حضرموت. مصدر مطلع أكد لـمركز سوث24 أن الاجتماع انتهى باتفاق على إقالة بن حبريش من رئاسة الحلف، والشروع في إعادة هيكلة الكيان القبلي واختيار قيادة جديدة.


ولكن لم تتم هذه الخطوات حتى الآن. وفي الاجتماع الأخير بمنطقة العيون في 22 مارس الجاري، تم الإعلان عن نفس هذه الخطوات مرة أخرى. 


في حديث خاص لمركز سوث24، كشف المقدم [رتبة رفيعة للشيخ القبلي] عمر باشقار، أحد الشخصيات القبلية البارزة وأمين عام سابق لحلف قبائل حضرموت، عن الخطوات المرتقبة بناءً على اجتماع مؤسسي حلف القبائل في منطقة العيون، مشدداً على أن اللقاء كان حضرمياً صرفاً، هدفه "إقالة بن حبريش وتحديث القيادة بما يلبي متطلبات المرحلة".


وأضاف باشقار أن جولة مشاورات موسعة ستبدأ خلال شهر أبريل - بعد عيد الفطر، بهدف بلورة رؤية جامعة لمستقبل الحلف، مشيراً إلى أن اللجنة المنبثقة عن لقاء العيون لم تكن تحضيرية، بل معنية بجمع الملاحظات والآراء لضمان أوسع مشاركة ممكنة. وتحدث عن "مؤشرات إيجابية للغاية" وتوافق واسع بين القوى الحضرمية المختلفة، تعكس رغبة جماعية في التغيير وخدمة المصالح العليا للمحافظة.


وعن المزاعم بشأن تمويل اللقاء من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، نفى باشقار هذه الادعاءات بشكل قاطع، واصفاً إياها بأنها "أقاويل بلا أساس". وأكد أن اللقاء "عُقد بجهود حضرمية خالصة"، وتم الاتفاق على منع رفع أي شعارات حزبية أو أعلام فصائلية، في إشارة واضحة إلى السعي لترسيخ استقلالية القرار.


وذهب باشقار أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن هذا الحراك ليس فقط لتجديد القيادة، بل لتعزيز المصالحة بين مكونات حضرموت القبلية والسياسية، وإنهاء حالة الانفراد باتخاذ القرار داخل الحلف.


من جانبه، يرى المحلل السياسي أنور التميمي أن ما يجري يعكس أزمة جوهرية في فهم طبيعة التمثيل والقيادة داخل حلف قبائل حضرموت. 


ويعتقد التميمي أن هناك خلطاً مستمراً بين الزعامة القبلية التقليدية وبين قيادة كيان اجتماعي من المفترض أن تحكمه لوائح تنظيمية واضحة. وأشار لمركز سوث24 إلى أن الشيخ بن حبريش دأب على التعامل مع المتغيرات السياسية بمنأى عن مؤسسات الحلف، وهو ما دفع العديد من المؤسسين إلى الانسحاب قبل ثلاث سنوات وتشكيل "كتلة حلف وجامع حضرموت من أجل حضرموت الجنوب".


وفيما يخص مستقبل الحلف، لا يُخفي التميمي تشاؤمه: "الزخم الذي انطلق به الحلف في 2013 لم يعد موجوداً، ومحاولات ترميمه قد تكون خارج السياق، إن لم تكن بلا جدوى".


أهمية اللقاء


يرى أنور التميمي أن لقاء منطقة العيون كان هدفه "إقناع الدوائر الإقليمية بأن بن حبريش لم يعد الممثل الوحيد لحضرموت، ولا حتى لحلفها القبلي". ووصف التميمي زيارة بن حبريش إلى السعودية بأنها "خطوة ضرورية لوضع الخلاف داخل مظلة التحالف العربي بقيادة الرياض، ومنع أي محاولة لاختراق حوثي أو إيراني للمشهد في حضرموت".


في مقابل الزخم المتولد من لقاء العيون، سعى الناطق باسم حلف قبائل حضرموت، الكعش سعيد السعيدي، إلى التقليل من أهميته، واصفاً إياه بأنه تكرار لمحاولات سابقة فشلت في تقويض وحدة الحلف. وقال السعيدي لـمركز سوث24 إن الاجتماع "ضم نفس الوجوه التي شكّلت (كتلة حلف وجامع حضرموت من أجل حضرموت الجنوب) سابقاً"، ملمحاً إلى دعم مباشر من المجلس الانتقالي الجنوبي والسلطة المحلية".


وشدد السعيدي على أن "القيادات الحقيقية لحلف قبائل حضرموت لم تشارك في اللقاء"، مضيفاً أن الحلف ما يزال متماسكاً، وأن "الرموز القبلية لم تنشق عن مواقفها الثابتة".


يُذكر أن حلف قبائل حضرموت برئاسة بن حبريش كان قد دعا إلى اجتماع في 19 مارس الجاري، قبل أن يتم إعلان تأجيله قبيل زيارة بن حبريش إلى السعودية. وفقًا لمصدر مطلع لمركز سوث24، كان الهدف من الاجتماع هو الرد على تصريحات أدلى بها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي من المكلا، في 15 مارس.


شملت تصريحات الزبيدي، الذي هو أيضًا نائب لرئيس المجلس الرئاسي في اليمن، انتقادات لمؤتمر حضرموت الجامع – الجناح السياسي لبن حبريش – لهروبهم من الحوار الوطني الجنوبي. كما حذر الزبيدي آنذاك من مخاطر أمنية قال إن لديهم معلومات مؤكدة بشأنها، بما في ذلك اختراقات من الحوثيين داخل حضرموت، ومخاطر تنظيم القاعدةِ.


لكن متحدث حلف قبائل حضرموت الشيخ الكش السعيدي قال إن تأجيل اللقاء "جاء نتيجة تعذر وصول عدد كبير من الشخصيات القبلية والمدنية". لكنه أكد أن "الدعوة للاجتماع لا تزال قائمة، وتشمل كافة قبائل حضرموت.


على الجانب الآخر، قال مصدر مسؤول في المجلس الانتقالي الجنوبي بحضرموت لمركز سوث24 إن التصريحات الأخيرة للواء الزُبيدي خلال زيارته إلى المكلا، كانت بمثابة "الشرارة" التي أعادت حضرموت إلى قلب الحسابات الإقليمية.


وبحسب المصدر، فإن الخطاب الصريح الذي تبنّاه الزُبيدي شكّل ضغطاً على الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها السعودية، لمراجعة استراتيجيتها تجاه المحافظة. هذا الموقف، بحسب المصدر، تُرجم سريعاً باستدعاء الشيخ عمرو بن حبريش إلى الرياض، في خطوة يُعتقد أنها هدفت إلى احتواء أي تحركات مضادة، بما في ذلك اللقاء الذي تم تأجيله والذي كان يهدف لتصعيد الموقف.


التحرك لم يكن إقليمياً فقط؛ فالولايات المتحدة، بحسب المسؤول في المجلس الانتقالي، أبدت اهتماماً متزايداً بالتطورات في حضرموت، وتناول اللقاء الأخير بين الزُبيدي والسفير الأمريكي، في 25 مارس، مستجدات المحافظة وسبل دعم استقرارها بشكل مباشر.


وزعم المصدر أن التدخل السعودي الأخير أعقبه توجيه مباشر للشيخ بن حبريش بتجنّب أي خطوات تصعيدية قد تُعطل المشهد، مضيفاً أن المحافظة شهدت تحسناً ملحوظاً في قطاع الكهرباء، ما عُدّ مؤشراً على جدية المساعي في تهدئة الوضع.


واختتم المصدر بالإشارة إلى أن "النتائج الإيجابية، خصوصاً في مجال الخدمات، يمكن ربطها مباشرة بالجهود الدبلوماسية والسياسية التي قادها الزُبيدي، والتي أعادت تسليط الضوء على حضرموت كملف مركزي في المشهد المحلي المعقد".


وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ عمرو بن حبريش كان قد بدأ بتصعيد خطابه السياسي خلال الأسابيع الماضية. ففي 15 مارس، وخلال فيديو مصور، قال بن حبريش: "موقفنا ثابت، بما في ذلك موقفنا من المجلس الرئاسي ورئيسه وأعضائه… مرفوضون في حضرموت، ولا نرحب بزيارتهم إلا إذا أعطوا حضرموت مكانتها".


ختامًا، تبدو حضرموت اليوم أمام منعطف حاسم، إذ تشهد بنيتها القبلية التقليدية تصدعات متسارعة بفعل التنافس على التمثيل والزعامات، وفي القلب من هذا المشهد المربك، يبرز الشيخ عمرو بن حبريش كفاعل رئيسي، تتباين حوله التقديرات بين من يراه مدافعًا عن حقوق الحضارم، ومن يراه سببًا مباشرًا لتآكل وحدة الصف القبلي وصاحب أجندات شخصية أو إقليمية.


ويمكن القول إن مستقبل حلف قبائل حضرموت يظل رهينًا بمدى القدرة على تجاوز الخلافات الداخلية، واعتماد نهج مؤسسي يوازن بين الإرث القبلي ومقتضيات المرحلة والجغرافيا والمستقبل. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى خطاب عقلاني جامع، يكرّس المصالح العامة لحضرموت ضمن محيطها الجغرافي والاجتماعي، ويضع حدًا لمسارات التفرد والانقسام التي باتت تُهدد النسيج القبلي والاجتماعي في المحافظة.


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا