24-05-2020 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| بدر قاسم محمد
في عمر الأزمة اليمنية الأخيرة يتضح اشتغال المجتمع الدولي على استراتيجيتين سياسيتين، تكوّنت لديه عن قناعة تامة، بأن لا رغبة لدى الحكومة اليمنية المسيطر عليها من قبل جماعة الإخوان في قتال جدّي ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والتقدم باتجاه صنعاء.
الاستراتيجية الأولى بلورتها دراماتيكية الأحداث التي صنعت اتفاق الرياض السياسي بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في نوفمبر 2019. بعد أن تم طرد الحكومة من عدن ومن ثم أعقبه اندفاع وهرولة الانتقالي الجنوبي إلى محافظة شبوة، في أغسطس 2019، ملوحاً بطرد ما اعتبره "التواجد العسكري الشمالي"، وبتشكيل معالم الدولة الجنوبية المستقلة، التي يناضل الجنوبيون لاستعادتها.
الأمر الذي دفع القوات الحكومية الواقعة تحت سيطرة جماعة الإخوان للقتال نحو شبوة ثم أبين على طريق الوصول لاجتياح عدن. فقد اعتبرت الحكومة تقّدم القوات الجنوبية ناحية شبوة انقلاباً على الجمهورية اليمنية، وبذلك تكون قد عبرّت الحكومة اليمنية عن مكنوناتها السياسية بشكل حقيقي واندفعت بقوة للإفصاح عنها في صورة هجومها العنيف جنوباً بما يعزز فرضية أن لا رغبة لها في قتال الحوثيين.
القناعة الدولية تتعزز
تكشف حقيقة المعارك، التي طالما وُصفت بـ "الوهمية" الدائرة في جبهات مأرب ونهم والجوف من جهة، ومن جهة أخرى الهجوم المباشر على عدن، للوقوع عياناً والتورط في "محاولة الانقلاب" على مشروع الدولة الاتحادية، التي تزعم الحكومة التمسك بها، انقلابا لا لبس فيه ولا شبهة يشبه انقلاب الحوثيين. كما يقول مراقبون.
ومن أعراض هذا "الانقلاب" الناتجة، هو وجود نية مبيتة ليس فقط قوة وسرعة الاندفاع القتالي وتنظيميته، بل خرق قواتها المتموضعة على مشارف عدن في محافظة أبين حينها لأوامر وزير الدفاع اليمني وتأكيده الاستجابة لطلب المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالتهدئة وعدم التحرك العسكري باتجاه عدن. الخرق الذي حاولت الحكومة من خلاله التلاعب على المراقب الدولي. تعرضّت تلك القوات المهاجمة لضربة عسكرية قوية على مشارف عدن تبعتها ضربة سياسية تلقتها الحكومة برفض المجتمع الدولي بإجماع للطلب الحكومي المقدم لإدانة الإمارات في توجيه الضربة.
بات المجتمع الدولي على قناعة تامة بنوايا الحكومة وقد فسرتها مجريات الأحداث تفسيراً عملياً لا لبس فيه، لتأتي عملية تنفيذ الاستراتيجية الثانية التي بلورتها مجريات العمل السياسي والضغط باتجاه إبرام اتفاق سياسي بين الحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي يهدف لدفع الحكومة وحملها على التوجه شمالاً لقتال الحوثيين، يجمعها وجميع الأطراف هدف واحد هو توحيد جبهة القتال ضد الحوثيين.
إلا أن تلكؤ الحكومة في التوقيع على اتفاق الرياض، كما تتهمها أطراف كثيرة، جاء معززاً لقناعة المجتمع الدولي السابقة، المُعبر عنها أثناء فترة مماطلتها من أحداث أمنية، كمحاولة اغتيال مدير التموين والإمداد في وزارة الدفاع الضابط الجنوبي الأصل واغتيال ضابطين قياديين آخرين غير محسوبين على جماعة الإخوان، بالمقابل تعرض منزل وزير الدفاع ووزارة الدفاع في محافظة مأرب لهجومين صاروخين لم يعرف مصدرهما، إلا أن إعلام جماعة الإخوان وبعض الوزراء المحسوبين على الحكومة كوزير الداخلية الميسري، ألمحا إلى مسؤولية التحالف العربي بإلقاء اللائمة على من يمتلك الأجواء اليمنية.
كما أصبح تلكؤ الحكومة بعد توقيع اتفاق الرياض في تنفيذ بنود الاتفاق معززا ثانياً لقناعة المجتمع الدولي المشار إليها سابقا، وما شاب هذه الفترة من أحداث سلّمت على إثرها القوات الحكومية الخاضعة لجماعة الإخوان مديرية نهم ومحافظة الجوف ومناطق واسعة من مأرب للحوثيين، ابتدأت منذ لحظة استهداف كتيبة اللواء الرابع حرس رئاسي التي معظم جنودها من الجنوبيين بتفجير وُصف بـ "الإرهابي" لموقعه المستحدث في جبهة مأرب، وكان معززا ثالثاً لما قبله.
قطع موارد الاشتباك
لقد جاء قرار المجلس الانتقالي الجنوبي بطرد الحكومة اليمنية من عدن مرة أخرى وإعلان الإدارة الذاتية للجنوب عقب مستجد الأحداث الحاصلة في الشمال لصالح سيطرة الحوثيين، متماشيا مع القناعة الدولية في القضاء على عامل الاشتباك الاقتصادي بين مناطق سيطرة الحكومة ومناطق سيطرة الحوثيين.
الاشتباك المموّن من خزينة البنك المركزي في عدن ومن موارد المحافظات الجنوبية، بما يحقق سياسة تجويع واندفاع الجماعتين، الإخوانية المرابطة في الطرف الحكومي والحوثية المرابطة في الطرف الانقلابي. فلكلّ منهما التزاماته الخاصة أمام اتباعه التي تدفعه للتحرك العسكري، التحرك الحوثي باتجاه إسقاط مأرب والسيطرة عليها والتحرك الإخواني الحكومي باتجاه عدن للسيطرة عليها.
وهذا يفسّره ما تشهده جبهات قتال الحكومة ضد القوات الجنوبية من تصاعد مضطرد وما تشهده جبهات قتال الحوثيين ضد مأرب من هجوم مضطرد.
وبالتزامن مع اتخاذ المجتمع الدولي قرار قطع المساعدات الدولية عن مناطق سيطرة الحوثيين، حققت الإدارة الذاتية للجنوب المعلن عنها من قبل الانتقالي الجنوبي قطع التموين الحكومي من خزينة البنك المركزي في عدن، على اعتبار أن هذا التموين يغذّي بطريقة ما مناطق سيطرة الحوثيين.
ويمكن القول أن القرارين السياسيين الجنوبي والدولي يعملا معا على عزل منطقة التشبيك الاقتصادي والتعاون الثنائي بين الحكومة والحوثيين، بما يحقق عودة الحكومة للحديث عن التزامها بتنفيذ بنود اتفاق الرياض كاملة، لكنّها المرة الأخيرة وهي ليست كسابقتها حيث سيضع الانتقالي الجنوبي خروج المعسكرات الحكومية من أبين وشبوة وحضرموت كشرط أولي وأساسي يوافق عليه المجتمع الدولي، وفقا لبنود الرياض، وبما يحقق إحدى خيارين:
إما تعزيز جبهة القتال ضد الحوثيين في مأرب أو التسليم الطوعي للحوثيين على أساس شمالي - شمالي في مقابل آخر جنوبي.
وإمّا أنّ هناك خيار عسكري ثالث يمكن أن يتحقق على الواقع ويمثل بموجب إرادة أطراف القتال، قد يسيطر الحوثي على مأرب ويفرض واقعاً حكومياً فوضوياً يعزز أكثر نظرية الاشتباك الاقتصادي بين الحوثيين والحكومة بما يجعل الحكومة في حكم التبعية وليس الندية، ببروز حاجتها إعاشة قواتها حتى تستمر في البقاء جنوباً، ومن ناحيته سيطلب الحوثي من هذه القوات السيطرة على مناطق الثروة والنفط في حضرموت وشبوة، وهذا الأخير هو الخيار المألوف من طبيعة أداء الجماعتين الشماليتين المخاتل سياسيا. وهو ما سيحدث إن لم يضغط المجتمع الدولي بشكل أكبر ويدفع في سبيل الاتجاه لخيار السلام والتفاوض السياسي لخيار حل الدولتين شمالا وجنوبا.
- بدر قاسم محمد: زميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات وباحث في الشؤون اليمنية والجماعات المتطرفة
- المادة خاصة بـ مركز سوث24 للأخبار والدراسات