دراسات

دراسة| مناطق النفوذ الحكومي.. تربة خصبة لبذور الإرهاب في اليمن

27-08-2020 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| دراسة خاصة


تُشكّلُ محافظة "مأرب" اليمنية المعقلُ الرئيسي للحكومةِ الشرعية، إلى جانبِ مناطق نفوذ أخرى في محافظتي تعز والبيضاء، وشبوة ووادي حضرموت. ولطالما كانت هذه الرقعة الجغرافية الهامة، بؤرةٍ لانتشارِ التنظيمات المصنّفة في قوائم الإرهاب الدولية، مثل تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف باسم "داعش". الحكومة اليمنية التي يسيطر التنظيم العالمي للإخوان المسلمين على جزءٍ كبيرٍ منها، أظهرت نوعاً من التجانس السياسي والأيديولوجي مع هذه التنظيمات، يُعزى هذا التجانسُ في أحيان كثيرةٍ إلى الصلة الوثيقة التي تربط جماعة الإخوان المسلمين بهذه التنظيمات الإرهابية.

خلفية تاريخية

عرفَ اليمن تواجد تنظيم القاعدة في مستهلِّ تسعينيات القرن المنصرم، بعد إعلان التنظيم العالمي عن إقامة فرعه في شبه الجزيرة العربية، وأطلق على فرعه هذا اسم "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، بعد توقيع اتفاقية الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (جنوب اليمن)، والعربية اليمنية (شمال اليمن)، في الثاني والعشرين من أيار/مايو 1990. لكنَّ التواجدَ الحقيقي للتنظيم ظهرَ بصورةٍ واضحة بعد حرب صيف تموز/يوليو 1994، بين شركاء الوحدة اليمنية، وهي الحرب التي استعمل فيها الطرف الثاني (شمال اليمن) مقاتلين جهاديين عائدين من أفغانستان (الأفغان العرب)، وهؤلاء كانوا النواة الأولى للتنظيم الذي انتشر في وسط وشرق اليمن.

في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2000، فُجّرت المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" قبالة ميناء عدن. تبنى هذه العملية الإرهابية تنظيم القاعدة. وتواصل نشاط التنظيم لأعوامٍ لاحقةٍ تبنت فيها القاعدة عمليات تفجير وقتل واختطاف داخل وخارج اليمن. ومع اندلاع الأزمة اليمنية في 2011، استأنف تنظيم القاعدة نشاطه بسلسة من العمليات الإرهابية، كان أبرزها حادثة تفجير جنود الأمن المركزي في ميدان السبعين 21/أيار/مايو في ميدان السبعين بصنعاء، تلاه في 27 تموز/يوليو في العام نفسه، تفجير استهدف طلاب الكلية الشرطة في صنعاء، وفي 20 أذار/مارس، وقعَ تفجير مسجدي بدر والحشوش في أمانة صنعاء، راح ضحية هذا التفجير العشرات من المصلين.



في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2000، فُجّرت المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" قبالة ميناء عدن، تبنى تنظيم القاعدة العملية

إرهابٌ مستثمرٌ

بدأ استثمار الإرهاب في اليمن في عام 1994، وهو العام الذي جنّدت فيه قوى الوحدة اليمنية مئات المقاتلين الجهاديين العائدين من أفغانستان، في الحرب على الجنوب، عبر شخصيات دينية يمنية تابعة للتجمع اليمني للإصلاح -وكيل الإخوان المسلمين في اليمن، مثل الشيخ عبد المجيد الزنداني - يقيم في الرياض، والشيخ عبد الوهاب الديلمي، صاحب الفتوى الدينية المشهورة في عام 1994، التي أفتى بها بإباحة دماء الجنوبيين ممن أسماهم  "الملاحدة الشيوعيين".

بالعودة إلى خارطة العمليات الإرهابية في اليمن، نجد أنّها تنقسم إلى ثلاثة أقسام مختلفة في الجغرافيا والأهداف، فمنذ العام 1994 إلى نهايات العام 2010، تركّزت العمليات والأنشطة الإرهابية في أطراف اليمن كحضرموت ومأرب، بعيداً عن صنعاء، العاصمة السياسية المركزية لقوى وحدة 22/أيار مايو، فبالإضافة إلى حادثة المدمرة الأمريكية كول، نَفذَ تنظيمُ القاعدةِ العديد من العمليات الإرهابية الأخرى، ومن أهم هذه العمليات:


- 30 كانون الأول/ديسبمر2002: مقتل ثلاثة عمال أمريكيين في مستشفى جبلة بمحافظة إب.

- 2 تموز/يوليو 2007: تفجير انتحاري يتسبب بمقتل ثمانية سياح إسبان وسائقين يمنيين في مأرب.

- 18 كانون الثاني/يناير 2008: مقتل سائحتين بلجيكيتين ويمنيين اثنين برصاص عناصر من القاعدة في حضرموت.

- 17 أيلول/سبتمبر 2008: قُتلَ 19 شخصاً جراء استهداف السفارة الأمريكية في صنعاء.


"بدأ استثمار الإرهاب في اليمن في عام 1994، عندما جنّدت قوى الوحدة اليمنية مئات المقاتلين الجهاديين العائدين من أفغانستان، في الحرب على الجنوب"


من المُلاحظ أنَّ جميع هذه الحوادث الإرهابية - بإستثناء الأخير- حدثت بعيداً عن صنعاء، وقد حدثت كثير من العمليات الإرهابية الأخرى المماثلة في مدن الأطراف اليمنية. وبين الأعوام 2011 - 2015، انتقلت العمليات الإرهابية إلى المركز بدلاً عن الأطراف، بعد تصدّع قوى الوحدة إلى معسكرين، وهما معسكر المؤتمر بقيادة الرئيس الراحل صالح، ومعسكر حزب الإصلاح الإخواني بقيادة علي محسن صالح الأحمر، والأخير حاول الإطاحة بصالح بعد ركوبه موجة ثورة الشباب والربيع العربي في اليمن. اُعتُبرت العمليات الإرهابية التي قام بها تنظيم القاعدة في صنعاء ضمن الحرب الدائرة بين معسكري الوحدة، استعمل فيها معسكر الإخوان المسلمين الإرهاب لتغطية عملياته، وشهدت هذه الفترة عمليات إرهابية واسعة كان أبرزها:


- 21 أيار/مايو 2012: تفجير انتحاري يستهدف جنود الأمن المركزي في ميدان السبعين.

- 27 تموز/يوليو 2012: تفجير انتحاري يستهدف طلاب كلية الشرطة في صنعاء.

- 5 كانون الأول/ديسمبر 2013: مسلحون بلباس عسكري يقتحمون مجمع وزارة الدفاع في صنعاء.

- 9 تشرين الأول/أكتوبر 2014: تفجير انتحاري في ميدان التحرير بالعاصمة صنعاء.

- 20 أذار/مارس 2015: مسجدا "بدر والحشوش" شهدا تفجيراً انتحارياً دامياً قتل عشرات المصلين.


انتقلت أنشطة الإرهاب في عدن خلال الفترة 2015 - الآن، وتزامن ذلك مع إعلان ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية أو "داعش" عن ولاية اليمن، وهو تنظيم إرهابي مطوّر عن تنظيم القاعدة - وإنْ كان قد اشتبك معه في أحداث كثيرة. العمليات الإرهابية في عدن لم تكن الوحيدة جنوباً، ولكنها الأكثر دموية وعنفا على الاطلاق، خصوصاً بعد اغتيال محافظ عدن السابق، اللواء جعفر محمد سعد، وتعيين اللواء عيدروس قاسم الزبيدي - رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي حاليا - محافظاً لعدن، واللواء شلال علي شائع، مديراً لأمنها. والاثنين من أبرز قيادات الحراك الجنوبي الساعي لاستقلال جنوب اليمن.


العمليات الإرهابية في عدن هي الأعنف على مستوى تاريخ الإرهاب في اليمن، إذ اشتملت على أكثر من 27 عملية اغتيال لائمة مساجد، وعشرات عمليات الاغتيال الأخرى لشخصيات عسكرية وقيادية في المقاومة الجنوبية، وقيادات أمنية. كما شهدت عدن عشرات العمليات الانتحارية استهدفت معسكرات وثكنات ومراكز شرطة في المدينة، وهذه قائمة بأهم العمليات التي نفذتها تنظيمات الإرهاب مثل داعش والقاعدة في عدن:


- 6 كانون الأول/ديسمبر2015: محافظ عدن، جعفر محمد اسعد، قُتل بتفجير مركبته.

- 4 أذار/مارس 2016: مجزرة في دار للمسنين في عدن راح ضحيتها العشرات من العجزة، بينهم أطباء هنود.

- 23 أيار/مايو 2016: تفجيران انتحاريان في محيط معسكر بدر يؤديان إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى.

- 29 آب/أغسطس: تفجير انتحاري يستهدف مجنّدين جدد في عدن راح ضحيته العشرات.

- 10 كانون الأول/ديسمبر 2016: عشرات القتلى والجرحى في تفجير استهدف معسكر الصولبان في عدن.

-18 كانون الأول/ديسمبر 2016: تفجير إرهابي آخر يستهدف معسكر الصولبان قتلَ العشرات.

-1 آب/أغسطس 2019: تنظيم الدولة يعلن مسؤوليته عن هجوم انتحاري على مركز شرطة في عدن، الهجوم الذي تم عبر سيارات مفخخة استهدف مركز الشرطة في حي عمر المختار في مديرية الشيخ عثمان، في عدن، وراح ضحيته اكثر من 11 جندي وإصابة أكثر من 30 آخرين.


"العمليات الإرهابية في عدن هي الأعنف على مستوى تاريخ الإرهاب في اليمن، إذ اشتملت على أكثر من 27 عملية اغتيال خلال الخمس السنوات الأخيرة"


وشهدت عدن عشرات العمليات الإرهابية الأخرى، مثل محاولة اغتيال محافظ عدن عيدروس الزبيدي أكثر من 3 مرات، ومدير أمن عدن شلال شائع عدة مرات، وحادثة اقتحام إدارة البحث الجنائي  في خور مكسر/عدن، التي راح ضحيتها أكثر من 50 مجنداً. وفي خلال هذه الفترة الدامية في عدن والجنوب، لم تحدث عملية إرهابية واحدة في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، ومناطق سيطرة جماعة أنصار الله، وحلفائها من المؤتمر الشعبي العام.


الإخوان والتنسيق مع الإرهاب


تُتهم ميليشيات حزب الإصلاح، جناح تنظيم الإخوان في اليمن، بأنّها أخطر غطاء للتنظيمات الإرهابية في البلاد. فهي عبر وجودها كجزء من الحكومة اليمنية، توفّر منصة «شرعية» للإرهاب، بحسب آراء كثير من الخبراء في شؤون الجماعات المتطرفة. وتتنافس التنظيمات الإرهابية في اليمن على التقرّب من حزب الإصلاح. ففي الإصدار الأخير لصحيفة تنظيم داعش الإرهابي (صحيفة النبأ)، تُظهر طبيعة حزب الإصلاح في استخدام سلطته لإدارة الخلافات بين أبرز جماعتين إرهابيتين. فالقيادي الداعشي، في مقابلة له، يتهم تنظيم القاعدة بأنه جزء من الحكومة اليمنية، وهذا الاتهام يأتي انعكاساً لطبيعة إدارة الإرهاب التي ينظّمها حزب الإصلاح، عبر تقريب تنظيم كل فترة من أجل دفع الآخر إلى تقديم المزيد من الطاعة له ووضع الإرهابيين في حالة تنافس لتقديم الولاء لـ «الإخوان»، حتى أصبحت كل من القاعدة وداعش أداتين إرهابيتين للحزب[1]


كثير من العمليات الإرهابية التي حدثت في عدن نفّذتها عناصر إرهابية لها ارتباط بقيادات في حزب الإصلاح اليمني التابع للإخوان المسلمين، والذي تُشكّل مأرب معقله الرئيسي إلى جانب الحكومة اليمنية، التي يتحكمُ الحزب بمفاصلها. في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، أعلنت الأجهزة الأمنية في عدن أنها ألقت القبض على خليتين إرهابيتين في المدينة، أحدهما تعود لتنظيم داعش، والأخرى لجماعة الإخوان المسلمين، كما سبق وأعلنت الأجهزة الأمنية القبض على خلية "المقطري" الحارس الشخصي للزعيم الديني عبد المجيد الزنداني، قبل أن تُطلق سراح بعضهم بضغط من وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري [2].


في 30 آب أغسطس 2019، وبعد يومين فقط من محاولة اجتياح عدن من قبل الحكومة اليمنية التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون، حدثت 3 عمليات إرهابية متفرقة في عدن ولحج، الأولى استهدفت قائد الحزام الأمني - القوة الأمنية التي حاربت الإرهاب في مناطق الجنوب وموّلتها الإمارات- وضاح عمر سعيد الصبيحي، عبر عبوة ناسفة زرعت في سيارته في مدينة دار سعد في عدن، أسفرت عن مقتل عدة أفراد من حراسته. وفي نفس اليوم، فجّر انتحاري يركب دراجة نارية دورية للحزام الأمني في مدينة دار سعد، كما  استهدف مسلحون دورية أمنية في محافظة لحج المجاورة لعدن [3].


الإرهاب في عدن والجنوب متواجد على هيئة خلايا نائمة وذئاب منفردة، يأتي عناصرها من مناطق نفوذ الحكومة في مأرب والبيضاء وتعز، وهي مناطق تخضع لسيطرة الحكومة اليمنية، ورغم كونها مقراً رسميا لعناصر هذه الجماعات، إلاّ أنه لم تُسجّل عملية واحدة ضد قيادات أو أفراد حكوميين. وبعد حملات تطهير محافظات عدن ولحج وأبين التي نفذتها قوات الحزام الأمني بدعم إماراتي مباشر، فرَّت خلايا الإرهاب وعناصرها إلى معاقلها في محافظة مأرب، وفي قيفة - معقل رئيسي- في محافظة البيضاء، وأشارت تقارير كثيرة إلى تجنيد بعض هذه العناصر الفارّة في صفوف القوات الحكومية، وظهر بعضهم في الحرب التي شنتها القوات الحكومية على محافظة أبين الجنوبية في منتصف العام 2020.


"رغم كون مأرب والبيضاء وتعز مقراً رسميا لعناصر هذه الجماعات، إلاّ أنها لم تُسجّل عملية واحدة ضد قيادات أو أفراد حكوميين"


في حديثه لصحيفة العرب اللندنية [4]، يقول الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، مشير المشرعي، إنّ التقارب الفكري بين الإخوان والقاعدة أثمر عن علاقة تعاون مشبوهة واتفاقات حماية، المشرعي يقول في حديثه معلقا على مقتل قيادات في تنظيم القاعدة بغارات جوية في مأرب:" “للأسف أصبحت مأرب مركزا آمنا لتنظيم القاعدة في اليمن وهذا بفعل العلاقات القبلية التي تربط بعض قيادات التنظيم مع بعض الشخصيات القبلية، بالإضافة إلى تقارب الفكر الإخواني مع فكر القاعدة، وقد تحوّل هذا التقارب أحيانا إلى اتفاقات حماية بين القاعدة والإخوان، حيث يقوم قيادات الإخوان بتوفير مأوى آمن لقيادات التنظيم مقابل دعم القاعدة للقيادات الإخوانية في حربها بالمال والسلاح".



محمد المقطري، الحارس الشخصي لعبد المجيد الزنداني، تتهمه الأجهزة الأمنية بقيادة خلية مسلحة على صلة بتنظيم القاعدة، نفّذت عمليات اغتيال في عدن حتى 2019.

المشرعي يدلل ذلك بـ "التوافق في مقتل قيادات كبيرة في تنظيم القاعدة في مأرب أمثال خميس صالح عرفج وعبدالله المالكي (سعودي الجنسية) وقاسم الريمي الذي تشير التقارير إلى أنه قتل في أحد المنازل الآمنة في وادي عبيدة وليس في قيفة رداع كما تقول بعض وسائل الإعلام، بالإضافة إلى مئات القتلى من مسلحي القاعدة الذين تم استهدافهم بغارات للتحالف أو بغارات لطائرات دون طيار في محافظة مأرب وتتم تلك الغارات دون أي تواصل مع القيادات سواء العسكرية أو المدنية في مأرب خوفا من تحذير قيادات القاعدة من قبل بعض المتعاطفين معهم."


المواجهة مع الإرهاب 


عملت التشكيلات الأمنية والعسكرية الجنوبية المدعومة من دول التحالف العربي - الإمارات على وجه الخصوص، على تبني مكافحة الإرهاب بشقيه الدولي والمحلي (المستثمر). وحققت قوات الحزام الأمني والنخبة الشبوانية انتصارات هي الأوسع ضد التنظيمات الإرهابية، أجبرته على التراجع نحو معاقله في مناطق سيطرة الحكومة، وطهّرت هذه القوات أجزاء واسعة من محافظتي لحج وأبين، إضافة إلى عدن.


وفي تقريرها لعام 2019 عن الإرهاب في اليمن [5]، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنَّ المكاسب التي تحققت ضد الإرهاب في اليمن في عام 2018، تم عكسها في عام 2019 بسبب حلّ قوات النخبة الشبوانية، وغيرها من التشكيلات الأمنية الجنوبية التي دعمتها دولة الإمارات، وساهمت في طرد ومكافحة الإرهاب من أجزاء واسعة. النخبة الشبوانية طُردت من محافظة شبوة بعد اجتياح قوات الحكومة اليمنية التابعة للإخوان - مسنودةَ بمسلحين قبليين-  المحافظةَ في العام 2019.


منذ أغسطس الماضي 2019، استنزفت القوات الأمنية في جنوب اليمن طاقتها، في حماية حدودها من تمدد نفوذ سلطة الإخوان المسلمين عبر الحكومة اليمنية في أبين وشبوة وعدن، الأمر الذي شكّل انتكاساً لمكاسب تأمين المنطقة من الجماعات الإرهابية.


بعد اتفاق الرياض الموقّع في نوفمبر من نفس العام، بين المجلس الانتقالي وحكومة هادي  في السعودية، انسحبت القوات الإماراتية من عدن ومناطق جنوب اليمن، وقدمت قوات سعودية إلى المدينة. مثّل الانسحاب انهيار لجهود عمليات مكافحة الإرهاب. لم تبذل القوات السعودية، حتى الآن، أي دور ملموس منذ وصولها في مجال مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة. على النقيض، لقد منح صمت الرياض تجاه سيطرة القوات الحكومية الخاضعة لسلطة الإصلاح في أبين وشبوة، متنفساً لكثير من عناصر تنظيمي داعش والقاعدة بالعودة إلى هذه المحافظتين.


"منذ أغسطس الماضي 2019، استنزفت القوات الأمنية في جنوب اليمن طاقتها، في حماية حدودها من تمدد نفوذ سلطة الإخوان المسلمين "


علّق الانتقالي يوم 25 الشهر الجاري مشاركته في تنفيذ اتفاق الرياض، على خلفية أسباب عديدة أوردها ضمن رسالة وجهها للمملكة العربية السعودية، كان أبرزها "استمرار عمليات التحشيد العسكري باتجاه الجنوب بمشاركة كبيرة لعناصر من تنظيمي القاعدة وداعش في إطار القوات المحسوبة على الحكومة اليمنية في أبين."


الإرهاب ضد الانتقالي 


قالت صحيفة البيان الإماراتية في 30 آب/أغسطس[6]، إنَّ حزب الإصلاح الذي يُسيطر على الحكومة، استعملّ الإرهاب في حربه ضد القوات الجنوبية في أبين. حيث "كشفت المحاولة العدوانية لميليشيا «الإصلاح» الإخوانية ضد المحافظات المحررة في جنوب اليمن، وعودة عمليات الاغتيال إلى تلك المناطق، عن مزيد من الأدلة حول ارتباطها بالتنظيمات الإرهابية والدور القطري الداعم لهذا المحور الإرهابي، وعلى رأسها تنظيمي القاعدة وداعش." بحسب الصحيفة.


وأشارت البيان إلى تبنّي كل من الحكومة اليمنية، وتنظيم القاعدة، للهجوم الذي وقع في مديرية المحفد جنوب أبين،عندما استهدفَ هجومُ مسلّح تعزيزات لقوات الحزام الأمني كانت في طريقها إلى أبين، راح ضحيته قتلى وجرحى، "مما أثار اتهامات لأطراف في الحكومة اليمنية بالارتباط بتنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين". 


وتزامناً مع الهجوم نشر الصحافي في مكتب الرئيس هادي، ياسر الحسني، تغريدة على موقع «تويتر» حول قيام القوات التابعة للحكومة بقطع الطريق أمام تعزيزات لقوات الانتقالي قادمة من أبين. خلال المواجهات الأخيرة أيضاً، ألقت قوات الحزام الأمني القبض على الداعشي مطلوب دولياً أبو البراء البيضاني يقاتل في صفوف القوات الحكومية".


واعتبرت البيان الإماراتية استغلال الإخوان للإرهاب لم يقف عند داعش والقاعدة فحسب، بل امتد إلى جماعة الحوثي، حيث "شهد مطلع شهر أغسطس 2019، ثلاثة حوادث إرهابية متزامنة كشفت عن شبكة التنظيم الإخواني وأذرعه الإرهابية الممتدة ليس فقط إلى القاعدة وداعش، بل إلى ميليشيا الحوثي الإيرانية أيضاً، وهو ما وصفته مصادر يمنية بـ«المحور الرباعي» الذي يعمل لحساب إيران وقطر وتركيا". أحد ضحايا هذه العمليات كان القائد البارز للواء الأول دعم وإسناد منير اليافعي. 


تقرير صحيفة البيان يعزّزه تقرير صادر عن الأمم المتحدة في يناير 2020 اعتبر أنّ التردد في استهداف تنظيم داعش لمقاتلي الحوثي يشير إلى أنّ "التجسيد الجديد لداعش يتعاون بالفعل مع أعدائه اللدودين"، مؤكداً أن "الحوثيين قدموا مساعدة تكتيكية، والتعاون، وتبادل الأسرى وتسليم المعسكرات العسكرية. إلى [داعش] تحت إشراف الحوثيين ". [7]


"التردد في استهداف تنظيم داعش لمقاتلي الحوثي يشير إلى أنّ التجسيد الجديد لداعش يتعاون بالفعل مع أعدائه اللدودين"


الباحثة البريطانية الشهيرة في شؤون الجماعات الإسلامية بجامعة إكسفورد، اليزابيث كيندال، أشارت في تقرير نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في نوفمبر الماضي، إلى "أنّ النفور الإيديولوجي العام للتنظيم من الانفصال أصبح نقطة يمكن استغلالها، حيث (يرفض قادة التنظيم الموافقة على حدود رسمها الإنسان ويصوّرون الانفصاليين على أنهم اشتراكيون بلا إله). 


وتضيف كيندال أنّ "وتيرة العمليات التي شنّها التنظيم ضد القوات الموالية للانفصال ازدادت خلال آب/ أغسطس الماضي بالتزامن مع تأكيد "المجلس الانتقالي الجنوبي" على السلطة السياسية التي يتمتع بها التنظيم". [8]


وتؤكّد نفس الباحثة في تقرير لاحق نشره مركز السياسات العالمية الأمريكي في يوليو الماضي في إشارة للأحداث التي تبناها داعش والحوثيين في عدن أنّ "التخطيط والتنسيق المعقد نسبيًا يشير إلى بعض المساعدة من العناصر الشمالية - ربما من الحرس الجمهوري للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح". [9]