06-09-2020 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| ترجمة خاصة
تَرجع الأهمية المستمرة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا على الأرض، حتى بعد خسارة عاصمتها المؤقتة عدن العام الماضي، بدرجة أساسية إلى سيطرتها على مناطق إنتاج النفط والغاز في البلاد. وتُشكّل هذه ما يمكن تسميته بمثلث السلطة (القوة) الحكومي، بين مدن مأرب وعتق وسيئون في محافظات مأرب وشبوة وحضرموت، والتي تُشكّل كامل إنتاج اليمن من النفط والغاز الطبيعي.
السيطرة على حقول النفط والغاز اليمنية تمثّل مورداً استراتيجياً هائلاً، سواءً بالنسبة لإيراداتها الحالية أو المستقبلية مع استمرار انتعاش الصادرات الهيدروكربونية.
وعلى الرغم من أنّ مأرب وشبوة وحضرموت غنية بالموارد الطبيعية إلا أنّها قليلة الكثافة السكانية نسبيًا، بينما تلعب الديناميكية العكسية دورًا في المناطق التي يسيطر عليها خصوم الحكومة اليمنية الرئيسيون في الصراع المستمر: جماعة الحوثي المسلحة والمجلس الانتقالي الجنوبي، السيطرة على المناطق الأكثر كثافة سكانية في البلاد، والتي هي أيضًا خالية نسبيًا من الموارد الطبيعية التي يمكن استغلالها بسهولة. لا عجب إذا تحدت الحكومة في هذه المناطق في وجه منافسوها بشكلٍ متزايد. في الواقع، السيطرة على مثلث إنتاج النفط في مأرب - عتق - سيئون ليس فقط له عواقب على تطوّر الصراع الحالي، ولكن يُمكن أن يوفّر نفوذًا حاسمًا للأطراف المتحاربة التي تحاول تشكيل رؤاها ليمن ما بعد الحرب.
"تُسيطر الحكومة اليمنية على مساحات غنية بالنفط والغاز، قليلة بالسكّان على عكس مناطق سيطرة الانتقالي والحوثيين"
في كانون الثاني / يناير 2020، شنّت جماعة الحوثي هجوماً واستعادت السيطرة على منطقة نهم الاستراتيجية، الواقعة في محافظة صنعاء، وهي نقطة التقاء المرتفعات الشمالية اليمنية وصحراء محافظة مأرب من الشرق. وبعد عدة أسابيع شنّت جماعة الحوثي هجوماً آخر باتجاه الشمال في محافظة الجوف، واستولت على عاصمة المحافظة الحزم في 29 فبراير / شباط. وقد مثّلت هذه الهجمات الجريئة تغييراً في استراتيجية الحوثيين عن السنوات الخمس السابقة من الصراع. التحوّل من الموقف الدفاعي بشكل أساسي إلى الهجوم. من خلال الاستيلاء على نهم والجوف، تمركزت قوات الحوثي لفرض حصار على مدينة مأرب مع احتمال الاستيلاء على حقول النفط والغاز في المحافظة.
إذا وقعت مدينة مأرب في أيدي الحوثيين، فإنها ستضع أيضًا محافظة شبوة التي تسيطر عليها الحكومة وحقولها النفطية في بيحان والعقلة تحت تهديد خطير. وهذا هو سبب تورط الألوية الحكومية المتمركزة في شبوة، وتحديداً محور بيحان العسكري، بشكل كبير في المعارك إلى الغرب في جبهات قنية والعبودية على طول الحدود بين مأرب ومحافظة البيضاء التي يسيطر عليها الحوثيون. وبينما كانت المعارك مستمرة في هذه المنطقة منذ 2018، ازدادت وتيرتها وحدتها منذ نيسان / أبريل، عندما تقدمت القوات الحكومية إلى البيضاء. كانت طريقة لنقل المعركة إلى البيضاء قبل وصولها إلى شبوة. ومع ذلك، بحلول يونيو / حزيران، تمكنت جماعة الحوثي من وقف تقدم الحكومة وانتفاضة القبائل، ودفع القوات الموالية للحكومة إلى جنوب مأرب.
كما تعرّضت شبوة للتهديد من المجلس الانتقالي الجنوبي بعد انهيار العلاقات بين (المجلس) والحكومة اليمنية. بعد طرد الحكومة من العاصمة المؤقتة عدن في أغسطس / آب 2019، لم يخف المجلس الانتقالي الجنوبي نواياه بالسيطرة على المناطق المنتجة للنفط في جنوب اليمن. فقد حدد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي بيحان الغنية بالنفط في شبوة وسيئون في حضرموت على أنها مناطق تحتاج إلى "التحرير". حققت القوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي تقدّمًا سريعًا نحو عتق في شبوة في أعقاب سقوط عدن، لكن الهجوم أسفر عن نتائج عكسية، حيث شنّت الحكومة هجومًا مضادًا وطردت جميع القوات المدعومة من المجلس الانتقالي الجنوبي، بما في ذلك قوات النخبة الشبوانية المدعومة من الإمارات، من المحافظة. هذه الضربة حالت دون قيام المجلس الانتقالي بتأمين شبوة والتحرك في حضرموت.
"إذا وقعت مدينة مأرب في أيدي الحوثيين، فإنها ستضع أيضًا محافظة شبوة وحقولها النفطية في بيحان والعقلة تحت تهديد خطير"
لدى الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي دوافع متعددة للرغبة في الحصول على قطعة من مثلث السلطة للحكومة. من بين مخاوفهم الرئيسية أنّ كلا المجموعتين تسيطران على مناطق مكتظة بالسكان في اليمن تفتقر إلى قواعد دخل محلية كبيرة لدعمها. يعيش غالبية سكان البلاد والعديد من أفقر مناطقها في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون. في غضون ذلك، يُسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على محافظات الجنوب المكتظة بالسكان: عدن ولحج والضالع. لطالما كانت مدينة عدن على وجه الخصوص ثقبًا أسود عندما يتعلق الأمر بالإنفاق الحكومي، حيث تمثّل الخدمات العامة عبئًا ماليًا ثقيلًا على أي سلطة حاكمة. تختلف هذه الحقائق في المناطق التي يُسيطر عليها الحوثيون والمجلس الانتقالي الجنوبي اختلافًا كبيرًا عن مثلث مأرب - عتق - سيئون، الذي يشمل مناطق شاسعة قليلة السكان وغنية بالعائدات المحتملة من النفط والغاز.
كذلك ترى قيادة كل من الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي أنّ تأمين جزء من هذا المثلث أمر شديد الأهمية لتحقيق طموحات كل منهما، فضلاً عن اعتباره طريقة للتعامل مع الحكومة اليمنية، المنافسة لكليهما، كهزيمة حاسمة محتملة. إلى جانب المكاسب المالية غير المتوقعة لتأمين عائدات الموارد الطبيعية، يسعى الحوثيون للسيطرة على كل شمال اليمن قبل التوحيد، لتحقيق مشروعهم السياسي الكبير، مما يعني أنّ مأرب يجب أن تنضم إلى جماعة الحوثيين. بالنسبة لرؤية المجلس الانتقالي الجنوبي لدولة جنوبية مستقلة، من الضروري أن يسيطر على كل جنوب اليمن قبل التوحيد. فمحاصرتك في عدن والمناطق المحيطة بها يقوّض الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع ويُحرم المجلس الانتقالي الجنوبي من شرعية كونه لاعبًا جنوبيًا حقيقيًا.
"رؤية الانتقالي لدولة جنوبية مستقلة، تستوجب السيطرة على كامل جنوب اليمن، البقاء في عدن يقوّض الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع"
حتى بعد طردها من عاصمتها المؤقتة عدن، كانت الحكومة اليمنية لا تزال لاعباً على الأرض بسبب سيطرتها على مثلث مأرب - عتق - سيئون. تُدرك الحكومة وداعموها السعوديون أنّ فقدان أي ركن من أركان هذا المثلث سيخاطر بتجريد الحكومة اليمنية "الشرعية" من أهمية ذات مغزى في البلاد، وبالتالي فقد قاتلوا بحماسة متجددة للتمسك بهذه المواقع. بعد أن اجتاح الحوثيون مواقع الحكومة في نهم والجوف، حوّلت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والتحالف الذي تقوده السعودية موارد إضافية للدفاع عن مدينة مأرب. وأدى ذلك إلى تعديل وزاري في مناطق القيادة العسكرية وتعيين اللواء صغير بن عزيز، الذي يثق به السعوديون، لقيادة جميع القوات المشتركة في مأرب. قبائل مأرب وأهمها العبيدة ومراد، تم دعوتهم إلى العمل للدفاع عن المحافظة. شاركت هاتان القبيلتان أيضًا في الدفاع الشرس عن مدينة مأرب ضد هجوم كبير للحوثيين في عام 2015.
"الحكومة اليمنية وداعموها السعوديون قاتلوا بحماسة في شقرة، للدفاع عن مثلث شبوة سيئون مأرب"
في شبوة، أعادت هزيمة 8000 من قوات النخبة الشبوانية القوية الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي ترسيخ سيطرة الحكومة شبه الكاملة على المحافظة. قبل معارك أغسطس / آب 2019، تم تقسيم السيطرة على شبوة بين القوات الموالية لهادي والنخبة الشبوانية المدعومة من الإمارات. من سيئون، تسيطر حكومة هادي بشكل كامل على وادي حضرموت ولديها احتياطي غير مستغل من القوى العاملة كالمنطقة العسكرية الأولى.
ترتبط المعارك الأخيرة في شقرة بأبين بين القوات الحكومية والقوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي أيضًا بالمثلث المنتج للنفط. وهنا، تقدمت قوات من محور عتق العسكري الموالي للحكومة وقوات شبوة الخاصة إلى أبين، لتأمين منطقة عازلة لحماية المثلث الذي يقع خلفها. بالنسبة للحكومة اليمنية، توفّر السيطرة على هذه المناطق المنتجة للنفط شرعية على الأرض وإيرادات لدفع الرواتب والحفاظ على الولاءات. سواء كانت ضد حركة الحوثيين أو المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن حكومة هادي تعلم أنه يجب الدفاع عن مثلث مأرب - عتق - سيئون بأي ثمن.
- عمار العولقي: مهندس يمني وموظف حكومي، عمل كعضو في الفريق الاستشاري لرئيس الوزراء في محادثات جدة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي عام 2019.
- المصدر الأصلي بالإنجليزية: تقرير صيفي لمركز صنعاء للدراسات
- ترجمة وتنقيح: مركز سوث24 للأخبار والدراسات
قبل 13 يوم