المؤسسة العامة للخدمات الزراعية بعدن تستنجد: النهبُ يطالُ اليسيرَ المتبقي

المؤسسة العامة للخدمات الزراعية بعدن تستنجد: النهبُ يطالُ اليسيرَ المتبقي

التقارير الخاصة

السبت, 03-10-2020 الساعة 03:54 صباحاً بتوقيت عدن

سوث24| عدن 

منذُ  اندلاع حرب 2015، تشهدُ العاصمةٌ عدن عمليات نهبٍ منظّمٍ طالت بعض مؤسساتِ ومقارِ الدولة، والممتلكات العامة والخاصة، بنمطٍ متزايدٍ باطراد. النزاع السياسي القائم في جنوب اليمن ألقى بظلاله على الدورين الأمني والقضائي في عدن فأضعفهما، وهو ما فتحَ الباب على مصراعيه لعمليات نهب وبسط واسعة.

كغيرها من المؤسسات، لم تكن المؤسسة العامة للخدمات الزراعية في عدن، بمعزلٍ عن هذا النهب المنظم، فقد طالتها أيدي العابثين والمتنفّذين، وبالشراكةِ مع قياداتٍ بارزةٍ في الحكومة اليمنية، كما تكشف الوثائق الذي تحصّل عليها "سوث24" حصرياً.

المؤسسة

 
المؤسسة العامة للخدمات الزراعية بعدن تستنجد: النهبُ يطالُ اليسيرَ المتبقي
 
قرار تأسيس المؤسسة في عام 1982 بعهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (أرشيف) 

تأسست المؤسسة العامة للخدمات الزراعية في عدن بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (14) لعام 1982، إبان دولة اليمن الجنوبي، وهي ذات شخصية اعتبارية وتتمتع باستقلالٍ مالي وإداري وتخضع لإشراف وزير الزراعة، هدفها تنفيذ السياسة العامة للدولة في مجال تقديم الخدمات اللازمة للقطاع الزراعي، بتوفير مستلزمات الانتاج الزراعي المختلفة ودعم وتشجيع المزارعين. 

بعد حرب صيف يوليو/تموز عام 1994، ضد الجنوب، نُقل المقرُ الرئيسي للمؤسسة من عدن إلى صنعاء، لتعود مرة أخرى بعد 22 عاما إلى عدن، بموجبِ قرار لوزير الزراعة والري قضى بنقل الإدارة العامة للمؤسسة إلى المدينة. منذُ إنشائها، تولّت المؤسسة توفير احتياجات القطاع الزراعي وخصوصاً في مناطقِ الجنوب، مثل الحرّاثات والبذور والأسمدة وغيرها من الاحتياجات. 

في عام 2015، تعرّضت المؤسسة لأعمال نهب شامل، حسب الوثائق التي اطّلع عليها "سوث24"، نُهب فيها مخزون قطع الغيار وبعض المعدات والمبيدات، وبعض المكاتب الإدارة العامة للمؤسسة، مما سبب خسائر فادحة بعشرات الملايين، كما جاء في مذكرةٍ رفعتها الإدارة العامة للمؤسسة، حصل سوث24 على نسخة منها.

النهب 

بعد حربِ صيف 1994، اشتركت المؤسسة في عدن مع رجل الأعمال اليمني "حسن عبده جيد" و "بنك التسليف" في مشروع لإنتاج المضخّات، قَدّمت فيه المؤسسة أرضاً بقيمة تُقدّر بـ 100 مليون ريال، بَنى فيها حسن جيد عمارةً و "هنجر"، إلا أنَّ المشروع لم يُنفّذ، وهو ما يجعلُ للمؤسسةِ حقَ استعادةِ الأرض التي قدمتها، بناء على الاتفاقية التي نصّت على عودة الأرض للمؤسسة في حال لم يُنفّذ المشروع، وكانت هنالك قضيةٌ في المحكمة تتصل بهذا الموضوع.

لم تعُد الأرض للمؤسسة، فبعد حرب 2015، قام مجموعة أفراد ينسبون أنفهسم لـ "المقاومة الجنوبية" بمديرية خور مكسر في عدن - التي يوجد بها المقرّ الرئيسي للمؤسسة - بالاستيلاء على هذه الأرض بحجة أنها تتبع رجل الأعمال الشمالي "حسن عبده جيد"، ثم وزِّعتْ الأرضُ بين هؤلاء.

العمارة التي بُنيت على الأرض نُهبت أيضاً من قبل أشخاص بحجة تعرّض مساكنهم للتدمير في حرب 2015، وسُلّمت الشقق لهؤلاء بشكلٍ مؤقتٍ بناء على توجيهات من وزير الزراعة والري آنذاك، أحمد الميسري (وزير الداخلية الحالي)، إلا إنّهم استولوا على العمارة بشكل كامل واستحدثوا أبنية أخرى فيها. الهنجر الذي كان بجانب العمارة لم يسلّم هو الآخر، ونُهِب بشكل كلّي.

وبحسب مذكّرة رفعها مدير عام المؤسسة، نصر ثابت محمود، إلى وزيرِ الزراعة الذي عُيّن بديلاً عن أحمد الميسري، عثمان حسن قايد مجلي، بتاريخ 21 يونيو/حزيران 2018، فقد حصلَ الآتي:

وجّهَ وزير الزراعة السابق ووزير الداخلية الحالي، أحمد الميسري، بتشكيل لجنة لمتابعة الجهات المسؤولة وإخراج المقتحمين للأرض، وبناء على هذه التوجيهات، توجّهت قوة من إدارة أمن عدن قامت بتكسير الاستحداثات بأرض المؤسسة.

بعد نزول قوة أمن عدن، اتجه الباسطون والناهبون إلى وزير الداخلية السابق بالحكومة اليمنية، حسين محمد عرب، واستطاعوا أن يحصلوا على تعليمات من  الوزير بن عرب مُنحوا بموجبها أرض المؤسسة، وهي تعليماتٌ يجب أن يُوقّعَ عليها وزير الزراعة والري لتكون نافذة، وهذا ما لم يحصل، فأصدر اللواء بن عرب تعليمات أخرى إلى مكتب أراض وعقارات الدولة تقضي بتسليمهم أرض المؤسسة، وهو ما يخالفُ القانون كون الأرض ملك لوزارة الزراعة وليس وزارة الداخلية.

بعد تعيينه وزيراً للداخلية، قامت المؤسسة بالتواصل مع وزير الزراعة والري السابق أحمد الميسري لمتابعة قضية البسط والنهب على أرض المؤسسة، فكّلفَ الميسري وكيل الوزارة، أحمد محمد ناصر حسن، بمتابعة القضية بحكم معرفته بأفراد المقاومة هؤلاء. 

الوكيل ناصر اقترح على الباسطين تقاسم الأرض بينهم وبين المؤسسة، قُوبل هذا الاقتراح بالرفض القاطع، واكتفى الباسطون بالتنازل عن ركن صغير قُسم إلى 6 قطع بحجم 8×8 أمتار.

لاحقاً، قام هؤلاء الباسطون باسترجاع النزر اليسير من الأرض التي تنازلوا عنها، وقاموا ببيع قطع الأرض هذه لبعض أعضاء المؤسسة، وكما ورد في المذكرة نفسها، سبّبَ هذا الأمر نزاعاً وخلافاً كبيراً بين موظفي وأفراد المؤسسة.

المؤسسة العامة للخدمات الزراعية بعدن تستنجد: النهبُ يطالُ اليسيرَ المتبقي
مذكرة مدير المؤسسة العامة للخدمات الزراعية، نصر ثابت، إلى وزير الزراعة حسن مجلي بتاريخ 21 يونيو/حزيران 2018. (نسخة خاصة- سوث24) 

 
بعد رفض مقترح وكيل الوزارة أحمد ناصر، وبعد استكمال نهب أرض المؤسسة، رفعَ وزيرُ الزراعة والري، عثمان حسن قايد مجلي، مذكرةً إلى وزير الداخلية أحمد الميسري، في شهر يوليو 2017، يطالبه فيها باتخاذ الإجراءات اللازمة  لإيقاف البسط الذي يطال أراض المؤسسة في مديرية خور مكسر بعدن. واعتبرَ "مجلي" - في مذكرته - السكوتَ عن هذه الاعمال إشارةً إلى ضعفاء الأنفس والناهبين بالاستمرار في نهب أراض ومؤسسات وزارة الزراعة والدولة بأكملها.

المؤسسة العامة للخدمات الزراعية بعدن تستنجد: النهبُ يطالُ اليسيرَ المتبقي
  مذكرة وزير الزراعة والري، حسن مجلي, إلى وزير الداخلية أحمد الميسري بتاريخ 8 يولو/تموز2018. (نسخة خاصة- سوث24) 

 
أملُ الانقاذِ 

وفي تصريح خاص لـ "سوث24"، قالَ مديرُ المؤسسة العامة للخدمات الزراعية بعدن، نصر ثابت محمود، إنّ ما تبقى من المؤسسة مساحة بسيطة للغاية لا يوجد فيها إلّا 3 مستودعات ومساحة لا تكاد تكفي لوقوف شاحنة محمّلة بالأسمدة والمعدات فيها، ولكن حتى هذا اليسير المتبقي أصبح مهدداً بسبب "أطماع البعض واعتقادهم أنّ الدولة غير موجودة".

ويأتي هذا النداء العاجل للمؤسسة العامة للخدمات الزراعية في ظلِّ تحركات مستمرة من إدارة عدن الجديدة بقيادة المحافظ أحمد حامد لملس، يكافحَ فيها الأخير أعمال البسط في المدينة، كان آخرها عمليات بسط وردم غير قانوني استهدفت بحر صيرة بمديرية كريتر بعدن، حيث قام لملس بزيارة ميدانية مفاجئة وجّه فيها القوات الأمنية بإزالة كافة الاستحداثات العشوائية، متوعداً المخالفين بالملاحقة القانونية دون استثناء.

الأمل بإنقاذ المؤسسة العامة للخدمات الزراعية هو امتدادٌ لأمل كبير معلّق على المحافظ لملس بإنقاذ عدن بأسرها من أعمال مماثلة طالت ممتلكات خاصة وعامة، ولا تزال تُهدد المدينة ومستقبلها الحضري.

"كل من يحاول البسط على أملاك الدولة في عدن، سيعلّق لأعمدة الإنارة". عبارة مشابهة رددها المحافظ الجديد منذ يومين. فهل، يا ترى، سيطال هذا الوعيد أيضاً مسؤولين ومتنفّذين بارزين في الدولة متورّطين أيضاً بهذه الأعمال؟

- مركز سوث24 للأخبار والدراسات 
- يضمن سوث24 للأشخاص أو الجهات الوارد ذكرها في التقرير حقّ الرد 

عدن نهب أراض الدولة الحكومة اليمنية الفساد جنوب اليمن المزارعون