01-11-2020 at 4 PM Aden Time
سوث24| بدر محمد
شهد حزب المؤتمر الشعبي العام، الحزب الحاكم السابق في اليمن، بنسخته المؤيدة للشرعية، ثلاث منعطفات رئيسية منذ حرب 2015. الأول في مايو 2015 عندما انشق كل من أحمد عبيد بن دغر وسلطان البركاني والشيخ عوض الوزير وآخرين، من قيادة الحزب الذي يتزعمه الرئيس السابق صالح، المتحالف مع جماعة الحوثيين، تزامناً مع إعلان الرياض عن مؤتمر حوار لمكونات الحكومة الشرعية من الأحزاب السياسية اليمنية.
كانت أهمية خطوة "مؤتمر الرياض" السياسية، ستفضي إلى بلورة عملية لتشكيل حكومة يمنية مصغّرة بقيادة رئيس الوزراء السابق بحاح. لذا جاءت أهمية خطوة الانشقاق السياسي في الهرم القيادي لحزب المؤتمر من باب عدم إهدار حصة الحزب من الحكومة لصالح نسخة الرئيس اليمني هادي من المؤتمر وأخذ حصة الحزب بحسب ما نصت عليه المبادرة الخليجية. فـ "القطيعة ليست من الكياسة ولا من السياسة في شيء"، كما ذكر مؤخراً القيادي المؤتمري أحمد عبيد بن دغر.
المنعطف الثاني
تمثّل ذلك في أبريل 2016 بإقالة المهندس خالد بحاح من رئاسة الحكومة وتعيين خلفاً له المؤتمري المنشق بن دغر، بعد أن وصلت الخلافات بين الرئيس هادي ورئيس الحكومة بحاح أعلى مستوى.
أجرى بن دغر بعض التعديلات في حصص الحقائب الحكومية، حيث اتسمت فترة رئاسته للوزراء بالكثير من المماحكات السياسية والحديث عن تضارب صلاحياته مع صلاحيات محافظ العاصمة المؤقتة عدن حينها عبد العزيز المفلحي. في خطاب مسجل للمحافظ المفلحي ألمح فيه لدور بن دغر في تعطيل وعرقلة استقرار الأوضاع في عدن، ووصف بن دغر "بخاطف النور والماء من أفواه المساكين".
اتهم المحافظ المفلحي بن دغر في تعطيل وعرقلة استقرار الأوضاع في عدن. (الصورة: وسائل إعلام حكومية)
من جانب آخر سعى بن دغر إلى اللعب على وتر الصراع المناطقي الجنوبي وإثارته في خطابه السياسي الذي وجهه لمحافظة أبين خلال زيارته لها ومحاولة إعطاءها حُظوة شكلية، في نفس الوقت الذي أخذ فيها من عدن وباقي المحافظات الجنوبية كل عوامل الاستقرار الأمني والخدمي على مستوى توفير الماء والكهرباء والإعاشة والمرتبات، بحسب الساسة الجنوبيين.
"اتسمت فترة رئاسته للوزراء بالكثير من المماحكات السياسية والتحريض على الصراع المناطقي، والصدام مع التحالف العربي، أدته لإقالته"
هذا الأمر دفع القوات الجنوبية والأحزمة الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي وقوات أمن المحافظة، عقب انتفاضة شعبية دعت لإسقاط حكومة بن دغر في يناير 2018، إلى الاستجابة لمطالب المواطنين وحصار الحكومة في مقرها الرسمي بمنطقة المعاشيق.
قبل هذه الأحداث كان بن دغر قد ألمح في تغريدة له على وسائل التواصل الاجتماعي، وجهها للرئيس هادي، عن انهيار العملة وبوادر وجود أزمة اقتصادية، مضيفا: "يجب وضع مصلحة اليمن أولاً وقبل كل شيء آخر"، خصوصا بعدما دخل في اتهامات متبادلة مع الإمارات العربية المتحدة، على خلفية جزيرة سقطرى.
اعتبر مراقبون حديث الرجل إشارة ضمنية إلى تعارض مشروع التحالف العربي مع مصلحة اليمن. الأمر الذي انتهى بقرار للرئيس اليمني هادي أقال فيه بن دغر من رئاسة الحكومة وأحاله للتحقيق. تم تعيين الدكتور معين عبدالملك، خلفاً له. عبد الملك أعد طاقم عمله الوزاري وفق برنامج المحاصصة الحزبية المتوافق عليه وشارك فيها الفصيل المؤتمري المنشق عن الرئيس صالح إلى جانب شخصيات مؤتمرية محسوبة على الرئيس هادي.
المنعطف الثالث
تم الإعلان عن آلية تسريع اتفاق الرياض، أواخر يوليو من العام الجاري، نصّت على تشكيل حكومة جديدة وبرنامج محاصصة سياسية أدخلت ضمنها الانتقالي الجنوبي بحصة جنوبية خالصة فرضت مبدأ المناصفة بين الشمال والجنوب، التي أُقرت، بشكل عام، في مخرجات ما عرف بـ "مؤتمر الحوار الوطني".
"تُنذر تصريحات بن دغر بحلول فصل تعطيلي ومعرقل آخر لتشكيل الحكومة، وبالتالي استمرار الصراع والحرب"
بينما يقف الجميع على مشارف إعلان الحكومة الجديدة، ظهر المستشار الحالي للرئيس اليمني، بن دغر، مرة أخرىـ يسرد فيه وقائع وملابسات المحادثات التشاورية التي سبقت التشكيل الحكومي ويبيّن وجهة نظره ويمرر نصيحة ضمنية أخرى لفصيل مؤتمر القاهرة، لحثهم على المشاركة في الحكومة، "فالقطيعة ليست من الكياسة ولا من السياسة في شيء" حسب قوله.
وعلى الرغم من أنّ رد الأخير بدا هجومياً إلا أنّه يحمل في طياته دلائل الاستجابة والتقاط الدعوة. يخشى مراقبون أن تكون دعوة بن دغر لعبة سياسية تقوم على قاعدة القول الشائع "اتفقنا على ألا نتفق". وهذا قد يُنذر بحلول فصل تعطيلي ومعرقل آخر لتشكيل الحكومة، وبالتالي استمرار الصراع والحرب.
مراحل الإخوان
هذه المنعطفات التي شهدها حزب المؤتمر، تزامنت أيضاً مع ثلاث مراحل سياسية وعسكرية مرت بها جماعة الإخوان المسلمين التي تُسيطر على قرار الحكومة اليمنية، في شمال شرق اليمن.
تزامنت المرحلة الأولى مع بدء تنفيذ اتفاق الرياض حيث انحسرت سيطرة الجماعة والقوات الموالية للحكومة عسكرياً لصالح الحوثيين، في الشمال، كوسيلة، ربما رأتها هذه الأطراف، تُفوّتُ فرصة تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض، الذي يدفع إلى توحيد الجهود باتجاه صنعاء.
الثانية عند إقرار آلية لتسريع الاتفاق والذهاب لتنفيذ الشق السياسي قبل الشق العسكري، ازداد التراجع العسكري للتنظيم والحكومة معاً أكثر لصالح الحوثيين، إلى حد الاقتراب من إسقاط مركز محافظة مأرب، بالتزامن مع تصعيد قواتها المرابطة في مدينة شقرة عسكرياً ضد القوات الجنوبية في منطقة الشيخ سالم، على حدود محافظة أبين.
عزز ذلك الشكوك بأنّ الإخوان المسلمين باتوا أقرب من أي وقت مضى لجماعة الحوثي، المدعومة من إيران، في اليمن. [1]
بينما تمثلّت المرحلة الثالثة في الصيغة التوافقية لتشكيل حكومة المناصفة الجديدة بين الشمال والجنوب، ارتأت الجماعة أنّ من شأن الترويج لبعض الانتصارات العسكرية أمام الحوثيين في بعض المناطق في محافظة الجوف سيُمكنّها من احراز تقدم سياسي على صعيد تشكيل الحكومة الجديدة، وفرض شروطها على أي حكومة مقبلة.
إنّ هذا المعترك السياسي المليء بالأدوار والأقنعة المتداخلة يزيد من حجم التحديات أمام المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يبدو أنّه اكتسب ميزة صبر واسعة، ويجعل تعاطيه السياسي أمام فوضى هذه الأطراف، محل هجوم من هذه الأطراف نفسها، بتهمة التخلّي عن مبادئه الوطنية.
بدر محمد
باحث وزميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، مختص بالشؤون السياسية اليمنية
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات