14-11-2020 at 9 PM Aden Time
سوث24| يعقوب السفياني
"إصلاحية شاملة"، هكذا تصف جماعة الإخوان المسلمين نفسها، وهي أكبر جماعات الإسلام السياسي، تأسست على يد المصري "حسن البنّا" في 1928 ونشطت في مصر قبل أن تتمدد إلى الدول العربية والإسلامية المجاورة، وينتشر أتباع الجماعة اليوم في أكثر من 72 دولة حول العالم، وتدعو إلى "أسلمة" الدولة والنظام السياسي والحكومة، وإصلاح المجتمعات من منظور إسلامي عقائدي.
لعقود، كانت الجماعة عنواناً للمعارضة السياسية في البلدان العربية، ونتيجة لنشاطاتها في استهداف أنظمة الحكم والحكومات العربية القائمة، صُنف الإخوان كجماعة إرهابية في العديد من الدول العربية مثل مصر والسعودية والإمارات والأردن والبحرين وفلسطين وسوريا، وفي العديد من دول العالم مثل روسيا وكازاخستان، وتلوح بوادر تصنيفات أخرى للإخوان كحركة إرهابية في الكثير من الدول الأوروبية.
برزت الجماعة بعد أحداث 2011، أو ما عُرف بـ "ثورات الربيع العربي"، التي نادت بإسقاط الأنظمة الحاكمة في العديد من البلدان العربية مثل تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا، ووقف الإخوان المسلمون وراء هذه الثورات التي تسببت بإدخال المنطقة بدوامة لا تنتهي من الصراعات والحروب وخلّفت عشرات الآلاف من القتلى وملايين من المشردين واللاجئين.
مصر.. "لا" كبيرة!
في 3 من يوليو/تموز 2013، أعلن الجيش المصري بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي عزل الرئيس محمد مرسي، وهو الرئيس الذي أتت به ثورة الربيع في مصر بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، وأحد كبار قادة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، واعتقل الأمن المصري الآلاف من قيادة التنظيم فيما يشبه "التصفية" في أرجاء البلاد، لتصنّف الدولة المصرية الإخوان بعدها كحركة إرهابية "شديدة الخطورة"، تبعتها السعودية والإمارات في هذه الخطوة فوراً.
"برزت الجماعة بعد أحداث 2011، أو ما عُرف بـ "ثورات الربيع العربي"، التي نادت بإسقاط الأنظمة الحاكمة"
لم يدم شهل عسل الإخوان المسلمين في بلدان الربيع العربي كثيراً، فسرعان ما تهاوت حكومات الإخوان التي أفرزتها هذه الثورات، من مصر ومروراً بليبيا وتونس حتى اليمن. وفشلت هذه الثورات لتتحول إلى حروب أهلية دامية دمّرت البلدان التي قامت فيها تماماً في سوريا وليبيا واليمن. وفي السودان اُعتبر عزل واسقاط نظام "حسن البشير" بمثابة إعلان لنهاية حقبة من حكم الإخوان للسودان استمرت لعقود.
شكّلت ثورات الربيع العربي وما تلاها من حروب وثورات مضادة مرحلة فاصلة من تاريخ الإخوان المسلمين، سقطت فيه الجماعة بسرعة صعودها المؤقت، وانتهت عقود من التصنيف والعداء الخجول لها في البلاد العربية، لتبدأ معه مرحلة من الحرب المباشرة ضد الجماعة وأجنداتها الدينية والسياسية، وهو ما حصرها في دولة قطر الخليجية، "العش" الصغير للإخوان، وتركيا التي يحكمها حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان، وهو الحزب الذي يدعم الإخوان المسلمين في البلاد العربية ويوظّف الجماعة لأهدافه الاستعمارية والتوسعية في العمق العربي.
السعودية.. ضربة موجعة
بدأ نشاط الإخوان المسلمين في السعودية بشكلٍ واضح في فترة حكم الملك فيصل بن عبد العزيز ملك السعودية بين (1964- 1975)، وهي الفترة التي شهدت توتراً سياسيا كبيراً بين السعودية ومصر جمال عبد الناصر. ورغم أنّ الدستور السعودي يحظر بشكل تام وجود منظمات مجتمع مدني أو أحزاب سياسية، انتشر الإخوان المسلمون في السعودية أيديولوجياً وفكرياً، وسيطر الإخوان السعوديون على المناحي التعليمية في الجامعات والمدارس، ومنابر المساجد وكثير من وسائل الإعلام، ووصلوا إلى بعض مفاصل السياسة.
بدأ توترُ العلاقات بين الإخوان والدولة السعودية في فترة مبكّرة من حرب الخليج الثانية بسبب موقف الجماعة المتوافق مع أغلب مواقف الجماعات الإسلامية في السعودية والبلاد العربية المتحفظة على مشاركة قوات غير مسلمة في حرب العراق (الموقف نفسه الذي أسقطت السعودية بسببه جنسيتها عن زعيم القاعدة- لاحقاً- أسامة بن لادن).
إجمالاً، ظل الموقف السعودي من الإخوان متأرجحاً بين التوجّس والعداء الخجول بشكل متشابه مع مواقف كثير من الدول العربية الأخرى التي كانت الجماعة تمارس فيها دوراً سياسياً يوميا، حتى انطلقت ثورات الربيع العربي، وهي التي شكلَت التغيّر الجذري في المواقف العربية تجاه الإخوان، وعلى رأسها الموقف السعودي، وصُنفت الجماعة (إرهابية) في المملكة عام 2014 في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتعزز الموقف المعادي بالتزامن مع وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى كرسي المُلك في يناير/كانون الثاني 2015، وتعيينه لابنه الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد بالإضافة لمهامه كوزير للدفاع في العام 2017.
"بدأ نشاط الجماعة في السعودية في فترة الملك فيصل، وأٌعلنت الحرب ضدها في فترة الملك سلمان"
عملت سياسة الملك سلمان والتي يعتبرها البعض امتداداً لسياسة الأمير القوي محمد بن سلمان على تفكيك وضرب شبكات الإخوان المسلمين في السعودية، واعتقال رموز وعلماء الجماعة مثل سلمان العودة وعوض القرني سابقاً، وأزاح بن سلمان غشاوة رؤية الإخوان للمجتمعات عبر انهاء عقود من التطرف الحكومي والاجتماعي ضد المرأة وتمكينها من سوق العمل وقيادة السيارة، وإنشاء هيئة الترفيه التي تبنّت فعاليات فنية ومسرحية لأول مرة في تاريخ السعودية.
وفي 10 من الشهر الجاري، أصدرت هيئة كبار العلماء السعودية- السلطة الدينية العليا في المملكة- بياناً أعلنت فيه أنّ جماعة الإخوان المسلمين جماعة "إرهابية لا تُمثّل الإسلام" وإنما جماعة "تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي الإسلام، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب"، وهو البيان الذي اُعتبر فاتحة لحرب واسعة ضد الإخوان المسلمين والإسلام السياسي تبدأ من السعودية ذات الثقل الديني الكبير والتي تحتضن أقدس مقدسات المسلمين، وهو ما أكدّه تصريح لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي قال بعد يوم واحد من بيان الهيئة:" نرفض أي محاولة للربط بين الإسلام والإرهاب".
وبعد يومين فقط من بيان هيئة كبار العلماء، استهدف هجوم مسلّح مقبرة لغير المسلمين في جدة بالسعودية بحضور عدد من القناصل الأجانب، تسبب بإصابة احد موظفي القنصلية اليونانية ورجل أمن سعودي. تبنى الهجوم بعدها بيوم واحد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
وأعلن عبر وكالة "أعماق" التابعة له أنّ الهجوم بدرجة أساسية كان يستّهدف القنصل الفرنسي، وتزامن هجوم مقبرة جدة مع حادثة لإطلاق النار على السفارة السعودية في لاهاي بهولندا.
من جهتها ردت جماعة الإخوان المسلمين ببيانٍ نفت فيه "الاتهامات التي وجهتها لها هيئة كبار العلماء" مضيفة أنّ "الجماعة بعيدة تماماً عن العنف والإرهاب، وكانت دوماً ضحية لعنف وإرهاب النظم الديكتاتورية".
وشهدت مساجد السعودية يوم أمس الجمعة خطبة موحدّة، حذرت من جماعة الإخوان المسلمين عموماً، وهاجمت بعضها، بصورة خاصة، فرع الجماعة في اليمن، حزب التجمع اليمني للإصلاح.
وصول بايدن
دعمت إدارة الرئيس الأمريكي من أصل أفريقي، باراك أوباما، ثورات الربيع العربي بشكلٍ علني، وأعلنت عن موقفها المؤيد لـ "التغيير" الذي تبنته هذه الثورات. وكشفت مراسلاتٌ مُسربة لوزيرة الخارجية الأمريكية بعهد أوباما، هيلاري كلينتون، عن حجم التعاون والتمويل والتخطيط الأمريكي لهذه الثورات في مصر واليمن وليبيا، وربما السعودية والخليج في مرحلةٍ ما. ويأتي الكشف عن هذه الايميلات بالتزامن مع فضائح لإدارة الديمقراطيين بقيادة أوباما أثارها خلفه الجمهوري دونالد ترامب، الذي وصف أوباما بـ "مُحب الإسلام الراديكالي"، وتحدّث عن إهداره لمليارات الدولارات الأمريكية دعماً لجماعات الإسلام السياسي والتنظيمات الجهادية المنبثقة عن الإسلام السياسي.
"الإخوان دعوا بايدن لمراجعة سياسات دعم ومساندة الديكتاتوريات"
وصل دونالد ترامب للبيت الأبيض بعد 8 أعوام من الحكم الديمقراطي الذي ساعد بدعمه للإسلام السياسي "المُدجّن" على زعزعة الاستقرار في الوطن العربي عبر إسقاط أنظمة حكمت لعقود، وأتاحت المجال للفوضى الخلاقة وبؤر لا متناهية من العنف والاحتراب والاقتتال، قبل أن تعمل إدارة رجل الأعمال "الابتزازي" كما يصفه البعض على إحداث نوع من التوازن عبر إضعاف الدور الأمريكي بالشرق الأوسط، ومنح حرية هامشية للحلفاء التقليدين في الخليج العربي. ذلك ساعد على تحجيم قوة الإخوان وحصار معقلهم، دولة قطر، وتشريع القوانين التي تجرّم الانتماء إليهم.
سارعت جماعة الإخوان المسلمين، عبر وكالة الأناضول التركية، لمباركة الرئيس الديمقراطي المنتخب، جو بايدن. وقال بيان نشرته الجماعة في هذه المناسبة أنّ "الأوان قد آن لمراجعة سياسات دعم ومساندة الدكتاتوريات، وما ترتكبه الأنظمة المستبدة حول العالم من جرائم وانتهاكات في حق الشعوب".
ذات صلة: تحليل|| بين أوباما وبايدن.. هل تحوّل الربيع العربي إلى كابوس لداعميه؟
حرب عالمية
انتشر الإخوان في صفوف الجاليات الإسلامية في دول أوروبا عبر الاستراتيجية التقليدية للجماعة، منابر المساجد والجمعيات الخيرية. وساعد مناخ الحرية الذي توفره دول أوروبا على تكوين مجتمعات الإخوان المنفصلة في هذه الدول، والتي تدعم - نتيجة للتطابق الفكري والعقائدي - التنظيمات الجهادية في البلاد العربية وتزوّدها بالمتطوعين الشباب، وساهمت بطريقة أو بأخرى في استفحال موجات العنف الإسلامي ضد أنظمة وحكومات أوروبا، وهو ما أطلق صافرات الإنذار المتأخرة في أوساط هذه الأنظمة التي اتجهت إلى الحظر والاعتقالات والمداهمات الوقائية للمساجد وأماكن الخطب والتجمعات الدينية الإسلامية.
تحمل فرنسا لواء الحرب العالمية ضد الإرهاب في الآونة الأخيرة بعد عمليات قطع للرؤوس وطعن في مدن فرنسية تزامنت مع غضب إسلامي واسع للرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد، والتي تنشرها مجلة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة، خصوصاً مع تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتعهداته بحماية من يقومون بهذه الإساءات، قبل أن يظهر ماكرون من على شاشة الجزيرة القطرية مخاطبا العالم الإسلامي أنّ بلاده لا توجد لديها مشكلة مع الإسلام الذي هو دين الملايين من الفرنسيين، بل مع من يمارس التطرف باسم الإسلام ويهدد قيم وأمن الجمهورية الفرنسية والعالم.
داهمت السلطات النمساوية مواقع عدة في 4 قطاعات متفرقة من البلاد، مستهدفة عناصر تنتمي للإخوان المسلمين. (وكالات)
ولم يكن هجوم نيس الإرهابي الذي قُتل فيه ثلاثة فرنسيين في 29 أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري، هو الوحيد، فقد أفشلت الأجهزة الأمنية الفرنسية عمليات مماثلة أخرى لأناس، قالت أنهم، كانوا يحملون أسلحة بيضاء في شوارع عدة، أعقبها بأربعة أيام فقط هجوم إرهابي دامي هزّ مملكة النمسا، نفذه شاب عشريني مسلم من أصل ألباني، وتبنا الهجوم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
"طالت حملات التحقيق والاعتقالات للسلطات الأوروبية منظمات وجمعيات تدعم جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس"
شنّت السلطات النمساوية بعيد الهجوم بساعات مداهمات واسعة لشققٍ ومنازل بالعاصمة النمساوية فيينا واعتقلت 15 شخصاً، وفي 9 من الشهر الجاري، داهمت السلطات النمساوية مواقع عدة في 4 قطاعات متفرقة من البلاد، مستهدفة منتمين للإخوان المسلمين وحركة حماس الفلسطينية، وقبضت على 30 شخصاً.
وعلى الرغم من محاولة الجماعة نفي التهم الموجهة لها، تلوح في الأفق ما تُشبه حرباً عالمية ضد الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي.
فمن باريس إلى الرياض، التي لا تزال تحتض رموز لجماعة الإخوان اليمنية، اتفق الجميع، كما يبدو، على حلّ ومطاردة الجماعة ومنتسبيها، في الوقت الذي يقاتل فيه الإخوان في ليبيا وجنوب اليمن لإنقاذ حكوماتهم التي أفرزها ربيعهم العربي.
ويُعزى هذا العداء المتواصل للإخوان المسلمين إلى توجّس السعودية ومصر من عودة شبح الإخوان وتهديدات الجماعة، مع وصول الديمقراطي جو بايدن إلى أعلى هرم السلطة الأمريكية.
يعقوب السفياني
محرر وصحفي بمرز سوث24 للأخبار والدراسات
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات