13-07-2021 at 4 PM Aden Time
سوث24| حضرموت
أضحى وادي حضرموت شرق جنوب اليمن ملاذاً آمناً لعصابات الجريمة المنظمة، بالرغم من أنَّ هذه المنطقة التي لم تطلها الحرب يُفترض أن تكون أكثر هدوءً وأمانًا، إلا أنّ الوادي طوال السنوات الماضية أصبح ساحة مفتوحة للاغتيالات، التي قُيّدت معظمها ضد مجهولين.
ويساعد وادي حضرموت ذو المساحة الجغرافية الواسعة والوديان المتفرعة على فرار مرتكبي جرائم الاغتيال من العدالة، ويخضع الوادي لحكومة الرئيس هادي المقيم في الرياض، وهي آخر المناطق التي تحكم الحكومة اليمنية قبضتها عليه في الجنوب، إلى جانب أجزاء من محافظة شبوة، عبر وكيلها حزب الإصلاح.
ويتخذ وزير الداخلية اليمني الموالي للإصلاح، إبراهيم حيدان، من مدينة سيئون مركز الوادي وعاصمته، مقرًا له في الوقت الحالي، دون أن يضع معالجات حقيقية وملموسة، لتحسين منظومة الأمن في الوادي، على الرغم من لقاءات عقدها لهذ الصدد.
"متلازمة الإصلاح"
لطالما تنافس الإصلاح والمؤتمر - أكبر حزبين في شمال اليمن - على "وادي حضرموت" لتقوية نفوذهما وشعبيتهما في "الجنوب" طوال 31 سنة. وبعد اهتزاز شعبية الأخير بتحالفه مع الحوثيين مع اندلاع الحرب، وجد الإصلاح الساحة فارغة له في "الجنوب" ككل، ووادي حضرموت على وجه الخصوص.
من منطلق خبرة "الإصلاح" في التوغل تنظيميًا وحزبيًا في وادي حضرموت منذ سنوات، أصبح من الصعب استئصال "متلازمة الإصلاح"، لكنه ليس من المستحيل أن يتم مجاراته والتنافس معه إذا ما وجد كيان جنوبي يحمل قضية "استعادة دولة الجنوب" ويحمل هم مصالح المواطنين المحليين، وهو ما يسعى له "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يسعى لتقويض دور الإصلاح بعد أن لاقى الاعتراف الدولي في "اتفاق الرياض" وأصبح المُمثل الأقوى والأكثر موثوقية بالنسبة للجنوبيين.
بالعودة للوراء نجد أنَّ الإصلاح على ما يبدو قد تنبأ منذ سنوات بأهمية وادي حضرموت الاستراتيجية، من عدّة نواحي، ولعل ذلك ما دفعه لترشيح فيصل بن شملان، الذي ينحدر من "السويري" بمدينة تريم، لانتخابات الرئاسة اليمنية عام 2006، كمرشح لأحزاب اللقاء المشترك.
استطاع حزب الإصلاح أن يحظى بثقة الأهالي في الوادي، وقد اتضحت دوافعه لاحقًا، فعلي محسن الأحمر الموالي للإصلاح استطاع أن يصل لمنصب نائب الرئيس لهادي في 3 أبريل 2016، بعد إزاحة نائب الرئيس السابق خالد بحاح الذي تعود أصوله إلى الديس الشرقية بمحافظة حضرموت.
وقبل حصوله على منصب نائب الرئيس بـ"41 يومًا"، عُيِّنَ علي محسن نائبًا للقائد الأعلى للقوات المسلحة، الأمر الذي ساعده في إحكام قبضته لحماية شركاته النفطية وحقول النفط في حضرموت من خلال مسلحيه في المنطقة العسكرية الأولى التي تدين بالولاء له، وفقًا لعسكريين.
بالنسبة للإصلاح هذه الامتيازات الذي يحظى بها "علي محسن" تُحقّق غايتهم الاستراتيجية ليس فقط من خلال تأمين السيطرة على حقول النفط فحسب؛ بل أيضًا تمنحهم التحكم في مطار سيئون، الذي لم يتأثر عمله بتداعيات الحرب، ويُمثل هذا المنفذ نافذتهم للعالم، أولاً من خلال تمكينهم من تهريب قياداتهم في حالة حدوث أية مخاطر ليست في تقديرهم، وثانيًا من خلال امتلاك حصيلة معلومات استخباراتية عن الوافدين والمغادرين.
من ناحية أخرى يشكل وادي حضرموت ورقة ضغط للسعودية كونه يشترك معها حدوديًا، وبه يتواجد منفذ الوديعة الذي يعد المنفذ البري الوحيد مع السعودية الذي ما زال يعمل منذ بدء الحرب عام 2015، هذا ما يساعد الحكومة اليمنية الموالية للإصلاح للحصول على دعم مالي وعسكري بحجة "مكافحة الإرهاب"، في ظل تواجد عناصر القاعدة في جزيرة العرب، التي تنشط فيه وتعتبره مسرحًا لتنفيذ عملياتها.
ورقة الضغط هذه يبدو أنّ المجلس الانتقالي الجنوبي جادٌ في قلب الموازين لصالحه في وادي حضرموت ضد الإصلاح من خلالها، ولعلَّ ذلك هو ما لمّح له الممثل الخاص لرئيس المجلس الانتقالي للشؤون الخارجية عمرو البيض، حين أشار منذ أيام إلى أنّ "استقرار الجنوب خطوة مفصلية لاستقرار المنطقة"، وهو ما يؤكّد "الاهتمام الدولي بالجنوب" حدَّ وصفه، بعد الدعوات المتتالية التي صدرت من السفارات الأمريكية والفرنسية والبريطانية للعودة لاتفاق الرياض.
وبحسب مراقبين مهما كانت السياسة السعودية داعمه للشرعية اليوم، إلا أنَّها في النهاية ستبحث عن حليف قادر على تأمين حدودها معه، وهو ما يسعى الانتقالي للنجاح فيه. فالسعودية كانت قد تكبدت خسائرًا بشرية ومالية طيلة السنوات الماضية في "مكافحة الإرهاب" في وادي حضرموت.
القائد العسكري السعودي في التحالف العربي بندر العتيبي، كان قد لقي مصرعه جراء انفجار عبوة ناسفة في مديرية شبام بوادي حضرموت في سبتمبر 2019، أثناء عملية شنتها قوات التحالف ضد مواقع لتنظيم القاعدة في "وادي بن علي"، وقد حققت العملية تقدمًا بعد مواجهات محدودة مع القاعدة، الأمر الذي كشف أنّ السعودية تقاتل عناصر تنظيم القاعدة في المنطقة على الرغم من تواجد قوات المنطقة العسكرية الأولى الموالية للإصلاح.[1]
إلا أنَّ الاتهامات دائمًا تطول الحزب اليمني بتواطئه مع تنظيم القاعدة الذي يتخذ من وادي حضرموت معقلاً لإدارة "عملياته الإرهابية"، خاصة بعد أن كشف محافظ حضرموت البحسني عن تحقيقات "الخلية الإرهابية التي تستهدف أمن مدن ساحل حضرموت" التي تم ضبطها في سبتمبر 2019، والتي وثّقت بالأدلة أنَّ "مسلّم" نجل القيادي في حزب الإصلاح وعضو مجلس الشورى اليمني صلاح باتيس، يقود "هذه الخلية الإرهابية"، الأمر الذي سرعان ما دفع مصادر مقربة من أسرته إلى الاعتراف أنَّ "مسلّم ذهب من عند أسرته بإرادته ليلتحق بتنظيم القاعدة"، وفي نفس الوقت كان "خالد باتيس" شقيق القيادي في الإصلاح صلاح باتيس هو الآخر قيادي في تنظيم القاعدة، قبل أن يلقى مصرعه بغارة جوية لمقاتلة أمريكية بدون طيار في بلدة حبان بشبوة في يونيو 2016.[2]
وبخصوص الاغتيالات التي تطال العسكريين والمدنيين في الوادي على حدٍ سواء، يقول الشيخ القبلي، أنور خالد النهدي لـ"سوث24": "بالإضافة للانفلات الأمني، هناك تهّور وبلطجة من بعض الشباب، لا يعفيهم من المسئولية بسبب قلة التعليم، والجهل، والنعرة القبلية"، في إشارة للثارات بين قبائل الوادي، والتي وجدت البيئة خصبة ومشجعة لتصفية الخلافات فيما بينها في ظل غياب الدولة.
مواجهة
يبدو أنَّ سيطرة الإصلاح على وادي حضرموت، تثير حفيظة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسعى إلى "تحرير" المحافظات الجنوبية، وإحلال النخبة الحضرمية في الوادي" بدلاً عن القوات الشمالية التابعة للمنطقة العسكرية الأولى والموالية لعلي محسن والإصلاح، وفقًا لتصريحات قيادته، غير أنه يفضل حاليًا عدم الاحتكاك المباشر مع حزب الإصلاح، الأمر الذي دعاه إلى مواجهة الإصلاح من خلال إنشاء هيئة تنفيذية مساعدة للمجلس الانتقالي في الوادي.
لعلَّ ذلك ما دفع المجلس الانتقالي لحشد أنصاره للتظاهر في ذكرى "يوم الأرض الجنوبي" الأسبوع الماضي في مدينة سيئون، دون المكلا على غرار فعاليته المليونية في يوليو العام الماضي التي أقامها في مدينة المكلا للمطالبة "بالإدارة الذاتية للمحافظات الجنوبية". وبالرغم من وعود اللجنة الأمنية بالوادي بحماية المتظاهرين، إلا أنَّه تم احتجاز مواكب مديريات ساحل حضرموت ومديريتي دوعن والضليعة أثناء طريقهم إلى سيئون من قبل النقاط العسكرية المنتشرة على طول الطريق، والتابعة للمنطقة العسكرية الأولى الموالية لعلي محسن، قبل أن تنجح المساعي في السماح لهم بالدخول إلى مدينة سيئون، وهو ما يدل على وجود احتقان بين المتظاهرين السلميين والقوات الشمالية قد ينفجر يومًا ما، حيث قام جنود القوات الشمالية بتمزيق "أعلام دولة الجنوب"، وفقًا لمصادر ميدانية.
وقال رئيس الهيئة التنفيذية المساعدة للمجلس الانتقالي الجنوبي لشؤون مديريات وادي وصحراء حضرموت الشيخ صالح العمودي لـ"سوث24" أنَّ "الهيئة المساعدة بالوادي مهمتها مثل مهمة المحافظة بحضرموت غير أنه يُطلق عليها هيئة مساعدة، وهي تقوم بعملها كهيئة مستقلة من ناحية مالية، أما عملها فهي إشرافية في ظل اتفاق الرياض".
وبخصوص عمليات الاغتيال في الوادي، أضاف العمودي أنّ "انعدام الأمن في وادي حضرموت، سببه انعدام السلطة المخلصة الآمنة على نفسها، حيث أنَّه لا توجد سلطة متكاملة بل توجد عصابات همها الكسب ولا يهمها حماية المواطن، لذلك من يريد شيء يفعله لعدم وجود رادع".
وقد رفض مسؤلون في حزب الإصلاح بوادي حضرموت، التعليق لـ سوث24 حول الوضع الأمني والسياسي في الوادي.
وبالإشارة للهيئة التنفيذية المساعدة التي صدر قرار إنشائها في 28 أبريل الماضي من قبل رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، يتضح جليًا احتدام الصراع بين طرفي اتفاق الرياض، واستمرارًا لحالة الحرب الباردة غير المعلنة بين الانتقالي وحزب الاصلاح، وانتزاع ثقة المجلس الانتقالي بالسلطات في الوادي، لذلك بات الانتقالي يبحث عن أداة جديدة تمكّنه من المناورة من خلال "الهيئة المساعدة"، التي تراقب أداء سلطات الوادي، وتشرف على تنفيذ اتفاق الرياض.
من جهة أخرى أراد المجلس الانتقالي أيضًا أن يضمن وصول صوت أنصاره للتأثير في أية قرارات لها علاقة "بمصير حضرموت"، مما دعاه لإشهار "كتلة حلف وجامع حضرموت" يوم السبت الماضي، برئاسة مستشار محافظ حضرموت لشؤون القبائل سالم بن سميدع، وذلك "لمنع الاستفراد بالقرار من قبل القائمين على حلف حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع".
بالمقابل ندَّد "مؤتمر حضرموت الجامع" بهذه الخطوة، وأكَّد أنَّه "سيتخذ الإجراءات والمواقف المناسبة" تجاه من اتهمهم "بتدمير حضرموت"، في حين كانت "كتلة حلف وجامع حضرموت" قد أوضحت في بيان لها أنَّها "لا تعد انشقاقاً عن الحلف والجامع، وإنما هي تنظيم يعمل داخل هيئاتهما، للقيام بالواجب حتى تنال حضرموت كل مصالحها"، وأكَّدت الكتلة حرصها على "تعزيز حلف ومؤتمر حضرموت الجامع من الذين اختطفوهما وحولوهما إلى أداة لتحقيق مصالح خاصة، بعيدًا عن مصالح حضرموت، وواجب الدفاع عن حياة وحقوق أبنائها".
ديموغرافية
من جانب آخر يعمل حزب الإصلاح، ذراع الإخوان المسلمين في اليمن، طيلة السنوات الماضية على استقطاب أهالي الوادي لتكوين حاضنة شعبية له، ولتنظيمه العابر للحدود، من خلال نشاطه المؤطر عبر جمعياته الدينية ومؤسساته التنموية والإغاثية.
ويساعد البناء الفكري على غرس بذور الولاء في أبناء الوادي، ابتداءً من "حلقات التحفيظ المنتشرة في المساجد"، وصولاً إلى تأهيل المنتمين لهم للوصول إلى مواقع ومناصب قيادية في مفاصل السلطة تحقق أجندات التنظيم، وتضمن تنفيذ سياسته المتفقة مع حلفائه في الخارج.
لكن السنوات الأخيرة شهدت تحولاً خطيراً في تركيبة السكان، فحقيقة "التغيير الديموغرافي" في وادي حضرموت لا يبدو أنَّه نتيجة حالة طبيعية من النزوح الإنساني لمواطنين شماليين يبحثون عن الأمان، بل هناك اعتبارات سياسية مُمنهجة، لهذا النزوح المثير للانتباه، والذي يصفه البعض "بالنزوح السياسي".
وبالنظر لمدن الوادي الرئيسية سيئون، وتريم، والقطن، وشبام، ظهرت في السنوات الأخيرة أزمة سكن نتيجة ارتفاع إيجار البيوت بسبب مقدرة الكثير من النازحين على دفع الأموال، دون الذهاب للمخيمات الخاصة باستقبالهم في الوديعة، والعبر، ومريمة، ومدودة، والسوم.
وتشير مصادر أنَّ معظم النازحين "مقتدرون ماليًا"، ويستطيعون تكوين جيش متكامل القوى، خاصة أنّ لديهم أسلحة وأرقام عسكرية"، هذا ما يثير استغراب السكان، إذ كيف لجنود أن ينزحوا من أرضهم التي يُفترض أنْ يقاتلوا ويدافعوا عنها.[3]
في هذا السياق يقول رئيس الهيئة التنفيذية المساعدة للانتقالي في الوادي الشيخ صالح العمودي لـ"سوث24": إنّ "الذين يدَّعون أنهم نازحون، هم في الحقيقة يملكون أكثر من أهل الأرض، وأصبحوا عبئًا ثقيلاً على المواطن المسكين، فلهم المساعدات، ولهم التوظيف، ولهم الكلمة العليا".
فتزايد أعداد النازحين من شمال اليمن يجعل من حضرموت "نقطة في بحر استيطان"، وهو ما قد يتسبب في دمج ثقافات، وهويات، وألوان جديدة مع ثقافة المواطنين الأصليين لوادي حضرموت، مما يؤدي بعد سنوات إلى اعتبار المواطنين في سيئون والمدن المجاورة أقليّة مقابل آلاف الوافدين من الشمال.
صحفي ومحرر بمركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: جنود من المنطقة العسكرية الأولى بجانب قصر السلطان الكثيري بمدينة سيئون بوادي حضرموت بعد اشتباكات مع القوات الأمنية مطلع أبريل الماضي (نشطاء)
Previous article
12 Days ago