التحليلات

مشاكل المجلس الرئاسي المستعصية تفرض استقلال جنوب اليمن

عيدروس الزبيدي (يسار) ورشاد العليمي (يمين) في نيويورك. (رسمي)

17-12-2024 at 9 PM Aden Time

language-symbol

"من الواضح أن الحوثيين في شمال اليمن والجنوبيين لن يتصالحوا أبدًا ولن يحكموا سويًا دولة موحدة.."

سوث24 | كارين دابروفسكي 


لقد أدت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر إلى تجميد جهود الوصول إلى اتفاق سلام في اليمن حيث تتضاءل آفاق استئناف المحادثات في هذا الشأن. يبدو مجلس القيادة الرئاسي متشرذمًا لا حيلة له، ولا يستطيع إحكام سيطرته على المناطق البعيدة عن قبضة الحوثيين. ولذلك، ربما يكون استقلال جنوب اليمن الحل الوحيد لمشاكل البلد المستعصية.


انخفض التوتر في اليمن في أعقاب وقف إطلاق النار في الأول من أبريل 2022 بوساطة من الأمم المتحدة. واستفاد اليمنيون من الرحلات التجارية حيث كانت السفن المحملة بالوقود تمر عبر ميناء الحديدة. 


ففي 7 أبريل 2022، أعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي نقل سلطاته إلى مجلس القيادة الرئاسي الذي يتألف من 8 أعضاء قاموا بحلف اليمين في 17 أبريل في عدن. وتتباين جذور أعضاء المجلس بين شمال وجنوب اليمن على نحو كان يستهدف خلق جبهة موحدة للقوى اليمنية المناهضة للحوثيين. بيد أن الحوثيين تجاهلوا مجلس القيادة الرئاسي ودخلوا في مفاوضات مع المملكة السعودية عندما سعت الرياض إلى الخروج من مأزق الحرب. وأعلن الطرفان تحقيق نتائج إيجابية لإحياء اتفاق وقف إطلاق النار الذي انقضت صلاحيته رسميا. كانت المحادثات السعودية الحوثية بمثابة جزء من جهود أكبر تصبو إلى إيجاد تسوية سياسية للصراع. 


تواجه جهود السلام العديد من العراقيل منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في أكتوبر 2023 وشروع الحوثيين في مهاجمة السفن في البحر الأحمر والعواقب المدمرة الناجمة عن ذلك. وقال تقرير نشرته "وكالة استخبارات الدفاع" الأمريكية إن حملة الحوثيين أدت إلى تراجع أنشطة الشحن في البحر الأحمر بنسبة 90%. يأتي ذلك في ظل غياب مؤشرات قوية حول خفض التصعيد الحوثي بالرغم من تمركز حاملتي طائرات أمريكية حاليا في المنطقة. 


من جانبها، أفادت منصة "بورت ووتش" التابعة لصندوق النقد الدولي إن حجم التجارة اليومية العابرة لقناة السويس شهد تراجعًا من متوسط ٤.٨ مليون طن متري في نهاية سبتمبر 2023 إلى 1.3 مليون في نهاية سبتمبر 2024. وعلاوة على ذلك، تسبب الحصار الذي يفرضه الحوثيون في تقليص حركة المرور بالبحر الأحمر بنسبة 75% وإفلاس ميناء إيلات الإسرائيلي. 


وبالرغم من مرور عامين على تأسيسه، ما يزال مجلس القيادة الرئاسي عاجزا عن التعامل بشكل فعال مع المشكلات الحرجة التي تواجه البلاد بما في ذلك الوضع الاقتصادي المزري، والتهديد المستمر من الحوثيين، والتوترات العسكرية المتصاعدة في البحر الأحمر. إن الإخفاق الواضح لمجلس القيادة الرئاسي في منع الحوثيين من مهاجمة حركة الملاحة في البحر الأحمر يدل بشكل خاص على افتقاد القدرة على التأثير بشكل عميق ويثير بواعث القلق بشأن قدرته على الوفاء بالتفويض الممنوح له بإدارة المشهد السياسي اليمني. أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا الخلل الذي يضرب أوصال مجلس القيادة الرئاسي يتمثل في المقاربات المتباينة وغياب الانسجام بين داعميه الأساسيين، المملكة السعودية والإمارات. تدعم الرياض مجلس القيادة الرئاسي بينما تدعم أبوظبي المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسعى إلى إعادة إنشاء دولة جنوب اليمن المستقلة والتي كانت قائمة منذ عام 1967 حتى 1990 عندما اتحد الشمال والجنوب. يؤدي هذا إلى عرقلة القيادة الموحدة وصناعة القرار داخل المجلس بالإضافة إلى استمرار حالة الجمود داخل أركانه.


ونظرًا للخلافات والتوترات بين المجلس الانتقالي وبقية فصائل مجلس القيادة الرئاسي، يمكث أعضاء الأخير فترات طويلة في المملكة السعودية. لقد وصلت الخلافات بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي إلى درجة مريرة جدا جعلته عاجزًا [في بعض الأوقات] عن عقد اجتماعات منتظمة. الأدهى من ذلك هو أن المجلس الرئاسي أخفق حتى في الإيهام بوجود تنسيق يتعلق بالمعسكر المناهض للحوثيين. لقد أصبحت الانقسامات داخل هذا المعسكر عميقة في وقت تخوض فيه السعودية مفاوضات منفصلة ومباشرة مع الحوثيين ضاربة عرض الحائط بمجلس القيادة الرئاسي الذي فشل أيضا في تحسين مستويات المعيشة أو إصلاح مؤسسات الدولة، حيث ما يزال الفساد مستشريًا كما تعتمد التعيينات على المحسوبية والانتماءات الجهوية.


كما إنّ انضمام عضوين بمجلس القيادة الرئاسي إلى الانتقالي الجنوبي في مايو 2023 كان بمثابة المسمار الأخير في نعش مجلس القيادة الرئاسي. لقد انحدرت العلاقة بين المجلسين لتتحول إلى خصومة لا يمكن كبح جماحها. يطالب المجلس الانتقالي بدولة جنوبية مستقلة في تحد مباشر لمجلس القيادة الرئاسي، أكبر سلطة سياسية تنفيذية في اليمن، والذي بات مهددًا بالتفكك بعد الانقسامات الشديدة التي شلت أركانه.


بالرغم من أن دعم الغرب المستمر لدولة يمنية موحدة، لكن خيبة أمله تجاه مجلس القيادة الرئاسي تتزايد. وقالت النسخة الإنجليزية من "الميادين" في 18 سبتمبر إن "الحوثيين رفضوا عرضًا من الولايات المتحدة بالاعتراف بسلطة شرعية لهم على كافة اليمن إذا أوقفوا هجماتهم الداعمة للفلسطينيين في غزة". ويكشف هذا أن الولايات المتحدة بشكل خاص والغرب بوجه عام يمكنهم التخلي بسهولة عن سكان جنوب اليمن من أجل تأمين مصالحهم الاقتصادية المتصورة.


لقد تحولت اليمن حاليًا إلى مجموعة متباينة من الدول الصغيرة تحكم كل منها أجزاء من اليمن. في الجنوب، وتحديدا في عدن وأبين والضالع ولحج، يعتبر المجلس الانتقالي الجنوبي قوة سياسية صلبة المراس. لكن الوضع يختلف في حضرموت- التي لديها مجلسها الخاص بها- والمهرة في وجود قيادات محلية.. ولا يمكن يمكن وصف قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي بالمتماسكة هناك.


وفي 26 سبتمبر الماضي، شارك رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي في فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة وأجرى محادثات مع الولايات المتحدة وبريطانيا. بيد أن المجلس الجنوبي يفتقد حتى الآن لتأييد أي من الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن. من المهم بمكان أن يحظى المجلس باعتراف دولي أوسع نطاقًا تجاه سعيه لتحقيق استقلال جنوب اليمن. وبالمقابل، ما يزال مجلس الأمن الدولي تراوده أحلام غير واقعية بشأن دولة يمنية موحدة لن تفيد إطلاقًا القضية الجنوبية وتبدو وكأنها إله شمس مصنوع من الشيكولاتة (وفقا للأسطورة القديمة).


كما يمكن لروسيا، التي دعمت سابقُا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي عرفت باسم جنوب اليمن واستمرت حتى الوحدة عام 1990، أن تلعب بورقة رعاية دولة جنوبية جديدة. لكن بوتين غارق بشدة في الصراع الأوكراني مما يجعل اليمن بعيدة عن أولويات الكرملين.


من الواضح أن الحوثيين في شمال اليمن والجنوبيين لن يتصالحوا أبدا ولن يحكموا سويًا دولة موحدة. ويعزى ذلك إلى أن نظامًا إسلامويًا أصوليًا لا يمكنه الدخول في شراكة فعالة مع حركات جنوبية تلهمها أيديولوجية اشتراكية ومبادئ ديمقراطية. ليس من المرجح أن يدعم المجتمع الدولي إقامة دولة جنوبية مستقلة. لذلك، يبدو أن السبيل الوحيد للمضي قدمًا هو إعلان استقلال أحادي الجانب.


فإذا لم يتحد الجنوبيون خلف قيادة جنوبية متماسكة لاتخاذ خطوة راديكالية حاسمة ومساعدة الوطن على الخروج من المستنقع الحالي، قد يتحول اليمنيون إلى شعب منسي يخوض حربًا بلا نهاية.


  • كارين دابروفسكي
    صحفية وكاتبة ومديرة الاتصالات السابقة بمنظمة "أصدقاء جنوب اليمن".

    -الآراء الواردة في هذه المقالة تعكس وجهة نظر المؤلفة فقط ولا تعكس رأي مركز سوث24

Shared Post
Subscribe

Read also