التحليلات

التصعيد الإيراني الإسرائيلي: أزمة لحظية أم حرب خفية؟

04-08-2021 at 8 PM Aden Time

language-symbol

سوث24| قسم التحليلات


ينتظر منطقة الشرق الأوسط مستقبلٌ غامضٌ جراء زيادة وتيرة الصراع بين قطبي طهران وتل أبيب، فمن جهة يسعى النظام الإيراني إلى إسقاط العواصم العربية تحت نفوذه لتحقيق خطته الثورية التوسعية، وفي الجانب الآخر تسعى إسرائيل لتقويض هذه المحاولات، باعتبار أن التساهل معها سيباعد المسافات الزمنية بينها وبين حلم دولتها الكبرى.


إذن، هناك حسابات لكلا الدولتين تتعلق بالخطط الاستراتيجية بعيدة المدى، لمساعي تأسيس إمبراطورياتهما في الشرق الأوسط، الأمر الذي يدفعهما باستمرار لشن هجمات مضادة في حرب باردة تحاك بخفية تامة، وتسلط انتقامها على الآخر بدقة متناهية، دون ترويع المجتمع الدولي، ولفت أنظاره لخطورة هذا التصعيد في المنطقة.

  

الحرب الخفية 

  

استعرت الأزمة العسكرية والدبلوماسية بين أكثر الخصوم تصلبًا وعنادًا في المواقف إزاء هجوم مسيرة جوية من دون طيار محملة بالمتفجرات يعتقد أنها تابعة لإيران، على ناقلة النفط "إم في ميرسر ستريت" التي تشغلها شركة "زودياك ماريتيم" الإسرائيلية، بينما كانت تبحر من دون حمولة في خليج عمان في طريقها من دار السلام إلى ميناء الفجيرة الإماراتي، بغرض التزود بالوقود الخميس الماضي.[1] 

  

أسفر هذا الهجوم عن مقتل شخصين روماني وبريطاني، الأمر الذي أشار بأصابع الاتهام نحو إيران، ولكن هذه المرة لم تجد طهران نفسها في مواجهة إسرائيل فحسب، بل في تحدي مثير لإسقاط هذه التهمة التي تدخلت فيها إلى جانب إسرائيل، كل من رومانيا وبريطانيا، إضافة إلى الولايات المتحدة التي عُرفت بحمايتها لإسرائيل. 


لربما هذا الخطأ الاستخباراتي الإيراني، لم يضع احتمالية سقوط ضحايا، الأمر الذي دفع طهران لعدم تبني الهجوم، نظرًا للموقف الرباعي ضدها، في ظل التصعيد الدبلوماسي الدولي المكثف ضدها، والذي حملها مسؤولية شن الهجوم.


حيث قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الإثنين الماضي، "إن الولايات المتحدة واثقة من أن إيران شنت هجومًا بطائرة مسيرة على ناقلة تديرها إسرائيل"، فيما قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، "على إيران أن تتحمل العواقب المترتبة على هجومها الشائن على ناقلة نفط تديرها إسرائيل قبالة ساحل عمان، واتهم وزيرا الدفاع والخارجية الإسرائيليين القيادي بالحرس الثوري الإيراني سعيد أرجاني، بأنه من يقف وراء استهداف السفينة، كما استدعت بريطانيا ورومانيا السفيرين الإيرانيين في لندن وبوخارست على خلفية الهجوم.[2] 

  

هذا الهجوم هو حادثة جزئية بين العديد من الهجمات الواقعة بالقرب من محيط المياه الإقليمية الإيرانية، فبالأمس أعلنت وكالة الأمن البحري البريطانية أن عملية خطف سفينة تحمل علم بنما، قبالة سواحل الإمارات يوم الثلاثاء الماضي من قبل عصابة اقتادوها نحو إيران، قد "انتهت من دون أضرار"، وأوضح المصدر في تغريدة له أن الأشخاص الذين صعدوا على متن السفينة "غادروها وباتت في أمان"، فيما نفى الحرس الثوري الإيراني صحة هذه التقارير، ووصفها بأنها ذريعة "لعمل عدائي ضد إيران في إطار تحرك دول غربية وإسرائيل" لتهييج الرأي العام.[3]


ومنذ مارس الماضي كانت هناك عدة هجمات على كل من السفن التي تديرها شركات إسرائيلية وإيرانية، والتي يُنظر إليها على أنها حوادث متبادلة، وتعتبر الخسائر البشرية نادرة في تلك الهجمات، كما اتهمت إيران إسرائيل في وقت سابق باستهداف مواقعها النووية وعلمائها، حيث كان آخرهم اغتيال نائب وزير الدفاع الإيراني لشؤون الأبحاث والتكنولوجيا محسن فخري زاده، الذي تربطه أجهزة الاستخبارات الغربية بالبرنامج النووي الإيراني.


سيناريوهات الرد الدولي 


قال الخبير العسكري فائز الدويري: "حتى الآن الصورة غير واضحة فيما إذا سيكون هناك ردًا جماعيًا أم إسرائليًا، وفي كلا الحالتين فإن الرد المتوقع يتبلور في ثلاثة مستويات، أولاً من خلال الهجوم السبراني، ولكن آثاره متباينة وفقًا لحجم الهجوم، وقد يكون هجومًا محدودًا للغاية على مواقع منتقاه لا تفضي للتصعيد، والاحتمال الأخير قد يكون ضرب الأذرع الإيرانية سواء في سوريا أو العراق".[4]


غير أن صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية كانت قد انتقدت الفعل الأمريكي والأوروبي حيال إيران، واصفة ردود الأفعال بالمتناقضة بين الاتجاه إلى رفع العقوبات مع لهجة تصريحات صارمة موجهة إلى طهران،

وفسرت الصحيفة التصريحات بأن هجوم إيران على سفينة تجارية لن يثني إدارة بايدن عن مهمتها للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني من جديد.[5]


وبناء على معطيات تعامل المجتمع الدولي تجاه سلوك إيران في المنطقة بما فيها اليمن، يرى المحلل السياسي خالد الزعتر أن "طريقة أداء المنظومة الدولية مع ملف ‎اليمن، واعتمادهم على مهادنة جماعة الحوثي، تجعل من غير الممكن رفع سقف التوقعات تجاه ما يمكن اتخاذه ضد هجمات إيران المتكررة في ‎خليج عمان"


وقال الزعتر في تغريدة له على تويتر: "لايمكن رفع سقف التوقعات تجاه مايمكن اتخاذه من إجراءات ضد إيران، طالما أن النظام الدولي الذي تأسس ما بعد الحرب العالمية الثانية مترهلاً وفوضوياً وتحكمه الازدواجية السياسية"، وأضاف "لن يحدث شيء، غير بيانات التنديد والإستنكار"


تداعيات

  

على الرغم من تجنب طهران وتل أبيب لاحتمالية صراع شامل، سيكون مدمرًا لكيلهما، خاصة بعد تعافيهما من حقبة صدام، التي تكبدا فيها خسائر كبيرة، نتيجة عدائه مع طموحاتهما في المنطقة والعراق، إلا أن منحنى الصراع بين طهران وتل أبيب أخذ يتفاقم تدريجيًا على نحو دراماتيكي.


تداعيات هذا الصراع سينعكس على البرنامج النووي الإيراني بدون أدنى شك، إذ أن إسرائيل غير مطمئنة بشأن مزاعم الأخيرة بأن برنامجها سلمي خالص، الأمر الذي يدفعها للريبة بأن طهران تعمل خفية على تطوير رؤوس نووية ستستخدمها في صواريخها الباليسيتة. 


الاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته طهران عام 2015، مع الدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة إضافة إلى ألمانيا، تحت مسمى "خطة العمل الشاملة المشتركة"، بغرض رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، مقابل موافقتها على تفتيش صارم لمنشآتها النووية، كان قد تعثر عام 2018، إثر سحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بلاده من الاتفاق، غير أن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، يسعى لإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق، شريطة التزام إيران الكامل بشروطه.


من ناحية أخرى، يزداد تأهب تل أبيب من النشاط الإيراني، في ظل دعم طهران غير المحدود لنظام بشار الأسد، الأمر الذي منحها أفضلية تقديم الاستشارات للحكومة السورية، وسمح لها بالمقابل نشر قوات الحرس الثوري الإيراني على مسافات قريبة من حدود مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل، من خلال العمل بشكل وثيق مع حزب الله اللبناني.


وعلى غرار إفادة تقارير دولية بتواجد خبراء عسكريين إيرانيين في صنعاء لدعم جماعة الحوثي، الذين يمتلكون صواريخ تمكنهم من ضرب العمق السعودي بين فترة وأخرى، تحذر إسرائيل من أن تمنح إيران صواريخًا دقيقة التوجيه لوكلائها في سوريا ولبنان، لدفعهم لشن ضربات جوية تستهدف أمن إسرائيل في تصعيد ينقل التهديد الملاحي للسفن الإسرائيلية من البحر إلى أراضيها.

  

الرئاسة الإيرانية


تزامن التصعيد الإيراني الإسرائيلي مع تنصيب الرئيس الجديد للجمهورية الإيرانية إبراهيم رئيسي يوم أمس الثلاثاء، بعد فوزه في انتخابات الرئاسة الإيرانية التي جرت في 18 يونيو الماضي، الأمر الذي يجعل الداخل الإيراني يتطلع لمعرفة سياسات الإدارة الجديدة.


الأمر الذي سيجعل "رئيسي" يقف على مواجهة صعبة مع تحديات مرتبطة بالتجاذب مع إسرائيل في ملف الناقلة التي تعرضت للهجوم، إضافة للأزمة الاقتصادية الإيرانية التي تفاقمت نتيجة تراجع أسعار النفط عالميًا وجائحة كورونا، والعامل الثالث والأكثر صعوبة هو العقوبات الأمريكية، إذ أن هذا الأخير من المحتمل أن يكثف مطالبات الشارع الإيراني بتسريع المباحثات النووية؛ لرفع العقوبات الأمريكية المشددة على الاقتصاد الإيراني.


من ناحية أخرى، ليس الداخل الإيراني فحسب، يترقب التغييرات السياسة الإيرانية، فالجميع ينظر لانعكاسات ذلك على أذرع إيران في المنطقة، في تساؤلات تتعلق أغلبها حول الأزمة اليمنية، في ظل دعم إيران لجماعة الحوثي، ومن اللافت حضور وزير خارجية سلطنة عمان بدر البوسعيدي حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.


وبحسب ما نقلت وكالة الأنباء العمانية، عن عقد وزير خارجيتها مباحثات مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران، استعرض فيها "العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك"، [6] حيث تأتي هذه الخطوة في الوقت الذي وضعت فيه الأمم المتحدة ملف حل الأزمة اليمنية في التقارب السعودي العماني، الأمر الذي جعل مسقط تكثف نشاطها ومباحثاتها الإقليمية بزيارات رسمية لصنعاء، والرياض، وطهران.


سالم بن سهل 

صحفي ومحرر بمركز سوث24 للأخبار والدراسات  


- الصورة: ناقلة النفط التابعة لشركة إسرائيلية التي تعرضت لهجوم في بحر العرب، ما أدى إلى مقتل شخصين، أحدهما بريطاني والآخر روماني. (فرانس برس)


Shared Post
Subscribe

Read also