25-10-2021 at 4 PM Aden Time
سوث24| قسم التحليلات
أعطى استمرار تعثر إدارة الأزمة اليمينة، جنباً إلى جنب، مع تنامي حجم التهديدات التي تمثلها "جماعة الحوثي" لمصادر وممرات التجارة الدولية، خاصة بعد قرار إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في 16 فبراير الماضي برفع الجماعة من قائمة التنظيمات الإرهابية، دفعة معنوية لحركة الحوثي للتوسع ميدانيًا، وأكسبها المزيد من الأوراق التفاوضية والتي تستند على التوسع بخرائط العمليات الميدانية. وعلى سبيل المثال: كثفت "جماعة الحوثي" من هجماتها على مأرب داخلياً، وفي الخارج واصلت الحركة شن هجماتها ضد المملكة العربية السعودية، فضلاً عن التطور النوعي في خرائط ومسارات المناوشات الخارجية كأوراق تفاوضية، وهو ما إنعكس بشكل مباشر على إدارة أزمة ناقلة النفط "صافر"، والتعقيدات السلبية على مجمل التحديات والمخاطر التي تشهدها البيئة الإقليمية للبحر الأحمر، وذلك على النحو التالي:
تطورات أزمة ناقلة النفط "صافر":
تعد أزمة "ناقلة النفط صافر"، تجسيداً لإحدى أوراق النزاع بين الحكومة اليمنية المُعترف بها دولياً وجماعة الحوثي، وهو النزاع الذي بدأ يطفو منذ 21 يونيو 2014، وما تلى ذلك من إجراءات أحادية تمثلت في حل البرلمان، وسيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة، ثم إسقاطهم العاصمة صنعاء ومحافظات إب والبيضاء والحديدة، إذ أنّ كل تلك الديناميكيات ساهمت بدورها في تعطيل/ أو التلكؤ في إجراء أي عمليات صيانة للخزان العائم.
الجدير بالذكر، تسعى جماعة الحوثي لتطويع ورقة "ناقلة النفط صافر" كابتزاز سياسي ضد المجتمع الدولي، وضد قوات التحالف العربي، حيث سبق وأن هددت قياداتها بإفراغ حمولة النفط في مياه البحر أو تفخيخ الناقلة وتفجيرها إذا ما حاولت قوات التحالف السيطرة على مدينة الحديدة ومينائها. وذلك بالنظر إلى الموقع الجغرافي لتمركز ناقلة النفط صافر بالبحر الأحمر، وفقا لما هو موضح بالخريطة التالية:
Source: Chris Baraniuk, Yemen’s deadly ghost ship, 18 February 2020
ومن ثم، تتركز أهداف الحوثيين من الضغط بورقة "صافر" لمحاولة إنجاز العديد من الأهداف السياسية والاقتصادية، أهمها:
- الضغط لانسحاب القوات المشتركة من محافظة الحديدة.
- المراوغة مقابل فتح مطار صنعاء، والسعي لنقل الجماعة لجرحاهم من المصابين وخروج الخبراء الإيرانيين واللبنانيين.
- المقايضة برفع العقوبات المفروضة على إيران.
- الحصول على قيمة بيع مليون برميل نفط تقريباً من الخزان.
وإتساقا مع ذلك، فقد مرَّت أزمة "ناقلة النفط صافر" بعدد من المراحل ذات الثقل بالتقييم السياسي والأمني لتطور إدارة الأزمة، وذلك على النحو التالي:
1. دفعت الحكومة اليمنية المُعترف دولياً بعدد من الرسائل التحذيرية من التآكل بخزان صافر، والتداعيات السلبية بإهمال عمليات الصيانة والتي تسببت في تسرب المياه إلى وحدة التشغيل، وذلك بتواريخ مارس 2018، مايو 2019، يونيو 2019، نوفمبر 2019، مايو 2020، يونيو 2020، فبراير 2021، يونيو2021،.
2. في إطار الدفع نحو حلحلة أزمة "ناقلة النفط صافر"، أعلنت الحكومة اليمنية موافقتها على جميع المبادرات التي أوصت بها الأمم المتحدة للسماح بمعالجة المسألة. بالمقابل، عمدت "جماعة الحوثيين" على عرقلة دخول البعثات الفنية للأمم المتحدة لإجراء عمليات الاستكشاف والتقييم والصيانة الدورية اللازمة للخزان العائم، غير مكترثين بإحتمالات حدوث تسرب نفطي يُهدَّد العالم بأزمات اقتصادية وبيئية وإنسانية، فضلاً عن شرط الجماعة وجود طرف دولي ثالث محايد في ظل رفضهم لدور الأمم المتحدة في اليمن.
3. اعتمدت جماعة الحوثي على سياسات المقايضة، وذلك عبر الحديث عن طلب المساعدة من الأمم المتحدة في بيع النفط المخزن، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق، بسبب الخلافات بينهم وبين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي على استخدام الأموال الناتجة عن عملية البيع.
4. دوماً ما يتم إثارة تلك القضية في إجتماعات مجلس الأمن نظراً لكونها تُشكَّل تهديداً أمنياً على بيئة التفاعلات التجارية والسياسية بالبحر الأحمر، لكن لم يتم إقرار إجراء دامغ للحيلولة دون وقوع الكارثة، وكان آخرها ما ورد في مخرجات جلسة مجلس الأمن، في 15 يوليو الماضي، والدعوة إلى استجابة عاجلة من جانب "جماعة الحوثي" على النحو الذي تم طرحة من جانب فريق التفتيش المعني بملف "ناقلة النفط صافر".
بالسياق ذاته، فثمة إشكالية "جيوسياسية"، تظهر عند النظر للموقع الجغرافي لتمركز "ناقلة النفط صافر"، إذ أنَّ الميناء الذي يتبع مدينة الحديدة يخضع لسيطرة جماعة الحوثي، ومن ثم، فإدارة أزمة صافر ستكون خاضعة لأي ترتيبات سياسية أو عسكرية يتم التوصل إليها بين أطراف النزاع اليمني برعاية الأمم المتحدة أو أي طرف إقليمي كالمملكة العربية السعودية.
الجدير بالذكر، أنّ اتفاق ستوكهولم الموقع في السويد في ديسمبر 2019، قد نصَّ على وقف إطلاق النار في الحديدة وانسحاب كافة القوات من المدينة والميناء وخضوع الأخير إلى قوات أممية، وهو ما كان سيعني تمكين بعثة الأمم المتحدة الفنية من الصعود إلى السفينة ومعاينتها، لكن انهيار الاتفاق قضى على تلك المحاولة في مهدها. ونظرًا لتعقيدات عملية التسوية السياسية للمسألة اليمنية، وفي ظل ضبابية المشهد القائم مع تولي المبعوث الأممي الرابع للملف اليمني، فقد طالبت الحكومة اليمنية بفصل إدارة قضية "صافر" عن التدابير الأممية الأخرى في مواجهة الأزمة اليمينة.
تهديدات مُتباينة:
ثمة عدد من التهديدات التي تنعكس بشكل مباشر على إستقرار بيئة تفاعلات البحر الأحمر، أبرزها:
1. تهديدات جيوسياسية :
إحدى أصعب التهديدات التي تُشكَّلها أزمة "ناقلة النفط صافر"، خاصة وأنَّها ترتكز جغرافيا بميناء محافظة الحديدة – الذي يطل على مضيق باب المندب، و يُعد واحد من أهم المضايق العالمية، إذ يكتسب أهميته الاستراتيجية من كونه المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وقناة السويس، وكونه أصبح الطريق الرئيسي للتجارة بين أوروبا وجنوب شرق آسيا عوضاً عن طريق رأس الرجاء الصالح، فضلاً عن أهميته في حركة الملاحة العالمية، وهو ما قد يُنذر بتهديدات واضحة تنعكس بشكل مباشر على حجم الضرر المُحتمل بالتجارة العالمية عامة، وتجارة النفط خاصة، وتوقف حركة الملاحة عبر المضيق حال انسداده ببقعة نفط كبيرة ناجمة عن التسرب. وفقاً لما هو موضح بالخريطة التالية:
المصدر: إنفوغرافيك.. الأهمية الاستراتيجية لمضيق باب المندب، سكاي نيوز عربية، 26 يوليو 2018،
انعكاساً على ذلك، في حال تفاقمت أزمة "ناقلة النفط صافر"، فإنَّ ذلك سيدفع نحو أزمة اقتصادية مُحتملة عالمياً، تتمثَّل أبرز تداعياتها في: ارتفاع أسعار النفط، وما يترتب عليه من تأثيرات على النمو العالمي، وارتفاع التضخم، وتضرر الدول الأوروبية والأسيوية التي تعتمد بدرجة كبيرة على استيراد النفط.
2. تهديدات اقتصادية:
من المُحتمل أن تعكس أزمة "ناقلة النفط صافر"، العديد من التهديدات الاقتصادية أبرزها ما يتعلق بـ:
- الخسائر المُحتملة بحجم الإنتاج السمكي للدول المطلة على البحر الأحمر، فضلاً عن احتمالات تدمير المزارع السمكية بما ينعكس بالسلب على صناعة الصيد، إذ سيفقد 126 ألف صياد مصدر دخلهم، من بينهم 76 ألف صياد في محافظة الحديدة.
- الخسائر المُحتملة بتعطيل محطات تحلية المياه في المنطقة، جرَّاء تسريبات النفط من الناقلة صافر، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على توفر مياه الشرب للدول المجاورة التي تعتمد على تحليه مياه البحر، فعلى سبيل المثال: يوجد على شواطئ الخليج العربي والبحر الأحمر وبحر العرب، أكثر من 290 محطة تحلية مياه، منها عشرات المحطات العملاقة، التي يتجاوز إنتاجها 100 مليون جالون في اليوم، وتنتج قرابة 4% من مجمل إنتاج محطات التحلية.
- الخسائر المُحتملة بالاقتصاد المصري، وذلك جرَّاء احتمالات توقف حركة الملاحة بقناة السويس. والتي تُعد من أهم مصادر الدخل القومي للدولة المصرية.
- تعقيد الأزمة الإنسانية بالداخل اليمني، ففي أسوأ السيناريوهات المُمكنة، قد يؤدَّي تسرب النفط إلى الإغلاق الفوري لميناء الحديدة الحيوي، ومن ثمَّ، فمن المُحتمل أن تنعكس تبعات تلك الأزمة - بشكل واضح - على مستوى الامن الغذائي عبر احتمالات توقف واردات البلاد التجارية والإنسانية التي يدخل 70% منها عبر ميناء الحديدة، وهو ما قد يعكس احتمالات مضاعفة أسعار السلع والمواد الغذائية، وعرقلة المساعدات الإنسانية، ورفع أسعار الوقود بشكل كبير.
3. تهديدات بيئية:
تنعكس تهديدات "ناقلة النفط صافر" على البيئة البحرية للبحر الأحمر، وذلك بالنظر إلى عدد من النقاط، أبرزها (1):
- احتمالات التأثير السلبي على التنوع البيولوجي في بيئة البحر الأحمر، وذلك عبر احتمالات نفوق 850 ألف من الأسماك بما يعادل 600 نوع من الأسماك، واختفاء 300 نوع من الشعب المرجانية، واختناق 139 نوعًا من العوالق الحيوانية التي تعيش في المياه، وفقدان 115 جزيرة يمنية لتنوعها البيولوجي.
- احتمالات تلوث البيئة البحرية، إذ قد تُسهم الأمواج والرياح في نشر الانسكابات النفطية الكبيرة لمئات الكيلومترات، بدءًا من اليمن، وحتى قناة السويس عبر مضيق جوبال، وخليج السويس وجنوبًا عبر مضيق باب المندب، وصولًا إلى مضيق هرمز عبر بحر العرب.
- احتمالات أن تتسبب الأزمة في تدمير محمية جزيرة كمران الشمالية لقربها من السفينة، وهو ماقد يعني خسارة أشجار القرم، والمانجروف، والشعاب المرجانية، والعديد من أنواع الأسماك وأسماك القرش، كما أنَّه على المدى البعيد ستتراكم السموم، في أنسجة اليرقات والكائنات الحية الدقيقة التي تعد مصدرًا غذائيًا أساسيًا للأسماك الكبيرة.
تجاذبات حوثية - أممية:
ثمَّة عدد من المشاهدات والتي يمكن من خلالها فهم السياق السياسي العام لإدارة أزمة "ناقلة النفط صافر"، وذلك عبر أبرز التناوبات التفاوضية بين الأمم المتحدة وجماعة الحوثي، والتي مثلت في مُجملها "تعقيدات متباينة"، أفشلت الإطار التفاوضي لإنجاز عملية "الحلحلة" للأزمة القائمة، وذلك من خلال:
- أعلنت الأمم المتحدة، وجماعة الحوثي - عقب نقاشات معقدة ومُكثَّفة خلال العامين الماضيين، أفضت إلى تحييد حكومة الرئيس هادي عن هذا الملف، والتوصل إلى اتفاق في نوفمبر الماضي سُمي بـ "وثيقة نطاق عمل"، على أن يتم في إطارها السماح لبعثة الخبراء الأممية المُقترحة لإجراء "تقييم شامل وبعض الإصلاحات الأولية الضرورية" للناقلة المتهالكة. لكن لم يحدث، حتَّى الآن، أي تقدم نحو الخطوات التنفيذية، وتبع ذلك، تبادل الاتهامات بين الطرفين (الأمم المتحدة والحوثيين) بالمماطلة وعدم الجدية في التعامل مع أزمة الناقلة وتسيسها، وتحميل بعضهما بعضاً المسؤولية الكاملة عن حدوث الكارثة التي باتت تُنذر بوقوعها.
- في ديسمبر 2020، نشرت الأمم المتحدة تقريرها، حيث ذكرت فيه: أنّ "وثيقة نطاق العمل" التي وافقت عليها جماعة الحوثي رسمياً في أواخر نوفمبر 2020، تضمنَّت ثلاثة أهداف رئيسة تمثَّلت في، الأول: تقييم وضع خزَّان صافر العائم من خلال تحليل منظوماته وهيكله، وثانياً: إجراء ما هو مُمكن من الإصلاحات الأولية التي قد تُخفَّض من خطر حدوث التسرب ريثما يطبق حل دائم، وثالثاً: صياغة خيارات وتوصيات قائمة على الأدلة بشأن الحلول التي يمكن تطبيقها لإنهاء خطر التسرب النفطي نهائياً" (2).
- على الرغم من أنَّ "وثيقة نطاق العمل"، حظت على إجماع المجتمع الدولي، نظراً لما مثّلته من خطوة إيجابية نحو حلحلة الأزمة، إلا أنَّه بالمقابل، قوبل بالتشكيك حول جدية "جماعة الحوثي" في الإلتزام به، لاسيما من قبل الحكومة الشرعية وتحالف دعم الشرعية، وذلك إستنادا إلى عدد من التصريحات الحوثية أبرزها أن الاتفاق على تلك الوثيقة جاء "انطلاقاً من حرص الجماعة على منع حدوث كارثة بيئية في البحر الأحمر، برغم رفض فريق مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع الموافقة على توفير مولد النيتروجين كبديل مناسب لمنظومة الغاز الخامل ضمن المعدات التي سيتم إحضارها للقيام بعملية التقييم والصيانة العاجلة"، لافتين إلى أنَّ تركيز فريق مكتب المشاريع الأممي "اقتصر على إجراء الصيانة التي تمنع حدوث تسرب للنفط من الخزان العائم"، الأمر الذي يعكس إصرارهم على ضرورة الصيانة الكاملة للناقلة بهدف إعادة تشغيلها لاحقاً.
- في فبراير 2021، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء "الأحاديث المتداولة" حول مراجعة جماعة الحوثيين لموافقتها على وصول البعثة الأممية لتقييم أزمة ناقلة النفط صافر. وهو ما من شأنه أن يخلق المزيد من العراقيل والتي تسهم في تأخير عمل البعثة.
- في سياق أخر، أعرب الجانب الحوثي في حديث مغاير لتصريحات الأمم المتحدة، مفاداه أنَّ الأمم المتحدة تتعمد عرقلة "حل الأزمة"، وذلك عبر تصريحهم المتمثل في: "أنَّ الأمم المتحدة تقدمت بطلبات إضافية خارج الاتفاق، وبعيداً عن إطار العمل المتفق عليه"، وهي تلك النقطة التي دفعت "الجماعة" بالإعلان عن مراجعة موافقتها على الاتفاق، نقطة أخرى تتعلق برغبة الجانب الحوثي في مقايضة ورقة "ناقلة النفط صافر" بتطورات الموقف والتغير بالعلاقات النوعية بين جماعة الحوثي مع الولايات المتحدة الأمريكية عقب تولي الإدارة الديموقراطية لجو بايدن رئاسة البيت الأبيض.
- واصل الطرفان "الأممي – الحوثي" في الدفع بمزيد من التعقيدات التفاوضية، وذلك حتى نهاية فبراير 2021، إذ أعلنت الأمم المتحدة عرقلة الحوثيين لمهام البعثة، حيث تقدَّموا بــ "طلبات إضافية" ولم يمنحوا الخبراء الأممين تأشيرات الدخول. بالمقابل، أكَّد الجانب الحوثي أنَّ تلك "الطلبات الإضافية" هي أمور متفق عليها بسياق الإتفاق القائم، بينما فيما يتعلَّق بعدم منح الخبراء تأشيرات الدخول، فقد صرحوا أنّ الأمم المتحدة "لم تقدم القائمة النهائية للخبراء إلا في 14 فبراير، ثم بوقت لاحق تم تبديل عدد منهم بآخرين جُدد، وقدَّمت جوازات منتهية لعدد آخر منهم". وجدَّد الحوثيون التزامهم بالاتفاق، مطالبين الأمم المتحدة بـ "إظهار الجدية في تنفيذه والتوقف عن إطلاق الاتهامات والتصريحات المضللة".
- في يونيو 2021، اعلن الجانب الحوثي أنَّ الجهود المشتركة لحلحلة أزمة الناقلة تعثرت، معللين ذلك لـ :" تقديم مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع خطة للعمل استبعدت معظم أعمال الصيانة العاجلة المتفق عليها، وأبقت فقط على أعمال التقييم، بذريعـة أنَّ الوقت والتمويل لا يكفيان لإجراء أعمال الصيانة"، لافتين إلى أنَّه تم أيضاً التراجع عن كثير من أعمال التقييم وتحويلها إلى مجرد فحوصات بصرية لا تخضع لأي معايير متعارف عليها، على الرغم أنَّه قد سبق ذلك التصريح، تصريح مغاير في إبريل 2021 يُعرب من خلالة الطرفان "الأممي – الحوثي" عن تفاؤلهم لإجراء "نقاشات بناءة" حول القضايا اللوجستية والترتيبات الأمنية العالقة.
- عقد مجلس الأمن الدولي، جلستين إحداهما مغلقة، في 3 يونيو 2021، وهي المرة الثانية، منذ يوليو 2020، التي ينعقد فيها المجلس، لمناقشة أزمة الناقلة. وقال أعضاء المجلس في بيان لهم، عقب جلستهم المغلقة "إنَّ على الحوثيين تسهيل الوصول غير المشروط والآمن لخبراء الأمم المتحدة لإجراء تقييم شامل ونزيه ومهمة إصلاح أولية، دون مزيد من التأخير، وضمان التعاون الوثيق مع الأمم المتحدة"، مجددين "تحميل الحوثيين مسؤولية وضع الناقلة صافر"، معربين عن "القلق البالغ إزاء الخطر المتزايد من انفجار الناقلة، ما سيتسبب في كارثة بيئية واقتصادية وبحرية وإنسانية لليمن والمنطقة" (3) . بالمقابل، إعتبرت حكومة الرئيس هادي، بيان مجلس الأمن "خطوة دون مستوى التهديد البيئي والإنساني الخطير"، وأضافت، أنَّ المجلس "لم يساعد اليمن والإقليم بشكل كاف للخروج من هذه الكارثة، وعليه إصدار قرار دولي جديد مُكمَّل لقراراته بخصوص الناقلة "صافر" يتضمن آلية تطبيقية على الأرض تضمَّن تفريغ النفط من الناقلة بشكل فوري".
- تجدَّدت الإتهامات المتبادلة بين الطرفيين "الأممي- الحوثي" في يوليو 2021، إذ اتهم الحوثيون الجانب الأممي بـ"المماطلة والتسويف وإضاعة الوقت، وهدر أموال المانحين المخصصة للمشروع في اجتماعات ونقاشات عقيمة، في وقت بات وضع خزان صافر العائم سيئاً بشكل أكبر مما كان عليه عند توقيع الاتفاق، وارتفعت معه احتمالات حدوث كارثة بيئية في البحر الأحمر"، وفيما أكَّدت الأمم المتحدة أنَّها ستواصل مساعيها لإقناع الحوثيين على الموافقة للسماح لبعثة الخبراء بالوصول إلى موقع الناقلة، مشيرة بوضوح إلى أنهم يركزون على الصيانة الكاملة للسفينة، وهو ما لا يمكن القيام به قبل تقييم وضعها الراهن.
وفقا للنقاط السابقة، فالتجاذبات القائمة، والتعقيدات المتباينة في إدارة الأزمة بين كل من جماعة الحوثيين والأمم المتحدة، وعدم التوصل إلى خارطة طريق ملزمة يُنذر بتفاقم التهديدات على كافة المستويات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والبيئية، والإنسانية إقليميا ودوليا.
مسارات مُحتملة:
هناك ثلاثة مسارات متوقعة لأزمة ناقلة النفط "صافر"، وذلك على النحو الآتي:
1. السيناريو الأول - تعثر الحلحلة:
يُرجح ذلك السيناريو استمرار تعنت الجانب الحوثي، وتفاقم الأزمة دون التوصل لأي ضمانات أو تسهيلات حقيقية تسمح للأمم المتحدة بنشر بعثة الخبراء، على الأقل في المدى القريب. وذلك بالإرتكاز على عدد من المعطيات والشواهد، أبرزها: تُبدي "جماعة الحوثي" بعض التحفظات والشكوك تتعلق بمهام البعثة، إذ أنَّ مثل تلك التصريحات قد تُفضي إلى عدد من التفسيرات، منها: أولا، الدفع بإشراك فريقها - جنباً إلى جنب - مع فريق الخبراء الأممي في كل ما يتعلق بملف الناقلة صافر، ثانياً، تعيين ورقة تفاوض عبر استثمار الأزمة ومُجمل نقاشاتها مع الأمم المتحدة ومخاوف المجتمع الدولي من الخطر الذي يشكَّله الخزان العائم كفرصة لضمان الصيانة الكاملة للناقلة لإعادة استخدامها لاحقاً. إذ أنَّ مثل تلك الإفتراضات قد تدفع بتعثر حلحلة أزمة ناقة النفط صافر، فضلاً عن التسويف بعنصر الوقت سينعكس بمردودة على المزيد من تآكل السفينة المتهالكة، وتصاعد احتمالات تسرب النفط منها أو حدوث حريق أو انفجار لها.
2. السيناريو الثاني - صياغات جديدة:
يُبنى ذلك السيناريو على إحتمالية التوصل إلى صياغات/ تفاهمات جديدة بين كل من جماعة الجوثيين والأمم المتحدة، إذ بموجبها يتم تسهيل وصول بعثة الخبراء الأمميين، مع الأخذ في الإعتبار حجم التطورات التي قد ترفع من احتمالات حدوث انفجار أو تسرب للكميات المخزنة من النفط في الناقلة، إذ يدفع ذلك بتزايد الجهود الدولية والإقليمية لبلورة تحرك دولي حثيث يتبنى موقفاً أكثر جدية مع الحوثيين، ويدفعهم إلى خفض اشتراطاتهم وسقف توقعاتهم بشأن مهام فريق الخبراء الأممي، لا سيَّما تشديدهم على الحصول على أكبر قدر من أعمال الصيانة والتقييم والمعدات التي قد تتيح لهم إعادة تشغيل الناقلة لاحقاً. في السياق ذاته، يسعى الحوثيون للمقايضة بورقة التمسك بمطالبهم واشتراطاتهم بشأن "أزمة الناقلة"، أن يحقق لهم بعض المكاسب، مقابل استعدادهم للتعاون الجاد مع الأمم المتحدة لخفض خطر حدوث التسرب ريثما يطبق حل دائم، لاسيما وأنَّ "جماعة الحوثي" في موقف الطَرف الأقوى بالعملية التفاوضية، وذلك بالنظر لرغبة المجتمع الدولي لتفادي حدوث أي مهددات بيئية أو أمنية جراء أزمة ناقلة النفط "صافر".
3. السيناريو الثالث - اللاحسم:
ينتهي هذا السيناريو إلى فرضية سلبية تؤول إلى فكرة "نقطة اللاعودة"، وذلك بالتزامن مع بدء تسريب النفط، أو إنفجار الناقلة صافر، واستناداً إلى عدد من المعطيات بمحطات إدارة الأزمة، أبرزها: "التراخي الدولي مقابل التشبث الحوثي بالرأي تجاه رؤية كل منهم لإدارة الأزمة"، إذ أنَّه في حال استمرار ذلك التراخي الأممي، سيُنذر الأمر بحدوث كارثة يصعب إحتواء تداعياتها الأمنية، أو البيئية، أو السياسية، دون النظر للتقارير الفنية وما أعلنته الأمم المتحدة والمنظمة الإقليمية للمحافظة على البحر الأحمر وخليج عدن والمنظمة الدولية البحرية، عن الوقوف على كامل الاستعداد، والتنسيق المشترك لوضع خطط الطوارئ في حال تسرب النفط من الناقلة.
نهايةً
برغم مُضي أكثر من 10 أشهر على الاتفاق الأممي-الحوثي حول "وثيقة نطاق عمل"، والتوصل إلى صياغات مشتركة تتضمن إستقدام بعثة من الخبراء الأمميين لتقييم وعمل إصلاحات أولية ضرورية لناقلة النفط "صافر"، إلا أنّ الجهود الأممية والدولية والإقليمية المبذولة في رأب الصدع، وحلحلة القضايا العالقة، لم تنجح بين الجانبين، على النحو الذي يُهيئ فعلياً لبدء البعثة الأممية مهامها وتدارك تبعات الأزمة وانعكاساتها المُحتملة، إذ أنَّه من الصعب - حتَّى الآن - التكهن بإمكانية وصول البعثة من عدمه، خاصة في ظل تبادل الاتهامات بين الجانبين، والذي تزايدت وتيرته مؤخراً.
ومن ثم، يظل السيناريو الأول "تعثر الحلحلة"، هو الأرجح في المرحلة الراهنه مع تفاقم وضع الناقلة، إلا أنَّه بالمقابل، من غير المُستبعد تصعيد السيناريو الثاني "صياغات جديدة"، بموجبها يتم إقناع الحوثيين نحو خطوات مهادنه تسهل وصول البعثة الأممية، إذ يظل هذا السيناريو قائماً للتحليل رغم صعوبة خطواته، ودون إغفال ترجيحات السيناريو الثالث "اللاحسم"، خاصة مع إحتمالات التدخل الإيراني عبر تزويد الحوثيين بالخبراء الفنيين كمحاولة لإنجاز بعض الإصلاحات الطارئة للناقلة، أو على أقل تقدير "إعلان الحوثيين عن ذلك الطرح كإحدى أوراق المراوغة السياسية"، بهدف الدفع ببقاء الأزمة دون التوصل إلى حل، والإنتقال بها من المستوى التقليدي "التهديد البيئي"، لمستوي نوعي مختلف لمجمل التهديدات الأمنية للإقليم والمجتمع الدولي، خاصة وأنّ جماعة الحوثي لازالت تراهن على استئناف تصدير النفط مجدداً عبر الناقلة "صافر" رغم انتهاء العمر الافتراضي لها بعقود دون النظر لأي تداعيات سلبية لتعقيدات إدارة الأزمة.
متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي
- الصورة: Vortexa
- اضغط (هنا) لتحميل الورقة
المراجع:
(1) Mohamed Abdelraouf, Safer: An Environmental Bomb off Yemen's Coast, the Gulf Research Center,
(2) Questions and answers about the UN mission to the SAFER oil tanker in Yemen, United Nation, 30 December 2020
(3) United Nations Officials Call for Access to Decaying FSO ‘Safer’ off Yemen’s Coast, Warn Security Council of Potential Environmental, Humanitarian Crisis, SECURITY COUNCIL , 3 JUNE 2021, https://bit.ly/3b45cOb
Previous article
Next article