28-11-2021 at 3 PM Aden Time
سوث24 | د. إيمان زهران
عكست السياقات الأخيرة للأزمة الخليجية – اللبنانية، والاتهامات بدعم حزب الله لتحركات جماعة الحوثيين أحد أذرع الجانب الإيراني، طبيعة ما تشكله التطورات الميدانية الجارية في مأرب من منعطف محوري في مسار الأزمة اليمنية. إذ من المُرجّح أن يُصبح السياق العام لما ستؤول إليه تلك الأزمة هو سياق التحولات الرئيسية بالملف اليمني، وإعادة تشكل موازين القوى بين الأطراف الفاعلة على الأرض، كالحوثيين في الشمال، والمجلس الانتقالي في الجنوب، مع التحفظ على تموضع الحكومة المعترف بها دولياً بالخريطة اليمنية، وربما ستكون هناك حسابات إقليمية مختلفة قياسا على التحركات الميدانية القائمة في مأرب، بالنظر إلى حسابات كل من إيران ولبنان والسعودية لترجيحات المسالة اليمنية.
وانعكاسا على ذلك، تظهر عدد من التساؤلات حول الأهمية الاستراتيجية لمأرب، وما تحمله من دلالات نوعية وسياقات فرعية لانخراط عناصر إقليمية في إدارة المشهد الميداني وذلك بالنظر لأبعاد الأزمة النوعية الخليجية اللبنانية، وما تحمله المعركة القائمة من مآلات وخيارات عملية الحسم سواء على المستوى الوطني، أو الإقليمي، أو الأممي. وهو ما يتضح تفصيلا بالنقاط التالية:
أولاً: الأهمية الاستراتيجية لمأرب:
تتباين الأهمية النوعية لـ "مأرب" وفقا للسياق المنظم للقضية اليمنية، وما تحمله أطراف الصراع من أجندات ميدانية وسياسية، تنعكس بصورة مباشرة في النقاط التالية:
1. الأهمية السياسية:
تكمن الأهمية السياسية لمحافظة "مأرب"، وذلك بالنظر إلى عدد من الاعتبارات:
- إعادة تنظيم "مقر القيادة" للحكومة المعترف بها دوليا، وذلك عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء في عام 2005، مما يجعل من "مأرب" "المقر البديل للحكومة"، حيث تُعد أكبر مدينة تسيطر عليها "حكومة هادي" مقابل تواجدهم الضعيف في عدن التي تُعد ثاني أكبر مدينة في اليمن.
- البُعد "الجيوسياسي" لمحافظة مأرب كونها ذات أهمية استراتيجية نظرًا لخط طيرانها المباشر، وروابطها البرية مع المملكة العربية السعودية.
- عقب التحولات الميدانية بالعاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، وإصدار الحوثيين إعلانا دستوريا في فبراير 2015، تحوّلت مأرب إلى حاضنة سياسية وعسكرية واجتماعية لمؤيدي الحكومة المعترف بها دوليا؛ بوصفها المحافظة الوحيدة، التي ظلت متماسكة، لتُشكل مع محافظات جنوب اليمن، مصفوفة جغرافية، وسكانية، كحائط صد، لتطويق الاضطرابات الأمنية أمام التحركات الحوثية.
الجدير بالذكر، أنه وفقا لمخرجات "الحوار الوطني"، للدولة الاتحادية المقترحة، تُقسّم إلى ست وحدات سياسية (أقاليم)؛ أدرجت محافظة "مأرب" ضمن إقليم سبأ (1)، الذي يضم إلى جانبها، محافظتي البيضاء والجوف؛ بحيث تكون مدينة مأرب عاصمة الإقليم، ويجعل منها كذلك منافسا سياسيا للعاصمة صنعاء، بالنظر إلى قربها منها، وما تتمتع به من ثروات نفطية مختلفة، وتوليد الطاقة الكهربائية، فضلا عن مكانتها التاريخية، والتماسك الكبير في بنيتها القبلية.
2. الأهمية الاقتصادية:
ثمة عدد من الدعائم الاقتصادية التي تشكلها محافظة مأرب، والتي تدفع بدورها لتضافر ثقل المنطقة، وهو ما يظهر في:
1. تشكّل مأرب مركز تجاري/ ورابطة تجارية بين المناطق التي يُسيطر عليها الحوثيون بالسعودية وعُمان والمحافظات الأخرى. إذا أصبح هناك تراجع لتجارة السلع الأساسية في مأرب في ظل تضافر المسرح العملياتي، مما يُنذر بأزمة إنسانية وغذائية مُقبلة سواء للمدنيين أو أولئك المتواجدين في مناطق الحوثيين.
2. اكتسبت محافظة مأرب أهمية اقتصادية كبيرة، نتيجة لوجود النفط والغاز في أراضيها، واضطلاعها بتوليد الطاقة الكهربائية بالغاز للعاصمة صنعاء، وعدد من محافظات الشمال، بواسطة محطة صافر لتوليد الكهرباء، لكنها، حاليا، متوقفة بسبب النزاع القائم.
قياساً على ذلك، فقد انتعش النشاط التجاري في مأرب - خلال السنوات الخمس الماضية - وانتقلت إليها رؤوس الأموال، وهو ما انعكس بصورة واضحة على حركة الاستثمارات العقارية والأصول التجارية المتداولة، التي عززت، إلى حد ما، الثقة في الحكومة المُعترف بها دوليا، إلا أنه بالمقابل، لا يزال هناك تخوف ملحوظ من المستثمرين نتيجة لما تثيره تهديدات جماعة الحوثيين، وهجماتهم المتصاعدة بالصواريخ والطائرات المسيرة على المواقع العسكرية، علاوة على تحركاتهم الميدانية المتقدمة نحو مأرب.
3. الأهمية الأمنية:
تنعكس الأهمية الأمنية لمحافظة مأرب فيما تفرضه السياقات "الجيو سياسية " من ميزة تفضيلية لإدارة أوجه الصراع داخليا وخارجيا، تظهر بالنقاط التالية:
1. تقع مأرب عند أحد تقاطعات الطرقة الرئيسية التي يربط محافظات الجنوب الممتدة على طول خليج عدن بصنعاء والسعودية. لذلك فإنها تُعد "منصة لانطلاق الهجمات الحاسمة"، فالسيطرة على ما تبقى من مأرب قد يتيح للحوثيين شن تقدم سريع إلى داخل محافظة شبوة الغنية بالنفط ونحو المعبر الحدودي الرئيسي لحضرموت مع السعودية. على الرغم أنّ الحوثيين قد تقدّموا في مديريات بيحان بشبوة في 21 سبتمبر الماضي، عقب اتهامات للقوات الموالية لحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) بتسليمها للجماعة.
2. تُشكل مأرب حاضنة لأكثر من مليون نازح داخليًا. وإذا بدأ هؤلاء بالفرار من المدينة بصورة جماعية، فسوف يتسببون بأزمة لاجئين كبيرة في السعودية، ومحافظات شرق جنوب اليمن، وسلطنة عُمان.
الجدير بالذكر، أنّ محافظة مأرب تحظى بأهمية نوعية أمنيا، إذ تضم عدد من المقرات العسكرية، أبرزها: مقر مركز القيادة والسيطرة للمنطقة العسكرية الثالثة، التي تضم مأرب وشبوة، مع تمركز مؤقت لقيادة المنطقة العسكرية السابعة، التي يفترض أن تكون في مدينة ذمار، ولا تزال تحت سيطرة الحوثيين، وكذلك يتمركز في مأرب فرع لقيادة التحالف العربي، ومراكز تدريب قوات الجيش، ومخازن إمداداته وتمويناته المختلفة.
ثانيا - دعائم الأزمة الخليجية اللبنانية:
ثمة عدد من الأسباب المباشرة، وغير المباشرة، والتي دعمت تفاقم أبعاد الأزمة السعودية اللبنانية في بداية الأمر، وتلا ذلك مساندة الكتلة الخليجية للموقف السعودي، وهو ما يستدعى عدد من الانعكاسات المتباينة على ملفات الاضطراب بالمنطقة، إذ من بين تلك الأسباب ما يلي:
دعائم مباشرة:
1. تداعيات ما انطوت عليه تصريحات الوزير اللبناني "جورج قرداحي" حول الحرب في اليمن والموقف من التحركات الميدانية لجماعة الحوثيين. إذ تم توصيفها أنّها تمت وفقا لـ "منظور ضيق"، وافتقرت لتقييم المشهد السياسي والعسكري في اليمن كما هو قائم بين مختلف الأطراف المنخرطة بالداخل.
2. الاتهامات السعودية للبنان بتصدير المواد المخدرة، فعلى سبيل المثال: أعلنت حكومة المملكة – في إبريل 2021 - إحباط تهريب أكثر من مليوني قرص مخدر مخبأة في شحنات الفواكه اللبنانية، وفي يونيو 2021 أعلنت السعودية إحباط عملية تهريب أكثر من 14 مليون قرص مخدر داخل شحنة ألواح حديد قادمة من لبنان، كما أعلن لبنان في الشهر نفسه إحباط عملية تهريب جديدة لحبوب "الكبتاجون" المخدرة إلى السعودية.
دعائم غير مباشرة:
1. التداعيات المتباينة لتدخل حزب الله في المشهد السياسي اليمني والدعم لجماعة الحوثيين وتحركاتهم الميدانية، خصوصا في مأرب، حيث تشهد العلاقات السعودية اللبنانية فتورًا منذ سنوات نتيجة لهيمنة حزب الله على الوضع السياسي في لبنان فضلا عن ارتباطه المُعلن بالمحور الإيراني. فعلى سبيل المثال: برز التحول السعودي أكثر منذ انتخاب الجنرال ميشال عون، الذي يعد حليفًا لحزب الله، واستطاع خلال الفترة الماضية احتواء الغضب الشعبي منذ عام 2019، بالإضافة لتشكيل حكومة ميقاتي التي تعدها السعودية رهينة لحزب الله.
2. التداخل غير المباشر في سياقات المفاوضات السعودية الإيرانية، حيث أظهرت المفاوضات حالة من التصدع وعدم التوافق بين عدد من الملفات، وهو ما دفع إيران وبمساندة حزب الله لدعم التحركات الميدانية الحوثية في اليمن، وبالمقابل، سعت المملكة العربية السعودية للمقايضة بالورقة اللبنانية للحد من هيمنة حزب الله على خريطة التحركات الحوثية.
الجدير بالذكر، أنّ المفاوضات بين السعودية وإيران لم تحقق إلى الآن تقدمًا كبيرًا، ويستعد المتفاوضون لجولة جديدة، وبالمقابل يأتي الضغط السعودي في لبنان ربما ليصب في إطار الضغط على إيران لاستكمال حلقات التفاوض، وكذلك لإيقاف التصعيد الحوثي في اليمن خاصة في مأرب.
ثالثا - خيارات الحسم:
يبدو أنّ خيار التحرك ميدانيا لمدينة مأرب عسكريًا من الجهتين الجنوبية والغربية ليس خيارًا يعكس تفضيلات جماعة الحوثيين، خاصة بالنظر إلى حجم خسائرهم البشرية، بل هو في المقام الأول هروب من التداعيات الميدانية للتحرك بالصحراء الشرقية لمأرب. وهو ما انعكس بصورة مباشرة على جغرافية التطور العملياتي لخريطة التحركات في مأرب، وذلك على النحو التالي:
1. استندت جغرافية المعركة بمدينة مأرب، على استراتيجية "التطويق والمحاصرة" وذلك بالنظر إلى ثلاث جهات ملاصقة تقريبًا لسلسلة جبال البلق التي تشكل خط الدفاع الطبيعي الأخير عن المدينة. هذه الجهات هي الجنوبية، وتحديدًا مديريتي الجوبة وحريب اللتان سقطت أجزاء كبيرة منهما مؤخرًا بيد الحوثيين. إضافة إلى الجبهتين الغربية (صرواح)، والشمالية الغربية (رغوان ومدغل)، وقد سيطر الحوثيون على مساحات واسعة في هاتين الجبهتين، لكنهم أخفقوا في إحراز أي تقدم باتجاه البلق القبلي من منطقتي المشجح والكسارة منذ فبراير الماضي.
2. بالنظر للتحركات الأخيرة لجماعة الحوثيين، فقد اتخذت تحركاتهم الميدانية ما يشبه "حدوة الحصان"– وذلك عقب السيطرة على مديرية عسيلان التابعة لمحافظة شبوة جنوب شرق مأرب، وعلى منطقة الرويك بمحافظة الجوف المحاذة لمأرب (شمال شرق)، لتصبح عملية التطويق لمأرب من الغرب وأجزاء واسعة من الجنوب والشمال، تاركة جبهة الشرق (حضرموت وبعض المديريات الشمالية لمحافظة شبوة) مفتوحة بمساحة صحراوية شاسعة ومترامية الأطراف تشكل تقريبًا نصف مساحة محافظة مأرب.
3. بالمقابل، تُشكل الجهة الشرقية حائط صد، إذ تضع الصحراء حدا طبيعيا لتقدم الحوثيين، كما يمتد في وسطها طريق مأرب- العبر حضرموت، شريان مأرب الرئيس والحيوي خلال الحرب، وإذا ما حاول الحوثيون اجتياح مأرب من الشرق، أو الوصول إلى هذا الطريق الحيوي لاستكمال تطويق مأرب ومحاصرتها فسيكونون في مرمى نيران طائرات التحالف، وربما للقوات التابع للحكومة التي يقال إنها نصبت على جنبات طريق مأرب-العبر الصحراوي أكثر من أربعين نقطة تفتيش عسكرية. (2)
الجدير بالذكر، أنّ تحركات الحوثيين نحو تطويق المنطقة، يأتي في المقام الأول للاستيلاء على حقول النفط والغاز الطبيعي المسال في صافر، وهو التحدي الذي لن يتم إلا بإسقاط مدينة مأرب أولا، وهو ما يمثل المعركة القائمة خلال الموجة الجديدة من التحركات الميدانية بالجبهة الجنوبية "حريب والجوبة"، مع احتمالات تعليق تلك التحركات قياسا على الخبرة الميدانية بالجبهة الغربية "كسارة والمشجح". ليبقى التساؤل حول الخيارات المُحتملة لحسم المعركة في مأرب، والتي تتأرجح بين ثلاث سيناريوهات:
1. السيناريو الأول – انحسار التحركات الحوثية:
يُبنى ذلك السيناريو على فرضية " التغير بالدوافع"، إذ إنّ تعقيدات الصراع في مأرب، فضلا عن تردي الأوضاع الاقتصادية للحوثيين، في ظل ارتفاع كثافة سكان مناطقه وافتقاره للموارد الاقتصادية، حيث كل تلك العوامل ستدفع بالجانب الحوثي نحو ترجيحات التفاوض عبر تقدير تنازلات سياسية توفّر مخرجا آمنا للحرب يحفظ مكتسباته السابقة.
2. السيناريو الثاني - اللاحسم الميداني:
يُرجح ذلك السيناريو فرضية "عدم التغير في موازين القوة" مع ثبات المعيار الاقتصادي لدى الطرفين، وهو ما يدفع ببقاء تحركات "الكر والفر" بين الطرفيين المنخرطين بالعملية العسكرية في مأرب، وذلك على نحو استنزافي لكلا الطرفين، قد يدفعا بدورهم نحو التفاوض للحسم. وقد يترتب على تلك الخطوة التفاوضية تلبية المطالب الحوثية نحو الحصول على حصة من الثروة النفطية لمأرب، مشاركة أنصارهم في الحكم المحلي للمدينة مقابل وقف الحرب ورفع الحصار.
3. السيناريو الثالث - سقوط مأرب:
استنادا إلى حجم تضافر المعلومات الميدانية، فينتهي ذلك السيناريو إلى سقوط مأرب بيد الحوثيين، وما ينعكس على ذلك من تداعيات متباينة، أبرزها تحجيم أي تحركات نحو عملية تسوية قريبة، خاصة وأنّ الحوثيين سيكونون قد أثقلوا سلطاتهم في اليمن الشمالي وصاروا يشكّلون القوة العسكرية المحلية الأقوى في البلاد، من دون الحاجة إلى اعتراف المملكة العربية السعودية، والقوى الإقليمية والدولية، كما أنهم لن يكونوا تحت وطأة أي ضغط اقتصادي ملح يدفعهم إلى التسوية لسيطرتهم على مصادر الطاقة بمأرب.
تأسيسا على ما سبق طرحه، ففي حالة ترجيح أي من السيناريوين الأول أو الثاني، فلن تكون هناك تداعيات صارخة على سير العملية السياسية نحو التسوية السلمية، سواء بجهود إقليمية أو دولية، ويمكن المضي قدما نحو إنجاز أجندة المبعوث الأممي الرابع والتي ظهرت برسائله المباشرة بالإحاطة الاولى، لكن في حال تغليب السيناريو الثالث، واستيلاء جماعة الحوثيين على مأرب، فإن ذلك سيشكل عدد من التداعيات والتي تُعد بمثابة نقطة تحول باتجاه إعادة ترسم خرائط الصراع الداخلي وتحالفاتها بصورة مختلفة عن ما هو قائم اليوم، إذ أبرز تلك التداعيات ما يتمثل في:
- إعادة إنتاج سيناريو صنعاء: إذ يصعب على التحالف بقيادة السعودية القبول بسيطرة الحوثيين العسكرية على مأرب كأمر واقع يُفرض عليه. وهو ما يستدعي معه التحركات المضادة لسيناريو استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء ومن ثم، فقد يسعى التحالف بقيادة السعودية لتعطيل الدلالة السياسية الإقليمية والدولية للسقوط العسكري لمأرب، وحرمان الحوثيين من ترجمة تقدمهم إلى مزايا استراتيجية أو اقتصادية أو سياسية أو دبلوماسية، وذلك عبر تطويع أدوات متنوعة تكفل له تحقيق التأثير المطلوب، ومنها على سبيل المثال: إغلاق طريق مأرب - العبر (حضرموت)، والتحرك على الصعيد الدبلوماسي لتلافي اعتراف إقليمي / دولي بسلطة الحوثيين، إضافة إلى مواصلة القصف الجوي لأهداف عسكرية في محافظة مأرب وخارجها كلما دعت الحاجة، وتشديد الإجراءات والقيود القائمة بالفعل فيما يخص ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي، بالتوافق مع الحكومة المعترف بها دوليا.
- تصاعد احتمالات تدويل الصراع: إذ أنّ سقوط مأرب سيخلق حالة من الإرباك لدى الدول الإقليمية والمجتمع الدولي حول الوضعية السياسية والأمنية لجماعة الحوثيين، كونها تُعد فاعل من دون الدول، وبالمقابل تتجاوز سيطرة ذلك الفاعل أغلب الأراضي اليمنية، مما قد يدفع بإعادة تعريف "الجماعة" كمهدد للأمن والاستقرار الاقليمين، لا سّيما في حال إن أخفقت "مشاورات فيينا" المقرر استئنافها نهاية نوفمبر الحالي بالتوصل في نهاية المطاف لاتفاق مع إيران.
- تنامي خطر الاضطرابات الأمنية: إذ من المُحتمل أن يبني الحوثيين على انتصاراتهم في مأرب، إعادة تحركاتهم نحو بناء قدرات عسكرية بحرية متطورة - جنبًا إلى جنب - مع ممارستهم لأنشطة توسعية محدودة أو واسعة النطاق، وهو ما قد يمثل تهديدا نوعيا في منطقة جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
- الوضعية الضبابية للحكومة المعترف بها دوليا: حيث تتداخل في تلك النقطة معياريين، الأول يؤسس على تداعيات سقوط مأرب بيد الحوثيين، وماله من أهمية نوعية تعكس انحسار الحكومة المعترف بها دوليا لدى المجتمع الدولي وما يلحق بذلك من اضطرابات شعبية جديدة ضد حكومة الرئيس هادي كرد فعل على سقوط مأرب، والثاني يُبنى على "الشرعية القانونية"، وما يؤسس له قرار مجلس الأمن 2216.
تأسيسا على ذلك، يبدو إنّ إحدى أدوات التحرك السعودي – الخليجي في الأزمة اللبنانية، محاولة منهم نحو تقويض أدوات التمويل الإقليمي لجماعة الحوثي، والتي تُشكّل داعم رئيس في إعادة ترسيم الخريطة الميدانية لمستوى العمليات العسكرية بالأراضي اليمنية، خاصة بالنظر للأبعاد السياسية والأمنية لاحتمالات "سقوط مأرب"، وبالتالي التعجيل بهذا الأمر لتقويض ووأد عدد من التداعيات – حال تم حسم المعركة لصالح الحوثيين، إذ أبرزها ما يتمثل في:
1. تعقيد مهمة المبعوث الأممي الرابع في رأب الصدع واستئناف عمل المشاورات السياسية بين الأطراف اليمنية، وذلك لتنامي الخلل في ميزان القوى الداخلية لصالح جماعة الحوثيين. ومن ثم، أصبح هناك خلل في الأوراق المطروحة للمقايضة السياسية بين الأطراف الحوثية، والأخرى التابعة للحكومة المعترف بها دوليا. وبافتراض أنْ دفعَ الداعمون الإقليميون – تلك الأطراف المحلية- بأوراق مقايضة لإعادة توطئة ميزان القوة الفعلية على الأرض، لتهيئة بيئة متوازنة للمشاورات السياسية، فقد تنتهي تلك التحركات بعيدا عن احتمالات بناء السلام.
2. تصعيد القضايا "ذات البعد الإقليمي" مقابل القضايا "ذات البعد الوطني/ المحلي"، وذلك بالنظر لضعف الأطراف المحلية المكافئة لجماعة الحوثيين، وذلك في حالة سقوط مأرب، إذ من الناحية الفعلية، سيكون نجاح المشاورات بين الأطراف اليمنية مشروطًا بما تنتهى إليه السعودية على عدد من التحركات الإقليمية، حيث، أولاً: إحداث خرق عبر التفاهمات مع الحوثيين بشكل مباشر، ثانيا: التوطئة مع إيران بشأن قضايا تخص الأمن القومي السعودي، وانعكاس ذلك على علاقة الحوثيين بإيران على أمن المنطقة، وثالثا: ما يتعلق بمستقبل النفوذ الإقليمي في اليمن وذلك بالنظر إلى تحركات حزب الله اللبناني وتأثيراته المتباينة على التمدد الحوثي بالأراضي اليمنية.
كما إنّ بروز القضايا ذات البعد الإقليمي كقضايا أكثر جوهرية في النزاع يمكن أن يُصيب جهود تسوية الأزمة في اليمن - خاصة الأممية – بالتعثر والجمود، حيث أنّ تلك الجهود تفتقر إلى إطارات وآليات خاصة بحل المشكلات الإقليمية المرتبطة بالأزمة اليمنية، وهو ما يستدعي التفكير في حل الأزمة اليمنية بالاتجاه نحو إيجاد آلية لعقد مؤتمر إقليمي- دولي سياسي حول إنجاز متطلبات التسوية السياسية السلمية في اليمن.
متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي - القاهرة
- الصورة: جماعة الحوثي رفعت لافتة عملاقة عليها صورة جورج قرداحي في أحد شوارع العاصمة صنعاء، شمال اليمن (رويترز)
Previous article
Next article