15-12-2021 at 12 PM Aden Time
سوث24 | فريدة أحمد
في الثامن من ديسمبر الجاري، أقرّت اللجنة التنفيذية لكتلة وحلف جامع حضرموت في لقاء حضرموت العام بمنطقة (حرو)، بإنشاء النقاط الشعبية على مداخل ومخارج المحافظة الغنية بالنفط، في جنوب اليمن. تعددت وسائل هذا التحرك الشعبي، نحو الضغط لتحقيق مطالب المواطنين.
أعلن هذا التحرك أو "الهبة" وقف تصدير الثروة السمكية والحيوانية والزراعية حتى استيفاء السوق المحلي. كذلك منْع تصدير النفط إلى خارج حضرموت، نتيجة "فساد الحكومة" وعدم استفادة المواطن من ريع هذه الثروة، حسب ما جاء في بيان اللجنة (1). هذا إلى جانب تأكيد البيان، أواخر أكتوبر الماضي، على أن تبقى حضرموت منطقة عسكرية واحدة بقيادة النخبة الحضرمية في كل من الساحل والهضبة والوادي والصحراء(2).
لماذا الآن؟
يُعدّ خروج الناس في حضرموت مؤشراً عملياً على سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في المحافظة. وعلى الرغم من ردفها للميزانية العامة للدولة بأكثر من 75% من النفط والغاز، وعلى أن مساحتها تشكّل ثلث مساحة اليمن مجتمعة، إلا أنّ حضرموت تعاني من الإهمال والحرمان المستمر منذ سنوات، وتضاعف ذلك مع اندلاع الحرب الأهلية الأخيرة في 2015. يُعاني الحضارم بشدة من انعدام المشتقات النفطية، وفوق ذلك، يتم بيعها لهم بأسعار باهظة للغاية.
يحدث هذا وسط، نهب وتهريب ثروات المحافظة الكبيرة طيلة سنوات الحرب منذ 2015 وما قبل هذا التاريخ. تمتلك المحافظة عدداً من الآبار النفطية، من بينها حوض المسيلة، وقطاع 9 مالك، وقطاع غرب المكلا 41، وقطاع وادي عمد 82، وقطاع العين 72، وقطاع شمال المكلا 48، وقطاع الريان 57. وتنتج جميعها كميات ضخمة من النفط بشكل يومي(3). لم تُعلن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا حجم الإيرادات الناتجة عن بيع هذه الثروات، حيث تتهم القوى السياسية في جنوب اليمن، أطراف نافذة في الرئاسة اليمنية (الشرعية) بإيداع عائدات مبيعات النفط في حسابات بنكية شخصية في الخارج(4).
طالما يُشير بعض الأهالي عند الحديث عن هذه الاتهامات، لنائب الرئيس اليمني "علي محسن الأحمر"، والقيادات التابعة له في المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت؛ وهي قوات عسكرية تتبع أيدلوجيا وعسكريا جماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح).
لذا، ما الذي يعنيه هذا التحرك بالنسبة لحضرموت؟ ربما هو سؤال تستلزم إجابته البحث عن دوافع عدة لهذا الفعل، أهمها عامل التوقيت، والضرورة الملحّة لتشكيل مشهد محلي يخدم ويؤمّن المحافظة لا سيّما في الوادي، بالإضافة إلى تحديد الفاعلين الأكثر تأثيراً وأهمية؛ على مختلف المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية والاجتماعية، وإظهار مدى قدرتهم على فرض إرادة التغيير التي يصبون من خلالها النهوض بواقع حضرموت، بعد سنوات من الإهمال والاستغلال. والأهم من ذلك كله، مدى قبول هؤلاء الفاعلين بين أوساط المجتمع المحلي في حضرموت.
ملاذ أخير
منذ أن اشتدت وتيرة المعارك في محافظة مأرب مطلع العام، آخر معاقل القوات الموالية للرئيس اليمني في شمال اليمن، واستمرار تقدّم الحوثيين المدعومين من إيران، بدأت أطراف في الحكومة المعترف بها دوليا التحضير لعدة احتمالات في حال استمرت الانهيارات العسكرية وسيطر الحوثيون على المدينة، من بينها البحث عن ملاذ آخر لما تبقى من قواتها المنهزمة، خاصة وأن السيطرة الفعلية على العاصمة عدن للمجلس الانتقالي الجنوبي. فضلاً عن ذلك، فشبوة التي يسيطر على أجزاء منها حزب الإصلاح لا تشكّل بديلاً مناسباً لمقر الحكومة في الوقت الحالي، بسبب التوترات المستمرة والرفض القبلي المتكرر لوجود السلطة المحلية، فضلا عن اتهامها بتسليم مديريات بيحان، للحوثيين بدون مقاومة تذكر، حسب تصريحات متعددة لقيادات عليا في الجيش(5).
لذا قد يكون الخيار الأنسب، هو التسويق لمدينة المكلا كعاصمة مؤقتة للحكومة، كما تعتقد هذه الأطراف. ومن أجل ذلك بدأت جهات محسوبة عليها الترويج لهذه الفكرة، بهدف جس نبض الشارع واستشعار مدى تقبله لذلك. سبق لأطراف داخل الحكومة أن روّجت في وقت سابقة لإمكانية أن تكون مدينة سيئون عاصمة مؤقتة لها، إلا أنها قوبلت بالرفض والاستنكار شعبيا؛ خاصة وأن سيئون تقع وسط وادي حضرموت، وتتخذ منها المنطقة العسكرية الأولى مقراً لها وتخضع مباشرة لقوات شمالية يديرها الجنرال علي محسن الأحمر، المتهم بقربه من التنظيمات المتطرفة كتنظيم القاعدة، الذي تتخذ عناصره وادي حضرموت ملاذاً آمناً بعد إخراجها من مدينة المكلا في أبريل 2016. (6)
على حكومة هادي ألاّ تفترض أنّ المجتمع المحلي في حضرموت الر افض لسياساتها، سيتراجع عن تصوّره بشأنها، فالتحرك الشعبي الأخير قد يحدد أُطر وشروط المرحلة المقبلة. إذ يبدو أنّ أولويات ومصالح حضرموت ستكون أولاً وقبل كل شيء. وحين يتعلق الأمر بأهمية ومكانة حضرموت تاريخياً واقتصادياً وثقافياً، لا ينبغي لأي طرف أن يسعى إلى تغيير رأي أبنائها، لأنه يبدو من المحتمل أنّ "الهبة" التي انطلقت من أجل حضرموت لن تتوقف عند هذا الحد، بل ستزداد بصورة أكثر ديناميكية وتأثير. وعلى الرغم من التغيير الديمغرافي السكاني الكبير الذي تم التهيئة له خلال السنوات الماضية في بعض مناطق وادي حضرموت، إلا أنّ قرار إيجاد "وطن بديل" سيواجه برفض شعبي لبقاء حكومة هادي والأطراف التي تديرها في أراضي المحافظة.
حاضنة اجتماعية
لا يختلف كثيراً وضع محافظة حضرموت عن وضع العاصمة عدن من حيث الازدواجية في السلطة، غير أن عدن تعدّ أفضل حالاً من الناحية السياسية من خلال اقتسام السلطة بالمناصفة بين الحكومة المعترف بها دوليا والمجلس الانتقالي الجنوبي وفقاً لاتفاق الرياض. بيد أن وجه الاختلاف بين عدن وحضرموت، هو الانقسام العسكري الحاصل بين الساحل الذي يدير سلطته اللواء الركن "فرج البحسني" محافظ حضرموت وقائد المنطقة العسكرية الثانية وقوات النخبة الحضرمية، وبين الوادي الذي يديره اللواء الركن "صالح طيمس"، قائد المنطقة العسكرية الأولى، التي تخضع لسلطة نائب الرئيس "الأحمر" مباشرة.
وعلى الرغم من ذلك، ينظر المجتمع المحلي في حضرموت لقادة المنطقة العسكرية الأولى بنوع من الريبة وعدم الارتياح، نتيجة تفاقم ظاهرة الاغتيالات والتقطع والانفلات الأمني في الوادي. على سبيل المثال: اغتيل مسؤول أمني مع اثنين من مرافقيه وسط مدينة سيئون في أكتوبر الماضي إثر انفجار عبوة ناسفة زرعها مجهولون. كما تعرّض مدير عام مديرية شبام، هاشم غالب لمحاولة اغتيال في مدينة سيئون بالمثل؛ أواخر نوفمبر الماضي. وهي عمليات من عشرات أخرى مشابهة خلال الأعوام الأخيرة، تواجه بانتقادات لاذعة لوزير الداخلية اليمني "إبراهيم حيدان"، الذي يتخذ من مدينة سيئون مقراً له، ولا يحقق معالجات أمنية ملموسة للحد من هذه العمليات.
ويُمكن فهم الموقف الحضرمي بشكل أفضل، من خلال تمييز الفرق بين مديريات ساحل حضرموت التي تتسم بمستوى كبير من الأمن والاستقرار بفضل قوات "النخبة الحضرمية"، وقوات المنطقة العسكرية الثانية، وبين مديريات وادي حضرموت التي تتمركز فيها قوات شمالية لا تلقى قبول أو حاضنة شعبية، لكونها من خارج حضرموت أولاً، ولتصاعد أعمال العنف والانفلات الأمني في الوادي ثانياً. وعلى الرغم من مطالبات المجتمع المحلي الحضرمي بتسليم الأمن والحماية لقوات محلية من أبناء الوادي أنفسهم، على غرار ما هو معمول به في الساحل، إلا أنّ إصرار بقاء قوات المنطقة العسكرية الأولى في الوادي، يفسّر رغبتها في استمرار الاستحواذ على ثروات المحافظة وتأمين حقول النفط الخاصة بقيادات وتجار شماليين، وفي مقدمتها حقول "علي محسن الأحمر".
تجدر الإشارة إلى أنّ رفض تنفيذ عملية نقل القوات العسكرية المتواجدة في وادي حضرموت وشبوة بالمثل، عملاً باتفاق الرياض تحت بند الشق العسكري، كان أحد أسباب الهزائم المتتالية للجيش الوطني في جبهات مأرب المشتعلة، وفقا لمراقبين عسكريين محليين وخليجيين، رغم حاجة الجيش والقبائل هناك للتعزيز والدعم. بدروه، كان المجلس الانتقالي الجنوبي، قد طالب مرارا بسحب القوات العسكرية من وادي حضرموت وشبوة والمهرة، وتوجيهها للقتال ضد الحوثيين. غير أن هذه المطالبات عادةً ما تقابل بالتجاهل أو الرفض.
يمكن القول، وبالاستناد على تصريحات الوجاهات القبلية والشعبية في حضرموت، أنّ التحرّك الحضرمي في مختلف مديريات الساحل والوادي لن يتوقف إلا بـ "معالجات جذرية"(7)، والرسالة التي يريد أبناء حضرموت إيصالها لا تعبّر إلا عن نفاذ الصبر الذي وصلوا إليه نتيجة السياسات الخاطئة تجاه المحافظة. كما أنّ من شأن إعادة النظر في تأمين مناطق ومديريات وادي حضرموت، يستوجب أن تولى مسؤوليته لقوات حضرمية تمتلك حاضنة شعبية واجتماعية مثل "النخبة الحضرمية"، التي أثبتت موثوقية في تأمين مدن ومديريات الساحل، بالإضافة لنجاحها في إخراج عناصر تنظيم القاعدة بالتوازي مع قوات التحالف العربي بقيادة الإمارات من المكلا عام 2016.
علاوةً على ذلك، فإن تأمين محافظة مركزية ومحورية كحضرموت، لديها قطاعات نفطية هي الأكبر في البلاد، ولديها حدود برية مشتركة مع السعودية، وموانئ رئيسية مثل ميناء المكلا، فضلاً عن ثروتها الكبيرة من موارد طبيعية، تتطلب أن تُولى مسؤوليتها لا سيما في "الوادي"، لقوات أمن محلية من داخل النسيج الاجتماعي الحضرمي نفسه، لأنّ المجتمع المحلي هناك يواجه مشكلة مع سلوك القادة العسكريين الذين ينحدر معظمهم من الشمال.
باحثة مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: أهالي ينضمون للجان الشعبية في حضرموت، 12 ديسمبر 2021 (سوث24)
Next article