رشاد العليمي خلال استقباله من قبل رئيس الوزراء الكويتي في مطار الكويت، 6 يونيو 2022 (رسمي)
23-06-2022 at 8 PM Aden Time
سوث24 | نانسي زيدان
يواجه اليمن أزمة اقتصادية عميقة تهدد قدرة الحكومة للحفاظ على الخدمات العامة الحيوية، حيث انخفض الناتج الاقتصادي لليمن بشكل كبير، ليُقدر الانخفاض تقريبًا إلى نصف مستوى ما قبل الصراع. وكان للأحداث المناخية والتداعيات الاقتصادية لوباء COVID-19 والحرب في أوكرانيا، تأثيراتها، بالإضافة للضرر الكبير الذي لحق بالبنية التحتية الحيوية. في ظل تلك الأحوال انطلق وفد من المجلس الرئاسي في جولة زيارات للدول العربية الكويت ومصر وقطر، باحثاُ فيها على شُركاء وداعمين قادرين على مُساعدة اليمن في محنتها المُعقدة، إضافة إلى شركائه في السعودية والإمارات.
لمحة عن اليمن اقتصادياً ومُجتمعياً
يُعاني اليمن من تضخم كبير مدفوع بمزيج من ارتفاع أسعار السلع العالمية، وانخفاض قيمة العملة، وتبعات الحرب في أوكرانيا المؤثر الأضخم في ارتفاع إضافي بأسعار الواردات الحرجة، مثل القمح: ثاني أكبر سلعة مستوردة في اليمن بعد الوقود (ما يقرب من نصف واردات اليمن من القمح تأتي من روسيا وأوكرانيا)، علماً بأنه على المستوى المحلي، ساهم انخفاض قيمة العملة في زيادة أسعار المواد الغذائية المحلية بنسبة تتراوح بين (20 و30 %). كما أن هذه الديناميكيات فاقمت أزمة الغذاء الحادة بالفعل، فيقدر برنامج الغذاء العالمي بالفعل عجزًا في التمويل لمدة ستة أشهر بنحو ( 0.7 مليار) دولار أمريكي في اليمن وحده لتغطية مستوى الضرورة لحوالي( 13 مليون) شخص.[1] فقد ساءت التقديرات الرسمية لحالة الأمن الغذائي في اليمن بشكل كبير في العامين الماضيين، حيث ارتفعت النسبة التي عانت من انعدام الأمن الغذائي الحاد من حوالي) 45 % (من السكان في العام (2020) إلى ما يقرب من (58 %) من السكان في العام(2022) تشمل الأسباب الرئيسية لتفاقم الأسعار ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية، والتخفيضات الكبيرة للمساعدات الغذائية الحيوية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون ، والانخفاض الكبير في قيمة العملة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليًا مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.[2]
وبالرغم من أنّ اليمن بلد نفطي، حيث سيطر قطاع النفط على الاقتصاد لما يقرب من عقدين من الزمن ولكن كان له تأثير محدود على رفاهية السكان. فبين عامي(2005) و(2014)،كان إنتاج النفط هو أهم عنصر في الناتج المحلي الإجمالي، وساهم قطاع النفط بنحو (75 %) من إجمالي الإيرادات العامة، إلا أن النمو المدفوع بالنفط تسبب في توسع قطاع الخدمات غير القابلة للتداول التجاري بينما تضرر قطاعا الزراعة والصناعة، ولذلك سُرعان ما تأثر الداخل اليمني بحالة الصراع المُتزايد فارتفع معدل الفقر الوطني من (34 %) في العام 2005 إلى ( 48 %) في العام 2014. أدى تصاعد التوترات وتدهور الأوضاع الأمنية بين عامي (2005) و(2014) إلى انخفاض حاد في إنتاج النفط.[3] كان لذلك أكبر تأثير سلبي على الناتج المحلي الإجمالي وتراجع الإيرادات الحكومية. على الرغم من عدم توفر الأرقام الرسمية باستمرار، إلا أن توقعات البنك الدولي تشير إلى أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي قد تقلص بنسبة (50%) خلال العقد الماضي، باستثناء العام (2018) عندما ارتفعت مساعدات المانحين وانتعش إنتاج النفط مؤقتًا. بعد الإغلاق شبه الكامل بالعام(2015).
تسببت سلسلة من الصدمات المحلية والخارجية الجديدة، بما في ذلك جائحة COVID-19، ووباء الكوليرا، والكوارث الطبيعية المتعلقة بالمناخ، في حدوث تقلّصات متجددة في عامي(2020/2021) لدرجة أدت لتدهور القوة الشرائية وتقويض الاستهلاك الخاص، لا سيما في جنوب اليمن. وامتزج ذلك مع تداعيات الحرب من إضعاف التجارة حيث الخسائر الرأسمالية الثابتة، وإغلاق الموانئ، وقصور العملات الأجنبية، وتقلب أسعار الصرف. ونتيجة لذلك، يقارن أداء الاقتصاد الكلي المقدر لليمن منذ العام (2010) بشكل سيئ رغماً عن موارده النفطية مع تجربة المقارنات الإقليمية والهيكلية، بما في ذلك البلدان الهشة الأخرى.[4]
يتضح لنا إلى أي مدى، أنّ اليمن ليس بالبلد الفقير من حيث الموارد النفطية والموقع الاستراتيجي والموانئ الحيوية، ولكنه يُعاني من تضارب داخلي طويل الأمد، وقد نُهبت موارده وأصبح اليمن ساحة للنفوذ الإيراني ومساحة للحروب بالوكالة. ورغماً عن ذلك وكما يُظهر الرسم البياني التالي أن المُجتمع اليمني في زيادة سُكانية وصلت لحوالي 30 مليون نسمة في تقييمها، حيث ترجع النسب الأعلى للشباب والأطفال، مما يُشكل أحد العوامل التي تُحتم تضافر الجهود لإنقاذ اليمن وشعبه من براثين "الإرهاب" والفساد، بتدعيم عملية السلام وصولاً لصيغة توافقية ضامنة لحياة مُستقرة.
الجولة الخارجية الأولى للمجلس الرئاسي
توجه وفد من مجلس القيادة الرئاسي بقيادة "رشاد العليمي"، بعد خمسين يوماً من السلطة بجولة من الزيارات الخارجية على مستوى الدول العربية لتضم الكويت ومصر وقطر، والمرور على الرياض بطريق العودة لعدن[5]. دون شك أن اليمن يحتاج دعم حاضنته العربية، وتفعيل دعم الشُركاء الإقليميين لإحكام مُحاصرة التمدد الإيراني في اليمن الذي استفحل لدرجة سببت بالغ الضرر لدول الجوار اليمني، خاصة بعدما خاضت الرياض مع طهران خمس جولات من التفاوض والنقاش الدبلوماسي في العراق. وتُعتبر أهم النتائج الإيجابية لتلك الجولات رغم محدوديتها، أن إيران لم تُعيد إرسال ممثل دبلوماسي للحوثيين بعد وفاة "حسن ايرلو"، وبالتالي انتهت إمكانية الاعتراف بالحوثيين كحكومة أمر واقع في صنعاء[6]، خاصة بعدما تولت الرياض رعاية إجراءات تشكيل المجلس الرئاسي في إبريل الماضي، وتم ترتيب هدنة مؤقتة، أعلنت الأمم المتحدة بمُساندة أمريكية أوروبية تمديدها لمدة شهرين إضافيين في محاولة لمواجهة الأوضاع الإنسانية الصعبة وفتح ممرات دبلوماسية جديدة تدفع لإتمام عملية السلام[7]. كما أنّ قُبيل الجولة الخارجية، أقر مجلس القيادة الرئاسي، تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة لمناقشة توحيد كافة القوات في إطار وزارتي الدفاع والداخلية لتحقيق الأمن والاستقرار بموجب المادة الخامسة من إعلان نقل السلطة في البلاد[8] .
اختار الوفد جولته لتكون إلى دول لها ثِقل ومردود حيوي في الأزمة اليمنية. بدءا بالكويت التي لها تاريخ طويل من الاندماج في تطورات الداخل اليمني. ويعود التدخل الدبلوماسي الكويتي في اليمن إلى العام (1967)[9]. كما أنه دائماً ما أكد مسؤولون كويتيون أن الأزمة اليمنية لا يمكن حلها إلا من خلال عملية سياسية وليس بالوسائل العسكرية، ولذلك كان دورها محدودًا للغاية منذ العام (2015) في عمليات التحالف العربي في اليمن. إذ ظلت مشاركة الكويت في غارات التحالف الجوية ضئيلة وتمركزت القوات البرية الكويتية على طول حدود السعودية والإمارات.[10] كما أنه في فبراير الماضي وقع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي اتفاقية جديدة لتزويد خمسة مستشفيات في اليمن بإمكانية الحصول على الطاقة الشمسية وبناء قدرات قطاع الرعاية الصحية لتقديم نتائج صحية محسنة لحوالي 100 ألف شخص من الحالات الحرجة، ليأتي هذا الدعم في إطار تعهد دولة الكويت المعلن في مؤتمر للعام (2021) لدعم الوضع الإنساني في اليمن، بتقديم منحة قدرها (20 مليون) دولار أمريكي من الصندوق الكويتي[11].
لذلك حظي "الوفد الرئاسي" في زيارته للكويت بتعهد المسؤولين الكويتيين بإعادة النظر في تعزيز الدعم في برامج التعاون المختلفة، لا سيما على المستويات الاقتصادية والإنسانية والسياسية والخدمية، بما في ذلك زيادة عدد المنح الدراسية الأكاديمية في المجالات الأمنية والعسكرية، وتوفير التسهيلات اللازمة للمقيمين اليمنيين المغتربين وأبنائهم في الكويت.[12]
وتأتي مصر لتكون المحطة الثانية في جولة أعضاء المجلس الرئاسي. ينظر اليمنيون للقاهرة كشريك جدير بالثقة، حيث تم استقبال الوفد بحفاوة من الرئيس السيسي في قصر الاتحادية بالقاهرة، وتمت مُناقشة التحديات في اليمن، وأهمية المضي قدماً بالعملية السياسية لإنهاء معاناة الشعب اليمني الشقيق. بالمقابل، أشاد "العليمي" بالرعاية والمعاملة الحسنة التي تتلقاها الجالية اليمنية في مصر. كما ناقش الجانبان إمكانية تكرار الدعم المصري لليمن في عملية الإعمار والبناء والتنمية، مثلما يحدث مع العراق[13]. وشددا على تكثيف الجهود لحماية أمن وحرية الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والخليج العربي لارتباط تلك المسألة الحيوية بالأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين.
كانت القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية (NAVCENT) مؤخراً قد أكدت، هي الأخرى، على أهمية الأمن في البحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب الحيوي[14] وتُعتبر اليمن بوابته الأصلية، تلك المنطقة البحرية التي تهتم مصر بشدة لاستقرارها الأمني. ولأجل ذلك أسست مصر في العام (2020) قاعدة برنيس العسكرية، التي تعد أكبر قاعدة عسكرية بمنطقة البحر الأحمر.[15]
وقبل ذلك كانت مصر قد أعلنت في مايو الماضي عن رحلات جوية مباشرة جديدة بين القاهرة وصنعاء للمرة الأولى منذ بدء الصراع. وفي أوائل يونيو، أشاد الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بالدور الذي لعبته كل من مصر والأردن وعمان والسعودية في جعل الهدنة التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن ممكنة."[16] فالدور المصري في الأزمة اليمنية يظهر ويتعاظم كلما اتخذت التفاعلات شكلها الإقليمي، لقدرة مصر على دعم آلية الحوار على المستويات المختلفة، لقوة العلاقات المصرية والسعودية الفاعل الرئيسي في اليمن، ولعلاقات مصر الوثيقة مع الأردن، التي تشهد على مُحادثات إقليمية أُممية لبلورة حلول لمُستجدات عملية السلام باليمن. كما لمصر تجربتها الداعمة للتنمية في العراق، والمُحتوية للعملية السياسية في ليبيا، كما كانت مصر منفتحة على العمل مع سوريا كجزء من مجموعة الدول العربية التي ترغب في إرساء الاستقرار في المنطقة.[17]
اختتم رئيس وبعض أعضاء الوفد الرئاسي جولتهم بزيارة الدوحة، حيث أكد أمير قطر على اهتمام الدوحة بدعم التوافق السياسي القائم داخل مجلس القيادة الرئاسي وإصلاحاته الاقتصادية والخدمية، وتخفيف معاناة الشعب اليمني. ربما يعكس أيضا لقاء بعض أعضاء الوفد برئيس غرفة تجارة وصناعة قطر[18]، اهتماما قطريا تنمويا او استثماريا في اليمن.
حقائق وتوصيات
وإلى جانب هذه التطورات، يعد التغيير الأكثر بروزًا في أنماط العنف السياسي الناجم عن الهدنة الأممية التي مددت إلى مطلع أغسطس القادم، هو الانخفاض الحاد في أحداث الضربات الجوية والطائرات بدون طيار خلال الشهرين الأولين من الهدنة. إذ انخفضت أحداث الضربات الجوية والطائرات بدون طيار بنسبة (78%) مقارنة بالشهرين السابقين (انظر الخريطة أدناه) وبنسبة (61%) مقارنة بالفترة نفسها من العام (2021). استمرت فترة الهدنة الأولية (62) يومًا من (2 أبريل إلى 2 يونيو). للمقارنة مع فترة زمنية التي تسبق الهدنة مباشرة، (30 يناير إلى 1 أبريل)، وفقا لمركز تحليل الأزمات (أكليد).[19]
المصدر: ACLED
وعلى الرغم من أنّ الهدنة استطاعت إسكات آلة الحرب بشكل كبير، إلا إن الحكومة اليمنية وميليشيات الحوثي تبادلتا الاتهامات بارتكاب آلاف الخروقات منذ بدء سريانها[20]. كما أنّ أحد العوامل التي تُثقل أعباء المجلس الرئاسي حالياً هو تفاقم اضطرابات اجتماعية للارتفاع الضخم في سعر الوقود، وصعوبة الأحوال المعيشية[21].
ورغم صعوبة المشهد في الداخل اليمني إلا أن هناك عدة عوامل بالمقابل تُشجع على أن تكون النظرة المُستقبلية للملف اليمني أكثر تفاؤلا، خاصة في ظل كثافة الترتيبات العربية –العربية، والتي يمكن قراءتها في زخم الزيارات المُتبادلة بين الرؤساء العرب مع تأكيدات على طرح ملف الأزمة اليمنية في مُباحثات جامعة الدول العربية وفي اللقاءات البينية لرؤساء الدول، قُبيل زيارة الرئيس "جو بايدن" المعلنة للمنطقة. في ضوء ذلك أخبر مصدر بجامعة الدول العربية "سوث24": " أنه رغم حساسية الأزمة [اليمنية] وصعوبتها إلا أنّ الأمور الإيجابية في الملف اليمني على وشك أن تُستجد قريباً، وتكون نهايته مُفرحة للشعب اليمني" حد قوله.
ويبقى من المُهم إدراك أن آفاق اليمن الاقتصادية على المدى القصير تظل غير مؤكدة بشكل تام، حيث سيتم تشكيلها بعمق من خلال تطور عملية السلام أو الصراع والظروف الأمنية الشاملة. كما أنّ تصاعد الأعمال العدائية بالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط الدولية من شأنه أن يقوّض البيئة المعقدة بالفعل، التي يعمل فيها القطاع الخاص. لذلك قد تشكّل التحويلات المالية المتزايدة من دول مجلس التعاون الخليجي، وتحسين السيولة المالية، وزيادة صادرات الهيدروكربون، وآفاق عملية السلام، طوقَ نجاة لتعزيز مرونة الإطار الاقتصادي الكلي والمالي في اليمن. لكن من الناحية العملية، فإن عدم الاستقرار وانعدام الأمن في البلاد يقيدان بشدة وصول اليمن إلى الأسواق العالمية[22].
[1] Yemen Economic Monitor, Spring 2022: Clearing Skies Over Yemen?, World Bank, 14 Jun 2022, p15.(31) bit.ly
[2] Yemen Economic Monitor, op.cite. p9. (24)
[3] Yemen Economic Monitor, Spring 2022: Clearing Skies over Yemen? , World Bank, 14 Jun 2022, p.1. (17)
[4] Ibid, p3.(19)
[5] رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي ينهون الجولة الخارجية الأولي، 18 يونيو2022، alayyam.info
[6]أحمد عليبه، الثوابت المصرية والمُتغيرات في الحالة اليمنية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، acpss.ahram.org.eg
[7] توفيق على، ماذا بعد تمديد الهدنة في اليمن؟، 4 يونيو 2022، independentarabia، bit.ly
[8] زيارة العليمي للكويت وقطر ومصر الأهداف والنتائج المتوقعة؟ | حديث المساء، اليمن، Jun 8, 2022، youtube.com
[9] Giorgio Cafiero, Kuwait’s Yemen foreign policy, August 12, 2020, mei.edu
[10] Ibid.
[11] Kuwait Fund and UNDP team up to re-open hospitals in Yemen, 24 Feb2022, reliefweb.int
[12] Riyadh - Abdulhadi Habtor, Kuwait Commits to Increasing Support to Yemen in All Fields, 9 June, 2022, bit.ly
[13] Sarah El-Sheikh , Al-Sisi stresses pushing forward political process in Yemen, June 12, 2022, bit.ly
[14] SETH J. FRANTZMAN, Red Sea security on Egypt's agenda in meetings with Yemen – analysis, JUNE 11, 2022, jpost.com
[15]السيسي يفتتح أكبر قاعدة عسكرية بمنطقة البحر الأحمر،15 يناير 2020، bit.ly
Previous article
8 Days ago