جامعة الدول العربية (اندبندنت)
16-07-2022 at 11 AM Aden Time
سوث24 | إيمان زهران
ثمة عدد من التحولات الدولية والإقليمية التي تدفع بمزيد من الصياغات العربية التوافقية نحو إعادة النظر في فرضية "التكامل الإقليمي"، حيث من أبرز تلك التحولات ما يلي:
• التحولات الدولية: ما أفرزه التصعيد الروسي بالأراضي الأوكرانية على إعادة تشكيل أنماط التحالفات الدولية، بالإضافة إلى التغيّر في السياسة الخارجية للإدارة الديموقراطية الأمريكية نحو "إعادة ضبط العلاقات" مع القوى العربية. وذلك لعدد من العوامل، منها: تخبط التقديرات حول العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وتزايد الأهمية النسبية للدول العربية المنتجة والمصدّرة للطاقة، بالإضافة إلى سرديات الصراع الأمريكي مع روسيا والصين.
• التحولات الإقليمية: انتهاء الاستقطاب الخليجي- الخليجي وعودة قطر للحاضنة العربية، وطرح مقاربة جديدة بشأن الأزمة اليمنية، وعودة الدور للقوى التقليدية بالإقليم وفي مقدمتهم القاهرة. فضلاً عن تنامي اتجاه عربي نحو بناء علاقات متوازنة مع الإقليم.
هذه التحولات تخلق فرصة كبيرة لإيجاد توازنات جديدة في الإقليم، قائمة على فرضية إعادة الاعتبار لأدوار القوى الرئيسية، ممثلة في مصر وقوى مجلس التعاون الخليجي، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات، والعراق والأردن، والتأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات الإقليمية، وعلاقات الإقليم مع القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وذلك بالنظر إلى أبعاد قمة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" مع مصر ودول مجلس التعاون الخليجي والعراق والأردن، وما تؤسسه لطبيعة العلاقات الأمريكية العربية خلال المرحلة المقبلة.
تهديدات قائمة
ثمة عدد من التهديدات والتي تتنوع ما بين التقليدية وغير التقليدية لأمن الإقليم العربي، أبرزها:
• التهديدات الإيرانية:
أحد أبرز التهديدات التي تستوجب إعادة توحيد الصف العربي، هو تمدد النفوذ الإيراني وأجنداته في الدول المأزومة بالإقليم. فعلى سبيل المثال: وكلاء طهران في كل من اليمن، وسوريا، ولبنان، والعراق. إذ بالنظر إلى حالة بغداد، فقد عززت إيران حالة الانقسامات الطائفية وذلك فيما بعد الغزو الأمريكي للعراق مُستغلة في ذلك ضعف القوات النظامية في تلك الأثناء، فضلاً عن حالة الفوضى المجتمعية والانهيار المؤسسي. وبالسياق ذاته بالنظر إلى حالة جماعة الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، والتمويلات المباشرة وغير المباشرة للفصائل السياسية والعسكرية في سوريا.
• هشاشة دول الإقليم:
إذ تنعكس "هشاشة الدولة الوطنية" على تفاقم معدلات الاضطراب الأمني بالإقليم، فعلى سبيل المثال: ساهمت الدول ذات الهشاشة الداخلية – مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا - في تصدير العديد من الأزمات الإنسانية كأزمة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، وكذلك الأزمات الأمنية والمرتبطة بتنامي حدة التطرف والتنظيمات الإرهابية كتنظيم القاعدة وداعش. وبرغم تراجع حدة الصراعات القائمة بـ "دول الهشاشة" مع وجود تحركات إقليمية ودولية لبحث مسارات التسوية السلمية، إلا أن حالة عدم الاستقرار التي تشهدها تلك الدول لازالت تمثل تحدياً هاماً لأمن الإقليم.
• الاضطرابات الأمنية في اليمن:
على الرغم من نجاح مشاورات الرياض الأخيرة في حلحلة الأزمة القائمة، إلا أن سيطرة جماعة الحوثيين – المدعومة من النظام الإيراني - على صنعاء منذ 2014، شكلت العديد من التوترات سواء على المستوى الداخلي اليمني، أو الخارجي الإقليمي العربي. وذلك بالنظر إلى جُملة المشاهدات التالية [1]:
• على المستوى الداخلي: حيث عمدت جماعة الحوثيين على توظيف كافة أدواتها العسكرية لإعادة ترسيم الخرائط الميدانية لجغرافيا الصراع اليمني، مثل سيطرة الجماعة على محافظة البيضاء، وما تلا ذلك من التحركات المتباينة نحو محافظة مأرب ومحاولتها التقدم نحو شبوة، وعدد من النقاط الميدانية، وذلك في إطار استراتيجية الجماعة نحو الدفع بالأداة العسكرية مقابل الحوار السياسي لتحقيق المزيد من المكاسب التمثيلية.
• على المستوى الخارجي: وذلك عبر توسيع جماعة الحوثيين لنطاق هجماتها لتشتمل على ما بعد حدود الدولة الوطنية اليمنية – خاصة للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات - من خلال استهداف عدد من المنشآت النفطية، والبنية التحتية الاستراتيجية. علاوة على المؤسسات الحيوية لبعض المناطق مثل: جازان، نجران، وعسير، بسبب التقارب الجغرافي والحدود المشتركة للمناطق الثلاث مع محافظة صعدة اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وذلك في إطار عدد من الرسائل السياسية والأمنية، أبرزها: البروبغندا الدعائية من خلال الترويج لقدراتهم العسكرية على جبهات متنوعة داخلياً وخارجياً، وكذلك إرباك المملكة السعودية وعناصر التحالف لتخفيف الضربات الجوية ضد تمركزات الحوثيين في الداخل اليمني، مما يخدم استراتيجية الجماعة في التمدد بعدد من المحاور وضمان مزيد من السيطرة الميدانية.
• تنامي حجم التهديدات الأمنية "اللا متماثلة":
ثمة عدد من التهديدات الأمنية غير التقليدية وغير المتكافئة التي تنعكس بشكل مباشر على تهديد استقرار الإقليم. وهو ما يتمثل في [2] : " إعادة إنتاج خرائط انتشار التنظيمات الإرهابية والحركات المتطرفة بالإقليم عقب انحسارها في سوريا والعراق وانتشار ما يسمى بـ "ظاهرة الذئاب المنفردة"، أعمال القرصنة وتهديد السفن التجارية في الخليج العربي، وتنامي أعمال الجريمة المنظمة، وذلك عبر استهداف شخصيات سياسية معارضة أو استهداف المصالح العربية في دول أجنبية مثل استهداف البعثات الدبلوماسية. بالإضافة إلى تهديد الأمن السيبراني الذي أصبح يمثل تهديداً متصاعداً وله تداعيات متنوعة على مختلف القطاعات الحيوية بما فيها الأمن القومي، خاصة مع تزايد الهجمات والجرائم الإلكترونية وتنوعها، وصعوبة التصدي لها في ظل التطور المستمر في تقنيات المعلومات بما فيها الاختراق والفيروسات. فالتطور السريع في التكنولوجيا يشكل أرضية خصبة للجرائم الإلكترونية في ظل تطور نمط الثورة الرقمية في العديد من دول الإقليم العربي، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة التي اتخذت خطوات متقدمة في رقمنة الخدمات الحكومية وتوجيه اقتصادها نحو التكنولوجيا والابتكار.
تحركات متباينة
أفضت التحولات الدراماتيكية بالنظام العالمي على إثر التصعيد الروسي في أوكرانيا، إلى ضرورة إعادة النظر في إشكالية "توحيد فواعل الأقاليم الفرعية"، وإسقاطاً على الإقليم العربي، فثمة عدد من الإشكاليات التي تتطلب الحل قبل البدء في إنجاز متطلبات مقاربة شاملة لأبعاد "التكامل العربي"، وذلك بالنظر إلى:
• ضبابيه النظام الإقليمي:
يرتبط ذلك بحالة الضعف العام للقوى المركزية بالشرق الأوسط، وعدم استيعابهم لمجمل التفاعلات الإقليمية القائمة والمتداخلة مع النظام العالمي. وهو ما يؤسس لما يمكن وصفه بحالة اختراق من جانب القوى الدولية للإقليم. ذلك يتطلب وجود نظام مؤسسي يعمل على ضبط العلاقات بين الإقليم وقوى النظام الدولي المنخرطة بمُجمل تفاعلاتها. والذي ينقلنا إلى أهمية إعادة النظر في دعم النظام المؤسسي لجامعة الدول العربية، بما يمكنها من "ضبط العلاقات" بين الإقليم والنظام العالمي.
• اضطراب الوحدات السياسية:
تتعلق تلك الفرضية بدور "الدولة الوطنية" وحجم تأثيرها بمجمل التفاعلات الداخلية والإقليمية، فضلاً عن حدود انعكاس التفاعلات الدولية على أدوارها المتباينة محلياً وإقليمياً. وذلك بالنظر إلى النسق التقليدي، الذي يُعزى إلى أن "الدولة الوطنية" هي الفاعل الوحيد الذي تنتظم حوله مجمل التفاعلات السياسية والأمنية بالإقليم. دون النظر لحالة "الفاعلين من دون الدول". بالرغم من عمق تأثيرهم إذ أصبحوا يُشكلون مجمل التفاعلات القائمة بالشرق الأوسط وما يحظون به من اعتراف على المستويين الإقليمي والدولي في إدارة العديد من مسارات التسوية السياسية بالمنطقة. فعلى سبيل المثال: حالة حزب الله في لبنان، وجماعة الحوثيين في اليمن، وحركة حماس في قطاع غزة.
عدم وجود مقاربات إقليمية شاملة:
تُبنى تلك الفرضية على عدم بناء نهج إقليمي للتعامل مع كافة التحديات الأمنية – التقليدية وغير التقليدية - بالإقليم. فضلاً عن التمسك بالأسس المذهبية والعرقية والدينية في تحديد الهويات المتباينة كمعيار واضح للإقليم، دون تعيين معايير واضحة للاعتماد المتبادل أو التكامل الطوعي في تشكيل النظام الإقليمي وضمان استقراره وتأقلمه في ظل بيئة دول أمنية متغيرة، فضلاً عن ظهور أنماط جديدة من التحديات والتهديدات غير التقليدية تفرض "فرضية التكامل"، مثل: الإرهاب، والأمن البحري، والتغير المناخي، والجريمة المنظمة عابرة الحدود.
استناداً إلى ذلك، تصاعد بالفترة الأخيرة نمط "دبلوماسية القمم العربية" كأحد المساعي نحو إعادة إنتاج "التكامل الإقليمي العربي"، وذلك بالنظر إلى حجم التحركات العربية - العربية المتباينة خلال الفترة الماضية، والتي انعكست على سياقات القمة الأمريكية بالرياض مع كل من "دول مجلس التعاون الخليجي، مصر، الأردن، العراق"، خلال الفترة من 15-16 يوليو 2022، حيث أظهرت الرغبة العربية في إنجاز المتطلبات الآتية:
1. محورية القضايا العربية:
وهو ما انعكس بشكل رئيسي على مجمل التحركات العربية الفترة الأخيرة، والزيارات المتبادلة لتوحيد الأجندة العربية في ظل نظام دولي يُعاد تشكيل فواعله في أعقاب الأزمة الأوكرانية الحالية. فعلى سبيل المثال: تشير تحركات السياسة الخارجية المصرية خلال فترة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى تعاظم تأثير مصر في عدد من الملفات العربية، ومنها تهدئة منسوب الأزمة في ليبيا، وحوار الفصائل الفلسطينية، والتهدئة بين الفصائل الفلسطينية وخاصة حماس مع إسرائيل، وتوجيه مساعدات إغاثية للبنان واليمن، ودعم أمن الملاحة في الممرات الدولية كمضيق باب المندب، والتصدي لخطر الإرهاب العابر للحدود، والعمل على إعادة إعمار الدول العربية المأزومة أو المنهارة فيما يُعرف بدبلوماسية البنية التحتية، فضلاً عن العمل على تنقية الأجواء العربية ودعم العمل العربي المشترك قبل انعقاد القمة العربية المقبلة في الجزائر بحلول نوفمبر 2022 [3]. ولذلك، تزامنت زيارات القيادات العربية إلى مصر مع قيام الأمين العام لجامعة الدول العربية "أحمد أبوالغيط" بزيارة الجزائر للترتيب المسبق لتلك القمة. كما أعقبتها زيارتا الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى كل من سلطنة عمان والبحرين. فضلاً عن ذلك، فإن القمم المصرية-الإماراتية في فترات مختلفة من عام 2022، عكست أيضاً العمل على تطوير منظومة العمل العربي المشترك، بما يساعد على حماية الأمن القومي العربي وتعزيز القدرات العربية على التصدي للتحديات التي تواجه المنطقة والتهديدات المتزايدة للأمن الإقليمي. [4]
2. التكامل الاقتصادي البيني:
تُبنى تلك النقطة على حجم التأثير المتبادل لـ "دبلوماسية الاقتصاد البيني" بالإقليم العربي، فعلى سبيل المثال: برزت ملامح التكامل الاقتصادي العربي في عدد من القضايا النوعية مثل المياه والطاقة، كمشروعات إدارة المياه العربية بين كل من مصر والعراق، والعراق وسوريا. كما تصاعد تأثير الطاقة في تعزيز المصالح المشتركة بين الدول العربية، وهو ظهر في تحركات القاهرة لإمداد بيروت بالغاز المصري عبر الأراضي السورية والأردنية، والحد من نقص الطاقة في لبنان. فضلاً عن إعادة إدماج سوريا في المنظومة العربية، بعد إعلان الحكومة العراقية اعتزامها استيراد الغاز الطبيعي من سوريا. بالإضافة إلى مشروعات الربط الكهربائي بين مختلف الدول العربية، مثل مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان، وإعادة النظر في إمدادات الكهرباء للدول العربية المأزومة (العراق ولبنان وسوريا)، على ألا يكون الاعتماد من جانبهم على فواعل من خارج الإقليم بشكل منفرد مثل (إيران). وذلك جنباً إلى جنب، مع بناء شراكات اقتصادية وصناعية عربية تشمل القوى المؤثرة بالإقليم، وفي مقدمتها: مصر والإمارات والسعودية، بالإضافة إلى الأردن والعراق وقطر.
تجاوز الاستقطابات الإقليمية:
تتلخص تلك النقطة في محاولة تجاوز "المباريات الصفرية" بين أطراف القوى الصاعدة بالشرق الأوسط والمنخرطة بدوائر التفاعلات العربية القائمة. فضلاً عن محاولة خلق مساحات مُشتركة يُبنى عليها مواقف إقليمية موحدة كمحاولة لحلحلة القضايا العالقة أو المسائل الخلافية والتي تنعكس بشكل مباشر على مُجمل التحديات على الأمنين الوطني والإقليمي. وتؤسس لتلك النقطة عدد من العوامل الداعمة لتصفير الاستقطابات القائمة وخفض التصعيد بين القوى الإقليمية المؤثرة في الشرق الأوسط، أبرزها [5]، أولاً: التأثيرات المتصاعدة للصراعات الداخلية العربية وانعكاساتها المباشرة على الإقليم، مثل الصراع القائم في ليبيا واليمن والذي ينخرط به عدد من الفواعل الإقليمية سواء تركيا أو إيران. ومن ثم، لا يتوقع تهدئة الصراع اليمني إلا عبر توافق سعودي-إيراني. كما أنه لا يمكن تهدئة الصراع الليبي إلا بتوافق مصري-تركي، وثانياً: حل القضايا العالقة بين الأطراف العربية والقوى الشرق أوسطية، والتي تعكسها الحوارات غير الرسمية والمحادثات الاستكشافية المعلنة مثل المحادثات الاستكشافية بين مصر وتركيا.
3. مقايضة القوى الدولية:
ترتبط تلك الفرضية بالتفاهمات العربية نحو تكوين تصوّر إقليمي موحد حول أبرز القضايا التي تُمثل تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة، منها: رفع واشنطن لجماعة الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. الوضع القائم للصراع في اليمن ومآلات التسوية السلمية وما يمكن البناء عليه من مخرجات مشاورات الرياض، الموقف القائم من التهديدات الإيرانية وأذرعها الممتدة لضرب استقرار الإقليم العربي. فضلاً عمّا يتعلق بالتصور العربي الذي أعلن عنه ملك الأردن "الملك عبدالله" فيما يخص بتشكيل تحالف دفاعي إقليمي "ناتو عربي إقليمي"، وتسوية بعض الأزمات الممتدة مثل الحالة العراقية والسورية وتقويض التهديدات الإيرانية، بالإضافة لتوحيد الصف العربي للحد من انعكاسات الأزمة الروسية - الأوكرانية.
قواسم مشتركة
ثمة عدد من السمات البارزة الداعمة لإعادة النظر في تكوين مشروع "التكامل الإقليمي العربي"، وذلك بالنظر إلى التغير في ميكانزيم العلاقات العربية – العربية خلال الفترة الماضية، والتي أسفرت عن عدد من التوجهات الداعمة لخطوة "التكامل الإقليمي"، حيث:
- إرادة سياسية عربية:
تظهر تلك النقطة بالنظر إلى ما يُعرف بـ "الدبلوماسية الرئاسية"، والتي انتهجها في البداية الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" عبر تدشين عدد من المبادرات الرامية لوحدة الصف العربي، وتلا ذلك المملكة الأردنية الهاشمية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ودولة البحرين، ودولة العراق. إذ ثمة توافق عربي حول بناء تكامل عربي والتحرر من إملاءات القوى الدولية ذات النفوذ الواضح بدول الإقليم.
- وحدة القضايا المشتركة:
تنعكس تلك النقطة على حجم التهديدات المشتركة التي أصبحت كافة دول الإقليم تواجهها، وفي مقدمتها تهديد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وذلك بالنظر لإعادة تموضع تنظيم داعش بالمنطقة عبر ظاهرة "الذئاب المنفردة" عقب انحساره في سوريا والعراق. فضلاً عن إعادة بروز نشاط تنظيم القاعدة عقب الخروج الأمريكي من أفغانستان وسيطرة حكومة طالبان على الدولة. وذلك جنباً إلى جنب، مع تنامي التهديدات الإيرانية عبر تمدد أذرعها في كافة الدول المأزومة بالإقليم، وفي مقدمتها "الحوثيين في اليمن، تيار الصدر في العراق، حزب الله في لبنان". فضلاً عن قضايا "التشبيك والتكامل والتنمية الاقتصادية"، كأحد أهم المحركات العربية نحو إنجاز متطلبات العودة إلى التكامل الإقليمي.
- تطبيقات الأمن الجماعي
تتعلق تلك الفرضية بما أثير حول إنشاء "ناتو إقليمي عربي"، وذلك على غرار حلف شمال الأطلسي "الناتو". كمسعى عربي لملء الفراغ الناتج عن تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة من جانب، فضلاً عن الانخراط الروسي بالتصعيد في أوكرانيا من جانب آخر. بالإضافة إلى تطلع قوى أخرى للمنافسة على أدوار سياسية وعسكرية في الشرق الأوسط، وفي مقدمتهم الصين. فضلاً عن مواجهه كافة التحديات الجيوسياسية بالمنطقة، والتصدي لمجمل التهديدات السياسية والأمنية المتصاعدة بالإقليم العربي. وبالرغم من أن الخبرة التاريخية للإقليم العربي تكشف عن فشل كافة المبادرات الرامية لتشكيل تحالفات للأمن الجماعي خلال العقود الفائتة، بدءاً من محاولات تشكيل "حلف بغداد" في خمسينيات القرن العشرين الماضي، وصولاً إلى محاولة تشكيل "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" (MESA) [6]، إلا أن الحديث عن تلك التحركات الحديثة في ظل جُملة المُتغيرات الإقليمية والدولية، قد تمنح فرصة لإعادة النظر مرة أخرى في تبنى مصفوفة عمل موحدة لتطبيقات الأمن الجماعي العربي.
فرص النجاح وسياقات الإخفاق
بالنظر إلى مُجمل العناصر السابق ذكرها، فثمّة عدد من الفرص الداعمة لإنجاح سيناريو "التكامل العربي"، مقابل عدد من السياقات التي قد تدفع بإخفاق ذلك المشروع الإقليمي. وذلك بالنظر إلى:
- فرص النجاح:
1. تنامي حدة التهديدات السياسية والأمنية بالإقليم العربي، وذلك بالنظر إلى تشعّب وتمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، وعسكرة أذرعه بكافة الدول المأزومة والتي في مقدمتها "اليمن، والعراق، ولبنان، وسوريا". فضلاً عن التهديدات الأخرى المتعلقة بالتنظيمات الإرهابية، وأعمال القرصنة وتهديد الملاحة البحرية الدولية، والجريمة المنظمة.
2. ما كشفته الأزمة الأوكرانية من ضرورة إنجاز متطلبات "الاستقلال الاستراتيجي العربي"، وفك الارتباط عن الشركاء الدوليين على اختلاف أجنداتهم المتباينة بالإقليم العربي.
3. ما تحمله كافة دول الإقليم العربي من أجندات وطنية تنموية تسعى لإنجازها مثل الأجندة التنموية المصرية 2030، فضلاً عن الرغبة العربية في إعادة شبكات "التكامل الاقتصادي البيني".
- سياقات الإخفاق:
1. الخبرات التاريخية السيئة لمحاولات الالتزام بهيكل "التكامل الإقليمي العربي"، نظراً لتباين الأجندات العربية ما بين الأمنية والسياسية والتنموية، فضلاً عن تصاعد قوى مؤثرة بالإقليم أجنداتها مغايرة للقوى التقليدية والتي تحظى بمركزية الثقل مثل القاهرة.
2. التهديدات والمخاوف الأمنية لدى الكتلة العربية ليست متجانسة، وسريعة التغير وفقاً لعمليات الموائمات السياسية القائمة في إطار الدفع بمسارات التسوية السياسية للدول المأزومة بالإقليم. فضلاً عن وجود اختلافات استراتيجية بين الدول العربية تتعلق بتصورات مختلفة حول طبيعة التهديدات الإيرانية.
3. التشكك في إنجاز متطلبات التشبيك والتكامل الاقتصادي بين مختلف الدول العربية، وذلك بالنظر إلى عدد من المشاهدات، أبرزها ما تعرّضت له اقتصادات المنطقة من انكماش اقتصادي كبير خلال 2021، كنتيجة مباشرة وغير مباشرة لجائحة كورونا، وما تلي ذلك من حجم الانعكاسات السلبية على دول المنطقة جراء الأزمة الأوكرانية. بما قد يشكك في احتمالات انجاز متطلبات التكامل الاقتصادي وفقاً للترتيبات العربية التي تمت في إطار من المبادرات والقمم الدبلوماسية السالف ذكرها.
المراجع:
[1] إيمان زهران، ملامح التفاعلات السياسية والأمنية بالمسألة اليمنية في 2022، مركز سوث24، 15/1/2022
[2] يسري العزباوي، التهدئة أو انفجار البارود.. سيناريوهات مستقبل الإقليم في ظل تصاعد التهديدات اللامتماثلة، تريندز للبحوث والاستشارات، اتجاهات استراتيجية (15)، مارس 2022: ص 19.
[3] سبوتنك، لهذه الأسباب اقترحت الجزائر عقد القمة العربية نهاية العام، 10/3/2022
[4] محمد عز العرب، لماذا تصاعدت دبلوماسية القمم المصرية ــ العربية؟، الحائط العربى،6/7/2022
[5] محمد عز العرب، لماذا تصاعدت دبلوماسية القمم المصرية ــ العربية؟، المرجع السابق
[6] إيمان زهرن، الولايات المتحدة وتشكيل تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي (MESA)، السياسية الدولية، 30/10/2018