(كردت الصورة: الجزيرة)
07-09-2022 at 2 PM Aden Time
سوث24 | د. إيمان زهران
يبدو أن هناك عدداً من المؤشرات التي تدفع باقتراب التوصّل إلى إنجاز متطلبات الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة الدفع بالصياغات التوافقية لعودة إيران للحاضنة الدولية عقب الترويج للصياغة النهائية لمسودة الاتفاق واستطلاع الرأي والتقييم لدى كلاً من واشنطن وطهران. وتأسيساً على ذلك، فلازالت المجموعة الغربية وإيران بجانب الولايات المتحدة الأمريكية في انتظار المضي قدماً نحو الخطوات التنسيقية الرامية لإنهاء ذلك الملف.
الجدير بالذكر، أن إيران قد سعت خلال الأطروحات الأخيرة إلى التمسك بـ، أولاً: ضمانات لاستدامة مشاركة الولايات المتحدة بالاتفاق دون انسحاب قياساً للخبرة التاريخية بعهد الرئيس السابق "دونالد ترامب"، وثانياً: رفع الحظر عن حساباتها البنكية وتعاملاتها الاقتصادية وخاصة النفطية مع كافة الدول. وهو ما يدفعنا بالتساؤل حول مستقبل الصياغة النهائية للاتفاق النووي الإيراني، فضلاً عن بيان حجم التخوّفات الإقليمية وانعكاساته المتباينة على ملفات المنطقة المضطربة سياسياً وأمنياً.
دوافع طهران
ثمة عدد من الدوافع التي صاغتها مختلف التفاعلات الداخلية المحلية والإقليمية والدولية نحو الإسراع بإنهاء مفاوضات فينّا والتوافق حول الصياغة النهائية للاتفاق النووي الإيراني، ولعل أبرز تلك الدوافع ما يتمثل في:
- مقايضة الداخل: تتعلق تلك النقطة بتعزيز مكانة التيار المحافظ في الداخل، خاصة بعد تصاعد موجات الاضطرابات الداخلية والتظاهرات. فضلاً عن انتقادات التيار الإصلاحي الذي يرجع فشل العديد من الملفات السياسية والأمنية إلى الحكومة الحالية، بخلاف الحركات الاحتجاجية التي شهدتها مدن إيرانية عديدة خلال الأشهر الماضية، نتيجة لشح المياه خاصة في مدن الجنوب، وأزمة استمرار انقطاع الكهرباء، وارتفاع الأسعار وغيرها من أزمات الداخل[1].
- استعادة الثقة: إحدى أهم الدوافع الإيرانية ما يتعلق بامتصاص غضب الشارع الإيراني، وإعادة ثقة الشعب في الحكومة مجددًا، وتعزيز فرص "إبراهيم رئيسي" في تولي فترة رئاسية ثانية، بالإضافة لاستمرار مكانة التيار المحافظ على هرم السلطة، وإنهاء كافة تطلعات التيار الإصلاحي في الوصول للحكم مجددًا.
- مراوحة الإقليم: حلحلة بعض الملفات المتعلقة بسياساتها الخارجية خاصة المتعلقة بفتح آفاق تعاون مع الدول العربية والغربية، وجذب مزيد من الاستثمار، وقد تفشل في بعضها إذا استمرت في التعامل معها من منطلق أمني وليس دبلوماسي، وهنا يُقصد تحديدًا المفاوضات السعودية الإيرانية المتعلقة بالأساس بالملف اليمني.
- هاجس الجمهوريين: إذ تخشى طهران نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر المُقبل، وذلك في ظل تنامي المؤشرات الرامية لاحتمالات فوز الجمهوريين بمقاعد الأغلبية. وهو ما يعني تعزيز فرص الحزب الجمهوري في الفوز بانتخابات الرئاسة المقبلة في نوفمبر 2024، وهو ما لا تُفضله طهران بالنظر إلى النهج الجمهوري الأكثر تشدداً تجاه الأجندة الإيرانية.
- المُعضلة الاوكرانية: ترتبط تلك النقطة بالانعكاسات المتباينة للتصعيد الروسي بالأراضي الأوكرانية، ومآلات ذلك الوضع على مسارات فينّا ومستقبل الاتفاق النويي الإيراني. فعلى سبيل المثال: تسعى موسكو لتبني سياسة "تشبيك الملفات"، من خلال استثمار دورها في الاتفاق النووي من أجل تعزيز موقعها في إدارة المواجهة مع الدول الغربية حول أوكرانيا. وهو ما يفسّر حرصها على المطالبة بالحصول على ضمانات تفيد عدم تأثر علاقاتها الاقتصادية مع إيران بالعقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب استخدام الخيار العسكري في أوكرانيا[2]. وهو ما رفضته الولايات المتحدة الأمريكية، حيث صرح وزير الخارجية "أنطوني بلينكين": "إن مثل هذه المطالب غير ذات صلة وأن العقوبات المفروضة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا لا علاقة لها بالاتفاق النووي الإيراني"[3].
تخوّفات قائمة
بالنظر إلى حجم التحركات الدولية القائمة نحو التوصل للصياغة النهائية للاتفاق النووي الإيراني بما يتضمنه من كافة بنود التوافقات بين طهران وواشنطن + المجموعة الدولية والأوروبية، فثمّة تخوفات تحيط بالمشهد المستقبلي لتبعات تلك التحركات، أبرزها ما يتمثل في:
- عودة طهران للحاضنة الدولية: إحدى أهم التخوّفات ما يترتب على عودة إيران مرة أخرى لاستئناف علاقاتها السياسية والاقتصادية مع كافة دول النظام الدولي. وما يُشكله ذلك من إعادة الثقل لنظامها السياسي الديني المتشدد عقب انحسار ضغوطاتها الاقتصادية.
- المقايضة بأوراق الطاقة: ثاني تلك التخوّفات ما يتعلق بما تمتلكه إيران من وفرة نفطية تؤهلها لأن تكون أحد اللاعبين الرئيسيين في إدارة ملف الطاقة عالمياً، وذلك بالتوازي مع تبني موسكو نمط "عسكرة النفط" وذلك في ظل التصعيد القائم بالأزمة الأوكرانية. ومن ثم، فمع إنجاز الصياغة النهائية للاتفاق النووي تمهيداً للإقرار الفعلي. فسيتم طرح إيران كبديل آمن للنفط والغاز الروسي لأوروبا وبأسعار معقولة حيث يعتبر ملف الطاقة أحد الأسباب التي ساهمت بالفعل في سعي أوروبا لإحياء الاتفاق النووي مع طهران، فعلى سبيل المثال: يبلغ إنتاج إيران النفطي حوالي 4 ملايين برميل يومياً، وفي حال رفع العقوبات وعودة الشركات الأجنبية للاستثمار فسيزداد هذا الرقم وفقا للعديد من التقديرات[4]، فيما تبلغ الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي مليار متر مكعب يوميّاً والذي تمتلك منه مخزوناً يُقدر بـ34 تريليون متر مكعب لتحتل بذلك المرتبة الثانية بعد روسيا[5].
- شرعنة النظام القائم: قياساً على تجربة 2015، وما انتهى إليه النظام الإيراني من اكتساب المزيد من الشرعية مقابل كسر العزلة الدولية – سياسياً واقتصادياً واستثمارياً - بإقرار الاتفاق النووي. ومن ثم، تتجدد المخاوف نحو إعادة الثقة في التيار المحافظ ونظام "المرشد" وتحركاته القائمة على المشروع الديني بالمنطقة والمتمثل في استراتيجية "الهلال الشيعي"، وهو ما يدفع بقوى الإقليم التقليدية والصاعدة من التخوّف من تلك النقطة، وذلك مع رفض الكافة لتيار الإسلام السياسي والقوى الراديكالية، والتخوّف من تمدد الحرس الثوري الإيراني وتنامي تحركاته الداعمة لقوى التطرف والإرهاب وانعكاساتها المباشرة على الاضطرابات السياسية والأمنية في المنطقة.
انعكاسات متباينة
ثمة عدد من الانعكاسات المتفاوتة على التوافق الدولي على الصياغة النهائية للاتفاق النووي الإيراني، أبرز تلك الانعكاسات ما تفرضه العودة الإيرانية للحاضنة الدولية من مزيد من التغلغل بكافة الملفات المضطربة بالإقليم، وذلك على النحو التالي:
- الملف اليمني: يُعد ذلك الملف الأبرز قياساً على حجم التعاون المباشر بين نظام طهران وجماعة الحوثيين، ومن المرجّح أن يزداد ذلك التعاون في حال إقرار الاتفاق ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة، وهو ما قد يدفع بتدفّق المزيد من التمويلات والأسلحة لجماعة الحوثيين، وهو ما ينعكس سلباً على ما تُشكله الجماعة من تهديدات متباينة سواء للداخل بالنظر إلى التمدد الجيوسياسي بالوسط والجنوب، وعسكرة المفاوضات السياسية وأطر التسوية السلمية استناداً إلى مبدأ "المكاسب على الأرض"، أو للخارج عبر استهدافها للكتلة الخليجية بالمسيرات، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
- الملف السوري: قد يمنح إقرار الاتفاق مزيداً من الأدوار المتصاعدة للحرس الثوري الإيراني بالملف عبر نقل السلاح إلى سوريا، ومحاولة موازنة الدور الروسي بسوريا، فضلاً عن فتح آفاق تعاون بين دمشق وأنقرة. وهو ما يتعارض مع أجندات حلفاء واشنطن، ويدفع الأخيرة بدورها نحو تقويض أذرع طهران في سوريا ومحاصرتها جيوسياسياً. فعلى سبيل المثال: "أعلن المتحدث باسم القيادة المركزية للجيش الأمريكي"سنتكوم" الكولونيل جو بوتشينو، في 23 أغسطس 2022، أن الجيش وجه ضربات عسكرية في محافظة دير الزور استهدفت منشآت بنى تحتية تستخدمها مجموعات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وأضاف أن هذه "الضربات الدقيقة تهدف إلى الدفاع عن وحماية القوات الأمريكية من هجمات على غرار تلك التي نفذتها مجموعات مدعومة من إيران في 15 أغسطس ضد عناصر من الولايات المتحدة عندما استهدفت مسيرات موقعاً للقوات المناهضة لتنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة من دون التسبب بسقوط ضحايا"[6].
- الملف الفسطيني: تُبنى تلك النقطة على حجم التعاون المتبادل بين إيران وأذرعها الممتدة بحركة حماس والجماعات الفلسطينية الجهادية، وهو ما يُنذر بمزيد من الآفاق التعاونية بالمستقبل، وذلك في ظل انتشار الاضطرابات بالأراضي الفلسطينية، بالتزامن مع الخلل المؤسسي وتأزم اختبارات الاستحقاقات الانتخابية لدى كلاً من السلطتين الفلسطينية والإسرائيلية. بالمقابل، تقف واشنطن بموضع إختبار لإلتزاماتها إزاء حلفائها، لا سيّما إسرائيل، واختبار ما يُعرف بـ "إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل"، وذلك حال الإعلان النهائي عن "التوافق الأمريكي" على الصياغة النهائية للاتفاق النووي.
- الملف العراقي: لا يختلف كثيراً عن كافة الأدوار المتباينة لإيران في كل من اليمن وسوريا وفلسطين، إذ تسعى طهران لإعادة تموضعها بالإقليم عبر تمدد أذرعها بكافة النظم الحاكمة بالمنطقة. والأمر ذاته ينطبق على الحالة العراقية ودعمها لتيار الصدر. إذ سيسهم الاتفاق في رفع العقوبات، وما يعكسه ذلك من تدفق للأموال التي سيتم توجيهها لتعزيز التمدد الإيراني بالمنطقة، وفي مقدمتهم العراق.
- الملف اللبناني: تتعلق تلك النقطة بالوضعية السياسية والأمنية لحالة "حزب الله" في لبنان، إذ في حال تم إقرار الاتفاق، سيمنح ذلك مزيداً من "حرية الحركة" لدى طهران على العديد من الجبهات الإقليمية، ومن ضمنها "لبنان"، فعلى سبيل المثال: من المُرجح أن تتدخل إيران - بشكل غير مباشر- بالمفاوضات اللبنانية الاسرائيلية حول حقول الغاز والتي باتت مسألة إقليمية تُدار وفقاً للرؤية الإيرانية. فبالوقت الذي تسعى فيه الكتلة الأوروبية لتخفيض وارداتها من الغاز الروسي عبر خلق أسواق جديدة بالشرق الأوسط، فقد رفعت إيران الرهانات من خلال تأكيدها بأن أمن إمدادات الغاز الإسرائيلية المحتملة إلى أوروبا قد يكون معرضاً للخطر في حال لم تؤخذ المصالح الإيرانية بالمفاوضات النووية على محمل الجد[7]. وساهم في ذلك الأمر سماح الكتلة الغربية بصورة عاجلة بضخ نفط طهران في الأسواق من أجل التعويض عن الحظر المفروض على الإمدادات الروسية.
- الملف الخليجي: بالرغم من الاتفاق الخليجي حول أنماط التهديدات الإيرانية والتي تتمثل في: التدخلات في الشؤون الداخلية والإقليمية، ودعم بعض الجماعات الإرهابية، وامتلاك السلاح النووي، وتعزيز القدرات الصاروخية الإيرانية. لكن بالمقابل، أفضت السياقات المباشرة وغير المباشرة للمفاوضات النووية – سواء في فينّا أو الدوحة - لتبني الطرفين الإيراني والخليجي لسياسة "الانفتاح الحذر"، وهو ما دفع الطرفين إلى تفعيل حوار إقليمي "إيراني – عربي" بوصفه بديلاً عن سياسات التصعيد الإقليمية بالتزامن مع تنامي مؤشرات قرب التوصل إلى صياغة نهائية للاتفاق النووي الإيراني، وما يلي ذلك من تعزيز نفوذ طهران كقوى صاعدة بالإقليم.
متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي، باحثة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
مراجع:
[1] انضمام مدن جديدة إلى الاحتجاجات في إيران رغم سقوط قتلى، وكالات واندبندنت عربية، 15/5/2022، bit.ly
[2] د. محمد عباس ناجى، عام على مفاوضات فينيا النووية: جرد حساب، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 6/4/2022، bit.ly
[3] ذهول في إيران من عرقلة روسيا لمباحثات الاتفاق النووي، موقع المشارق، 9/3/2022، bit.ly
[4] مع قرب عودة إيران للسوق، أوبك+ تدرس تخفيضات في إنتاج النفط، موقع investing.com ، 23/8/2022، bit.ly
[5] محمد عمر، عزل طهران: لماذا تُعارض إسرائيل إحياء الاتفاق النووي الإيراني؟، الحائط العربى، 24/8/2022، bit.ly
[6] د. محمد عباس ناجى، سياسات الردع: لماذا شنت واشنطن هجوماً في دير الزور؟، الحائط العربى ، 24 /8/2022، bit.ly
[7] Iran bets on global energy crisis to strengthen hand in nuclear talks , Amwaj.media, Jul. 6, 2022, bit.ly
Previous article
7 Days ago