المستشار الألماني أولاف شولتز بالرياض (رسمي)
06-10-2022 at 3 PM Aden Time
سوث24 | نانسي زيدان
منذ تصاعد تطورات الأزمة الأوكرانية، وتغيّر اتجاهات الغاز الروسي من أوروبا غرباً لعملاء موسكو الجدد الأسيويين شرقاً، أصبحت ألمانيا أول المُستفيدين من الغاز الروسي وأول المُتضررين من نقص مصادر الطاقة. فمع اقتراب فصل الشتاء اتجهت برلين لأهم مصدّري الطاقة في العالم، وهم السعودية والإمارات وقطر. لقد كان اللقاء الأخير بين الجانبين الألماني والسعودي في مدينة جدة في أبريل عام (2017)، بين المستشارة الألمانية السابقة "أنجيلا ميركل" وملك المملكة العربية السعودية. وبعد خمس سنوات، قام خليفة ميركل، "أولاف شولتز"، برفقة وفد من رجال الأعمال [1] بزيارة المنطقة.
خلال يومين توجّه الزعيم الألماني إلى السعودية ثم سافر إلى الإمارات، تلتها قطر، قبل أن يعود إلى بلاده. حيث تأتي زيارة "شولتز" في وقت تختلف فيه الأمور اختلافًا جذريًا عما كانت عليه عندما قامت ميركل برحلتها، سواء من حيث السياسة أو الوضع المتغيّر بشكل كبير فيما يتعلق باحتياجات ألمانيا من الطاقة. [2]
تُناقش الورقة أهداف التقارب الألماني الأوروبي من المنطقة العربية، وما في طيّات ذلك التقارب من صياغة للعلاقات الأوربية العربية، وما يغلّفها من تعاون ومؤازرة دولية من منطلق ميزان القوى والسيادة، والتي قد تُرجّح حاليا كفة المنطقة العربية عن نظيرتها الأوربية.
زيارة شولتز للخليج: أهداف ومصالح
تأتي زيارة "شولتز" للسعودية ثاني أكبر منتج للنفط في العالم، في إطار مساعي ألمانيا إلى تنويع إمداداتها من الطاقة، كما صرَّح "شولتز" حول تطلعاته أن تكون الشراكة مع الرياض مُتجاوزة الوقود الأحفوري لتشمل الهيدروجين والطاقات المتجددة. والسعودية هي ثاني أهم شريك تجاري لألمانيا في العالم العربي بعد الإمارات، كما تُعد برلين رابع أكبر مورد للبضائع إلى المملكة. والصادرات الألمانية الرئيسية إلى السعودية هي الآلات والسيارات والمنتجات الكيماوية والسلع الكهربائية والهندسة الدقيقة والبصريات، ذلك مع وجود مكتب الاتصال الألماني السعودي للشؤون الاقتصادية (GESALO) في الرياض، لأجل المصالح التجارية الألمانية في البلاد، وكذا اللجنة الاقتصادية المشتركة (GWK)، وهي منتدى سعودي ألماني يضم ممثلين عن الحكومة والشركات. [3]
وفي عام (2021)، بلغ إجمالي حجم التجارة بين ألمانيا والسعودية (4.42 مليار دولار)، وفقًا لتقرير ألمانيا للتجارة والاستثمار، وكان أهم منتج هو النفط. وشكّل ذلك حوالي (36%) من صادرات السعودية لألمانيا، تليها المنتجات الكيماوية والمواد الخام. ومع ذلك، في نوفمبر عام (2018)، قررت الحكومة الألمانية بقيادة "ميركل" تقييد صادرات الأسلحة إلى السعودية بسبب، من بين أسباب أخرى، مشاركة السعودية في الحرب على اليمن، إلا أنه برغم ذلك وتبعاً للواقع حينها تم إجراء استثناءات للمشاريع المشتركة مع الحلفاء العسكريين. [4] إلا أنه في غضون أسبوع من زيارة "شولتز" للمملكة، صرّحت الحكومة الألمانية عن صفقات جديدة لتصدير الأسلحة إلى السعودية. كما أوضح "روبرت هابيك"، وزير الاقتصاد الألماني، في رسالة إلى البوندستاغ أن "شولتز" وافق على عدة صفقات بشأن صادرات الأسلحة قبل رحلته إلى المنطقة، وجاء في الرسالة أن تراخيص التصدير جزء من برنامج مشترك مع إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا، لتكون الرياض قادرة على شراء معدات وذخيرة لطائرات (يوروفايتر وتورنادو) بقيمة (35.2 مليون دولار) [5].
على نحو آخر، وأثناء تواجد "شولتز" بالسعودية، دعاه سياسيون ألمان بارزون من مجموعة من الأحزاب، إلى معالجة هذه الأمور في مقال في دير شبيجل الألمانية، إذ تعرضت العلاقات الألمانية السعودية التي تأسست منذ العام (1929) [6]، لشيء من التوتر منذ عام (2018) على إثر مقتل الصحفي جمال خاشقجي [7]، إلا أن المسؤولين الألمان تداولوا بأن ألمانيا لديها ما تقدمه لشركائها في الشرق الأوسط، من منطلق إدراك أن السعودية لديها برنامج طموح يسمى "رؤية 2030"، والذي يتضمن بناء مدن بأكملها وطرق سريعة وأنظمة قطارات.
بموازاة ذلك، سلطت تصريحات السفير الألماني لدى السعودية، "ديتر لاملي"، في اجتماع صحفي عقده بعد زيارة "شولتز" للمملكة، أكد فيها أنَّ الهدف من الزيارة هو تعزيز وتعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وكذلك في مجال التعليم، وليس فقط في إبرام الصفقات. وقال لاملي: "نسعى إلى شراكة حقيقية من خلال تبادل المعرفة والخبرات، ليستفيد الجانبان من بعضهما البعض في تبادل المعرفة والتكنولوجيا والتعليم المهني". وتابع: “نعلم طبعاً أن المملكة دولة رائدة في الوطن العربي، والمملكة عضو في مجموعة العشرين، وبهذه الطريقة لها وزن كبير في المنطقة، وبدون إشراف فاعل من المملكة في جميع القضايا، لا يمكن حلها"، وذلك في إشارة منه لأهمية التواصل بين السعودية وألمانيا بخصوص ملف إيران النووي. استعانة بالتكنولوجيا الألمانية. [8]
وفي أبو ظبي المحطة الثانية من جولة "شولتز"، وأحد الشركاء الأهم لألمانيا في المنطقة والتي بلغ حجم التجارة الثنائية بينهما عام (2020) حوالي (7.51 مليار) يورو [9]، التقى مع الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان" ليتم اتفاق "أمن الطاقة" بين ألمانيا والإمارات لتوريد الغاز الطبيعي المسال والديزل، حيث شهد الزعيمان توقيع اتفاقية أمن الطاقة ومسرع الصناعة (ESIA) التي من شأنها تسريع المشاريع ذات الاهتمام المشترك" بين البلدين في مجال أمن الطاقة وإزالة الكربون [10]. بالإضافة لمشروع الصقر الأخضر وأول hydrogen value chain، لإنتاج الهيدروجين الأخضر في أبو ظبي. ومن هذا الهيدروجين الأخضر يصنع وقودًا صناعيًا (وخاليًا من ثاني أكسيد الكربون) لصناعة الطيران والشحن، ويُعاد تصدير الهيدروجين من الإمارات إلى ألمانيا سنويًا من أجل الوصول إلى الحياد المناخي. [11] كما إنه في إطار الاهتمام الألماني بالطاقة النظيفة، كان هناك لقاء في يوليو الماضي في "حوار المُناخ" ببرلين، بين المُستشار الألماني "شولتز" والرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" انصبّ على مُناقشة التعاون المشترك في مجال الغاز الطبيعي المسال والطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر، حيث تعدّ مصر بعد الإمارات مُباشرة في إنتاج الطاقة الشمسية، والأمونيا الخضراء والهيدروجين الأخضر وتوليد(11.6) جيجاوات بما يُعادل (1.57) مليون طن من الهيدروجين سنوياً. [12]
وفي إطار التفاوض الأوروبي من أجل الطاقة بالدول العربية، نشّطت فرنسا دبلوماسيتها ومُفاوضاتها مع الإمارات وأطراف الصراع اليمنية، أملاً في الحصول على الغاز اليمني في ظل ارتفاع أسعار الغاز دولياً ولتخفيف الضغط الروسي على أوروبا. علماً أنه في يوليو الماضي وقعت باريس وأبوظبي اتفاق تعاون في مجال الطاقة للإنتاج المشترك للغاز الطبيعي المسال. ووفقًا لتقارير صدرت في وقت سابق من العام، فإن التعاون في مجال الطاقة بين البلدين للضغط مع الجهات اليمنية لإعادة تصدير الغاز اليمني من خلال منشأة بلحاف، المملوكة لشركة النفط والغاز الفرنسية متعددة الجنسيات،" Total Energies SE".[13]"
بالمقابل، اختتم "شولتز" رحلته في قطر صاحبة المخزون الغازي الضخم، وتوافقت زيارته في الوقت الذي أعلنت فيه شركة "توتال إنرجي" الفرنسية عن صفقة كبيرة مع قطر، لتستثمر بموجبه شركة الطاقة الفرنسية العملاقة في استكشاف حقل غاز جديد لتصدير الغاز الطبيعي المسال (LNG)، وستأخذ حصة (9.4%) من المشروع [14].
إيران: صديق الألمان وقلق الخليج
تخطَّى الاستقبال الخليجي لزيارة "شولتز" الدفاع الألماني عن المواقف الإيرانية، وتم استقباله بشكل به كثير من الترحيب، فألمانيا كثيراً ما برّرت التصرفات الإيرانية في الخليج العربي أنها رداً على الاستفزازات الأمريكية، وساندتها في إطار مساعي إعادة الاتفاق النووي مرات عديدة، وذلك عكس رغبة ومصالح الخليج عامة والرياض خاصة، والسعودية تعي ذلك الأمر، إلا أن النهج البرجماتي الذي يُغلف السياسات السعودية مؤخراً يجعلها تستوعب كافة الفرص، وتتفهّم مساعي مُختلف الدول لتحويل التحديات لفرص أيضاً. [15]
جدير بالذكر أن ألمانيا حقّقت أكبر حجم للتجارة مع إيران من بين أعضاء الاتحاد الأوروبي في الأشهر السبعة الأولى من عام (2020)، وهو ما يمثل (41%) من إجمالي تبادلات إيران مع الكتلة الأوروبية [16]. بالإضافة للمساعي الألمانية لتوسيع المشاركة التجارية في الداخل الإيراني من خلال المشاركة في المعارض التجارية الإيرانية، بغض النظر عن نتيجة المحادثات لاستعادة المحادثات النووية لعام(2015)، والمعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة. [17] إلا أن الدعم الألماني لإيران وقوة العلاقات بين الجانبين ليست من منطلق اقتصادي، ولكنها تستند على ما يُمكن تسميته بـ"تفضيلات استراتيجية مُصاغة تاريخيًا"، ليقين مُتبادل إيرانياً وألمانياً أن كلا الشعبين من أصل واحد وهو "العرق الآري".[18] كما أن ألمانيا هي الدولة الوحيدة غير الحائزة للأسلحة النووية المُشاركة في المفاوضات النووية الإيرانية بجانب الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لهذا السبب كانت ألمانيا دائماً مع التنازل لصالح إيران بحق تخصيب اليورانيوم. [19]
في المقابل، تظهر الحكومة الألمانية القليل من التضامن مع الإيرانيين العاديين الذين يتعرضون للقتل والتعذيب والسجن من قبل النظام. [20] كما صرّحت وزيرة الخارجية الألمانية مؤخراً حول ضرورة أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على إيران بخصوص التعامل العنيف مع التظاهرات التي تنتشر في الداخل الإيراني وقمع المتظاهرين. [21]
ختاماً نجد أن الدول الأوروبية سريعة الخطوات في اتخاذ نهج التقارب التعاوني مع دول المنطقة العربية، والمؤكد أن ذلك من منطلق إدراك أهمية المنطقة ومواردها في التأثير على مُعادلات الطاقة العالمية. فالعقد الذي وقّعه "شولتز" مع الإمارات لتسليم (137 ألف) متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، والمفترض أن يصل إلى شمال ألمانيا في نهاية هذا العام، وصفقة توريد (33 ألف) طن من الديزل إلى ألمانيا هذا الشهر، وإمدادات إضافية من الديزل تصل إلى (250 ألف) طن شهريًا. يمكن أن تعوّض فقط عن جزء صغير من (56.3 مليار) متر مكعب من الغاز حصلت عليها ألمانيا من روسيا عام (2020) [22]. فزيارة "شولتز" ليست الأخيرة من زيارات زعماء الدول الأوروبية إلى دول منطقة الشرق الأوسط وتعزيز المساعي لإعادة بلورة العلاقات على أسس من الصداقة والتعاون والمصالح المُتبادلة، ليس فقط الاقتصادية، ولكن أيضاً السياسية والدبلوماسية، حيث لعبت السعودية مؤخراً دوراً مهم في عملية وساطة لإتمام صفقة تبادل رعايا أجانب مرتبطة بصفقة منفصلة أكبر لتبادل الأسرى بين أوكرانيا وروسيا.[23]
Previous article
9 Days ago