الملك السعودي والرئيس الصيني في بيجين - مارس 2017 (فرانس برس)
19-11-2022 at 5 PM Aden Time
سوث24 | د. إيمان زهران
لطالما كانت الدبلوماسية الصينية متمثّلة في تقوية وتعزيز الصداقة طويلة الأمد بين الصين ودول منطقة الشرق الأوسط. وعوضاً عن تشكيل تحالف سياسي أو أمني، سعت الصين لإنشاء شبكة اتصالات مختلفة ومتشابكة عبر كافة دول المنطقة تحكمها اعتبارات جيوسياسية واقتصادية تتشابه بشأنها محددات السياسة الخارجية لبكين تجاه المنطقة، سواء كانت مكافحة الإرهاب والتطرف الديني، أو الفرص الاقتصادية والتجارية الواسعة التي توفرها المنطقة للصين والتي تُعد الشريك التجاري الأكبر لدول الشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق باهتمامها الخاص بتطوير وترسيخ مبادرتها العالمية المعروفة بالحزام والطريق. وهو ما يدفعنا بالتساؤل حول ملامح الدور الصيني في الشرق الأوسط، وما يمكن أن تقدّمه بكين بالنظر إلى مسارات تحركاتها بالمنطقة، وما يمكن أن تؤول إليه القمم الثلاث المرتقبة، فضلاً عمّا يمكن أن تسفر عنه زيارة الرئيس الصيني إلى المنطقة.
تحولات سياسية
ثمّة عدد من التحوّلات النوعية بملامح استراتيجية بكين تجاه المنطقة العربية، إذ يؤسس لذلك التحول بدءًا من عــام 2016، وذلك من خلال [1]:
1. الزيارة الأولــى للرئيــس الصينــي، "شي جين بينغ"، إلـى دول الشرق الأوسـط (المملكـة العربيـة الســعودية، وإيران، ومصــر، والإمــارات العربيــة المتحــدة). وما حملته من دلالات ومضامين حيوية عقب التنامــي الكبيــر للانخــراط الاقتصــادي الصينـي فـي المنطقـة، إذ أتت الزيارة لتُرسل رسـالة واضحـة إلــى دول المنطقــة تعبّر فيهــا عــن أهميــتها بالنســبة للصيــن.
2. إصــدار بكيــن ثلاث وثائق رسمية تحدد مسار التحركات مع دول الشرق الأوسط، تمثلت في: الأولى، الوثيقة الرسمية المُعنونة بـ "خطــة الرؤيــة والإجــراءات" عــام 2015، والتــي تضمّنــت رؤيتها لمبــادرة "الحــزام والطريــق"، وطريــق الحريــر البحــري للقــرن الــ 21. بينما الثانية، فتمثلت في إصدار ورقــة سياســة عربيــة فــي 13 ينايــر 2016، بعنــوان "وثيقــة سياســة الصيــن تجــاه الـدول العربيـة"، والتـي تلخـّص رؤيـة الصيـن للمنطقـة. ومـن الأمـور الأساسـية التـي تضمنتهـا تلك الورقـة هـي تشـكيل معادلـة التعـاون (1+2+3)، إذ يمثـل الرقـم "1" الطاقـة بوصفهـا مصلحـة أساســية، ويمثــل الرقــم "2" البنيــة التحتيــة وكذلــك التجــارة والاسـتثمار، بينمـا يمثـل الرقـم "3" التعـاون فـي مجـالات الطاقـة النوويـة، والأقمـار الصناعيـة، ومصـادر الطاقـة الجديـدة.، والثالثة، تتمثل في وثيقة "الإعــلان التنفيــذي الصينــي العربــي" عــام 2018. [2]
الجدير بالذكر، أن الاستراتيجية الصينية في الشرق الأوسط تتلخّص في عدد من المبادئ الحاكمة لتحركات بكين في المنطقة، وذلك بالنظر إلى [3]:
1. أحـد أهم المبـادئ الشـاملة للسياسية الخارجية الصينية هو "عدم التدخل" في الشأن الداخلي، حيــث تحــرص بكين علــى ألا يُنظــر إليهــا وكأنهــا تتدخـل فـي الشـؤون المحليـة لـدول الشـرق الأوسـط، أو أنهـا تتخـذ موقفـاً واضحـاً بشـأن بعـض المسـائل الإقليميـة ذات النزعة الخلافية.
2. تدعــم الصيــن اســتقرار البنيــة السياســية لــدول الشــرق الأوسـط ووحدة "الدولة الوطنية"، وهـو الدرس الذي تعلّمتـه الصيـن بعد أن تعرضت مصالحها الاقتصاديـة فـي ليبيـا للخطـر؛ إثر سـماحها لقـرار مجلس الأمن الدولــي رقــم 1970 بالمــرور، ممـا أفســح المجــال للتدخــل الغربــي الــذي انتهــى بتغييــر نظــام الرئيــس الليبــي الأســبق "معمــر القذافــي".
3. لا تهتــم الصيــن بطبيعــة الأنظمــة السياســية الحاكمــة فــي المنطقــة، ولا تسعى لترويج أيديولوجيتهــا فــي الخــارج، وتتفــق مــع العديـد مـن دول المنطقـة فـي نظرتهـا إلـى الدعـوات الليبراليـة والديمقراطيــة مــن حيــث اعتبارهــا أدوات تخــص الــدول الغربيــة.
4. تأميـن أكبـر قـدر مـن الاســتقرار الأمنــي، كمتطلــب رئيســي للتنميــة الاقتصاديــة، بحيــث تتمكـن مـن إطـلاق برامـج الطـرق وسـكك الحديـد والموانـئ وأنظمـة الاتصــالات والمــدن التجاريــة الحــرة فــي ظــل بيئــة أمنيــة مســتقرة، وقــد قدمــت الصيــن مســاعدات اقتصاديــة لتطويــر قــدرات دول المنطقـة علـى ضمـان الاسـتقرار؛ بلغـت قيمتهـا 300 مليـون دولار أمريكـي؛ وفقـا لــ "الإعـلان التنفيـذي الصينـي العربـي" الخـاص بمبادرة "الحــزام والطريــق" لعــام 2018.
قمم مشتركة
صرّح الأمين العام لجامعة الدول العربية في عام 2012، خلال كلمته أمام الدورة الخامسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي، أن: "حان الوقت للنظر في إمكانية عقد قمة عربية صينية تعبيراً عن عمق ومدى التطور الذي وصلت إليه العلاقات بين الطرفين في إطار المنتدى والآفاق الواعدة لهذه العلاقات". وهو الأساس الذي تم البناء عليه لترتيبات القمة العربية الصينية، والتي تُعد الأولى من نوعها وفقاً لمبادئ بكين السابق ذكرها، وتستضيفها المملكة العربية السعودية، بما يحمله ذلك من دلالات نوعية في ظل جُملة من التحولات السياسية والاقتصادية والأمنية عالمياً، أبرزها:
1. إعادة تشكيل مسار العلاقات الصينية مع الكتلة الإقليمية العربية على نحو أكثر تمدداً، وذلك بالنظر إلى مركزية القمة المُرتقبة تحت مظلة جامعة الدول العربية.
2. إعادة ترسيم خرائط النفوذ الصيني، وذلك عبر تفعيل الأدوات الاقتصادية والسياسية للتمدد واكتساب المزيد من المساحات الجيوسياسية الجديدة بالشرق الأوسط.
3. الرغبة الصينية في التموّضع بالشرق الأوسط عقب الانسحاب الأمريكي من المنطقة، ويدعم تلك الفرضية عدد من المؤشرات، أبرزها [4]: أولاً، تنامي العلاقات التجارية الثنائية بين بكين ودول المنطقة، ثانياً، مشاركة دول المنطقة في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وثالثاً، التداخل الحذر لبكين في الصراع العربي الإسرائيلي، ورابعاً، توطين الإسهامات الأمنية الصينية بالشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال: ساهمت الصين بأكثر من 1800 جندي في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إلى منطقة الشرق الأوسط اعتباراً من عام 2020. وخامساً، حرص الصين على عدم الاهتمام بالقضايا الحقوقية، فضلاً عن زيادة التعاون العسكري مع أغلب دول المنطقة.
4. معادلة تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وتحوّلاتها القائمة والمتوقعة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية. على نحو ما يُفضي لإعادة توجيه أجندة الخارج لمناطق جيوسياسية جديدة وفقاً لمبدأ "الإزاحة للخارج"، والتشبيك المرن مع "حلفاء مُحتملين."
الجدير بالذكر، أن أغلب استطلاعات الرأي العربية تؤشر إلى أن الصين هي القوة الدولية الأكثر شعبية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالوقت الحالي، إذ تذهب تفضيلات دول المنطقة لتنويع حلفاءها، وبناء شبكة علاقات متباينة سياسية واقتصادية وأمنية مع العديد من القوى الدولية، وفى مقدمتهم الصين. [5]
تأسيسا على ذلك.. فثمّة ثلاثة محددات تُشكل في مضمونها المرجع الأساسي للتحرّكات المتبادلة الصينية الشرق أوسطية، وما يمكن أن يتم هيكلته في ضوء القمم الصينية العربية الخليجية المُرتقبة، وهو ما يظهر من خلال:
1. المحدد الأول: يتمثل في الحاجة المتزايدة لدولة الصين لتوفير احتياجاتها من الطاقة، وذلك في إطار التحرّك الخارجي لموازنة الانعكاسات السلبية المباشرة لتطورات الحرب الروسية الأوكرانية. حيث تستورد بكين ما يقرب من 70% من استهلاكها النفطي من منطقة الخليج.
2. المحدد الثاني: ما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الديموقراطي "جو بايدن" تجاه منطقة الشرق الأوسط والقائمة على "خفض الانخراط الأمريكي بالمنطقة"، والذي بدأ بالانسحاب الدرامي من أفغانستان، وما تلاها من الخروج التكتيكي من العراق، فضلا ًعن المواقف المتباينة/ والفاترة لواشنطن تجاه القضايا السياسية والأمنية بالمنطقة.
3. المحدد الثالث: ينعكس بصورة مباشرة على رؤية وتصورات أقطار الشرق الأوسط لمستقبلها الاقتصادي في ظل تراخي الإجراءات القائمة للتعافي من الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا على اقتصاداتها الناشئة، فضلاً عن محاولة دول المنطقة لمعادلة وتطويق الارتدادات المباشرة للحرب الروسية الأوكرانية على اقتصاديات المنطقة، على نحو ما يدفع بتفعيل سياسات "تنويع الحلفاء"، و"استقطاب الفواعل"، وفي مقدمتهم بكين.
المراجع:
[1] ستراتيجيكس، الاستراتيجية الصينية في الشرق الأوسط من منظور تحليلي
[2] الإعلان التنفيذي الصيني العربي الخاص ببناء "الحزام والطريق"، منتدى التعاون الصيني العربي
[3] ستراتيجيكس، الاستراتيجية الصينية في الشرق الأوسط من منظور تحليلي
[4] Danielle Pletka and Dan Blumenthal, “China Won’t Replace the U.S. in the Middle East”, Foreign Policy
[5] ماكيل روبينز، هل حانت ساعة الصين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟، الباروميتر العربي
Previous article
8 Days ago