أمير قطر يلبس اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي البشت الخليجي التقليدي، خلال حفل تكريم كأس العالم في ملعب لوسيل،18 ديسمبر 2022 (IMAGO PA Images Mike Egerton)
24-12-2022 at 4 PM Aden Time
سوث24 | فريدة أحمد
أُسدل الستار على بطولة كأس العالم 2022 التي أقيمت في قطر، خلال الفترة من 20 نوفمبر إلى 18 ديسمبر، والتي وصفها رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، "جياني انفانتينو"، بأنها "أفضل نسخة من نسخ كأس العالم على الإطلاق، من حيث المباريات الرائعة والجودة العالية للملاعب والجمهور المُلهم". من المثير للاهتمام أن مونديال قطر كان الأكثر جدلاً وانتقاداً منذ بدايته حتى أيامه الأخيرة، ولم يقتصر ذلك على أيام البطولة الثمانية والعشرين فقط، بل بالفترة التي سبقت ذلك عندما حصلت قطر على استضافة البطولة في 2010، وهي المرة الأولى التي تفوز فيها دولة في منطقة الشرق الأوسط لتنظيم كأس العالم.
فمنذ الإعلان عن نتيجة الفوز، واجه رئيس اتحاد الفيفا السابق، "جوزيف بلاتر"، انتقادات واسعة حول القرار وسط مزاعم بوجود مخالفات فساد كان السويسري "بلاتر" جزءاً منها. ورغم تبرئته من محكمة سويسرية في يونيو العام الحالي، غير أن الادعاء تقدم باستئناف على الحكم. كان المشهد الأكثر إثارة في هذا الجانب، هو دخول الفنان البريطاني الكوميدي "سيمون برودكين" لأحد المؤتمرات الصحفية للفيفا في 2015، ورميه مجموعة من الدولارات المزيّفة على "بلاتر"، وقوله: "هذه من أجل استضافة كوريا الشمالية لمونديال 2026". وهو ما فُهم أنّه موقف اعتراضي على سوء استخدام "بلاتر" لنفوذه في الاتحاد، من خلال تمريره قضايا فساد منها اتهامات بتلقيه رشاوي من قطر وغيرها. وفي محاولة من الأخير لنفي التهم الموجهة إليه، ذكر أن منح حق استضافة مونديال قطر 2022، حدث بسبب تدخل سياسي رفيع المستوى.
حملات إعلامية وانتقادات لاذعة
مع قرب بدء انطلاق صافرة مونديال قطر، بدأت انتقادات واسعة وحملات تحريضية منظّمة على الدولة المستضيفة، التي يناهز عدد سكانها 2.9 مليون نسمة، وتختزن ثالث أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم. كانت أكثر المواضيع الملفتة في هذا الإطار، هي حقوق العمال المهاجرين التي وصفتها جهات حقوقية بالأكثر فتكاً نظير التكلفة الباهظة لمئات الآلاف من العمال الذين دفعوا رسوم توظيف غير قانونية، أو سُرقت أجورهم أو حتى فقدوا حياتهم. إذ قامت قطر بإحضار أكثر من 30 ألف عامل أجنبي لبناء الملاعب الخاصة بكأس العالم، لترتفع 7 ملاعب جديدة لكأس العالم 2022 من الصحراء، ووسعت الدولة الخليجية مطارها وشيدت فنادق جديدة وسكك حديدية وطرق سريعة، وكل هذا كان قد شيّده العمال المهاجرون، الذين ووفقًا لمنظمة العفو الدولية يمثلون 90 ٪ من القوة العاملة في الدولة.
ورداً على الاتهامات المتواصلة لقطر منذ حصولها على حق الاستضافة في 2010، قامت الدوحة بخطوات نحو الإصلاح ووقعت اتفاقية مع منظمة العمل الدولية في عام 2017. وعبرها فككت نظام الرعاية الحكومي المعروف باسم الكفالة، ومنحت العمال حرية تغيير وظائفهم قبل انتهاء العقد دون موافقة صاحب العمل. كما أصبحت قطر أول دولة في المنطقة، تطبق حداً أدنى غير تمييزي للأجور، وسياسة تطالب أصحاب العمل بدفع أجور العمال في الوقت المحدد، واعتمدت سياسة جديدة بشأن الصحة والسلامة والتفتيش. غير أن ذلك لم يشفع لها وظلت المنظمات الدولية والصحف الدولية الغربية تلاحقها في ملفات أخرى.
بموازاة ذلك، تصدّرت قضية "مجتمع الميم" سيلاً من العناوين الرئيسية للوسائل الإعلامية الغربية، عندما أصدر الفيفا قراراً، بفرض عقوبات على اللاعبين الذين يرتدون شارة قوس القزح "حب واحد"، الداعمة للمثليين في مباريات مونديال قطر. ووفقاً لذلك، تخلّت سبع منتخبات أوروبية عن خططها الخاصة بارتداء الشارة في مباريات مونديال قطر، وعبّر كثير من الرافضين لقرارات الفيفا عن أنفسهم بعدة طرق، على سبيل المثال: وضع لاعبي منتخب ألمانيا أياديهم على أفواههم اعتراضاً على القرار، كما رفعت وزيرة الداخلية الألمانية الشارة على كتفها دعماً لمجتمع الميم في أحد مباريات منتخب بلادها، وعبّرت أنه "سيكون من الأفضل عدم منح حق استضافة البطولات لمثل هذه الدول". واعتبرت أن المعايير يجب أن تتضمن "احترام حقوق الإنسان" و"مبادئ الاستدامة".
في الوقت نفسه، كان أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني"، قد تعهد في كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن بلاده سترحب بكافة المشجعين في كأس العالم لكرة القدم "دون تمييز". ولاحقاً بعد بدء المونديال بأيام، أصدر الفيفا مرة أخرى، بياناً يؤكد فيه السماح للمشجعين بإدخال شعار ألوان قوس قزح "الداعمة للمثلية" وأغراض أخرى إلى ملاعب مونديال قطر. ورغم ذلك قررت عدة دول أوروبية من بينها فرنسا عدم السماح بنقل مباريات كأس العالم في الساحات العامة، وجاء تبرير الأخيرة بأن ذلك لا علاقة له بالمثلية، بل يعود لشروط تتعلق بالناحية البيئية والاجتماعية.
علاوةً على ذلك، كان الأمر الأكثر استنكاراً في الإعلام الغربي هو إقامة بطولة كروية عالمية في منطقة شديدة الحرارة تتجاوز 40 درجة مئوية صيفاً، خاصة وأن موعد إقامتها المعتاد هو شهري يونيو ويوليو. غير أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، قرّر تغيير المواعيد لتكون شتوية. مع ذلك، لم يحظ القرار بقبول كبير، لاسيّما وهو يصادف منتصف الموسم الكروي للدوريات الأوروبية الكبرى، مما رأى البعض أنّه سيؤثر سلباً على المعدلات البدنية للاعبين.
قد تكون أحد أسباب التركيز الإعلامي وحملاته على منطقة الخليج في مسألة كرة القدم، هو الاستثمار اللافت لأمرائها وأثريائها في الأندية الأوروبية، على سبيل المثال: اشترى الشيخ الإماراتي "منصور بن زايد"، وهو شقيق رئيس الدولة "محمد بن زايد"، نادي مانشستر سيتي الإنجليزي بحوالي 210 مليون جنيه إسترليني، فضلاً عن رعاية شركة "طيران الإمارات" لنادي أرسنال اللندني. كما يمتلك الشيخ القطري "ناصر الخليفي"، نادي "باريس سان جيرمان"، الذي يضم عدداً من اللاعبين البارزين. كما اشترى صندوق الثروة السيادية السعودي نادي "نيوكاسل يونايتد" الإنجليزي، والصندوق يخضع عملياً لسلطة ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان". ومؤخراً، أكدت تقارير صحفية، أن نادي النصر السعودي حسم بالفعل تعاقداً مع النجم البرتغالي "كريستيانو رونالدو"، ويتبقى التوقيع الرسمي، بصفقة تصل لـ 207.5 مليون دولار.
وفي سياقات انتقادية متصلة بترتيبات المونديال، برزت قضايا أخرى مثل منع شرب الكحول في الأماكن العامة، والالتزام باللباس اللائق وعدم إقامة علاقات خارج إطار الزواج وغيرها، في قائمة عناوين الصحف والبرامج الغربية، إذ واجهت الدوحة انتقادات واسعة فيما يتعلق بتقييد الحرية الشخصية، في الوقت الذي اعتبرته قطر مجرد إرشادات؛ الغاية منها الحث على احترام التقاليد المحلية. كما أن (الفيفا) علّق بضرورة التركيز على البطولة والتوقّف عن توزيع الدروس الأخلاقية للآخرين. وجاء في خطابه، "نحن في الفيفا نحاول احترام جميع الآراء والمعتقدات، من دون إعطاء دروس أخلاقية لبقية العالم، فواحدة من نقاط قوة هذا العالم هي تنوعه، وإذا كان الاندماج يعني شيئا، فهو يعني احترام هذا التنوع، إذ لا يوجد شعب أو ثقافة أو أمة أفضل من الأخرى".
إشادة بالتنظيم
في مقابل الانتقادات الواسعة التي طالت قطر، أشادت وسائل إعلام دولية بجاهزية الدولة لاستضافة بطولة كأس العالم 2022، ووصفت تقارير دولية، أن قطر أضحت مركزاً رياضياً وسياسياً واقتصادياً في الشرق الأوسط، وحققت نهضة كبيرة في مجال الابتكار الرياضي، مما يؤهلها لاحتضان أهم الشركات العالمية في هذا المجال. وأشاد تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، بمدينة "لوسيل"، التي بُنيت من الصفر على مدار الـ 20 عاماً الماضية، والتي مثلت معلماً تذكارياً يجسد طموح قطر وازدهارها العمراني، الذي قد تمتد آثاره إلى أحداث كبرى أخرى فيما بعد نهائي كأس العالم. كما أشادت بالتنظيم الرائع للبطولة، ونجاح قطر في استيعاب التدفق الكبير للزوار الأجانب الذين أتوا من كل حدب وصوب لمتابعة منتخباتهم الوطنية.
وكان رئيس وزراء بريطانيا "ريشي سوناك"، قد هنّئ قطر بتنظيمها نسخة "مذهلة" من نهائيات كأس العالم، وكتب على تويتر، أن دور المجموعات كان من "أعظم" الأدوار في تاريخ البطولة. كما غرّد الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، مثنياً على جهود قطر في البطولة، مضيفاً، "للمرة الأولى تُنظَّم بطولة كأس العالم لكرة القدم في العالم العربي، وتشهد على تغيّرات ملموسة جارية، بذلت دولة قطر جهودًا مميزة لإنجاح الحدث وتستمر في ذلك، ويمكنها الاعتماد على دعمنا". وكانت الإشادات العربية هي الأخرى حاضرة، من خلال تعبير عدد من الدبلوماسيين العرب عن سعادتهم بمستوى التنظيم وخروج بطولة كأس العالم قطر 2022، بصورة مشرفة للوطن العربي، فضلاً عما قدمته البطولة من رسائل عالمية لإعلاء قيم التسامح والسلام والتي ظهرت جلياً طوال فعاليات المونديال.
بموازاة ذلك، حقّق مونديال قطر طفرة في المكاسب للاتحاد الدولي لكرة القدم، حيث سجل عائدات قياسية بلغت 7.5 مليار دولار جراء الصفقات التجارية المرتبطة بكأس العالم، متجاوزاً التوقعات بمليار دولار. ووفقاً لهذه الأرقام، تطمح الدوحة لأن تصبح الوجهة السياحية الأولى عقب انتهاء البطولة، مثلما حدث مع جنوب إفريقيا والبرازيل وروسيا في النسخ الثلاث الماضية من المونديال. كما تشير التوقّعات إلى أن اقتصاد قطر سينمو بنسبة 3.4 بالمائة في 2022 و2023، بفضل زخم استضافة كأس العالم الذي سيعزز مركز قطر على خريطة السياحة العالمية. وقدّر الاتحاد الدولي لكرة القدم، أن نحو 5 مليارات شخص عبر العالم شاهدوا مباريات كأس العالم FIFA قطر 2022، ومن الممكن أن يسعى نحو 40 مليون شخص لزيارة الدولة بعد انتهاء البطولة، وكل هذا يعزز من حجم العائدات المالية المرتبطة باستضافة قطر لكأس العالم.
أكثر من ذلك، شكّل مونديال قطر 2022، نقطة تحوّل لافتة في المنطقة العربية من حيث التضامن وروح التعاضد بين شعوبها، لا سيّما في منافسات منتخباتها مع الفرق الأخرى. وقد علّقت الصحيفة الألمانية "فرانكفورتر ألغمانيه" على ذلك، بأن "البطولة في قطر وحّدت بالدرجة الأولى الناس في المنطقة، العرب المشاركون والمشجعون لم يكونوا موحدين في حماسهم لكرة القدم فقط، وإنما في رفضهم للانتقادات الغربية للدولة المضيفة أيضا". وهو أمر إيجابي نسبياً خاصة وأن الدوحة تمّت مقاطعتها من أربع دول عربية لأكثر من ثلاث سنوات، جرّاء سياساتها السلبية في المنطقة.
في المحصّلة، وبين النقد والإشادة يصمت كل شيء في ظل المصالح الاستراتيجية، إذ يبدو أن الدول الغربية في نهاية المطاف ستبني مواقفها مع ما يتوافق ومصالحها. على سبيل المثال، خفّف الإعلام الألماني اللهجة الدعائية الناقدة لقطر بعد توقيع صفقتين في أواخر نوفمبر الماضي، عن تزويد قطر للغاز الطبيعي المسال إلى ألمانيا، وحسب وزير الاقتصاد الألماني، "روبرت هابيك"، سيتم تسليم ما يصل إلى مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال إلى ألمانيا عبر ناقلات بحرية بداية من عام 2026 لمدة 15 عامًا. ذلك يأتي ضمن محاولة الدول الأوروبية تقليل اعتمادها على إمدادات الغاز الروسي.
Previous article
8 Days ago