الصورة: aadr.network
09-01-2023 at 6 PM Aden Time
سوث24 | د. إيمان زهران
فرضت الأحداث المتتالية غير التقليدية والمتمثلة في: "الانعكاسات المباشرة وغير المباشرة للحرب الروسية الأوكرانية على دول الشرق الأوسط، فضلاً عن تباطئ سياسات التعافي الاقتصادي بكافة المجالات الحيوية جراء أزمة "كوفيد-19"، وارتفاع تكلفة الغذاء والطاقة وتصاعد معدلات التضخم، بالإضافة إلى تنامي الفرضيات الطردية بين اضطراب السياسات النقدية عالمياً والاضطرابات الاجتماعية بكافة الأقاليم الفرعية وفي مقدمتها الإقليم العربي"، التباين في أنماط التحالفات الإقليمية السائدة في العالم العربي، ما بين تحالفات مرنة، وأخرى صلبة. وذلك على النحو التالي:
- التحالفات المرنة: تلك التي دوماً ما يتم تأسيسها وفقاً لقضايا محددة سياسية أو اقتصادية أو أمنية، ولا تعبر عنها بالضرورة أطر مؤسسية أو تنظيمية على نحو ما يُشكل ما يُسمى بـ "تحالفات الضرورة"، مثل "التحالف العربي".
- التحالفات الصلبة: تلك التي تتسم بالشمولية التنظيمية وفقا للأطر البنيوية التقليدية، وتُبنى على نسق استراتيجي وفقاً لأجندة سياسية محددة، مثل تحالف الجمهورية الإيرانية الإسلامية ووكلائها بإقليم الشرق الأوسط.
وفقاً لذلك، فيبدو أن المنطقة العربية مُقبلة على جملة من التحولات المتسارعة والاختبارات المتلاحقة قوامها تعزيز فرضية "التغير في نسق التحالفات" وفقاً لمرونة القضايا وتعقيدات انعكاساتها وتشابكات أطرافها، وذلك بالنظر إلى عدد من الملفات الرئيسية، أولاً: مآلات الاتفاقيات الإبراهيمية وعمق تأثيرها بالمجالات الاقتصادية المترتبة عليها، وموقع القضية الفلسطينية وعملية السلام من تلك الاتفاقية. ثانياً: تعقيدات الاتفاق النووي الإيراني، سواء بالنظر إلى محدودية الفرص المتاحة خاصة مع فوز "بنيامين نتنياهو" بالانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وتشكيله للائتلاف الحاكم، فضلاً عن تطورات الأوضاع الداخلية في طهران وانعكاس تصاعد الاحتجاجات على ثقل النظام ومرجعياته التي باتت تُشكل تهديدا مباشراً على دول المنطقة عبر أذرعه الممتدة بالإقليم. ثالثاً: الأوضاع في سوريا إذ لازالت تتأرجح فرضيات التسوية ما بين النخب الوطنية، وما بين الأطراف الدولية والإقليمية. ورابعاً: إعادة محاولات إحياء التسويات السياسية في كل من اليمن وليبيا، ومحاولة إعادة خلق توافقات نوعية بين الأطراف المتصارعة. بينما خامساً: أزمة الصحراء، ومدى إمكانية خرق الجمود في العلاقات المغربية الجزائرية بالنظر إلى حجم الخطوات الدبلوماسية لكلا الدولتين خلال الفترة الماضية[1].
محددات التغيير
يُعد الإقليم العربي واحداً من أكثر الأقاليم - خلال القرن الحالي - الذي قام بهيكلة وتشكيل تحالفات ذات أنماط مختلفة ومتباينة، حيث لعبت تلك التحالفات دوراً في خلق توازن "سياسي واقتصادي وأمني" في المنطقة.
بالإضافة لذلك، فقد فرضت الأحداث المتباينة بدول الاضطراب، فضلاً عن التفاعلات الدولية وانعكاساتها المباشرة على الدول العربية، حالة من السيولة الأمنية والسياسية بالمنطقة، بما يستلزم معها تدشين مفهوم جديد للتحالفات تحت مسمى "التحالفات المرنة" كبديل عن نمط التحالفات التقليدية "الصلبة" ، والتي تتسم بعدة خصائص منها، أولاً: "الاتفاق على نقطة محددة كإطار للتحالف، وثانياً: ألا يتطلب هذا التحالف "المرن" تطابقاً بين الدول المستهدفة لتشكيل التحالف قيد التشكل في الرؤى المختلفة، وثالثاً: تسمح التحالفات "المرنة" للدولة الواحدة بتشكيل أكثر من تحالف، إذ أن تلك الخصائص وغيرها للتحالفات "المرنة" أعطت مساحة واسعة للدول للدخول في تحالفات تساعد على مواجهة التهديدات المختلفة، ومن ثم، فيمكن استشراف مستقبل التحول في ميكانزم تلك التحالفات بالإقليم العربي بناءاً على المتغيرات التالية:
1- العلاقة مع القوى الكبرى: تتباين علاقة هذه التحالفات بالقوى الكبرى، حيث تتمتع "دول محور الاعتدال" والتي تضم مصر والسعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن- على سبيل المثال - بعلاقات متوازنة مع الأطراف الدولية ذات الثقل بالنظام الدولي، مقابل التهميش الأممي لـ "دول محور الممانعة" والتي تتشكل من التحالف الإيراني ووكلاءه في دول الاضطراب مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وحركة حماس في الأراضي الفلسطينية، وتصنيفهم كـ "داعمين للإرهاب".
2- مستوى التماسك: تُبنى تلك الفرضية على معدلات التوترات الداخلية بين الدول العربية، وانعكاس ذلك التوتر على إداراتهم لملفات الإقليم، خاصة مع تصاعد التهديدات الأمنية بالمنطقة بالإضافة إلى الخلافات الحدودية، وكذلك إشكالية التقارب مع إسرائيل عقب إبرام "الاتفاقيات الإبراهيمية" كإحدى المتغيرات الداعمة لحالة "الحلحلة" بهيكل التحالفات القائمة والمُحتملة.
3- العوامل الداخلية: وهو ما يتعلق بطبيعة استقرار النظام الداخلي للدولة الوطنية بالإقليم العربي، وانعكاس ذلك الاستقرار على ثبات هيكل التحالفات وأجنداته بالإقليم، مثل انعكاس فشل التسوية السياسية في دول الاضطراب العربي كاليمن وليبيا وسوريا والعراق ولبنان، فضلاً عن انعكاس تصاعد الاحتجاجات الداخلية لرفض سلطوية النظام الحاكم في إيران، وأثر ذلك على وكلائه وتحركات أذرعه بالدول المأزومة بالمنطقة.
4- العلاقات البينية: وهو ما يظهر في أسباب ومحددات هيكل التحالفات، فعلى سبيل المثال: تم تشكيل التحالف الرباعي على إثر الأزمة الخليجية وتقويض "داعمي الإرهاب" بالمنطقة، وانقضى "التحالف الرباعي" بانتهاء الهدف الرئيسي في أعقاب التوافق العربي على توصيات بيان قمة العُلا في 2021.
تحولات مُحتملة
ثمة تغيرات قد تدفع نحو إعادة النظر بهيكل التحالفات بالإقليم العربي، في ظل بيئة تعج بأزمات متشابكة موضوعيًّا (سياسياً وأمنياً واقتصادياً وعسكرياً) وجهويًا (داخلياً وخارجياً)، وذلك بناءا على اعتبارين[2]:
1. درء التهديدات:
ثمة تغير في الاستراتيجية الإقليمية منذ مطلع العقد الثاني للألفية الجديدة، إذ لم تُعد السمة الحاكمة لحالة "التحالفات" ما يتعلق ببناء المصالح التشاركية كما هو متعارف عليه خلال فترة "المد القومي العربي" أو ما عُرف بـ "العمل العربي المشترك". بالمقابل ومع تعاظم الاضطرابات تغيرت الأهداف نحو ما بات يُعرف بـ "درء التهديدات" أو "المصالح المنفردة" وفق الرؤية الوطنية لكل دولة في المقام الأول أو التفاهمات الجماعية بالإقليم العربي، ليصبح بذلك الإطار التحالفي يمثل إحدى التفاعلات التالية:
- التفاعلات الإيجابية: تتسم بتحالفات ترسخ لمُجمل التحركات التي يغلب عليها نمط تعظيم المصالح المشتركة، ومأسسة الأطر والمداخل لتبادل المنافع فيما بينهم.
- التفاعلات السلبية: تتسم بالتحركات النوعية/المرحلية لدرء التهديدات ومواجهة التحركات المناوئة بالإقليم، إذ تعكس تلك التفاعلات السلبية "اضطراب سلوكي" بالإقليم، وهو ما يدفع بالدول للتحرك في إطار من "الاستنفار المتبادل" دون النظر لآليات التحرك في إطار ترتيبات القواسم المشتركة وبناء جسور التقارب والتعاون.
2. أولوية القضايا:
فيما بعد الحراك العربي في 2011، تراجع نمط التحالفات الدائمة والشاملة والصلبة الذي كان سائدًا على المستويين العالمي والإقليمي خلال فترة الحرب الباردة والقطبية الثنائية، ودفع بدول الإقليم العربي نحو مراجعة نمط التحرك والفصل بين الملفات والقضايا في علاقاتها سواء الثنائية أو الجماعية، وصعوبة تعميم نمط واحد، تعاوني أو صراعي، على العلاقات والتفاعلات فيما بينها. مقابل تفعيل "الإستراتيجية البراجماتية" في بناء أنماط التحالفات النوعية بالإقليم العربي.
انطلاقاً من تلك الفرضيات، يأتي عام 2023 ليُعيد ترسيم هيكل التحالفات الإقليمية نحو احتمالات التغيير، واستنباط محركات معيارية جديدة تتوافق وحجم التغيرات السياسية والأمنية التي تمر بها المنطقة العربية، وهو ما قد ينعكس على تصاعد الأنماط التالية:
1. تحالفات نوعية/ معيارية:
إذ تستند تلك التحالفات في هيكلها إلى معايير "برجماتية/ موضوعية" تتعلق بشكل مباشر بالأهداف والمصالح الوطنية للدولة، وهو ما يجعل التفاعلات خليطاً من التفاهم والاختلاف والتنسيق والتعارض، حسب كل قضية أو ملف، وارتباط كل منها بمدى حيوية واستراتيجية المصالح الكامنة فيها، ومدى خطورة أو إلحاح التهديدات المرتبطة بها ضمن مصفوفة أولويات الأمن القومي لكل دولة، فعلى سبيل المثال: السياقات المرنة في إقامة بعض الدول علاقات وتفاهمات مع دول أخرى لا تجمعها معًا مواقف واحدة أو سياسات منسقة، بل أحيانًا تكون في حالة نزاع أو خلاف حاد بالسياسات فيما بينها. مثل إبرام "الاتفاقيات الإبراهيمة" بين إسرائيل وعدد من الدول العربية وانعكاساتها المتباينة على مختلف التنسيقات الاقتصادية والتنموية بالإقليم.
2. تحالفات أمنية:
مع تعاظم حالات عدم الاستقرار و"الاضطرابات المأزومة" بالإقليم، أصبح هناك الحاجة لإعادة النظر في منطلقات التعاون أو الصراع بين دول المنطقة. خاصة مع انعكاس الاضطرابات الدولية على الإقليم العربي في ظل تنامي الانعكاسات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها المتباينة على دول الإقليم، خاصة في ملفي الطاقة والأمن الغذائي، فضلاً عن تشابك خريطة الصراعات الإقليمية، وتقاطع فواعلها مع التقلبات الأمنية الداخلية للدول المضطربة بالإقليم العربي. فعلى سبيل المثال: تعزيز "تحالف البحر الأحمر"، والذي يهدف إلى إيجاد فهم مشترك للتحديات الأمنية التي تزعزع استقرار البحر الأحمر، ومحاولة علاج الخلافات والتوترات المحدودة، التي قد تنشأ في العلاقات بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر. كما يضمن درجة من التعاون الأمني، وتحقيق الاستقرار في المنطقة، والحد من التأثير السلبي للقوى الخارجية[3]. فضلاً عن كونه موجهاً بصورة أساسية لتحجيم النفوذ والتأثير الإيراني والتركي على أمن البحر الأحمر[4].
3. تحالفات اقتصادية / تنموية:
في ظل تحركات عدد من دول المنطقة لتخطي مرحلة "الصراعات المأزومة" والانتقال الحثيث نحو "مرحلة ما بعد السلاح"، أصبح هناك حاجة إلى إعادة النظر في هيكل التحالفات، لإنجاز عدد من المتطلبات، أهمها[5]:
- إنجاز عمليات إعادة الإعمار ومشروعات البنية التحتية في مرحلة ما بعد الصراع بدول المنطقة.
- التنسيق الثنائي والمتعدد لأوجه التعاون الاقتصادي والتنموي في المدى القصير وأهميتها المتباينة في مستقبل شعوب الدول العربية وخطط التنمية المستقبلية لها.
- التعبئة السياسية لمثل تلك الترتيبات الاقتصادية والتنموية الثنائية والمتعددة، فعلى سبيل المثال: ما تم إعلانه خلال القمة الثلاثية في عمان 25 أغسطس 2020 عن تدشين "تحالف الشام الجديد"، بهدف إيجاد وتعزيز المصالح المشتركة بين مصر والأردن والعراق، ولغرض أن يكون نواة لاتحاد عربي أكثر توسعاً، فالتحالف الثلاثي أشبه بـ "التحالف المرن"، إذ يسعى إلى خلق مسارات للتعاون العربي في مجالات الأمن والدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية، فضلاً عما يمثله من تحدياً للقوى غير العربية في المنطقة، وأهمها إيران وتركيا.
4. تحالفات طاقوية/ تكنولوجية:
ترتكز في مضمونها على إنجاز الخطوات التنفيذية للإستراتيجيات التنموية التي تُشكل الإطار الوطني لمختلف دول المنطقة، وفقاً لمسارين:
- الأول: ما يتعلق بمجالات "الطاقة"، سواء التقليدية ممثلة في النفط والغاز، أو الطاقة الجديدة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية، وكذلك المياه وذلك بالنظر للأبعاد المختلفة لأزمة "سد النهضة"، وهو ما قد ينبئ بمزيد من السيناريوهات التنافسية حد النزاع المباشر، سواء على المستوى السياسي أو القانوني أو العسكري. مثل: النزاع على تقاسم موارد الطاقة في مثلث شرق المتوسط، كذلك النزاع المائي في دجلة والفرات وغيرها من التهديدات المباشرة وغير المباشرة للمياه العربية في كل من نهر النيل ونهر الأردن ونهري دجلة والفرات.
- الثاني: ما يتعلق بالمعرفة "التكنولوجية"، إذ تجاوزت كثير من الدول على مستوى العالم مرحلة استيراد التكنولوجيا أو تقليدها، وبدأت مؤخرًا تتجه نحو التجديد والابتكار في التكنولوجيا، واستحداث وسائل وأدوات وآليات تكنولوجية جديدة لتحقيق الأهداف، وهو ما تنبهت إليه الدول العربية وتُرجم إلى العديد من المشاريع التكنولوجية، مثل: مشروع مدينة المعرفة بالعاصمة الإدارية الجديدة بجمهورية مصر العربية، والمدن الذكية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
تأسيساً على ذلك، يبدو أن النظام الإقليمي في الشرق الأوسط سيشهد تحولاُ جديداُ، من نظام إقليمي ذو تحالفات تتسم بـ "التقليدية"، إلى نظام إقليمي ذو تحالفات تتسم بـ "المرونة" وفقاً لطبيعة الملفات المتجددة والمتنوعة المطروحة بالمنطقة، كمحاولة لتعزيز أطر التسوية السياسية بدول الاضطراب العربي مثل اليمن وسوريا والعراق وليبيا، أو بناء توافقات مناطقية حول عدد من الملفات ذات الأولوية النوعية مثل الأمن الغذائي، والأمن المائي، والتغيرات المناخية، وحقوق الإنسان وأوضاع اللاجئين.
د.إيمان زهران
متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي، باحثة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
المراجع:
[1] إيمان زهران، آفاق التحولات السياسية والاقتصادية العالمية في 2023 bit.ly
[2] ) د.إيمان زهران، مصر والتحالفات الاقليمية: دوافع الاستمرار ومحركات التغيير، الملف المصرى، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد 84، اغسطس 2021.
[3] ) Saudi Arabia Announces New Political Bloc for Red Sea, Gulf of Aden States, Asharq Al-Awsat, December 12, 2018, accessible at: bit.ly
[4] ) Stephen Kalin, Saudi Arabia seeks new political bloc in strategic Red Sea region, Reuters, December 12, 2018, accessible at: reut.rs
[5] ) د. إيمان زهران، مصر والتحالفات الاقليمية: دوافع الاستمرار ومحركات التغيير، مرجع سبق ذكره.
Previous article
7 Days ago