رئيس مجلس القيادة اليمني يجتمع بوزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن في الرياض، 8 مايو 2023 (رسمي)
13-06-2023 at 7 PM Aden Time
سوث24 | عبد الله الشادلي
أكثر من 8 أشهر على انتهاء الهدنة الأممية في اليمن في أكتوبر الماضي، ودخول البلاد في هدنة غير معلنة رافقتها مسارات دبلوماسية عدة للتوصل إلى اتفاق جديد ومنع عودة الحرب. وتصدرت المحادثات الثنائية بين السعودية والحوثيين بوساطة عمانية هذه التحركات.
ونتج عن هذه المحادثات أول زيارة معلنة لوفد سعودي يقوده سفير الرياض محمد آل جابر، إلى مدينة صنعاء الخاضعة للحوثيين، في 8 أبريل الماضي، في خضم الأنباء عن اتفاق وشيك الحدوث آنذاك، وهو ما لم يتحقَّق حتَّى اليوم.
كما لم تتكرر تلك الزيارة كما كان متوقعًا، وسط تهديدات مستمرة يطلقها قادة مليشيا الحوثيين باستئناف الحرب، وهو ما طرح التساؤلات حول مصير الوساطة العمانية والمسارات الدبلوماسية الأخرى لحلحلة الأزمة في اليمن.
التحركات الأخيرة
في 6 يونيو الجاري، وصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى السعودية، ضمن جولة أجرى خلالها لقاءات عديدة شملت ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، ورئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي.
وناقش العليمي مع بلينكن العديد من القضايا، وفي مقدمتها جهود تجديد الهدنة ووقف تدفق السلاح الإيراني الحوثيين، بالإضافة للدعم الاقتصادي الأمريكي لليمن، وملف مكافحة الإرهاب، وفقاً لوكالة سبأ الرسمية.
ونقلت صحيفة "عكاظ" السعودية عن مصادر في مجلس القيادة الرئاسي أنَّ: "اللقاء مع بلينكن كان إيجابياً، وشدَّد على ضرورة دعم المبادرة السعودية لتحقيق السلام في اليمن".
وتزامنت زيارة بلينكن مع نشاط دبلوماسي مكثف للمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، الذي زار الولايات المتحدة والصين واليابان مؤخراً، والتقى في الرياض مجلس القيادة الرئاسي ومسؤولين يمنيين في 4 يونيو الجاري.
وقال مكتبه في بيان على تويتر: "التقى غروندبرغ في الرياض رشاد العليمي وعيدروس الزبيدي ومعين عبد الملك وسلطان البركاني لبحث سبل تحقيق التوافق حول تدابير لتحسين ظروف المعيشة وحول وقف إطلاق نار وعملية جامعة برعاية الأمم المتحدة..".
وقال مكتب غروندبرغ، في 27 مايو الماضي إنَّه ناقش في بكين "جهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن".
وأضاف البيان: "تأتي الزيارة في سياق العمل مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن لضمان المصاحبة الدولية المنسقة لليمنيين نحو السلام الدائم". قبلها في 17 مايو، كان غروندبرغ قد اختتم زيارة إلى واشنطن.
وقال المكتب: "اختتم غروندبرغ زيارة إلى واشنطن التقى فيها بوزير الخارجية أنتوني بلينكن وعدد من كبار المسؤولين الأمريكيين، لبحث سبل إحراز التقدم نحو عملية سياسية يملكها اليمنيون تحت رعاية الأمم المتحدة، لإيجاد حل مستدام للنزاع".
وفي ذات اليوم، قدم غروندبرغ إحاطته إلى مجلس الأمن الدولي، وعبَّر عن تفاؤله لإنجاز صفقة تبادل الأسرى الأخيرة بين الحكومة اليمنية من جهة وجماعة الحوثيين من جهة أخرى.
كما شدد على أنَّ "أي اتفاق للمضي قدمًا يجب أن تكون استئناف عملية سياسية بقيادة يمنية وتحت رعاية الأمم المتحدة"، مضيفًا: "ليس بمقدور الحلول الجزئية أو المؤقتة التصدي للمصاعب [..] غيرها من التحديات الكثيرة التي تواجه اليمن..".
في غضون ذلك، كان عدد من سفراء الاتحاد الأوروبي يزورون العاصمة عدن، وقد التقوا في 16 مايو الماضي رشاد العليمي وعضو مجلس القيادة الرئاسي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، قبل أن يذهب الرجلان إلى السعودية لاحقًا.
الوساطة العُمانية
حتّى الآن، لم يتم إجراء الجولة الثانية من محادثات صنعاء بين السعودية وجماعة الحوثيين بوساطة سلطنة عمان. ويعتقد سياسيون أن المحادثات بين الرياض والجماعة الشمالية اصطدمت بعراقيل.
وفي هذا الصدد، قال نائب إدارة الشؤون الخارجية للمجلس الانتقالي الجنوبي أنيس الشرفي لمركز "سوث24": "وفق ما تشير إليه التطورات، فإنّ المحادثات السعودية الحوثية رغم أنَّها لم تتوقف، إلا أنَّها اصطدمت بالعديد من العراقيل، كما يبدو".
ويرى المسؤول الجنوبي أنّ من أبرز هذه العراقيل "اشتراطات الحوثيين اللامتناهية، والساعية إلى سلام يمنحهم الانتصار"، مشيرًا إلى أنَّ "هذا ما ترفضه السعودية والتحالف العربي، فضلاً عن القوى المناوئة للحوثيين وفي مقدمتهم المجلس الانتقالي".
وكان الحوثيون قد هاجموا في بيانات وتصريحات لزعيمهم عبد الملك الحوثي وقادة آخرين السعودية، وشدَّدوا على أنَّ المملكة "طرف لا وسيط" في الأزمة اليمنية، والأخير دور لطالما أكدت عليه الرياض منذ تدخلها العسكري في اليمن عام 2015.
نظرا لذلك، تبدو معضلة "طرف أم وسيط" ضمن العقبات الحقيقية أمام الوساطة العمانية في الوقت الراهن. ويؤكد العميد الدكتور مطير الرويحلي على أنَّ "السعودية ليست طرفا في النزاع في اليمن".
مُتعلق: السعودية والأزمة في اليمن: وسيط أم طرف؟
وأضاف الباحث الأمني والاستراتيجي السعودي لمركز "سوث24": "المملكة تعتبر داعية سلام. لقد أنهت أهدافها من الحرب، وإيقاف التمدد الحوثي، وهي الآن تحاول أن تصلح الشأن اليمني".
ويرى رئيس منظمة "فكر للحوار والحريات"، الخبير عبد العزيز العقاب أنَّ "الوساطة العمانية لم تفشل، لارتباطها بمهمة محددة، لا بتوقيتات معينة أو نتائج محددة".
وأضاف لمركز "سوث24": "إنَّها تنطلق من نهج مستمر، وسياسة حكيمة قائمة على الوسطية، والقدرة على التيسير، والتوفيق بين الأطراف المختلفة، وهو ما يجعلها تمثّل فعل مستمر في التقريب والوساطة".
ويتفق المحلل السياسي المقيم في صنعاء رشيد الحدَّاد على أنَّ الوساطة العمانية لا زالت قائمة اليوم. وقال لمركز "سوث24": "كل المؤشرات على الأرض تؤكد استمرار الوساطة العمانية في دورها في اليمن".
وأضاف: "لم تعلن صنعاء إغلاق باب السلام رغم تحذيرها الجانب السعودي من تبديد فرص السلام. الأوضاع في الفترة الأخيرة، كادت أن تعود إلى نقطة الصفر، وبات العودة للتصعيد محتملاً في ظل انحسار مسار السلام، وتراجع الحراك الدبلوماسي".
ويرى الحداد أن "الانتقال من حالة الحرب إلى حالة السلم يحتاج تهيئة ولا بد من وجود خطوات بناء ثقة تحفز مختلف الأطراف للخوض في مفاوضات جادة".
دلالات الحراك الدبلوماسي
نظرًا لتركز النشاط الدبلوماسي بشأن اليمن في السعودية التي تستضيف قيادات الشرعية المعترف بها دوليًا، يرى الخبير الرويحلي أنَّ "المملكة أصبحت محط أنظار القوى الدولية والإقليمية؛ بسبب سياستها ومحوريتها في جميع قضايا المنطقة وفي مقدمتها اليمن".
ويعتقد الخبير العقاب أنّ الحراك الدبلوماسي المكثف مؤخرًا يشير إلى أنَّ "الجميع أصبح على قناعة بضرورة الحل السياسي في اليمن، بعد هذه السنوات الطويلة من الحرب والمعاناة".
وأضاف: "هناك اختلالات في آلية الحوار السابقة وهناك خطوة كبيرة بين التنظير المكتبي والواقع [..]. الأمر يتطلب مبادرة واقعية تستند إلى فقه الواقع وتقود إلى خطوات عملية في بناء الثقة وإلى حوارات بإطار وآليات حاكمة ورقابية وضامنة".
ما القادم؟
يرى القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي أنيس الشرفي أنَّ "العملية السياسية تتجه نحو التعثر والفشل".
وعدَّد الشرفي أسباب ذلك وفي مقدمتها "غياب الشمولية من حيث القضايا والأطراف، وتركيزها بشكل خاص على تمرير رغبات الحوثيين والأطراف الخارجية على حساب القوى السياسية الفاعلة، والقضايا الجوهرية وفي مقدمتها قضية شعب الجنوب".
ولفت الشرفي إلى أنّه "لا سلام دون حل قضية الجنوب بما يلبي تطلعات شعب الجنوب"، مضيفًا: "المجلس الانتقالي سبق وأكد في أكثر من محفل، أنّه لن يقبل بأن يكون الجنوب أو قضيته أو موارده محل مقايضة في أي تسوية".
وأضاف: "لا يتجه الحوثيون نحو تحقيق سلام، بل يعتبرون الأمر مجرد محطة استراحة يستعيدون فيها بناء قواتهم وتعزيز إمكاناتهم الاقتصادية، قبل إطلاق حملة عسكرية جديدة".
ويؤكد الخبير السعودي مطير الرويحلي على أهمية استمرار التوافق داخل مجلس القيادة الرئاسي خلال الفترة القادمة. وأضاف: "يجب أن يكون هدف الجميع هو صد مليشيا الحوثيين واستعادة الدولة ثم التفرغ لأي قضايا أخرى".
لكنَّ الخبير رشيد الحداد يستبعد أن تذهب الأمور نحو التصعيد أو فشل الجهود السياسية. ويرى أنَّ "الجانب السعودي لم يعد يرغب بعودة الحرب".
وأضاف: "لدى الرياض أولويات تتعلق بتنفيذ رؤية 2030، وبدأ هذا واضحاً من خلال التحركات السعودية الأخيرة أكان ما يتعلق بمفاوضات رمضان والتفاهمات الايجابية التي أكدها طرفا صنعاء والرياض، أو استمرار الأطراف في الحفاظ على التهدئة على مدى الأشهر الماضية".
وأردف: "مسألة عودة الوفد السعودي لعقد جولة ثانية لا تزال مطروحة، ولم يعلن من أي من الأطراف عن انتهاء المفاوضات المباشرة، إلا أنّ صنعاء لديها شروط تتضمن تنفيذ المزيد من خطوات بناء الثقة، وتنفيذ تفاهمات رمضان، خاصة ما يتعلق بالجانب الإنساني".
ويرى الخبير عبد العزيز العقاب أنَّ "اللقاءات التي جرت والتي ستأتي هي الخطوة الصحيحة في طريق الحل". مضيفًا: "الحوار سيظل الطريق الصحيح للوصول إلى الحلول الصحيحة والعادلة وهو ما تدركه جميع الأطراف".
وأردف: "سوف يتم تجاوز التباينات القائمة في بعض التفاصيل الفنية والقانونية. أي محادثات تشهد في العادة مخاضات وتباينات حتى الوصول إلى الحلول المتفق عليها، وقريباً سوف تُسمع نتائج إيجابية".
وحتَّى الآن، لا أفق واضح لعملية سلام مستدامة في اليمن، في وقت تستحوذ فيه سيناريوهات الحلول المؤقتة أو المُجيَّرة لصالح أطراف بعينها على الاحتمالات خلال الفترة القادمة.
ولا يبدو أن حالة اللاسلم واللاحرب سوف تستمر لوقت أطول، لا سيما مع تكشف حالة الحرب الجديدة عند المستوى الاقتصادي في الوقت الراهن، حيث بدأت تداعيات وقف تصدير النفط نتيجة الهجمات الحوثيين بإظهار انعكاسات على السكان في جنوب اليمن.
Previous article