قمة ميثاق التمويل العالمي الجديد في باريس (فرانس برس)
02-07-2023 at 12 PM Aden Time
سوث24 | د. إيمان زهران
انطلاقًا من توصيات القاهرة إبان استضافتها للدورة السابعة والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ - COP27 في نوفمبر 2022، جاءت الدعوة الأوروبية الفرنسية، لتؤكد على أهمية الحاجة إلى "نظام مالي جديد"، يكون أكثر دعمًا لتكييف الدول الأكثر تعرضًا للانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية، خاصة على ملفي الأمن المائي وأمن الغذاء. لتُعقد قمة "ميثاق التمويل العالمي الجديد"، وذلك قبيل عددًا من الاستحقاقات الدولية، وفي مقدمتها الدورة الثامنة والعشرون لمؤتمر التغيرات المناخية COP28، والمزمع انعقاده في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال العام الجاري، ليؤسس بذلك على جُملة من الرسائل حول سياقات تلك القمة وأولوياتها بالنظر إلى ما يحمله "عنصر التوقيت" من دلالات حرجة، بالإضافة إلى التحديات القائمة والمُحتملة لإنجاز رسائل وتوصيات تلك القمة.
سياقات قمة "ميثاق التمويل العالمي الجديد"
ثمة عدد من السياقات الداعمة لثقل قمة "ميثاق التمويل العالمي الجديد"، وإرساء أهدافها موضع النظر، والدفع بأولوية التحرك على كافة المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، والتقييم الدوري للأطروحات المستهدفة بكافة الاستحقاقات الدولية المُقبلة، وذلك بالنظر إلى النقاط التالية:
1. إرساء قواعد لنظام مالي جديد يكون أكثر عدلًا وتضامنًا، لمواجهة التحديات العالمية المشتركة، ومن بينها، الحد من الفقر ومواجهة التغيرات المناخية وحماية التنوع البيئي.
2. تعزيز قدرات الدول الأكثر هشاشة في مواجهة الصدمات الاقتصادية وتداعيات التغيرات المناخية، خاصة على ملفي الأمن المائي والأمن الغذائي.
3. فرض ضريبة دولية على الانبعاثات الحرارية وحماية الشعوب من الأزمات البيئية خاصة في المناطق الأكثر عرضة للأزمات.
4. وضع اتفاقيات جديدة للحد من مشكلة تفاقم الديون للدول الفقيرة، وتتيح لعدد أكبر من الدول الحصول على التمويل الذي تحتاجه من أجل الاستثمار في التنمية المستدامة.
5.تشجيع الاستثمار في مجالات الطاقة الخضراء وذلك بالدول المعرضة للانعكاسات المتباينة لتهديد التغيرات المناخية.
هذا، وتتسق تلك الأهداف مع جُملة من السياقات النوعية تُشكل بدورها "ظرفاً استثنائياً" يُحيط بمكيانزم الأنظمة السياسية والاقتصادية الناشئة والدولية، وذلك بالنظر إلى ما يلي:
1. التعافي الحرج من الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا على مختلف الاقتصاديات الوطنية، حيث دفعت ببعض الدول نحو اضطراب استقرار مؤشرات الانضباط المالي بالموازنات الوطنية العامة، فضلاً عن الاستدانة لموازنة السياسات الصحية، مثل: تغطية الإنفاق على اللقاحات، التكلفة الاقتصادية لسياسات العزل والتباعد الاجتماعي. بالإضافة إلى الارتدادات المباشرة وغير المباشرة للأزمة الروسية – الأوكرانية على كاف النظم الاقتصادية الناشئة والمتقدمة، خاصة بالنظر إلى اضطراب ملفي "أمن الطاقة – الأمن الغذائي".
2. التهديدات المباشرة للتغيرات المناخية على مختلف دول العالم - وخاصة دول الجنوب النامي – لتأتي قمة "ميثاق التمويل العالمي الجديد"، لتُبنى على ما تم التفاهم حوله إبان استضافة القاهرة لقمة التغيرات المناخية COP27 العام الماضي، والتي أبرزها ما تمثل في: إنشاء صندوق للخسائر والأضرار لدعم قدرة الدول النامية على التكيف مع آثار التغيرات المناخية، بالإضافة إلى تعهدات بتمويل يقدر بنحو 100 مليار دولار، تتطلب معها التزاماً دولياً بحشد هذه الأموال وتخصيصها للمشروعات، وهو ما أكد عليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من أهمية "قمة التمويل" في البناء على توصيات القاهرة في الـ COP27 وربط مبادلة الديون بالمساهمات المحددة وطنياً، وبلورة منظومة متكاملة تسهم في دعم الدول الأكثر عرضة لانعكاسات التغيرات المناخية. فضلاً عن التمهيد لما يمكن أن يؤول إليه "ملف التمويل"، وذلك بالقمة المقبلة للتغيرات المناخية COP28 المزمع انعقادها في دولة الامارات العربية المتحدة.
3. البناء الفرنسي على توصيات ومبادرات قمة "تمويل الاقتصاديات الإفريقية" التي عُقدت في باريس بمايو 2021، والتي عززت من فرضية "تمويل اقتصاديات القارة الإفريقية" ومعالجة قضية الديون.
4. التحركات الفرنسية الأخيرة للتموضع على خارطة النظام الدولي، وذلك بالنظر إلى انعكاسات الأزمة الروسية الأوكرانية على قاعدة انتفاء "الفرضية الأحادية"، وإعادة ترتيب هيكل النسق الدولي نحو التعددية القطبية.
تأسيسًا على السياقات السابقة، تأتي أولويات قمة "ميثاق التمويل العالمي" لتدعم الجهود الدولية الرامية إلى بناء نظام تمويلي عالمي أكثر فاعلية وعدالة، يمتلك كافة الأدوات لتطويع التحديات التنموية ومحاصرة وتقويض التهديدات البيئية غير التقليدية. والترتيب لما يمكن البناء عليه بـ "قمة العشرين"، والمزمع إقامتها في نيودلهي – سبتمبر 2023، واجتماعات صندوق النقد الدولي في مراكش - أكتوبر2023، و"قمة التغيرات المناخية – COP28" والمزمع إقامتها في دولة الإمارات العربية المتحدة – نوفمبر 2023.
تحديات قائمة
على الرغم من التفاهمات الأممية تجاه المسؤولية المشتركة نحو التكيف مع مجمل التهديدات غير التقليدية وفي مقدمتها التغيرات المناخية، وما قبلها الارتدادات المتباينة لجائحة كورونا، دون إغفال الآثار الممتدة للأزمة الروسية - الأوكرانية على كافة المجالات الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية والتنموية. إلا أنه بالمقابل، ثمة عدد من التحديات التي تحيط بأهداف وأولويات توصيات قمة "مثاق التمويل العالمي الجديد"، وذلك على النحو التالي:
- تحدى الإصلاح الهيكلي للمؤسسات المالية: على الرغم من أن الهدف الرئيسي من قمة "ميثاق التمويل العالمي الجديد"، يتمثل في "تجديد الهيكل المالي الدولي" الذي أُنشئ عبر "اتفاقات بريتون وودز – 1944"، وذلك بالتزامن مع إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتلبية الاحتياجات المتصاعدة للدول النامية والناشئة في مواجهة تغير المناخ ودعم التحول العادل للطاقة الخضراء، بما في ذلك مساعدتها على إعادة هيكلة ديونها. إلا أنه بالمقابل، ثمة تحدي قد يعصف بذلك الهدف، ألا وهو محدودية الجهود الأممية في توفير تمويل إضافي نظرًا لطبيعة عمل صندوق النقد والبنك الدوليين، باعتبارهما مؤسسات تخضع بصورة أو بأخرى للدول الغربية، مما يجعل ممارسات تلك المؤسسات أحيانًا "غير مُنصفة"، خاصة لدول الجنوب النامية، وذلك وفق قواعد عمل نشأت فيها تلك المنظومة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، دون إصلاح لتلك القواعد والأطر الهيكلية بما يتوافق مع التغير في حجم التهديدات واتساع النطاق الجغرافي لها في إطار "المسؤولية المشتركة". فعلى سبيل المثال: وفقاً لتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش"، فقد استدانت الدول الأوروبية في 2021، أكثر من 160 مليار دولارًا لإعادة إطلاق اقتصاداتها عقب جائحة كورونا، بينما لم يوجه صندوق النقد للدول الإفريقية سوى 34 مليار دولارًا للإنفاق على سداد القروض وفوائدها، مما يجعل تكلفة الدين على الدول الإفريقية أكثر من 8 مرات مقارنة بالديون الأوروبية.
- تحدي الالتزام الجيوسياسي: تُبنى تلك الفرضية على مدى التزام الأقطاب الجيوسياسية بالنظام الدولي، وبما آلت إليه توصيات القمة المشار إليها، خاصة فيما يتعلق بـتدشين "الميثاق المالي العالمي"، بالإضافة إلى ما تم تضمينه إبان القمة من تعهدات فردية وثنائية لدعم الدول التي تعاني من آثار التغيرات المناخية على الاضطراب بالمجالات البيئية وغيرها. وذلك بالنظر إلى ضعف التمثيل وغياب الأقطاب الكبرى الفاعلة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وألمانيا وغيرها من الدول التي كان يمكنها التعهد والالتزام بتعهداتها نظرًا للاستقرار النسبي لإمكانياتها الاقتصادية والمالية . فضلاً عن اختبار إشكالية تحييد الخلافات الجيوسياسية الكبرى على وقع الانقسام بالمواقف السياسية من الحرب الروسية الأوكرانية والتنافس الصيني الأمريكي، وتفعيل آلية "العمل المشترك" نحو مجابهة التحديات/ والتهديدات النوعية القائمة، وفي مقدمتها التغيرات المناخية واضطراب ملفات الأمن المائي والغذائي والصحي.. إلى آخره.
تأسيساً على ما سبق، يبدو أن هناك توافق أممي حول التغير في استيعاب حجم وشكل التهديدات النوعية غير التقليدية التي تواجه النظام العالمي بكافة مستوياته السياسية والاقتصادية، فضلاً عن تضمين عدد من المفاهيم التي تفرضها طبيعة التهديدات غير التقليدية القائمة وفي مقدمتها "المسؤولية المشتركة"، و"الإصلاح الهيكلي للنظام المالي العالمي". إلا أنّه بالمقابل، لم تحظ القمة بـ "صياغات إلزامية"، وتم ترحيل التعهدات الاقتصادية للبت فيها خلال الاجتماعات الدولية المُقبلة، وفي مقدمتها: قمة مجموعة العشرين بالهند، والاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش، وقمة المناخ COP28 في دولة الإمارات العربية المتحدة.