فتيات في صف دراسي أساسي، صنعاء،1 أغسطس 2015 (Getty)
07-12-2023 at 6 PM Aden Time
سوث24| عبد الله الشادلي
تُعدُّ ظاهرة تسرب الفتيات من التعليم واحدة من أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات حول العالم، لا سيّما في الدول منخفضة الدخل والفقيرة، حيث إنّ تسع فتيات من كل عشر يكملن تعليمهنَّ الابتدائي، وثلاث فقط من بين كل أربع يكملن تعليمهنَّ الإعدادي، وفقا لتقرير البنك الدولي الصادر في العام 2018.
وفي اليمن، تساهم بعض العوامل والعادات المجتمعية التي تسندها ثغرات قانونية، مثل الزواج المبكر للفتيات القاصرات، في انتشار ظاهرة التسرّب من التعليم، وبالأخص في الأرياف والقرى. في نهاية المطاف، تؤدي هذه الظاهرة إلى حرمان الفتيات من أهم حقوقهن الفطرية، وبروز مشكلات واختلالات اقتصادية واجتماعية كبيرة، علاوة على توسيع الفجوة بين الذكور والإناث بشكل مستمر.
وإلى جانب زواج القاصرات، تحضر الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تقف وراء ظاهرة تسرب الفتيات من التعليم في اليمن. في كثير من الأحيان، يعزو الأهالي إخراج بناتهم من المدارس الابتدائية أو الأساسية أو الثانوية إلى التكاليف المادية، ويفضلون تخصيص مواردهم المالية الشحيحة لتعليم الذكور.
فتيات في الطابور الصباحي المدرسي، تعز، 6 أكتوبر 2021 (تعز اليوم)
زواج القاصرات
سوف تترك فاطمة البالغة 14 عاماً مدرستها العام القادم، وهي على أعتاب الفصل الدراسي الثاني في الصف الثامن الأساسي في إحدى مدارس البنات بمحافظة حضرموت. قالت الفتاة المتفوقة في دراستها لمركز سوث24 إنها مقبلة على الزواج، وسوف تضطر لهذه الخطوة مع مطلع العام الجديد 2024.
وأضافت: "نحن فتيات الأرياف لا حظَّ لنا في استكمال التعليم حتَّى وإن استقر الحال بنا في المدينة. سعيدة الحظّ منا هي من أكملت الصف التاسع الأساسي، والأكثر حظا هي من تستطيع إكمال المرحلة الثانوية".
وبالنسبة للفتاة شفاء، التي تزوجت قبل عامين وهي في الـ 16 من العمر، فقد منع زواجها المُبكر بدء الدراسة في المرحلة الثانوية. موقف أسرة شفاء ليس ضد مواصلة التعليم، فقد تركت الأسرة قرار إكمال الدراسة للفتاة وزوجها، ولا يعارض الزوج إكمال الدراسة، لكن شفاء ترى بصعوبة ذلك مع الالتزامات الجديدة.
فتيات داخل فصل دراسي بحضرموت، 9 نوفمبر 2023 (مركز سوث24)
وقالت لمركز سوث24: "يستحيل على فتاة يافعة تُعنى بواجبات منزلية وأسرية عديدة أن تكمل تعليمها، خصوصا عند حدوث الحمل". مع ذلك، لا تنكر شفاء أنها كانت تتمنى إكمال المرحلة الثانوية، وربما الدراسة في الجامعة.
أمَّا نور التي تزوجت في عمر 17 عامًا، فقد عبرت عن حسرتها الكبيرة لما وصفته بـ "الخداع" الذي حرمها من مواصلة تعليمها. قالت نور إنها تركت الدراسة في الصف الثاني ثانوي في إحدى مدارس محافظة تعز، بعد أن تقدم ابن عمها لخطبتها، ووافق والدها على زواجها منه شريطة أن يدعها تكمل دراستها الثانوية.
متعلق: زواج القاصرات في اليمن: صغيرات في الأقفاص
وبعد إتمام الزواج، تخلف الزوج عن وعده ولم يلتزم بالشروط. لم تستطع نور أن تكمل دراستها، ووجدت نفسها ضحية العادات والأعراف الاجتماعية لاسيما أنها تزوجت ابن عمها. طالبها والدها بالصبر وتحمل الأمر، فصبرت الفتاة بعد أن كانت قد عزمت على طلب الطلاق في القضاء.
وفي المقابل، تركت الفتاة رحمة دراستها في عدن بملء إرادتها قبل سنوات.
فتيات يكتبن واجبات داخل الصف، تعز، 27 أكتوبر 2021 (منصة أوان)
تقول رحمة لمركز "سوث24": "كنتُ على مشارف الثانوية العامة. لقد تركت المدرسة بملء إرادتي رغم اعتراض أسرتي عندما تزوجت بعمر الـ 15 عاماً". ومع ذلك، استطاع زوج رحمة بعد إلحاح عليها أن يدفعها للدراسة الثانوية في مجمع تعليمي نسائي، حتى أكملت مرحلة الثانوية بشق الأنفس"، حد وصفها.
أكثر من ذلك، شجعها زوجها على الدراسة الجامعية، "زوجي أخبرني برغبته بأن أكمل إلى الجامعة وشجعني ودعمني مادياً ومعنوياً رغم دخله المتواضع. التحقت بجامعة خاصة في المكلا بحضرموت التي ينتمي إليها زوجي، وكنتُ أدرس عن بُعد لأربع سنوات، وتخرجت في العام 2019-2020".
أسباب اقتصادية
في كثير من الحالات، تكون الدوافع الاقتصادية وراء حرمان الفتاة اليمنية من التعليم وتسربها من المدارس. وهو السبب ذاته وراء كثير من حالات الزواج المبكر أيضًا. وتعزز الظروف التعليمية المتدهورة في اليمن من المشاكل الاقتصادية لدى الأهالي، فالمدارس قليلة ومزدحمة وتبعد عن التجمعات السكانية مسافات بعيدة.
يجد كثير من الآباء اليمنيين أنفسهم في مواجهة ظروف اقتصادية صعبة، يضطرون معها لإخراج بناتهم من المدارس لتزويجهن والتخلص من الأعباء. وتسهم بعض التقاليد والأعراف الاجتماعية في التقليل من أهمية تعليم الفتاة، حيث تقتصر مهمتها المستقبلية على المهام المنزلية في عش الزوجية بعيدا عن العمل كما يؤمن كثيرون.
فتيات يؤدين الطابور الصباحي المدرسي، مأرب، 18 أغسطس 2021 (الموقع بوست)
تداعيات
يمنح التعليم الفتاة القدرة على تحقيق توازن صحي بين الأدوار المختلفة في حياتها، ويؤدي حرمانها منه إلى تداعيات مختلفة على الفتاة نفسها والمجتمع ككل.
وترى المحامية هديل الشرعبي أن "تسرب الفتاة من التعليم أو حرمانها منه يؤدي إلى ضعف الوعي بحقوقها الأساسية وهضمها مجتمعياً". وأضافت لمركز سوث24: "عندما تتعرض الفتاة لزواج القاصرات وتترك تعليمها فهي تعاني كثيرًا. نسبة هامة من حالات الطلاق والتفكك الأسري ناتجة عن هذه الممارسات الاجتماعية المدمرة".
وتشير منظمة اليونسكو إلى أنَّ الفتيات والنساء يواجهن العديد من العوائق التي تمنعهنَّ من ممارسة حقهن في التعليم، بما في ذلك عدم المساواة بين الجنسين والممارسات التمييزية والفقر والزواج المبكر والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
وتؤكد الخبيرة المجتمعية، سلامة بن الحاج أن "تعليم الفتيات يلعب دورًا مهمًا في تمكينهن وتأهيلهن للمستقبل". ورأت الخبيرة المجتمعية بضرورة تغيير النظرة التقليدية تجاه تعليم الفتيات في المجتمع اليمني. وأضافت لمركز "سوث24": "نحن اليوم بصدد قضايا لا تنتهي وكلها بسبب حرمان الفتاة من التعليم".
فتيات من ثانوية عدن النموذجية للبنات يفتتحن غرفة التدبير المنزلي، 3 مارس 2023 (مركز سوث24)
ولفتت إلى أنّ "هذه الظاهرة تزيد من معدلات الأمية والجهل والبطالة وتضعف البنية الاقتصادية والإنتاجية للفرد والمجتمع وتزيد الاتكالية والاعتماد على الغير، وتفرز للمجتمع ظواهر خطيرة وأخلاقية على المدى البعيد".
وتطرّق تقرير البنك الدولي إلى عواقب تسرب الفتيات من التعليم المبكرً، ووصفها بأنّها "وخيمة". ووفق تقديرات التقرير فإنّ "الخسائر في إنتاج ومكاسب الفتيات طوال حياتهن نتيجة عدم إكمالهن 12 عاما من التعليم بما يتراوح بين 15 تريليون و30 تريليون دولار على المستوى العالمي".
وعزّى التقرير ذلك إلى أنّ الحاصلات على الشهادة الثانوية يكسبن ضعف نظيراتهن اللائي لم يحصلن على أي قدر من التعليم"، ولفت إلى أنّ المكاسب التي يجنينها من التعليم الابتدائي أقل بكثير.
فتيات داخل فصل دراسي بحضرموت، 9 نوفمبر 2023 (مركز سوث24)
وحتى الآن، لا بوادر أمل تلوح في الأفق بتغير الوضع فيما يخص تعليم الفتيات، فهناك الكثير من الأشواط الاجتماعية والتشريعية والاقتصادية التي يجب قطعها لإحقاق وترسيخ حق الفتاة في التعليم.
Previous article