جندي يمني يقف في مظاهرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني في العاصمة اليمنية صنعاء في 5 يناير/كانون الثاني 2024، وسط الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة. [غيتي]
13-01-2024 at 8 PM Aden Time
الخطوات المقبلة للولايات المتحدة وحلفائها تمثل معضلة ليس من السهل حلها. هل يقومون بشن المزيد من الضربات الموجهة ضد البنية التحتية المحدودة والمتناثرة للحوثيين في اليمن؟ هل يقومون بشن ضربات أكبر؟ كيف يفعلون ذلك بدون إشعال صراع إقليمي تصر الولايات المتحدة على تفاديه؟
مركز سوث24 | د. مارتا فورلان
في 12 يناير، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا هجمات عسكرية في اليمن ضد المتمردين الحوثيين الموالين لإيران، كرد فعل على اعتداءاتهم التي استهدفت حركة الشحن في البحر الأحمر. وضربت الهجمات قاعدة الديلمي الجوية شمال صنعاء، ومطار الحديدة، وقاعدة كحلان في صعدة، ومطار تعز، ومواقع عسكرية في حجة وذمار.
في الوقت الذي صرحت فيه القوات الغربية أنها لا تخطط حاليا لمزيد من الأفعال، بلغت المخاوف من تصعيد الصراع في المنطقة ذروتها.
قبيل الضربات الغربية، حذر زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي في خطاب متلفز من أن أي هجوم تشنه الولايات المتحدة سوف يقابل برد فعل، وأضاف: "الجماعة تستطيع مواجهة أي عدوان أمريكي. موقفنا ينبع من إيماننا. ينبغي على الأمريكيين معرفة ما الذي يعنيه ذلك".
وعلاوة على ذلك، وجه المتحدث الرسمي باسم الحوثيين يحيى سريع تحذيرا لقوى الغرب مشيرا إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا نفذتا 73 ضربة جوية قتلت 5 وأصابت 6 من قوات الجماعة. ووصف سريع الضربات بالعمل العدواني ضد شعبه، وتعهد أن هذه الأفعال لن تمر دون عقاب.
بالرغم من عدم
وجود تفاصيل بشأن عواقب محددة، توحي لهجة بيان متحدث الحوثيين بضربة عسكرية
انتقامية محتملة. وقد يتضمن هذا مواصلة الضربات ضد السفن العابرة في البحر الأحمر.
بيد أن الجماعة قد تشن أيضا عمليات عسكرية
معقدة ضد أهداف أخرى تشمل البنية التحتية العسكرية في الخليج.
كيف بدأ كل هذا؟
منذ بداية
الحرب بين حماس وإسرائيل، حاول الحوثيون إثبات وجودهم في المشهد الإقليمي كأحد أكثر
الأطراف المؤثرة. حيث شنت الجماعة
أولًا سلسلة من هجمات الصواريخ والطائرات المسيرة استهدفت مدينة إيلات جنوب
إسرائيل. في أعقاب هذه الهجمات التي كانت في معظمها تحمل قيمة رمزية فحسب. ولجأ الحوثيون بعد ذلك إلى إستراتيجية ترتبط
بدرجة أكبر من العواقب والأضرار من خلال مهاجمة السفن التي تعبر البحر الأحمر. في البداية، بدت الهجمات تستهدف مباشرة السفن
المرتبطة بإسرائيل حتى لو أن العلاقة فضفاضة. بيد أن الحقيقة الحالية مفادها أن
المرور في مياه البحر الأحمر بات يشكّل مخاطرا أمنية أيضا على السفن التي ليس لها علاقة
واضحة بإسرائيل.
إن قضية الأمن البحري في البحر الأحمر تتجاوز كثيرًا كونها مسألة محلية إقليمية حيث أنها مصدر قلق عالمي. في الحقيقة، تعتمد الدول الغربية والعربية والآسيوية على البحر الأحمر في التجارة والطاقة. ولكي نفهم مدى أهمية البحر الأحمر على التجارة العالمية، يكفي أن نشير إلى أن 12% من التجارة العالمية تمر عبر البحر الأحمر الذي يستأثر ب 30% من حركة الحاويات في العالم.
يأتي ذلك في
الوقت الذي أعلنت فيه العديد من شركات الشحن البحرية تحويل مسارها نحو إفريقيا ورأس الرجاء
الصالح، مما يعيد الحيوية إلى الطريق القاري الذي يتطلب الدوران الشديد، والذي كان
يستخدم لربط أوروبا بآسيا قبل افتتاح قناة
السويس. ويؤدي تحول المسار الإجباري إلى زيادة ملحوظة في الوقت المستغرق للشحن
البحري وارتفاع تكلفته. ولذلك، فقد أجبرت هجمات الحوثيين البلدان في أرجاء العالم
على مواجهة تكلفة غير متوقعة [للحرب الإسرائيلية في غزة].
توترات متزايدة في البحر الأحمر
كرد فعل على التهديد الأمني الذي يشكّله الحوثيون، أرسلت الولايات المتحدة بوارج حربية إضافية إلى المنطقة حيث سعت لتوسيع "قوة المهام المشتركة 153. وفي 19 ديسمبر، أثمرت الجهود الجديدة عن إطلاق ما يسمى "عملية حارس الازدهار" . وحتى وقت كتابة هذا التقرير، تتضمن قائمة الدول التي تساهم في العملية العسكرية بشكل أو بآخر بريطانيا والبحرين وهولندا والدنمارك.
وبعد أسبوعين من إطلاق "حارس الازدهار"، استطاعت طائرات هليكوبتر من السفينتين الحربيتين الأمريكتين "يو إس إس أيزنهاور" و"يو إس إس جرافلي" بإغراق ثلاثة قوارب وقتل 10 مقاتلين حوثيين، في أول اشتباك عسكري كبير مباشر بين الجيش الأمريكي والحوثيين.
أعقب ذلك إصدار الحوثيين افتتاحية تتسق مع خطابهم التقليدي المولع بالقتال تحت عنوان "لقد فتحت الولايات المتحدة على نفسها بابًا للجحيم"، وتعهدوا بالاننتقام. في 9 يناير، ظهر هذا الاتجاه الجرئ بشكل أكثر وضوحا حينما شن الحوثيون هجوما باستخدام طائرات مسيرة مصممة للهجوم في اتجاه واحد طراز ( OWA UAVs)،وصواريخ كروز مضادة للسفن، وآخر باليستي جنوب البحر الأحمر صوب ممرات شحن دولية وقتما كانت تعبر العشرات من السفن التجارية. وكان هذا هو الهجوم الحوثي البحري رقم 26.
كيف يؤثر الهجوم الأخير على الحوثيين؟
بينما تتزايد التوترات في البحر الأحمر بشكل دراماتيكي في أعقاب الهجوم الأمريكي البريطاني داخل اليمن، تدور تساؤلات مفادها ماذا سوف يحدث بعد ذلك؟
ثمة حقيقة غير مريحة مفادها أن الحوثيين على ما يبدو يتنقلون في الوضع الحالي بشكل مريح. يرى الحوثيون الهجوم الأمريكي-البريطاني بمثابة فرصة ذهبية يمكن استغلالها لتأجيج الاتجاهات الموالية لفلسطين والمشاعر المناهضة للتدخل الأجنبي التي تسود في اليمن من أجل تجنيد متعاطفين ومقاتلين جدد.
بالنظر إلى كيف كانت الظروف في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال اليمن قبل اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، يتضح أن هذا يسمح أيضا للحوثيين بتحويل الانتباه بعيدا عن الوضع الكارثي. ويتمثل الأخير في ارتفاع أسعار الغذاء والوقود وعدم دفع الأجور الحكومية وانتشار البطالة ونقص الفرص الاقتصادية والقمع الوحشي للمعارضين.
بالإضافة إلى ذلك، ينظر الحوثيون إلى الهجمات الغربية الأخيرة كفرصة لتعزيز وضعهم بشكل متزايد داخل المشهد الإقليمي ومحور المقاومة الإيراني، والحصول على المزيد من الدعم المادي من إيران ووكلائها، وتسليط الأضواء عليهم بشكل أكبر على المسرحين الدولي والإقليمي على حساب الحكومة اليمنية في الجنوب.
في الوقت الذي يقوم فيه أقوى جيش في العالم بشن ضربات ضد الحوثيين الذين يتم الاعتراف بهم على أرض الواقع كقوة توضع في الحسبان، تتعهد الجماعة اليمنية المسلحة بزيادة وتيرة جرأتها. بالنسبة للحوثيين الذين نجوا وازدهروا بعد 8 أعوام من القصف السعودي، والذين تبدو قياداتهم أكثر ارتياحا في أوقات الحرب مقارنة بالسلام (تعود أول مواجهاتهم العسكرية مع الحكومة اليمنية إلى عام 2004)، فإن هذه الجولة الأخيرة من المواجهة مع الولايات المتحدة وبريطانيا لا تمثل شيئا سوى أنها مصدر فخر للحوثيين، ولن يخشوا الرد عليها.
الخطوات المقبلة للولايات المتحدة وحلفائها تمثل معضلة ليس من السهل حلها. هل يقومون بشن المزيد من الضربات الموجهة ضد البنية التحتية المحدودة والمتناثرة للحوثيين في اليمن؟ هل يقومون بشن ضربات أكبر؟ كيف يفعلون ذلك بدون إشعال صراع إقليمي تصر الولايات المتحدة على تفاديه؟.
ثمة القليل من
الخيارات الجيدة أمام الولايات المتحدة للتعامل مع الحوثيين في هذه المرحلة. مع ذلك،
يبدو أنّ واشنطن ربما تحقق استفادة أكبر إذا تجنبت الاقتراب من التهديد الحوثي
الحالي للأمن البحري كظاهرة معزولة ولكن ينبغي بدلا من ذلك أن تضعها في سياق
الصراع اليمني الأوسع. وبالتحديد، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها إعادة التفكير
في خارطة طريق السلام التي كانت
قائمة قبل الأحداث الأخيرة، وترسيخ
دعمهم للحكومة اليمنية الشرعية التي تعد الطرف الوحيد الذي يمكن داخليا أن يكون
بديلا للحوثيين في الشمال.
مسؤولة برنامج
الأبحاث في منظمة تحرير العبيد (FTS)، وزميلة غير مقيمة في معهد أوريون للسياسات
(OPI) وزميلة في مركز
الجماعات المسلحة
Previous article
Next article