وزيرا الخارجية المصري واليمني (وكالة سبأ)
09-07-2024 at 10 PM Aden Time
سوث24| د. إيمان زهران
اختتم في القاهرة بنهاية شهر يونيو المنصرم الجولة الثامنة من الحوار الاستراتيجي المصري - اليمني، لتؤسس مخرجات تلك الجولة عدداً من الدلالات، أبرزها توقيت الانعقاد لتلك النسخة بعد توقف الحوار منذ عام 2014، وما يلحق بذلك من دلالات تتسق مع حالة التفاعلات السياسية والأمنية التي تمر بها المنطقة في سياق هجوم حماس والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، وهو ما يتضح بالنظر إلى النقاط التالية:
ماهية الحوار الاستراتيجي
يُعد مصطلح "الحوار الإستراتيجي Strategic Dialogue" من المفاهيم التي تتسم بالضبابية بالنظر إلى تطور حجم السياقات والتفاعلات بالعلاقات الدولية، خاصة عند ارتباطه بدلالات غير محددة بأطراف الحوار، والمشاركين فيه، وكيفية إدارته، والقضايا محل النقاش، والمخرجات والتوصيات. بالمقابل، ثمة تصاعد باتجاهات "الحوار الاستراتيجي" وتوظيفه استناداً إلى السياقات الداخلية والإقليمية للدول المشاركة بالحوار، وذلك بهدف تجسير الفجوة بين الدلالات النظرية لماهية المفهوم والتحولات الأمنية والسياسية المتلاحقة على أرض الواقع.
الجدير بالذكر، بات "الحوار الاستراتيجي" أحد أهم التقاليد الدولية واسعة الانتشار فيما بعد نهاية الحرب الباردة، كما أنه لم يُعد يقتصر على التفاعلات المركزية بين الدول الكبرى، بل امتد للعلاقات والتفاعلات بين الدول النامية ودول العالم الثالث. لتظهر إشكالية بالممارسة تتعلق بـ"بيروقراطية الحوار" والرغبة لدى عدد من الأكاديميين في إعادة النظر بالمفهوم واختبار مدى نجاعته في حقل العلاقات الدولية، وذلك بالنظر إلى غلبة النقاش حول القضايا التقليدية بصورة ضعيفة وهامشية عبر المؤسسات التنفيذية. بالمقابل، وحتى يكون الحوار على المستوى الاستراتيجي من المهم أن يتم في إطار السياقات السياسية والأمنية الكبرى "high polices" ذات الاهتمام المشترك بين الدولتين، وعلى مستوى القادة صانعي القرارات، وبمنأى عن البربوجندا الإعلامية.
تأسيساً على ذلك، يأتي استئناف الحوار الاستراتيجي المصري اليمني - بعد توقف دائم لما يقرب من 14 عام منذ انعقاد النسخة السابعة من الحوار المشار إليه في 2010، فيما كانت الجولة الأولى عام 1998، ليُعيد الحوار ترسيم المرئيات الثنائية المشتركة حول أبرز الملفات الأمنية والتحديات الحيوية عظيمة الأثر بالإقليم العربي، وذلك على النحو المبين بتحليل السرديات التالية.
تحديات مشتركة
بالنظر إلى ماهية الملفات والموضوعات محل النقاش خلال الحوار الاستراتيجي المصري اليمني، نجد أنها انطوت على عدد من القضايا الحيوية والتي تفرضها شكل التفاعلات السياسية والأمنية القائمة والمُحتملة، وذلك على النحو التالي:
- عسكرة البحر الأحمر: عكست مباحثات الجولة الثامنة من الحوار الاستراتيجي المصري اليمني عن بالغ القلق حول المخاطر المتزايدة للتوترات الجارية في البحر الأحمر عقب أحداث 7 أكتوبر، وذلك بالنظر إلى هجمات مليشيا الحوثيين على السفن الحربية الأمريكية، واختطاف ومهاجمة السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر وخليج عدن، عبر استخدام طائرات بدون طيار وصواريخ مضادة للسفن، وتبعاتها السلبية على أمن الملاحة وحركة التجارة في قناة السويس، وانعكاس ذلك على مسارات النقل الدولي والتجارة الدولية بما يزيد من الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة. وما أسفر عن ذلك من إطلاق الولايات المتحدة عملية "حارس الازدهار" في يوم 19 ديسمبر 2023، وهي مبادرة أمنية متعددة الجنسيات، تضم عدة دول، بغية تهدئة الوضع وحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر على نحو ما يُعرف بـ "عسكرة البحر الأحمر".
- ملف الاستضافة: إحدى أهم التحديات التي تواجه القاهرة بالنظر إلى مركزيتها الجيوسياسية، وما يُحاط بها من بؤر صراعية مُشتعلة دفع بالملايين للنزوح إلى مصر. وهي إحدى أهم الملفات محل النقاش بالحوار الثنائي وما يتعلق بالوضعية القانونية والترتيبات اللوجستية لاستضافة اليمنيين في مصر. الجدير بالذكر، أقرت القاهرة مشروع "قانون لجوء الأجانب" وما لحق به من إنشاء اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين ، والذي يهدف إلى إعداد قاعدة بيانات معلوماتية دقيقة عن أعداد اللاجئين في مصر وجنسياتهم وسبب اللجوء، بما يسهم في تقديم الدعم والمساندة للمستحقين. عطفاً على ذلك، شرعت الكتلة الأوروبية للتحرك صوب النهج المصري في إدارة "ملف الاستضافة"، وذلك عبر إصدارها "وثيقة الهجرة" كخطوة نحو إصلاح نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي .
- بيئة مضطربة: أسهمت التحديات القائمة والمُحتملة إلى إعادة النظر في الصياغات الهيكلية لترتيبات الأمن الإقليمي، وذلك بالنظر إلى التحديات التالية:
1. اضطرابات الإقليم: أردف الحوار الاستراتيجي المصري اليمني التشاور حول مستقبل "أزمات الإقليم"، استناداً إلى تطور الأوضاع الأمنية والميدانية بقطاع غزة فيما بعد ما عُرفت عملية "طوفان الاقصى"، وما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع السياسية حال الانتقال لسيناريو اتساع الجبهات الصراعية وذلك بالنظر إلى تطورات الصراع بالجنوب اللبناني، دون إغفال استمرار هجمات الحوثيين في جنوب البحر الأحمر مع فشل عملية "حارس الازدهار" في تقويض تلك الهجمات ودعم عمليات الاستقرار لحركة التجارة العالمية بالممرات البحرية بالمنطقة.
2. مجابهة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة: انطلاقاً من الهدف السابع "السلام والأمن المصري"، من الاستراتيجية المصرية (رؤية مصر 2030) والمتمثل في أن: "تضع الدولة أولوية قصوى للأمن بمفهومه الشامل على المستويين الوطني والإقليمي كضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ عليها ويتضمن ذلك ضمان الأمن الغذائي والمائي وأمن الطاقة المستدام والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي والأمن المعلوماتي (السيبراني) وتأمين الحدود المصرية ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة". فقد انطوى الحوار الاستراتيجي على مناقشة آليات تطويق ومحاصرة التنظيمــات الإرهابيــة -علــى اختلافهـا- لما تمثــله من تهديــد قائم لكافة دول المنطقة استناداً لتنامي حدة الاضطرابات الأمنية بإقليم الشرق الأوسط على نحو ما قد يُعيد إنتاج نمط التنظيمات الإرهابية وروافدهم المختلفة. ومن ثم، تطابقت الرؤى حول أهمية التركيز على المقاربات الأمنية الحديثة والتي تتلاءم مع مبدأ العمل المتوازي - إقليمياً ودولياً- لحركة التطوير النوعي لفواعل الإرهاب، ومراجعة الوسائل والمقاربات التقليدية، ورفع المستوى النظري والعملي لأفراد المؤسسات الأمنية بالداخل الوطني وكذلك التشبيك مع نظرائهم بدول الإقليم وعلى المستوى الدولي، والعمل على تحديث البرامج التدريبية اللازمة للتعامل مع التطورات المعلوماتية والعملياتية الحديثة والتقنيات المُعززة بالطرق التي تساهم في الارتقاء والتطوير بمختلف الخطط والاستراتيجيات لرفع كفاءة أجهزة الأمن، بما يتوافق والتغيرات النوعية الحديثة للتنظيمات الإرهابية المختلفة فب ظل تصاعد الاضطرابات الأمنية بالإقليم - خاصة فيما بعد أحداث 7أكتوبر - واتساع هوّة الدول المأزومة سياسياً بالمنطقة.
3. موازنة التهديدات النوعية: تنصرف تلك التهديدات إلى ما يُعرف بـ "الأزمات غير التقليدية" والتي تنعكس بشكل مباشر على عمق الأمن القومي الاقليمي، وفي مقدمتها "الأمن المائي، الأمن الغذائي، الأمن الإنساني، أمن الطاقة، أمن المناخ"، وتتطابق الرؤى المصرية اليمنية حول أهمية تعزيز درجات الاستعداد للاضطرابات غير التقليدية. فعلى سبيل المثال: يُعد ملف "الأمن الإنساني والأمن الغذائي" أحد أبرز الملفات ذات الأولوية اليمنية بالحوار الاستراتيجي مع الجانب المصري، وذلك بالنظر لحجم الارتدادات المتباينة لحالة لحرب القائمة بين الحوثيين والأطراف اليمنية الأخرى.
ثوابت مصرية
عكست سياقات الحوار الاستراتيجي المصري – اليمني، مدى إدراك القاهرة للخصوصية الجيوسياسية لليمن، والتخوّف من ارتدادات تسارع التطورات السياسية والميدانية على الأمن القومي للمنطقة، فعلى سبيل المثال: ثمّة تخوف من تنامي حجم التهديدات القائمة من جانب مليشيا الحوثيين لأمن الممرات البحرية، وتقويض النشاط الاقتصادي واللوجيستي في قناة السويس، وحركة التجارة العالمية، وإمدادات النفط بالبحر الأحمر. وعليه، فقد انطوى الحوار على عدد من المقاربات عكست التصورات المصرية فيما يتعلق بـ"المسألة اليمنية"، حيث:
- تعزيز الدولة الوطنية: إذ دوماً ما تشدد القاهرة على تصوراتها حول رأب الصدع القائم، ودعم سيادة الدولة الوطنية المركزية، وهو ما انعكس على مخرجات الحوار الاستراتيجي والذي تناول التأييد المصري لكافة الجهود الرامية إلى التوصل لحل سياسي شامل للأزمة اليمنية، بما يلبي طموحات الشعب اليمني وينهي معاناته الإنسانية، وفق مرجعيات الحوار الوطني اليمني والمبادرة الخليجية ومخرجات المشاورات اليمنية الأخيرة في الرياض، وكذلك وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وفي مقدمتها القرار رقم 2216. فضلاً عن التأكيد على حالة التشابك بين فرضية أمن واستقرار اليمن وانعكاسها المباشر على حالة الأمن القومي المصري وأمن المنطقة العربية ككل.
- الانفتاح على كافة الأطراف الوطنية: تأتي التحركات الخارجية المصرية في إطار تبني "القيادة" لفرضية "الحوار مع الكافة" والاستماع لكافة الأطراف المنخرطة بالمسألة اليمنية كمحاولة لخلق مساحات مشتركة تُبنى عليها مسارات التسوية السياسية، وذلك في ظل تأييد القاهرة لآلية تشكيل مجلس القيادة الرئاسي وضمها لممثلين عن الأطراف في جنوب اليمن وشمال اليمن. فضلاً عن الترحيب المصري بالتفاهمات اليمنية المحلية/ الوطنية، مثل الاتفاقيات التي تم عقدها بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وكذا دعم القاهرة للجهود الدولية والإقليمية لمسارات الحل السياسي لتلك الأزمة، ووقف العمليات القتالية، بما في ذلك مفاوضات جنيف عام 2015، واتفاقية ستوكهولم عام 2018، ومحاولات إيقاف إطلاق النار المتتالية، كان آخرها اتفاق الهدنة في إبريل 2022، ودعم كافة التحركات الرامية لتعزيز ملف السلام في اليمن.
- تقويض نشاط الفواعل من دون الدول: من أبرز الملفات محل الاهتمام المشترك، والذي يتعلق بتنامي أدوار الفواعل العنيفة من دون الدول في الجزء الجنوبي للبحر الأحمر، وبالنظر للحالة اليمنية يأتي التأثير الواضح والمباشر لمليشيا الحوثيين وتنظيم القاعدة، سواء على الداخل اليمني أو بالنظر لإضفاء مزيد من الاضطرابات الأمنية بالمنطقة وكذلك تهديدهم المباشر للمقدرات الاقتصادية لدول الإقليم.
توصيات مُدرجة.. وآفاق مُحتملة
انتهى الحوار الاستراتيجي اليمني المصري عقب يومين من التداول إلى عدد من التوصيات تتباين ما بين، أولاً: التأكيد على عمق العلاقات الثنائية بين الدولتين، وثانياً: تطابق الرؤى السياسية حول آليات التسوية السياسية بالدول المأزومة بالإقليم، وثالثاً: تعزيز آليات التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بما يخدم الأهداف الوطنية لكلا الدولتين ويعزز استراتيجيتهم حول هيكلة ترتيبات الأمن الإقليمي. وهو ما يؤشر نحو استعراض سرديات "الآفاق المُحتملة" لمسار مخرجات الحوار الثنائي المصري اليمني، وذلك على النحو التالي:
- آفاق سياسية: إذ إنّ خطوة استئناف "الحوار الاستراتيجي" يعكس في جوهره "رمزية سياسية" حول الإعلاء بعمق الشراكة الثنائية بين الدولتين، والتوظيف السياسي لتطابق الرؤى حول إدارة ملف السلام بالدول المأزومة بالإقليم.
- آفاق أمنية: يؤسس الحوار المشار إليه إلى تحركات ثنائية مُحتملة مدفوعة بمجموعة من العوامل الإقليمية والدولية والداخلية التي تتطلب تعاونًا أكبر بين البلدين لمواجهة التحديات المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار الاقليمي خاصة في منطقة البحر الأحمر.
- آفاق اقتصادية/ تنموية: تُبنى تلك الفرضية على نقطتين، الأولى: ما تضمنه البيان الختامي من تحركات ثنائية حول إعادة تفعيل اللجنة المشتركة العليا برئاسة رئيسي وزراء البلدين وما تحتويه اللجنة من ملفات اقتصادية وتنموية مشتركة، والثانية: تتمثل في تحركات ما بعد التسوية السياسية، والانفتاح المصري على الانخراط في مشروعات التنمية اليمنية وجهود إعادة الإعمار.
Previous article
Next article